الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 -
بَابُ ما مَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأَسارى من غيرِ أن يخمّسَ
[حديث قوله في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتتركتهم له]
168 -
[3139] حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عبد الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا معمر، عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ (1) رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي أَسَارَى بَدْرٍ:«لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِي حَيّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لتترَكتُهم لَهُ» (2).
وفي رواية: "وَقَالَ اللَيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: "وَقَعَتْ الفتنة الأولى - يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ - فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَاب بَدْرٍ أَحَدا، ثُمَّ وَقَعَتْ الفتنَةُ الثَّانِيَةُ - يَعْنِي الْحَرَّةَ - فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَاب الْحُدًيْبيةِ أَحَدا، ثُمَّ وَقَعَتْ الثالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَللنَّاسِ طَبَاخٌ" (3).
* شرح غريب الحديث: * "نتنى" يعني أسارى بدر، واحدهم نتن، كزمِنَ وزمنى، سماهم: نتنى: أي نجس؛ لكفرهم (4).
* "طَبَاخٌ" أصل الطَّبَاخ: القوة والسِّمَن، ثم استعمل في غيره، فقيل: فلان لا طباخ له: أي لا عقل له ولا خير عنده، أراد أنها لم تبقِ في النَّاس من الصحابة أحدا (5).
* "الفتنة" الابتلاء والاختبار، والامتحان، وأصل الفتنة من قولك: فتنت الذهب إذا أحرقته بالنار؛ ليتبيَّن الجيد من الرديء، وقد كثر استعمالها بمعنى: الكفر، والإِثم، والضلال، والقتال، والإحراق، والإِزالة، والصرف عن الشيء، والفضيحة، والعذاب، والجنون (6).
(1) تقدمت ترجمة جبير بن مطعم، في الحديث رقم:35.
(2)
[الحديث 3139] طرفه في: كتاب المغازي، باب، 5/ 25، برقم 4024.
(3)
من الطرف رقم: 4024.
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب النون مع التاء، مادة:"نتن" 5/ 14.
(5)
انظر: المرجع السابق، باب الطاء مع الباء، مادة:"طبخ" 3/ 111.
(6)
تقدم شرحه في غريب الحديث رقم: 36 و 37، ص 255.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: المكافأة على المعروف.
2 -
أهمية العناية بتعليم الأقارب.
3 -
من موضوعات الدعوة: بيان خطر الفتن على الأمة.
4 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
5 -
من تاريخ الدعوة: تحديد وفاة البدريين وأهل الحديبية.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: المكافأة على المعروف: المكافأة على المعروف من مكارم الأخلاق؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن أسرى معركة بدر: "لو كان المُطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له"، وذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في جوار المطعم عندما رجع من الطائف فأجاره ودخل مكة (1) قال الإِمام الخطابي رحمه الله:"هذا يدل على أن للإِمام أن يَمُنَّ على الأسارى من غير فداء ولا مال"(2) وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "وفي هذا الحث على المكافأة على المعروف، وقاله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه دخل في جواره عندما رجع من الطائف فأجاره، فشكر له النبي صلى الله عليه وسلم هذا العمل من باب المكافأة، وقد مات المطعم كافرا"(3) وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المكافأة على المعروف، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استعاذكم بالله فأَعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد
(1) انظر: إرشاد الساري، للقسطلاني، 5/ 219.
(2)
أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، 2/ 1455، وانظر: تهذيب السنن، لابن القيم، 4/ 24، وشرح الكرماني على صحيح البخاري، 13/ 110.
(3)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3139 من صحيح البخاري.
كافأتموه» (1) وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء» (2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يشكُرُ الله من لا يشكرُ الناسَ» (3) وهذا يؤكد على الداعية المكافأة على المعروف بحسب الاستطاعة، ولو بالاعتراف والدعاء.
ثانيا: أهمية العناية بتعليم الأقارب: لا شك أن تعليم الأقارب من أعظم القربات؛ لأن حقهم أعظم من حق غيرهم، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث؛ لأن جبير بن مطعم علَّم ابنه محمدا قول النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر:"لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له"، وهذا يبين أهمية تعليم الأبناء والأقارب العلم النافع (4).
ثالثا: من موضوعات الدعوة: بيان خطر الفتن على الأمة: إن من الموضوعات التي ينبغي العناية بها: بيان أخطار الفتن للناس وأنها تضعف القوى وتوهن التكاتف والترابط بين المسلمين، وقد دل هذا الحديث على بيان ذلك للناس؛ لقول سعيد بن المسيب رحمه الله:"وقعت الفتنة الأولى - يعني مقتل عثمان - فلم تبقِ من أصحاب بدر أحدا، ثم وقعت الفتنة الثانية - يعني الحرة - فلمِ تبقِ من أصحاب الحديبية أحدا، ثم وقعت الفتنة الثالثة فلم ترتفع وللناس طبَاخٌ"، وهذا يوضح للداعية أهمية بيان أخطار الفتن على المسلمين، وأنها تذهب قوتهم وتضعفها؛ لقوله:"فلم ترتفع وللناس طباخ"، أسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة (5).
(1) أبو داود، كتاب الأدب، باب الرجل يستعيذ من الرجل، 4/ 328، برقم 5109، والنسائي، كتاب الزكاة، باب من سأل بالله عز وجل، 5/ 82، برقم 2567، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 403، وفي صحيح سنن أبي داود، 2/ 962.
(2)
الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه، 4/ 380، برقم 2035، وقال: هذا حديث حسن جيد غريب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، للمنذري، 1/ 404.
(3)
أبو داود، 4/ 255، برقم 4811، والترمذي بنحوه، 4/ 339، وأخرجه أحمد في المسند، 2/ 295، 5/ 211، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 67، الدرس السادس، ص 406.
(4)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الأول، ورقم 36، الدرس الخامس، ورقم 149، الدرس الأول.
(5)
انظر: الحديث رقم 150، الدرس الثالث.
رابعا: من أساليب الدعوة الترهيب: لترهيب من أساليب الدعوة التي ينبغي للداعية العناية بها في دعوته، وقد ظهر هذا الأسلوب في مفهوم هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على أسارى بدر الكفار "نتنى" أي نجس، كما قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] الآية، (1) وهذا فيه تنفير من الكفر وأهله وأنهم نجس (2).
خامسا: من تاريخ الدعوة: تحديد وفاة البدريين وأهل الحديبية: ظهر من مفهوم هذا الحديث تحديد آخر من مات من أهل بدر وآخر من مات من أهل الحديبية؛ لقول سعيد بن المسيب رحمه الله: "وقعت الفتنة الأولى فلم تُبْقِ من أصحاب بدر أحدا، ثم وقعت الفتنة الثانية فلم تبقِ من أصحاب الحديبية أحدا، ثم وقعت الفتنة الثالثة فلم ترتفع وللناس طَبَاخ". فالفتنة الأولى، هي مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه في يوم الجمعة الثامن من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، والمقصود والله أعلم أن الفتنة الأولى كانت سببا لموت البدريين فماتوا منذ الفتنة الأولى إلى بداية الفتنة الثانية وهي فتنة الحرة في سنة ثلاث وستين للهجرة النبوية، وكان آخر من مات من البدريين سعد بن أبي وقاص، مات قبل فتنة الحرة ببضع سنين، ثم مات أهل الحديبية ابتداء من الفتنة الثانية. والثالثة من هذه الفتن رجح الحافظ ابن حجر رحمه الله، والعلامة العيني أنها فتنة يوم خروج أبي حمزة الخارجي في خلافة مروان بن محمد بن الحكم سنة مائة وثلاثين للهجرة، قبل موت يحيى بن سعيد بمدة (3).
(1) سورة التوبة، الآية:28.
(2)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثاني.
(3)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 7/ 325، 13/ 71، وعمدة القاري للعيني، 17/ 119 - 120.