الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) كتاب الزكاة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
6 -
كِتَابُ الزَّكَاةِ
الزكاة في اللغة: النماء والزيادة والتطهير، وقال: من زكا الزرع يزكو زكاء بالمد: إذا زاد، وقال اللَّه تعالى:{وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] أي: يطهرهم، والزكاة موجبة لنماء المال وطيبه وطهارته، ونماء أجر صاحبه وطهارته من الذنوب، وقيل: من التزكية؛ لأنها تزكي صاحبه وتشهد بصحة إيمانه، وتطلق على المال المؤدى، وعلى أدائه على الوجه المخصوص المعين في الشرع.
واختلف في أنها نزلت قبل الهجرة أو بعدها؟ فادعى ابن خزيمة في (صحيحه)(1) أنها نزلت قبل الهجرة، واحتج بحديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة هجرة الحبشة: أن جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه قال للنجاشي رحمة اللَّه عليه: أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، وهجرة الحبشة سابقة على هجرة المدينة، والصحيح أن وجوب الزكاة بعد الهجرة في السنة الثانية، وعليه الأكثرون، وبهذا جزم ابن الأثير، ولكنه قيل: إنها قبل فرضية رمضان في السنة الأولى أو الثانية، والتحقيق أنها بعد رمضان لحديث أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل نزول الزكاة، ثم نزلت الزكاة فلم يأمرنا بصدقة الفطر
(1)"صحيح ابن خزيمة"(4/ 13، رقم: 2260).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم ينهنا عنها ونحن نفعلها، وهذا يدل على تأخرها عن رمضان (1).
ثم أعلم أن في شرعية الزكاة وسائر الصدقات كالعشر ونحوه وأحكامها وحدودها قد روعي حكم ومصالح يجد من يتأمل فيها من الناظرين، وفي كل الأحكام الشرعية دقائق وحكم لا تعدّ ولا تحصى، فالأصل في شرعية الزكاة والصدقة مراعاة الفقراء ومواساتهم، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوصي ويرغب في إيصالها إليهم، فيبعث الديانة والأمانة بلا محنة ولا مشقة وَمَنٍّ وأذى، وإيجاب الأنثى في الإبل لكون المنفعة فيها أكثر من الذكور من هذا القبيل، ومع ذلك قد روعي حال أصحاب الأموال بنهي العمال عن أن يظلموا عليهم، ويتجاوزوا عن الحد، ويتجنبوا الجياد من أموالهم، ويأخذوا الزيادة على قدر الفريضة من الهدايا والضيافات، واشتراط النماء وحولان الحول وسائر ما هو من باب البر والرفق من هذا الباب على ما هو دأبه صلى الله عليه وسلم في رعاية غاية العدالة والتوسط في الحقوق والأحكام، صلى الله عليه وسلم وجزاه عن الأمة خير الجزاء.
ومن جملة ذلك إيجاب الزكاة في أربعة أصناف من المال التي دورانها ووجودها بين الناس أكثر واحتياجهم إليها أوفر، حتى يكون أداؤها أيسر وأخذها للحاجة أوقع، أحدها: الزروع والثمار كالحبوب والتمر والزبيب، لا كالبقول والخضراوات التي تفسد في أدنى مدة. وثانيها: بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم بالشرائط والصفات المعتبرة فيها المذكورة في الفقه. وثالثها: الذهب والفضة والأثمان التي بها القوام ومعاش الناس
(1) والمعتمد أن الزكاة فرضت بمكة إجمالًا، وبينت بالمدينة تفصيلًا جمعًا بين الآيات التي تدلّ على فرضيتها بمكة، وغيرها من الآيات والأدلة، واللَّه أعلم. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1260).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
باعتبار التقويم والمعاملة. ورابعها: سائر أموال التجارة من الظروف والفروش والثياب والأقمشة والأمتعة.
وشرع في كل سنة مرة، وفي الزروع والثمار حين حصادها وكمالها الذي هو وقت حصول الغلات، وفيه غاية العدل ورعاية الجانبين، ومن جملة ذلك رعاية العدالة في مقدار الواجب بحسب سعي صاحب المال في تحصيله بالسهولة والمشقة، فجعل الخمس في مال يحصل بغتة من غير مشقة وتكلف في تحصيله في الأزمنة المتطاولة كالركاز والكنز، ولم يشترط فيه حولان الحول كما في أموال التجارة، بل كما وجد وجب، وما كان من الأموال في تحصيله نوع مشقة وكلفة بقدر من غير زيادة أوجب نصف الخمس، وهو العشر، كما في الزروع والثمار التي تحصل بماء المطر، وأوجب نصف العشر وهو واحد من العشرين فيما فيه زيادة تكلف كالتي تسقى بالدلاء من الحياض والأنهار والبيار، ونصف ذلك وهو واحد من الأربعين فيما يحتاج إلى عمل كثير وتعب دائم بارتكاب الأسفار وركوب البحار إلى البلاد وأكناف الأرض، وترقب وانتظار وقيم وأسعار.
ثم عين في كل نوع من المال بحسب اقتضاء مصلحة وحكمة لا يحيط به إلا علم الشارع نصابًا، فجعل في الفضة مئتي درهم، وفي الذهب عشرين مثقالًا، وفي الغلات والثمار خمسة أوسق، وفي الغنم أربعين، وفي البقر ثلاثين، وفي الإبل خمسة، وأوجب في منصاب مقدارًا من الزكاة، والأصل في هذا الباب كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين بعده، وإجماع الأمة على ذلك بعدهم، ولذلك لم يقع فيه كثير خلاف، واللَّه أعلم وعلمه أحكم.