الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب ليلة القدر
ــ
8 -
باب ليلة القدر
سميت بها لأنه تقدر فيها الأرزاق وتقضى، وتكتب الآجال والأحكام التي تقدر في السنة، والقدر بهذا المعنى يجوز فيه تسكين الدال، والمشهور التحريك، وقيل: سميت بها لعظم قدرها وشرفها، والإضافة على هذا من قبيل: حاتم الجود وزيد الخير، وقيل: لأن من أتى الطاعات فيها صار ذا قدر، أو أن الطاعات لها قدر زائد فيها، واعلم أنه قد كثر فيها الاختلاف، واختلفت الأقوال، وقد ذكر الشيخ في (فتح الباري)(1) أكثر من أربعين قولًا مثل ما ذكر في ساعة الجمعة، ونسب كل قول إلى قائله وذكر ما استند به قائله من الأحاديث والآثار على ما هو عادته رحمه الله في البحث والتحقيق في أمثال هذا المقام، وأكثر الأحاديث في أنها في رمضان خصوصًا في أوتار العشر الأخير لاسيما في السابع والعشرين، وفي قول هي دائرة في تمام السنة وتنتقل وتتحول، وجعل الشيخ هذا القول مشهورًا من الحنفية، وذكر أن قاضيخان وأبا بكر الرازي من علماء الحنفية حكيا ذلك، وقالوا: إنه روي عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وغيرهم، انتهى.
قال الشيخ ابن الهمام (2): إنه روي عن أبي حنيفة أن ليلة القدر في رمضان، ولكن لا يدرى أنها أية ليلة منه، فتارة تتقدم، وأخرى تتأخر، وكذا عن صاحبيه، لكنها متعينة عندهما لا يتقدم ولا يتأخر، وفي (فتاوى قاضيخان) (3): أن الرواية المشهورة
(1)"فتح الباري"(4/ 255).
(2)
"شرح فتح القدير"(2/ 389).
(3)
"فتاوى قاضيخان"(1/ 109).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن أبي حنيفة أنها تتحول في السنة، وتكون في رمضان وفي غيره، وأجاب أبو حنيفة عن الأدلة التي دلت على أنها في العشر الأخير من رمضان بأن المراد الرمضان الذي طلبها فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وسياق الحديث يدل عند من تأمل طرق الأحاديث وألفاظها على هذا المعنى، انتهى. وهذا القول أقرب إلى تطبيق الأقوال وجمعها، واللَّه أعلم.
قالوا: والحكمة في إخفائها ليجِدّوا ويجتهدوا في الطاعة، وقيل: من اجتهد في قيام السنة أدركها إن شاء اللَّه تعالى، وفي مثل هذا المعنى قيل: من لم يعرف قدر الليلة لم يعرف ليلة القدر، وقد ذكر بعض العلماء لها علامات وأمارات استنبطوها من بعض الأحاديث والآثار، وأدرك بَعْضَها أهلُ الكشف من ذوي الأبصار، وقال الإمام الغزالي: ليلة القدر في حق كل أحد ما كوشف فيها له من عالم الملكوت، وقد نقل الطبري عن قوم أن الأشجار في تلك الليلة تسجد وتقع على الأرض ثم ترجع إلى منابتها، ويسجد فيها كل شيء.
وروى البيهقي في (فضائل الأوقات)(1) من طريق الأوزاعي عن عبيدة بن أبي لبابة: أن المياه المالحة تعذب تلك الليلة، وروى ابن عبد البر (2) من طريق زهرة بن معبد نحوه، وتسطع الأنوار حتى في الأماكن المظلمة، ويسمع السلام والخطاب من الملائكة، والتحقيق أنه لا يشترط في إدراكها مشاهدة أمثال هذه الأمور، فقد يكون من يدركها ولا يشاهد منها، ويمكن أن يكون اثنان في مكان واحد ويدركانها فيكشف لواحد ولا يكشف لآخر، وأحسن ما يحصل فيها توفيق الذكر والعبادة والمناجات
(1)"فضائل الأوقات"(1/ 247).
(2)
"التمهيد" لابن عبد البر (21/ 216).