الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - باب
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1982 -
[1] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1923، م: 1095].
1983 -
[2] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1096].
ــ
2 -
باب
في متممات ولواحق لما سبق.
الفصل الأول
1982 -
[1](أنس) قوله: (فإن في السحور بركة) السحور هو بالضم مصدر، وبالفتح اسم ما يتسحر من الطعام، والمحفوظ عند المحدثين بالفتح، والأظهر هو الضم؛ لأن البركة إنما هو في الفعل بموافقة السنة، وكذا في حديث أنس (1):(أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم[وزيد بن ثابت] تسحرا فلما فرغا من سحورهما)، وفي حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم (2):(لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال)، وأما في حديث العرباض ابن سارية الآتي في الفصل الثالث فتعين الفتح، وكذا في حديث أبي هريرة.
1983 -
[2](عمرو بن العاص) قوله: (فصل) بالصاد المهملة و (الأكلة) بفتح الهمزة للمرة، وهي الرواية، وبالضم بمعنى اللقمة، وتوافق رواية السحور بالفتح،
(1)"صحيح البخاري"(576).
(2)
"سنن أبي داود"(2346)، و"سنن الترمذي"(706).
1984 -
[3] وَعَنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1957، م: 1058].
ــ
لكن الرواية ههنا بالفتح (1).
1984 -
[3](سهل) قوله: (ما عجّلوا الفطر) مخالفة لأهل الكتاب، فإنهم يؤخرونه إلى اشتباك النجوم، وقال التُّورِبِشْتِي (2): وقد صار ذلك في ملتنا شعارًا لبعض أهل البدعة وسمة لهم، ويعتقدون وجوب ذلك، ولو أن بعض الناس صنع هذا الصنع وقصده في ذلك تأديب النفس، ودفع جماحها، أو مواصلة العشاءين بالنوافل غير معتقد لوجوبه لم يضره (3)، ويصحح هذا التأويل الحديث الصحيح الذي رواه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (4):(لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)، وتأخير الإفطار نظرًا إلى سياسة النفس وقمع الشهوة أمر قد صنعه كثير من الربانيين وأصحاب النظر في الأحوال والمعاملات، أعاد اللَّه علينا من بركاتهم، انتهى كلامه، وأقول: نعم
(1) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ (2/ 463): وَالْمَعْنَى أَنَّ السَّحُورَ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهُ لَنَا إِلَى الصُّبْحِ بَعْدَ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي بَدْءِ الإِسْلَامِ، وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَنَامُوا أَوْ مُطْلَقًا، وَمُخَالَفَتُنَا إيَّاهُمْ تَقَعُ مَوْقعَ الشُّكْرِ لِتِلْكَ النِّعْمَةِ، انتهى. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1381).
(2)
"كتاب الميسر"(2/ 463).
(3)
قال القاري: بَلْ يَضُرُّهُ حَيْثُ يَفُوتُهُ السُّنَّةَ، وَتَعْجِيلُ الإِفْطَارِ بِشَرْبَةِ مَاءٍ لَا يُنَافِي التَّأْدِيبَ وَالْمُوَاصَلَةَ، وقال: ثُمَّ رَأَيْتُ التُّورِبِشْتِيَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ الَّتِي لَمْ يَرْضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقُولُ: يُشَابِهُ هَذَا التَّأْخِيرُ تَقَدُّمَ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِيهِ أَنَّ مُتَابَعَةَ الرَّسُولِ هِيَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ، مَنْ تَعَوَّجَ عَنْهَا فقَدِ ارْتَكَبَ الْمُعْوَجَّ مِنَ الضَّلَالِ وَلَوْ فِي الْعِبَادَةِ، اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا أَعْجَلَ النَّاسِ إِفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سَحُورًا، انتهى. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1381).
(4)
أخرجه البخاري (1993)، وأبو داود (2363).
1985 -
[4] وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1954، م: 1100].
1986 -
[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ . . . . .
ــ
التعجيل مستحب، ولكن لا بد من تحقيق الوقت وتيقنه والاحتياط لا الاستعجال بحيث تردد الباطن في ذلك كما يفعله بعض أرباب التكلف في إظهار رعاية السنة.
1985 -
[4](عمر) قوله: (إذا أقبل الليل) أي: ظلمته (من ههنا) أي: المشرق (وأدبر النهار) أي: ضوؤه (من ههنا) أي المغرب (فقد أفطر الصائم) أي: دخل في وقت الإفطار كأمسى وأصبح وأظهر إذا دخل في هذه الأوقات، أو صار مفطرًا حكما وإن لم يفطر حسًّا.
وقوله: (وغربت الشمس) تأكيد لدخول الليل وتقرير له، أي: غربت بتمامها (1).
1986 -
[5](أبو هريرة) قوله: (نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم) وهو عبارة عن صوم يومين فصاعدًا من غير أكل وشرب بينهما (2).
(1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ فَلْيُفْطِرِ الصَّائِمُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ مَنُوطَةٌ بِتَعْجِيلِ الإِفْطَارِ فَكَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ وَحَصَلَ وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1382).
(2)
قال الطحاوي: هو أن يصوم ولا يفطر بعد الغروب أصلًا حتى يتصل صوم الغد بالأمس، والفرق بين صيام الوصال وصيام الدهر، أن من صام يومين أو أكثر ولم يفطر ليلتهما فهو مواصل، وليس هذا صوم الدهر، ومن صام عمره وأفطر جميع لياليه هو صائم الدهر، وليس بمواصل، فهما حقيقتان مختلفان متغايرتان. "مرعاة المفاتيح"(6/ 457).
إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1965، م: 1103].
ــ
وقوله: (إني أبيت) وفي رواية أنس رضي الله عنه (1): (إني أظل).
وقوله: (يطعمني ربي ويسقيني) اختلف في معناه فقيل: هو على حقيقته، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند ربه كرامة له، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلًا، ورواية (أظل) يدل على وقوع ذلك بالنهار، فلم يكن صومًا، وأجيب بأن ما يؤتى به من طعام الجنة وشرابها كرامة لا يجري عليه أحكام التكليف كغسل صدره الشريف في طست الذهب مع أن استعمال أواني الذهب الدنيوية محرم.
وقال ابن المنير: الذي يفطر شرعًا إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فلا، وليس تعاطيه من جنس الأعمال، وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة في الجنة، وأما رواية (أظل) فهي محمولة على مطلق الكون كما يقال: أضحى زيد قائمًا بمعنى صار، ولا يراد تخصيص ذلك بوقت الضحى، ومنه قوله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58] فإن المراد به مطلق الوقت، ولا اختصاص لذلك بنهار أو بليل، وعلى تقدير التسليم تفطيره بذلك وإن كان نهارًا ممنوع، على أن الرواية المشهورة هو (أبيت) الدال على وقوعه ليلًا دون أظل، وعلى تقدير ثبوته محمول على مطلق الكون.
وقال الأكثرون: هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة، وهذا الوجه يرجع إلى معنيين، إما أنه يعطى القوة من غير وجود شبع وريّ بل مع الجوع والعطش، أو يخلق الشبع والري أيضًا بدون الطعام والشراب، ويرجح المعنى الأول بأن الثاني ينافي حال الصائم، ويفوت المقصود من الصوم والوصال؛ لأن الجوع والعطش هو روح هذه العبادة والمقصود منها، وأيضًا كانت حالته الشريفة في الأكثر الجوع حتى
(1) أخرجه البخاري (7241)، وصحيح مسلم (1104).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يربط على بطنه الحجر، والمختار أن المراد بالطعام والشراب الغذاء الروحاني الحاصل مما يفيض عليه ربه من المعارف ولذة مناجاته ونعيمه بحبه والشوق إليه وما تتبعه من الأنوار والأسرار والأحوال التي هي غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس، وقد يغني هذا الغذاء عن غذاء الأجسام لما يحصل من القوة والقدرة والمسرة كما يشاهد ذلك في المحبة المجازية والمسرة الصورية، فكيف في المحبة الحقيقية المعنوية، وكيف بسيد المحبين وأفضلهم مع أعظم المحبوبين وأجملهم، ولا محبية ولا محبوبية أعلى وأرفع من ذلك، وفي مثل ذلك أنشد بعضهم:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
…
عن الشراب وتلهيها عن الزّاد
لها بوجهك نور تستضيء به
…
ومن حديثك في أعقابها حاد
إذا اشتكت من كلال السير أَوْعَدَهَا
…
روحُ القلوب (1) فتحيا عند ميعاد
ثم اختلفوا في أنه هل يجوز صوم الوصال لنا أم هو مكروه أو محرم؟ والأكثر على أنه لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة ومالك -رحمهما اللَّه-، ونص الشافعي وأصحابه على كراهته، إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه، والأول أصح، وقال محمد في (الموطأ) (2): الوصال مكروه، وهو قول أبي حنيفة، انتهى.
وذهب طائفة إلى أنه جائز لمن قدر عليه، وقد يروى عن عبد اللَّه بن الزبير وغيره من السلف: وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يواصل الأيام، وروى ابن أبي شيبة (3) بإسناد صحيح
(1) هكذا في الأصل، والظاهر:"روح القدوم" كما في "جامع العلوم والحكم"(2/ 500)، أو "روح اللقاء" كما في "موارد الظمآن لدروس الزمان"(2/ 268).
(2)
"التعليق الممجد"(2/ 190).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(9599).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنه كان يواصل خمسة عشر يومًا، وذكر معه بعض الصحابة، ومن التابعين عبد الرحمن ابن أبي يعمر وعامر بن عبد اللَّه بن الزبير، وإبراهيم التيمي، وأبو الجوزاء، كما نقله أبو نعيم في (الحلية)(1)، كذا ذكر في (المواهب اللدنية)(2)، ومن حجتهم ما روي أنه صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه بعد النهي وأقرهم على ذلك، فعلم أنه أراد بالنهي الرحمة لهم والتخفيف عنهم لا التحريم كذا قيل.
لكن روي عن أبي هريرة أنه (3) قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يومًا ثم رأوا الهلال، فقال:(لو تأخر لزدتكم)، كالتنكيل لهم، يدل على أن مقصوده صلى الله عليه وسلم من تركهم على المواصلة يومًا أو يومين تأكيد زجرهم وبيان المصلحة في نهيهم وإظهار المفسدة عن الوصال، وهي الملل من العبادة والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين من القوة في الصلاة وإتمام أركانها وأدائها، والخشوع فيها لحصول الضعف والتواني، وتعلق الباطن بالطعام والشراب، ويحتج أيضًا بأقدام الصحابة عليه بعد النهي، فدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم، وهو لا ينافي الجواز، ويفهم من هذا أن القول بالجواز ليس مطلقًا، بل مع الكراهة ولو تنزيهًا، كذا قيل، لكن يفهم من كلام بعضهم أنهم واصلوا بعدما رأوه صلى الله عليه وسلم يواصل، وقالوا: إنك تواصل فنهاهم عن ذلك، فكان وصالهم قبل النهي، واللَّه أعلم.
واختار أحمد وابن وهب وإسحاق جواز الوصال إلى السحر لحديث أبي سعيد عند البخاري (4) أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل
(1)"حلية الأولياء"(5/ 70 - 71).
(2)
"المواهب اللدنية"(4/ 350).
(3)
أخرجه البخاري (1965)، ومسلم (1103).
(4)
"صحيح البخاري"(1963).