الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم كسر]
153 -
[3109] حدّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه:"أنّ قدح النبيّ صلى الله عليه وسلم كسر فاتخذ مكان الشّعب سلسلة من فضّة. قال عاصم (1) رأيت القدح وشربت فيه"(2).
وفي رواية: "عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبيّ صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك، وكان قد انصدع فسلسله بفضّة، قال: وهو قدح جيّد عريض من نضار. قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. قال: وقال ابن سيرين: (3) إنّه كان فيه حلقة من حديد فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضّة فقال له أبو طلحة: لا تغيرنّ شيئا صنعه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فتركه"(4).
* شرح غريب الحديث: * " نعلين جرداوين " أي لا شعر عليهما. (5).
* " قبالان " القبال: زمام النعل، وهو السير الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها (6).
(1) عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصري، مولى بني تميم، يقال: مولى عثمان، ويقال: مولى آل زياد، روى عن أنس وعبد الله بن سرجس، وعمر بن سلمة الجرمي، وغيرهم، كان من أهل مصر، وكان يتولى الولايات: فكان بالكوفة على الحسبة، والأوزان، وكان قاضيا بالمدائن لأبي جعفر، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وأربعين. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر، 5/ 38.
(2)
[الحديث 3109] طرفه في: كتاب الأشربة، باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته، 6/ 316، برقم 5638.
(3)
هو محمد بن سيرين الإمام أبو بكر الأنصاري، مولى أنس بن مالك رضي الله عنه، كان أبوه من سبي جرجرايا - بلد من أعمال النهروان - تملكه أنس رضي الله عنه ثم كاتبه على ألوف من المال فوفاه وعجل له مال الكتابة قبل حلوله، فامتنع أنس رضي الله عنه من أخذه، سمع أبا هريرة، وعمران بن حصين، وابن عباس، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، قال ابن عون: ثلاثة لم تر عيني مثلهم: ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، كأنهم التقوا فتواصوا، وكان ابن سيرين رحمه الله ينطق بالحكمة ومن ذلك قوله:"إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"[صحيح مسلم 1/ 14]، وكان يأمر السلطان بالمعروف والحكمة، وقد جاء عنه عجائب في تفسير الرؤى، وكان له في ذلك تأييد إلهي، ولد رحمه الله لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتوفي لتسع مضين من شوال سنة عشر ومائة للهجرة. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 4/ 606 - 622.
(4)
من الطرف رقم: 5638.
(5)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 260.
(6)
انظر: المرجع السابق ص 260، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع الباء، مادة "قبل" 4/ 8.
* " كساء ملبّدا " أي مرقعا. يقال: لبدت القميص ألبده، ولبدته، وألبدته إذا رقعته، ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص: اللبدة، والتي يرقع بها قبله: القبيلة، وقيل: الملبّد: الذي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبدة. (1).
* " فاتخذ مكان الشعب سلسلة " الشعب: أي الصدع والشق. (2).
* " نضار " قدح جيد عريض من نضار: أي من خشب نضار، وهو خشب معروف، وقيل: هو الأثل الورسيّ اللون (3).
* الدراسة الدعوية للأحاديث: في هذه الأحاديث الثلاثة دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية استخدام وسائل الإيضاح في الدعوة إلى الله عز وجل.
2 -
عظم محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 -
من صفات الداعية: الزهد.
4 -
من صفات الداعية: التواضع.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: أهمية استخدام وسائل الإيضاح في الدعوة إلى الله عز وجل: إن استخدام وسائل الإيضاح الحسية في الدعوة إلى الله عز وجل من الأمور المهمة؛ وقد استخدمها أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما في هذه الأحاديث، فأنس:"أخرج نعلين جرداوين" وهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجت عائشة "إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء"، وهذا فيه إيضاح للناس وتعليم لهم بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا، وإيثار الآخرة والرغبة فيها؛ لأن ما عند الله خير وأبقى. فينبغي للداعية أن يستخدم وسائل الإيضاح الحسية في دعوته إلى الله عز وجل،
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب اللام مع الباء، مادة:"لبد" 4/ 224.
(2)
المرجع السابق، باب الشين مع العين، مادة:"شعب" 2/ 477.
(3)
المرجع السابق، باب النون مع الضاد، مادة:"نضر" 5/ 71.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه الوسائل، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:«خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا» (1) وقيل: هذه صفة الخط (2).
: وهذا يؤكد للداعية أهمية استخدام الوسائل الحسية للإيضاح والتبيين وشد الانتباه للمدعوين والله المستعان.
ثانيا: عظم محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم حبا عظيما؛ وقد بلغ بهم هذا الحب العظيم إلى أن احتفظ بعضهم ببعض ما يختص به صلى الله عليه وسلم تبركا به صلى الله عليه وسلم، فقد احتفظ أنس رضي الله عنه بنعليه، وقدحه، واحتفظت عائشة رضي الله عنها، بإزاره، وكسائه كما في الحديث، وغير ذلك كثير، كالاحتفاظ بدرعه، وخاتمه (3) وهذا يؤكد حب الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله أكثر من أنفسهم وأموالهم، وأولادهم ووالديهم، والناس أجمعين، فينبغي لكل مسلم أن يكون كذلك (4).
ثالثا: من صفات الداعية: الزهد: ظهر في هذه الأحاديث زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا؛ لكونه قبضه الموت وهو يلبس إزارا غليظا، وكساء ملبدا مرقعا، ويأكل في قدح من خشب النضار منصدع، قال الإمام النووي رحمه الله:"في هذه الأحاديث المذكورة في الباب ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا، والإعراض عن متاعها وملاذها، وشهواتها، وفاخر لباسها، ونحوه، واجتزائه بما يحصل به أدنى التجزئة في ذلك كله، وفيه الندب للاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا وغيره"(5) وهذا يؤكد عظم
(1) البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله، 7/ 219، برقم 6417.
(2)
انظر: فتح الباري، لابن حجر، 11/ 237.
(3)
انظر: منار القاري، لحمزة محمد قاسم، 4/ 132.
(4)
انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثامن، ورقم 63، الدرس الثامن.
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 301.
زهده صلى الله عليه وسلم ورغبته فيما عند الله عز وجل. (1).
رابعا: من صفات الداعية: التواضع: دل الحديث على أن التواضع من الصفات الحميدة التي ينبغي للداعية أن يتصف بها؛ فقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم الإزار الغليظ والكساء المرقع كما في هذا الحديث تواضعا صلى الله عليه وسلم (2) وهذا يبين أن التواضع من الأخلاق الكريمة التي يحمد عليها المسلم، ويثاب عليها عند الله عز وجل، ويدخل الله عز وجل بها حبه في قلوب الناس (3).
ولا شك أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في اللباس أجمل الهدي وأحسنه، فقد كان صلى الله عليه وسلم متواضعا في لباسه، ومع ذلك كان يتجمل للوفود، وفي يوم الجمعة، ويحث أمته على إظهار نعمة الله عليهم، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحبّ الجمال، الكبر: بطر الحق (4) وغمط (5) الناس» (6) وعن أبي الأحوص عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له: «إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك» (7) قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " لبس الدني من الثياب يذمّ في موضع ويحمد في موضع: فيذم إذا كان شهرة وخيلاء، ويمدح إذا كان تواضعا واستكانة، كما أن لبس الرفيع من الثياب يذمّ إذا كان تكبّرا وفخرا وخيلاء، ويمدح إذا كان تجملا وإظهارا لنعمة الله "(8).
(1) انظر: الحديث رقم 2، الدرس الأول، ورقم 15 الدرس الأول.
(2)
انظر: عمدة القاري للعيني، 15/ 32.
(3)
انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثالث.
(4)
بطر الحق: دفعه وإنكاره، ترفعا وتجبرا. شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 449.
(5)
غمط الناس: احتقارهم. المرجع السابق، 2/ 449.
(6)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، 1/ 93، برقم 91، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(7)
أبو داود، كتاب اللباس، باب غسل الثوب وفي الخلقان، 4/ 51، برقم 4063، والنسائي، كتاب الزينة، باب ذكر ما يستحب من لبس الثياب وما يكره منها، 8/ 196، برقم 5294، والحاكم وصحح إسناده ووافقه الذهبي، 4/ 181، وأحمد في المسند بلفظ:"فإن الله عز وجل إذا أنعم على عبده نعمة أحب أن ترى عليه"، 3/ 473 - 474، وصححه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، ص 63، برقم 75. وله شاهد عند الترمذي وحسنه "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، 5/ 124، برقم 2819.
(8)
زاد المعاد، 1/ 146.