الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
146 -
بَابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَاُب الوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ
{بَيَاتًا} [الأعراف: 4](1) ليلًا. {لَنُبَيِّتَنَّهُ} [النمل: 49](2) ليلًا. {بَيَّتَ} [النساء: 81](3) ليلًا.
[حديث حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم]
118 -
[3012] حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: حدثنا الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس «عن الصعب بن جثامة (4) رضي الله عنه قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء - أو بودان - وسئل (5) عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال:"هم منهم ".» وسمعته يقول: «لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم» (6).
شرح غريب الحديث: * " يبيتون " أي يصابون ليلًا، وتبييت العدو: هو أن يقصد في الليل من غير أن يعلم فيؤخذ بغتةً، وهو البيات (7).
* " حمى " الحمى: خلاف المباح: وهو الممنوع، وحمى الله: محارمه التي حرمها ومنع منها، والحمى الذي حماه عمر مرعى الخيل التي كان يعدها للجهاد. وقيل: كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضًا استعوى كلبا فحمى مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو شريك القوم في سائر ما يرعون فيه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأضاف الحمى إلى الله ورسوله: أي إلا ما يحمى للخيل التي ترصد للجهاد، والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله، وإبل الزكاة، وغيرها، كما
(1) سورة الأعراف، الآية: 4، والآية:97.
(2)
سورة النمل، الآية:49.
(3)
سورة النساء، الآية 81.
(4)
الصعب بن جثامة بن قيس الليثي الحجازي حليف قريش، قيل: توفي في خلافة أبي بكر، وقيل: بل مات في خلافة عثمان رضي الله عنه، وقد شهد فتح إصطخر، وفتح فارس، ولم يرجح ابن حجر ولا النووي شيئًا من ذلك، والله أعلم. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 249، والكاشف للذهبي 2/ 28، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 2/ 184.
(5)
في نسخة فتح الباري "فسئل" 6/ 146.
(6)
وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد، 3/ 1364، برقم 1745.
(7)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الباء مع الياء، مادة:"بيت" 1/ 170.
حمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه النقيع لنعم الصدقة والخيل المعدة في سبيل الله (1).
* " الأبواء " قرية من عمل الفرع من عمل المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا (2).
* " ودان " بفتح الواو وتشديد الدال المهملة: قرية جامعة من عمل الفرع بينها وبين هرشى نحو ستة أميال، وبينها وبين الأبواء نحو ثمانية أميال قريب من الجحفة (3).
الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه.
2 -
من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث.
3 -
من القواعد الدعوية: عمل الداعية بالعام حتى يرد الخاص.
4 -
من وسائل الدعوة: الجهاد في سبيل الله عز وجل.
5 -
من موضوعات الدعوة: الحض على إبطال عادات الجاهلية.
6 -
أهمية رعاية مصالح المسلمين.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولًا: أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه: إن سؤال المدعو عن الأمور التي تشكل عليه من أهم الوسائل لتحصيل العلم؛ ولهذه الأهمية سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"هم منهم" أي لا بأس بقتلهم إذا اختلطوا بآبائهم (4).
(1) انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 49، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الحاء مع الميم مادة:"حمى" 1/ 447.
(2)
مشارق الأنوار للقاضي عياض، حرف الألف مع الباء، 1/ 57.
(3)
المرجع السابق، حرف الواو مع الدال، 2/ 302.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 294، وانظر: الدرس الثالث من هذا الحديث.
فينبغي العناية بالسؤال عن كل ما يشكل، حتى يحصل العلم والبصيرة. (1).
ثانيًا: من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث: لا شك أن الحرص على الدقة في نقل الحديث من صفات أهل العقول السليمة؛ لأنهم يخشون الوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا الحرص جاء في هذا الحديث: «مر بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أو بودان» فقد شك الراوي هل قال الصعب رضي الله عنه: بالأبواء، أو قال: بودان. قال العلامة العيني رحمه الله: "شك من الراوي"(2).
وهذا يبين أهمية الحرص على الدقة والتثبت في نقل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3).
ثالثًا: من القواعد الدعوية: عمل الداعية بالعام حتى يرد الخاص: دل هذا الحديث على أنه إذا ثبت الدليل في العمل بأمر عام فإنه يعمل بالعام حتى يثبت الخاص؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: "وفي هذا الحديث دليل على جواز العمل بالعام حتى يرد الخاص؛ لأن الصحابة رضي الله عنه تمسكوا بالعمومات الدالة على قتل أهل الشرك، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان فخص ذلك العموم، ويحتمل أن يستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة"(4)؛ ولهذا ثبت عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه «أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان» (5) قال النووي رحمه الله: "أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن
(1) انظر: حديث رقم 19، الدرس الرابع، ورقم 30، الدرس الرابع أيضا.
(2)
عمدة القاري، 14/ 260.
(3)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس العاشر.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 148.
(5)
البخاري، برقم 3014، ومسلم برقم 1744، ويأتي تخريجه كاملا في الحديث الذي بعد هذا الحديث برقم 119 - [3014]، وانظر: رواياته وألفاظها في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للحافظ المزي 3/ 86.
قاتلوا، قال جماهير العلماء: يقتلون" (1) أما إذا اختلط النساء والأطفال أو الصبيان بأهل الشرك فلم يميز المسلمون بينهم فلا حرج في قتلهم معهم؛ قال الإمام الخطابي رحمه الله في ذكره لفوائد حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه: "وفيه بيان أن قتلهم في البيات وفي الحروب إذا لم يتميزوا وإذا لم يتوصل إلى الكبار إلا بالإتيان عليهم جائز، وأن النهي عن قتلهم منصرف إلى حال التميز والتفرق" (2).
رابعًا: من وسائل الدعوة: الجهاد في سبيل الله عز وجل: إن من وسائل الدعوة العظيمة: الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ ولهذا بذل الصحابة رضي الله عنهم الجهود البارزة في جهاد أعداء الإسلام، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث؛ ولهذا سأل بعضهم النبي صلى الله عليه وسلم: عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال:"هم منهم"(3).
خامسًا: من موضوعات الدعوة: الحض على إبطال عادات الجاهلية: لا ريب أن حض الناس على إبطال عادات الجاهلية من أهم الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يعتني بها عناية حكيمة مسددة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث؛ «لا حمى إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم» قال الإمام الخطابي رحمه الله: "وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك، وكان الرجل العزيز منهم إذا [نزل] بلدًا مخصبا أوفى بكلب على جبل ووقف من يسمع منتهى صوته بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ومنع الناس منه"(4) وهو شريك قومه في سائر ما يرعون فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأضاف الحمى إلى الله ورسوله، وأبطل صلى الله عليه وسلم هذا الظلم الذي هو من عادات الجاهلية قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ - إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18 - 19](5).
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 292.
(2)
معالم السنن، 4/ 14 - 15.
(3)
انظر: الحديث رقم 18، الدرس الثالث.
(4)
معالم السنن 4/ 270.
(5)
سورة الجاثية، الآيتان: 18 - 19.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "ثم جعل محمدًا صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته"(1)؛ ولهذا امتثل أمر ربه وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة» . . . " (2) وهذا يوضح للداعية أهمية إبطال عادات الجاهلية السيئة.
فينبغي له أن يوجه الناس إلى ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ترك ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم من عادات الجاهلية.
سادسًا: أهمية رعاية مصالح المسلمين: إن رعاية مصالح المسلمين والنظر فيما يعود عليهم بالنفع والخير في الدنيا والآخرة من أعظم القربات؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم» قال الإمام الخطابي رحمه الله: "معناه لا حمى إلا على الوجه الذي أذن الله ورسوله فيه، وذلك على قدر الحاجة ووجه المصلحة من غير منع حق المسلم؛ فإن المسلمين شركاء في الماء والكلأ"(3)؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار» (4) قال ابن الأثير رحمه الله: "وأضاف صلى الله عليه وسلم، الحمى إلى الله ورسوله: أي إلا ما يحمى للخيل التي ترصد للجهاد، والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله، وإبل الزكاة وغيرها كما حمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه النقيع (5) لنعم
(1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، 1/ 84.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، 2/ 889، برقم 218، من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، 2/ 1428.
(4)
سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في منع الماء، 3/ 278، برقم 3477، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجهالة الصحابي لا تضر، وصححه الألباني، في صحيح سنن أو داود، 2/ 665، وإرواء الغليل 6/ 7.
(5)
النقيع موضع حماه عمر رضي الله عنه، لخيل المسلمين وهو من أودية الحجاز على نحو عشرين فرسخا من المدينة. انظر؛ معجم البلدان، لياقوت الحموي، 5/ 301، وطبقات ابن سعد 5/ 8، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 108، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"النقيع هو على عشرين فرسخًا من المدينة، وقدره: ميل في ثمانية أميال" فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 5/ 45.
الصدقة والخيل المعدة في سبيل الله عز وجل" (1).
وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: وأما قوله: «لا حمى إلا لله ورسوله» : فمعناه: لا يجوز لأحد أن يحمي الكلأ إلا لله ورسوله: أي يكون ذلك في مصلحة المسلمين، وولي الأمر يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دعت الحاجة لمصلحة المسلمين عامة لا لمصلحة خاصة، وبشرط أن لا يضر المسلمين" (2).
وقد تعين في بعض الطرق لحديث الصعب بن جثامة ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما حماه عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لمصلحة المسلمين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلا لله ورسوله» وقال: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف (3) والربذة (4) "(5)
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، باب الحاء مع الميم، مادة:"حمى" 11/ 447.
(2)
سمعت ذلك منه أثناء شرحه لحديث رقم 2370، ورقم 3012 من صحيح البخاري.
(3)
الشرف من الأرض: العالي، ومشارف الأرض أعاليها، وشرف كل شيء: أعلاه، والمشارف من قرى العرب: ما دنا من الريف، وبيداء المدينة: هي الشرف الذي أمام ذي الحليفة. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 192، ومشارق الأنوار للقاضي عياض، حرف الشين مع الراء، 2/ 262، وحرف السين مع الراء، 2/ 233، وحرف الباء مع الياء، 1/ 116، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الشين مع الراء، مادة:"شرف" 2/ 463.
(4)
الربذة: بفتح الراء والباء والذال المعجمة: موضع خارج المدينة بينه وبينها ثلاث مراحل، وهي قريب من ذات عرق. مشارق الأنوار للقاضي عياض 1/ 305.
(5)
البخاري، كتاب المساقاة، باب لا حمى إلا لله ورسوله، 3/ 109، برقم 2370، وقوله "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى الشرف والربذة" هذا بلاغ لابن شهاب الزهري وليس من حديث ابن عباس رضي لله عنهما عن الصعب، وقد تكلم الحافظ ابن حجر رحمه الله على ذلك كلاما وافيا، انظر: فتح الباري 5/ 45.