المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌1 - باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تمني الموت وذكره

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب غسل الميت وتكفينه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب دفن الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب البكاء على الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌ الفصل الأول:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب صدقة الفطر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب من لا تحل له الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أفضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب من لا يعود في الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب رؤية الهلال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب تنزيه الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب صوم المسافر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب القضاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب صيام التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب ليلة القدر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الاعتكاف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الفصل الأول:

1772 -

[1] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى. . . . .

ــ

[الفصل الأول]

1772 -

[1](ابن عباس) قوله: (بعث معاذًا إلى اليمن) جعله قاضيًا، وعلّمه الأحكام وأمره بالعمل بالكتاب والسنة والقياس، وشايعه بنفسه الكريمة راجلًا ومعاذ راكب، وقال:(لعلك لا تدركني بعده يا معاذ) وكذلك وقع.

وقوله: (قومًا أهل كتاب) أي: فيهم أهل كتاب، خصَّهم اهتمامًا بهم.

وقوله: (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم) يدل على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع، وهو المذهب عند الحنفية، وقد تقرر ذلك في علم الأصول، وينبغي أن يعلم أن ثمرة الخلاف إنما تظهر في عذاب الآخرة، فعندنا يعذبون لترك الإيمان فقط، وعند الشافعية له ولترك الأعمال أيضًا، وأما طلب الأعمال منهم في الدنيا فلا بالاتفاق، لعدم صحتها بدون الإيمان، كما حقق في موضعه، هذا وأما تقديم الإعلام بالصلوات قبل الإعلام بالزكاة فلفضلها على سائر الأعمال، لا لاشتراطها لها.

وقوله: (تؤخذ من أغنيائهم) قال الطيبي (1): وفيه دليل على أن الطفل تلزمه الزكاة

(1)"شرح الطيبي"(4/ 6).

ص: 230

فُقَرَائِهِمْ (1)، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1496، م: 19].

1773 -

[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ. . . . .

ــ

لعموم الأغنياء. وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، فإنه قال: الزكاة غرامة مالية، فتعتبر بسائر المؤون كنفقة الزوجات وصار كالعشر والخراج. ولنا أنها عبادة، فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقًا لمعنى الابتلاء، ولهذا لا تجب على المجنون، بخلاف الخراج لأنه مؤنة الأرض، وكذا العشر لأن الغالب فيه معنى المؤنة، وقد شاع تخصيص غير البالغ والعاقل من عمومات الشرع، وهذا ظاهر.

وقوله: (وكرائم أموالهم) أي: نفائسها كالحامل والمسمنة للأكل ونحو ذلك.

1773 -

[2](أبو هريرة) قوله: (لا يؤدي منها حقها) أي: الدراهم والدنانير أو الأموال أو من الفضة؛ لأنه الأقرب، والذهب يعلم بالأولى.

وقوله: (صفحت) بالتشديد، أي: طُرِقَتْ ومدت، والصفائح جمع صفيحة،

(1) قال الطيبي: وفيه أيضًا أن نقل الزكاة عن بلد الوجوب لا يجوز مع وجود المستحقين فيه، بل صدقة كل ناحية استحق تلك الناحية، واتفقوا على أنه إذا نقلت وأديت يسقط الفرض، إلا عمر بن عبد العزيز رحمه الله فإنه رد صدقة نقلت من خراسان إلى الشام إلى مكانها من خراسان، اهـ. وفيه أن فعله هذا لا يدل على مخالفته للإجماع، بل فعله إظهارًا لكمال العدل، وقطعًا للأطماع، ثم ظاهر الحديث أن دفع المال إلى صنف واحد جائز كما هو مذهبنا، بل له أن يقتصر على شخص واحد، فالحديث محمول على مقابلة الجمع بالجمع. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1261).

ص: 231

لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا رُدَّتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ،

ــ

وهو ما ينطبع مما يتطرق، كالحديد والنحاس، وصفائح الأبواب، ألواحها، والسيوف العريضة، وحجارة عراض رقاق، وصفيحة الوجه: بشرة جلده، و (صفائح) يروى مرفوعًا ومنصوبًا، فالرفع على إسناد (صفحت) إليها، والنصب على أنه مفعول ثان على معنى جعلت، أي: الدراهم والدنانير صفائح، وهو أقوى في المعنى.

وقوله: (من نار) لشدة إحمائها وحرارتها كما يدل عليه قوله: (فأحمي عليها نار جهنم) و (أحمي) مسند إلى قوله: (عليها)، ولذا أتي بضمير المذكر (1)، وأصله تحمى النار عليها، فانتقل الإسناد عن النار إلى (عليها)، وجعلت النار ظرفًا إفادة للمبالغة، والظاهر أن هذا القول بيان وتفصيل لجعله صفائح من نار. وقيل: المعنى أن تلك الصفائح النارية تحمى مرة ثانية بنار جهنم ليزيد حرها ولهبها. ووجه تخصيص هذه الأعضاء أن جمعهم وإمساكهم المال كان لطلب الوجاهة بالغنى، والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية، أو لأنهم ازورّوا (2) عن السائل وأعرضوا عنه وولّوه ظهورهم، أو لأنَّها مشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد، كذا قال البيضاوي (3).

قوله: (كلما ردت أعيدت له) كما ترد الحديدة المحماة إلى الكُور وتخرج منها

(1) قوله: "بضمير المذكر" كذا في (ب)، وفي (ر):"بضمير بلفظ المذكر".

(2)

أي: عدلوا وانحرفوا.

(3)

"تفسير البيضاوي"(1/ 404).

ص: 232

فَيُرَى سَبِيلُهُ: إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ. . . . .

ــ

ساعة فساعة.

وقوله: (فيرى) بضم الياء، فـ (سبيله) بالرَّفع، وبفتحها فهو بالنصب، ويحتمل النصب على الأول بإسناد (يرى) إلى ضميره، وجعل (سبيله) مفعولًا ثانيًا، وهذا أوجه، فافهم.

وقوله: (فالإبل؟ ) أي: عرفنا حكم النقدين فما حكم الإبل؟ فقال في بيان حكمه: (ولا صاحب إبل) وهو عطف على قوله: (ما من صاحب ذهب)، و (لا) زائدة لتأكيد النفي.

وقوله: (ومن حقها حلبها يوم وردها) جملة معترضة، ذكرها زيادة على الزكاة، والحلب بسكون اللام وقد يحرك: إخراج ما في الضرع من اللبن، والورد بكسر الواو: الإشراف على الماء، والمراد يوم ورود الإبل على الماء للاستقاء، وإنما يستحب الحلب في ذلك اليوم لاجتماع الناس فيه صادرًا واردًا، فينبغي أن يسقيهم من ألبانها (1).

وقوله: (بطح) بلفظ المجهول، أي: طرح وألقي صاحب الإبل على وجهه، من بطحه كمنعه: ألقاه على وجهه.

(1) قيل: حلبها للفقراء لأنهم يجتمعون يوم الورد، أو المعنى: يحلبهم يوم شربها الماء دون غيره لئلا تلحقها مشقة العطش والحلب، فعلى هذين المعنيين يكون ذكره معترضة، ندب إليه استطرادًا، فلا دخل في العذاب له لأن العذاب يكون على الوجوب، ويحتمل أن يكون محمولًا على وقت كانت الضيافة واجبة. كذا في "التقرير" نقلًا عن "المرقاة"(4/ 1263).

ص: 233

لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لَا يَفْقِدُ مِنهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ. . . . .

ــ

وقوله: (لها) أي: لأجل الإبل، وفي بعض النسخ:(له). قال التُّورِبِشْتِي (1): بل في أكثر النسخ من (المصابيح) بل في أجمعها، ولا يصح رواية، وإن صح معنى بتأويل الجنس أو الذكور، والأول هو الوجه. و (القاع) أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام، و (القرقر) بمعناه، فهو صفة كاشفة أو تأكيد.

وقوله: (أوفر) حال من الضمير في (بطح) أي: حال كون الإبل أسمن وأتم هيئة ليزداد ثقلها، و (ما) مصدرية، والوقت مقدر.

وقوله: (لا يفقد) حال من صاحب الإبل، وهو الضمير في (بطح)، والفصيل: ولد الناقة.

وقوله: (كلما مر عليه أولاها رد عليه أُخراها) قال التُّورِبِشْتِي (2): في هذا الكلام تحريف عن وجهه، وهو أن الرد إنَّما يستعمل في الأول لا في الآخر، فالآخر تبع للأول في مروره، فإذا انتهت النوبة ردت الأولى لاستئناف المرور، وهذا الحديث على هذا السياق رواه مسلم (3) في كتابه وفيه:(كلما مضى عليه أُخراها ردت عليه أولاها)، وقد روي هذا الحديث أيضًا عن أبي ذر وفي روايته:(كلما جازت أُخراها ردت عليه أولاها)(4) وهذا هو الصواب، وأما على الوجه الذي في كتاب (المصابيح) فهو سهو

(1)"كتاب الميسر"(2/ 410).

(2)

"كتاب المسير"(2/ 410).

(3)

"صحيح مسلم"(987).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1460).

ص: 234

مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ: إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْبقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ بَقْرٍ وَلَا غَنَمِ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ،

ــ

من بعض الرواة، لم يتأمل فيه المؤلف فنقله، انتهى.

وفي شرح الشيخ: أن المقصود من العبارتين من تتابعها عليه واحد، وحاصله أنه كناية عن التتابع والاستمرار، ويحصل فيه تارة الابتداء من الأولى وأخرى من الأخرى (1)، وتفصيله ما ذكره الطيبي (2) في توجيه ما في الكتاب: إن (أولاها) إذا مرت عليه على التتابع، فإذا انتهى أُخراها إلى الغاية، فردت من هذه الغاية، وتتبعها ما يليها فما يليها إلى أولاها حصل الغرض من التتابع والاستمرار (3)، فيكون الابتداء في المرة الأولى من الإبل الأولى، وفي الثانية من الثانية، فافهم، ويمكن أن يقال: المراد من الرد في قوله: (رد عليه أُخراها) الإمرار لا الإرجاع، فلا إشكال، واللَّه أعلم.

و(العقصاء) بالقاف: ملتوية القرنين، في (القاموس) (4): الأعقص من التيوس: ما التوى قرناه على أذنيه من خلفه. و (الجلحاء) بتقديم الجيم على الحاء المهملة: التي لا قرن لها، في (القاموس): بقرٌ جُلَّحٌ: بلا قرون. و (العضباء) بالعين المهملة والضاد

(1) قوله: "من الأخرى" سقط في (ض).

(2)

"شرح الطيبي"(4/ 9 - 10).

(3)

قوله: "فما يليها إلى أولاها حصل الغرض من التتابع والاستمرار، فيكون الابتداء" سقط في (ر).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 575).

ص: 235

تَنْطِحُهُ بِقُرُونهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيلُهُ: إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"، قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْخَيْلُ؟ قَالَ: "فَالْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِياءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلَامِ، فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا. . . . .

ــ

المعجمة: الشاة المنكسرة القرن، وقد تجيء بمعنى الناقة (1) المشقوقة الأذن، وبها لقبت ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم تكن عضباء.

وقوله: (تنطحه) أي: تضربه بقرنه، من باب ضَرَبَ ومَنَعَ.

وقوله: (فالخيل) أي: ما حكمه؟ .

وقوله: (فالخيل ثلاثة) أي: أحكامها ثلاثة.

وقوله: (هي لرجل وزر) أي: موجبه، والوزر: الإثم. (وهي لرجل ستر) بكسر السين، أي: موجب للتعفف والتغني، وستر حال فقره واحتياجه، وحجاب يمنعه عن إظهار الحاجة للناس.

وقوله: (فأما التي هي له وزر فرجل ربطها) الحمل يحصل باعتبار حاصل المعنى أي: فهي خيل ربطها رجل رياء، أي: حتى يقول الناس: هو شجاع مجاهد، فإن الرياء إنما يكون فيما هو عبادة، وأما الفخر فظاهر، والنواء بالكسر: المناداة وهي المعاداة، من النوء: وهو النهوض بجد ومشقة وثقل.

(1) قوله: "الناقة" سقط في (ب).

ص: 236

فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ في ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ، فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ،

ــ

قوله: (في سبيل اللَّه) أي: في طاعته غير مختص بالجهاد؛ لئلا يتحد بما بعده، فإن المراد بذلك الجهاد والإعانة عليه خاصة، وقد جاء في رواية:(ربطها تغنيًا وتعففًا) وبه يظهر المراد بـ (سبيل اللَّه) هنا.

وقوله: (ثم لم ينس حق اللَّه) الشامل للواجب والمندوب.

وقوله: (في ظهورها) بأن يركبها في الطاعات والحاجات، ويركبها (1) للمحتاجين. (ولا) في (رقابها) بأن يؤدي حقها من الزكاة. وفي شرح الشيخ: أي: يتعهدها بما يصلحها ويدفع ضررها، والاختلاف مبني على الاختلاف في وجوب الزكاة في الخيل عندنا وعدمه عند الشافعية، وسنذكره بعد شرح مفردات الحديث.

وقوله: (في مرج) هو بسكون الراء: موضع ترعى فيه الدواب، كذا في (القاموس)(2)، وقال الشارحون: صحراء واسعة كثيرة العشب تمرح فيها الدواب، أي: تسرح، و (الروضة) مستنقع الماء فيه العشب، وكل أرض ذات نبات وماء، فهي من عطف الخاص على العام، وقد جاء الروضة بمعنى البستان في غاية النضارة، كذا في (مجمع البحار)(3).

(1) قوله: "في الطاعات والحاجات، ويركبها" سقط في (ب).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 200).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(2/ 397).

ص: 237

وَكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٌ، وَلَا تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ، وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَالْحُمُرُ؟ قَالَ: "مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ. . . . .

ــ

وقوله: (عدد أرواثها وأبوالها) فكيف بعرها وفيه مبالغة.

وقوله: (ولا تقطع) أي: للفرس، (طولها) بكسر الطاء وفتح الواو، وكذا الطيل بفتح الياء على وزن عنب، وقد تشد اللام في الشعر: حبل يشد به قائمة الدابة، ويمسك طرفه الآخر، أو تشد وترسل لترعى. (فاستنت) أي: الفرس، أي: عدت واضطربت في مرجه. و (الشرف) المكان العالي، والشوط، وهو المراد، وقال في (القاموس (1)): أو نحو ميل، ومنه:(فاستنّت شرفًا أو شرفين)، انتهى.

وقوله: (ولا يريد أن يسقيها) ولا نية له في ذلك، فكيف إذا أراد سقيها وكان له في ذلك نية.

وقوله: (فالحمر؟ ) بضمتين جمع حمار.

وقوله: (الفاذة) أي: المنفردة، (الجامعة) أي: لكل شيء خير وشر غير مخصوصة بشيء، فيدخل فيه حكم الحمر وغيره، فمن أدى في الحمر شيئًا وتحرى فيها الخير فله ثوابه، وليس فيه واجب مخصوص.

تنبيه: ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الخيل إذا كانت سائمة ذكورًا وإناثًا فصاحبها بالخيار، إن شاء أعطى من كل فرس دينارًا، وإن شاء قومها وأعطى من كل

(1)"القاموس المحيط"(ص: 749).

ص: 238

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} " [الزلزلة: 7 - 8]. . . . .

ــ

مئتين خمسة دراهم، وهو قول زفر، وقالا: لا زكاة في الخيل، وهو قول الشافعي رحمه الله لقوله صلى الله عليه وسلم:(ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة)(1)، وله قوله صلى الله عليه وسلم:(في كل فرس (2) سائمة دينار) وتأويل ما روياه: فرس الغازي، وهو المنقول عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كذا في (الهداية)(3).

وفي شرح ابن الهمام (4): في (فتاوى قاضيخان)(5): قالوا: الفتوى على قولهما، وكذا رجح قولهما في (الأسرار)، وأما شمس الأئمة وصاحب (التحفة) فرجحا قول أبي حنيفة رحمة اللَّه عليه، وحديث:(ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة) رووه في الكتب الستة، وزاد مسلم:(إلا صدقة الفطر)، انتهى.

وقد جاء في عدم وجوب زكاة الخيل أخبار وآثار كثيرة، وجاء في تأويله بفرس الغازي أيضًا أقوال من السلف، ويؤيد ظاهره الإضافة في فرسه كما في عبده، فافهم، وأما إذا كانت للتجارة فلا خلاف في وجوب الزكاة؛ لكونها كسائر أموال التجارة، وأما إذا كانت سائمة لا للتجارة ولا للغزو ففيه الخلاف، وجاء في حديث جابر رضي الله عنه عند

(1) قوله: "لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة" سقط في (ب).

(2)

قوله: "فرس" سقط في (ر).

(3)

"الهداية"(1/ 99).

(4)

"فتح القدير"(2/ 183).

(5)

في (ب): "فتاوى خان".

ص: 239

رَوَاه مُسْلِمٌ. [م: 987].

1774 -

[3] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ. . . . .

ــ

البيهقي والدارقطني: (في الخيل السائمة في كل فرس دينار)، والحديث الذي ذكر في (الهداية) رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنهم، والكلام فيه كثير ذكرنا بعضًا منه في (شرح سفر السعادة)(1).

إذا عرفت هذا فاعلم أن الحديث من قبيل الأسلوب الحكيم، أما عند الشافعي رحمه الله فظاهر، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلاقتصارهم على سؤال حق الزكاة فيها، فنبه على أن المهم أن تسألوا عن أقسامها أيضًا، ولا تقتصروا على سؤال حق الزكاة، كما قرره الطيبي (2)، وأما في الحمر والبغال فلا زكاة بالاتفاق، والحديث المذكور في الكتاب في الحمر أورده صاحب (الهداية) فيهما، وفي كتب الأحاديث مخصوص بالحمر، واللَّه أعلم.

1774 -

[3](وعنه) قوله: (شجاعًا) في (النهاية)(3): الشجاع بالضم والكسر: الحية الذكر، وقيل: مطلقًا. وفي شرح الشيخ: التِّنِّينُ الذكر، وقيل: مطلقًا، وفي (القاموس) (4): أو ضرب من الحية صغير، و (الأقرع) من الحيات: المُتَمَعِّطُ شعرُ رأسه لكثرة سُمِّه، ويقال: لطول عمره. و (الزبيبتان) نقطتان سوداوان فوق عيني الحية، أو

(1)"شرح سفر السعادة"(ص: 281).

(2)

"شرح الطيبي"(4/ 10).

(3)

"النهاية" لابن الأثير (1/ 845).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 675)، (ص: 692).

ص: 240

يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ". ثمَّ تَلَا {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1403].

1775 -

[4] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا يَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَنْطِحُهُ بِقُرُونهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُوْلَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1460، م: 990].

ــ

هما نكتتان يكتنفان فاها، أو زَبَدَتان في شدقيها، كذا في (مجمع البحار) (1). وقال في (القاموس) (2): الزبيبتان: نقطتان [سوداوان] فوق عيني الحية والكلب، وقال: الزبيب: السم في فم الحية، وبهاء: زبدة في شِدْقِ مُكْثِرِ الكلام، ومن هذا قيل: إنهما زبدتان في شدقيه إذا غضب. و (يطوقه) بلفظ المجهول، أي: يجعل كالطوق في عنقه. و (اللهزمتين) اللحيين، أي: العظمين الذين نبتت عليهما اللحية، وهو قريب من الشدقين، ولذلك فسرهما بهما، والضمير في (لهزمتيه) للأقرع، كذا قيل، ويجوز أن يكون لـ (من)، والباء زائدة، (تلا {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية) إلى قوله:{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180].

1775 -

[4](أبو ذر) قوله: (تطؤه بأخفافها) هذا للإبل.

وقوله: (تنطحه) للبقر والغنم.

(1)"مجمع بحار الأنوار"(2/ 416).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 99 - 100).

ص: 241

1776 -

[5] وَعَنْ جَرِيرِ بن عَبدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَاكُمُ المُصَدِّقُ فَليَصْدُرْ عَنْكُمْ وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ". رَوَاه مُسْلِمٌ. [م: 989].

1777 -

[6] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ"، فَأَتَا أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ صَلِّ علَى آلِ أَبِي أَوْفَى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1497، م: 1078].

وَفي رِوَايَةٍ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَتِهِ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ".

ــ

1776 -

[5](جرير بن عبد اللَّه) قوله: (إذا أتاكم المصدق) في (القاموس)(1): المصَدِّقُ كمُحَدِّثٍ: آخذ الصدقات، والمتصدق: معطيها.

وقوله: (فليصدر) أي: تلقوه بالترحيب وأدوا زكاتكم تامة؛ حتى يصدر -أي: يرجع- عنكم راضيًا.

1777 -

[6](عبد اللَّه بن أبي أوفى) قوله: (فأتاه أبي) وهو أبو أوفى.

وقوله: (اللهم صل عليه) بدون إقحام لفظ آل، ومنه (اللهم صل على عمرو بن العاص، فإنه كان يؤدي الصدقة تامة حسنة)، كذا جاء في الحديث، وهذه الصلاة غير ما يصلى به على النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو بمعنى الترحم والتعطف والترحيب لا على وجه التعظيم والتكريم، أخذًا من قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]، وقيل: لا يجوز الدعاء بالصلاة على أحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولمن سواه من الأئمة أن يدعوا عند أخذ الصدقة بمضمونه وبمعناه لا بلفظ

(1)"القاموس المحيط"(ص: 829).

ص: 242

1778 -

[7] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا،

ــ

الصلاة.

1778 -

[7](أبو هريرة) قوله: (منع ابن جميل) قال في (فتح الباري)(1): لم أقف على اسمه في كتب الحديث، لكن في تعليق القاضي الحسين المروزي وتبعه الروياني: أن اسمه عبد اللَّه، وقيل: ابن جميل كان منافقًا ثم تاب بعد ذلك، وقال القاضي حسين: نزلت فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية [التوبة: 75]، انتهى.

وقوله: (ما ينقم ابن جميل) نقم الأمر: كرهه، من باب ضرب، ومنه قوله تعالى:{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا} [البروج: 8]، ومنه الانتقام بمعنى العقوبة (2) لبلوغ الكراهة حد السخط، ويقال: نَقِمَ من فلان الإحسان إذا جعله مما يؤديه إلى كفر النعمة، أي: ما يعيب ويكره في منعه الزكاة إلا إغناء اللَّه إياه، وفي هذا (3) مبالغة وغاية تقريع على كفران النعمة منه.

وقوله: (فأغناه اللَّه ورسوله) إنما ذكر صلى الله عليه وسلم نفسه لأنه الواسطة في إضافة الخيرات والنعماء من جناب الحق، ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا له بالغناء والثروة كما جاء في تفسير قوله تعالى:

(1)"فتح الباري"(3/ 333).

(2)

قوله: "ابن جميل نقم الأمر كرهه من باب ضرب، ومنه قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا}، ومنها لانتقام بمعنى العقوبة" سقط في (ب).

(3)

قوله: "هذا" سقط في (ر).

ص: 243

قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا"، ثُمَّ قَالَ: "يَا عُمَرُ! أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1468، م: 983].

1779 -

[8] وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ. . . . .

ــ

{مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75].

وقوله: (قد احتبس) أي: وقف درعه وسائر ما أعده من السلاح والدواب على المسلمين، ومن يتطوع بمثل ذلك لا يمنع الزكاة، فلعل منعه لظلمكم إياه، ومن شأن (1) الشجاع أن لا يصبر على ظلم وضيم، وقيل: المراد أنه لم تجب عليه الزكاة لأنه وقف ما عنده فلا يملك شيئًا.

وقوله: (فهي علي ومثلها معها) ذكروا في معناها وجهين: أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم استسلف منه صدقة عامين: هذا العام الذي طلب منه والعام الذي بعده، وهو المراد بقوله:(ومثلها معها)، ثانيهما: أن عباس استمهل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك عامين لحاجة كانت له، فأمهله، ويجوز للإمام أن يؤخرها إذا كان ذلك على وجه النظر، ثم يأخذها بعد، كذا قال التُّورِبِشْتِي (2)، وقيل: ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولم يجز للساعي ذلك، كذا في شرح الشيخ. و (الصنو) المثل، وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد هما صنوان، وكل واحد صنو، ومنه قوله تعالى:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرعد: 4].

1779 -

[8](أبو حميد الساعدي) قوله: (من الأزد) بفتح الهمزة وسكون

(1) قوله: "شأن" سقط في (ب).

(2)

"كتاب الميسر"(2/ 413).

ص: 244

يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَخَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ! فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِيَ اللَّهُ، فَيَأْتِي أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ !

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ،

ــ

الزاي، ابن الغوث، وبالسين أفصح، أبو حي باليمن، ومن أولاده الأنصار كلهم، ويقال: أَزْدَ شَنُوءَةَ، كذا في (القاموس) (1). وقال التُّورِبِشْتِي (2): السين أفصح؛ لكن الزاي أكثر استعمالًا، ولعل ذلك لمجانبته عن موقع الاشتباه، فإنك إذا قلت: الأسْدي اشتبه بالأَسَدي.

وقوله: (يقال له: ابن اللتبية) بضم لام وفتح مثناة فوق وكسر موحدة وشد ياء تحتية، وقيل: بفتح لام، وقيل: هو بسكون فوقية وفتحها، وقيل: هو بمضمومة فساكنة، أمه المنسوبة إلى بني لتب بسكون تاء قبيلة معروفة، وقيل: ابن الأتبية بهمزة مضمومة بدل لام، ولا يصح، وهو الذي استعمل على الصدقة، فقال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، ذكر ذلك كله في (المغني)(3)، والخطاب في (لكم) للمسلمين.

وقوله: (لا يأخذ أحد منه) أي: مما جعل عاملًا عليه.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 254).

(2)

"كتاب الميسر"(2/ 415).

(3)

"المغني في ضبط الأسماء"(ص: 238 - 239).

ص: 245

إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بقْرًا لَهُ خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ"، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبِطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغَتُ؟ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2597، م: 1832].

ــ

وقوله: (له رغاء) بالضم: صوت البعير، في (القاموس) (1): رغى البعير والضبع والنعام رغاءً، بالضم: صَوّتَتْ فَضَجَّتْ، والصبي: بكى أشد البكاء، والأكثر في الجملة الاسمية الواقعة جزاء أن يكون بالفاء، وقد يحذف، ويحتمل أن يكون التقدير: جاء وله رغاء بحذف الجزاء، والواو من الجملة الاسمية الواقعة حالًا، و (الخوار) بضم الخاء: صوت البقر، وفي (القاموس) (2): صوت البقر والغنم والظباء.

وقوله: (أو شاة تيعر) بكسر العين، وقيل: بفتحها، من يعرت الغنم تيعر يعارًا بالضم، أي: صاحت، كذا في (مجمع البحار)(3)، وفي (القاموس) (4): اليعار كغراب: صوت الغنم أو المِعْزى، أو الشديد من أصوات الشاء، يَعَرَتْ تَيْعِرُ وتَيْعَرُ كيضرب ويمنع. كأنه لم يقل: له يعار؛ لأن الشاة لها صوت ضعيف بالنسبة إلى الإبل والبقر، لا يحس كإحساسها، فأتي بصيغة المضارع ليفيد الاستمرار ليحصل باستمراره صوت ويظهر، فافهم.

وقوله: (عفرة إبطيه) أي: بياضهما على وزن حمرة، والأعفر الأبيض ليس بالشديد البياض، وهي عفراء، والاسم العفرة، والأعفر من الظباء: ما يعلو بياضه حمرة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1185).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 362).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(5/ 213 - 214).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 465).

ص: 246

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ: "هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ " دَلِيلٌ عَلَى أَن كُلَّ أَمْرٍ يتذَرَّعُ بِهِ إِلَى مَحْظورٍ فَهُوَ مَحْظُورٌ، وَكُلُّ دَخِيلٍ (1) فِي الْعُقُودِ يُنْظَرُ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ عِنْدَ الِانْفرَادِ كَحُكْمِهِ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ أَمْ لَا؟ هَكَذَا فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ". [شرح السنة: 5/ 498].

1780 -

[9] وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ عمِيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1833].

ــ

وقوله: (يتذرع) أي: يتوسل به، من الذريعة بمعنى الوسيلة، فهو محظور، ومن ثم جاء: كل قرض جر منفعة فهو ربا، وللوسائل حكم مقاصدها.

وقوله: (وكل دخيل في العقود. . . إلخ) يحتمل رفعه ونصبه، وفي شرح الشيخ: أن الرفع أحسن؛ لأنه لم يحرم بحكم هذا الدخيل، فتعين قطعه لتعذر العطف، والدليل إنما يدل على الحكم لا على التردد، فتأمل.

ثم هذه الكُلِّيَّة الثانية إنما تليق بمذهب من منع الحيل كمالك وأحمد، وأما الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما ممن يرى إباحة الحيل فلا ينظرون إلى هذا الدخيل، كذا في شرح الشيخ.

1780 -

[9] قوله: (عدي بن عميرة) بفتح العين وكسر الميم وبالراء.

وقوله: (فكتمنا) بفتحات متوالية، و (المخيط) بكسر الميم وسكون الخاء: الإبرة، والفوقية تحتمل الأعلى والأدنى، وهذا منع للساعي في الزكاة عن الخيانة، والغلول:

(1) في نسخة: دخل.

ص: 247