الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1634 -
[1] وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا. . . . .
ــ
غسل الميت عند أبي حنيفة، وكذا عند أحمد خلافًا للشافعي رحمهم الله.
الفصل الأول
1634 -
[1](أم عطية) قوله: (ابنته) وهي زينب، وقيل: أم كلثوم رضي الله عنهما، كذا في (شرح الشيخ)، والقول الأول أكثر وأشهر، وزينب رضي الله عنها زوجة أبي العاص بن الربيع أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم والدة أمامة، ماتت في أول سنة ثمان، وأم كلثوم رضي الله عنها زوجة عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وبكلتيهما جاءت الرواية، أما الأولى: ففي رواية مسلم (1) عن أم عطية قالت: (لما ماتت زينب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اغسلنها) الحديث، وأما الثانية: فأخرج ابن ماجه (2) بإسناد على شرط الشيخين ولفظه: (دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم رضي الله عنها)، كذا في (فتح الباري)(3).
وقوله: (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا) قال في (فتح الباري)(4): وفي رواية: (وترًا ثلاثًا أو خمسًا)، وقال:(أو) هنا للترتيب لا للتخيير، ونقل عن النووي: المراد: اغسلنها وترًا وليكن ثلاثًا، فإن احتجتن إلى زيادة فخمسًا، وحاصله: أن الإيتار مطلوب والثلاث مستحبة، فإن حصل الإنقاء لم يشرع ما فوقها، وإلا زيد وترًا حتى يحصل الإنقاء،
(1)"صحيح مسلم"(939).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1458).
(3)
"فتح الباري"(3/ 128).
(4)
"فتح الباري"(3/ 129).
أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِك إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ،
ــ
والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن.
وقوله: (أو أكثر من ذلك) وهو السبع كما في الرواية الآتية، وقال الشيخ (1): ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله: (سبعًا) التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود، و [أما] ما سواها [فإما](أو سبعًا)، وإما (أو أكثر من ذلك) فيحتمل أن يكون بيانًا لقوله:(سبعًا)، يعني: وتكون الإشارة بذلك إلى الخمس، وبهذا قال أحمد رحمه الله، وكره الزيادة على السبع، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع، وقال الماوردي: الزيادة على السبع سرف، انتهى. وفي (شرح الهداية): وإن زاد على ثلاث جاز.
وقوله: (إن رأيتن ذلك) معناه التفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي بعد أن يكون وترًا؛ ولذلك لم يذكر أربعًا أو ستًا، والكاف في ذلك في الموضعين مكسور لأنه خطاب للمؤنث.
وقوله: (أو شيئًا من كافور) شك للراوي، قال الشيخ (2): وظاهره جعل الكافور في الماء، وبه قال الجمهور (3). وقال النخعي والكوفيون: إنما يجعل الكافور في الحنوط بعد انتهاء الغسل والتجفيف، وقيل: الحكمة في الكافور -مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم- أن فيه تجفيفًا وتبريدًا، وقوة [نفوذ] وخاصية
(1) انظر: "فتح الباري"(3/ 129).
(2)
"فتح الباري"(3/ 129).
(3)
انظر: "المغني"(3/ 378).
فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حَقْوَهُ، فَقَالَ: . . . . .
ــ
في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه، ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك، وهذا هو السر في جعله في الآخرة.
وقيل: إن لم يوجد الكافور فالمسك يقوم مقامه، وقد عقد الترمذي (1) بابًا وعنونه بقوله:(باب في المسك للميت)، وأورد حديثًا عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسك فقال: (هو أطيب طيبكم)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، وقد كره بعض أهل العلم المسك للميت.
وقوله: (فإذا فرغتن) أي: عن الغسل (فآذنني) بمد الألف وتشديد النون بصيغة الأمر، أي: أعلمنني.
وقوله: (فألقى إلينا حقوه) في رواية: (فأعطانا حقوه)، والحقو بفتح المهملة -ويجوز كسرها، قال الشيخ (2): وهي لغة هذيل- وسكون القاف: في الأصل معقد الإزار، وقد يراد به الإزار مجازًا بعلاقة المجاورة، كذا قال الشارحون (3)، وقال في (القاموس) (4): الحَقْوُ: الإزار، ويكسر، أو معقده كالحقوة، وكذا في (الصحاح)(5).
(1)"سنن الترمذي"(3/ 315، ح: 991).
(2)
"فتح الباري"(3/ 129).
(3)
انظر: "عمدة القاري"(6/ 56)، و"التوضيح" لابن الملقن (9/ 451)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 8).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 173).
(5)
"الصحاح"(6/ 2317).
"أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ".
وَفِي رِوَايَةٍ: "اغْسِلْنَهَا وِتْرًا: ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا". وَقَالَتْ: فَضَفَّرْنَا شَعَرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا. مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1253، 1263، م: 939].
1635 -
[2] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ. . . . .
ــ
وقوله: (أشعرنها إياه) من الإشعار، أي: اجعلن الحقو شعارًا لها، فالضمير في (أشعرنها) للميت، و (إياه) راجع إلى الحقو، والشعار: الثوب الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره، أي: اجعلن الحقو تحت الكفن ليس ببدنها وتحصل البركة، وقيل: الحكمة في تأخير إعطاء الإزار إلى وقت فراغهن من الغسل -ولم يناولهن إياه أولًا- ليكون قريب العهد من جسده الكريم، وهذا الحديث أصل في التبرك بآثار الصالحين ولباسهم كما يفعله بعض مريدي المشايخ من لبس أقمصتهم في القبر، واللَّه أعلم.
وقوله: (فضفرنا شعرها) ضَفَر الشعرَ: نَسَجَ بعضه على بعض، والحبل: فتله، ولعله كان أيضًا بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو إذنه، أو كان معلومًا من الشرع قبل هذا (1).
1635 -
[2](عائشة رضي الله عنها) قوله: (في ثلاثة أثواب) هي إزار ورداء ولفافة.
(1) قال ابن قدامة في "المغني"(3/ 393): إن شعر الميتة يغسل، وإن كان معقوصًا نقض ثم غسل، ثم ضفر ثلاثة قرون، قرنيها وناصيتها، ويلقى من خلفها، وبهذا قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي: لا يضفر، ولكن يرسل مع خديها من بين يديها من الجانبين ثم يرسل عليه الخمار، انتهى. وقال صاحب "التوضيح" (9/ 463): ويضفر شعرها بعده أحسن من استرساله وانتشاره؛ لأن التضفير يجمعه ويضمه.
يَمَانِيةٍ بِيضٍ سَحُوليَّةٍ. . . . .
ــ
وقوله: (يمانية) بتخفيف الياء، و (الحكمة يمانية) أيضًا بالتخفيف، وقد يشدد، كذا في (مجمع البحار)(1)، والنسبة إلى اليمن: يمني، وقد جاء يمان بمعناه بحذف ياء النسبة وإبدال الألف المتوسط منها، وقد يجيء يماني بحذف إحدى اليائين وإبدال الألف، واليمانين في قول الشاعر:
هواي مع الركب اليمانين مصعدٌ
يحتمل أن يكون جمع يمان بالواو والنون كما هو الظاهر، ويحتمل أن يكون جمع يماني بالياء المخففة أعلّ كإعلال قاض، وقد يجيء يمانيّ بالألف والنون المشددة، وهذا على خلاف القياس من عدم الجمع بين العوض والمعوَّض عنه.
وقوله: (سحولية) منسوب إلى سحول قرية باليمن، والفتح هو المشهور، وعن الزهريّ الضم، كذا في (شرح ابن الهمام)(2)، وهو مبني على أنه بالضم أيضًا قرية، لكن الضم فيه غير مشهور، وقد يُجعل بالضم جمعَ سحل بفتح السين وسكون الحاء، قال في (القاموس) (3): السَّحْل [ثوب] أبيض [أو] من القطن، يجمع على أسحال وسُحول، لكن النسبة إلى الجمع شاذ. والفرائضي منسوبٌ إلى الفرائض بمعنى الاسم لِعِلْمٍ مخصوص. وقيل:[بالفتح] منسوب إلى السَّحول بمعنى القصَّار لأنه يسحلها، أي: يغسلها، كذا قال الطيبي (4)، فسحولية بمعنى مقصورة، أي: مغسولة.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(5/ 217).
(2)
"فتح القدير"(2/ 114).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 932).
(4)
"شرح الطيبي"(3/ 353).
مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَة. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ [خ: 1264، م: 941].
ــ
وفي (المشارق)(1): سحولية بفتح السين وضم الحاء، منسوب إلى قرية باليمن يقال لها: سحول، وقال ابن حبيب وابن وهب: السحول القطن، وقال ابن الأعرابي: هي ثياب بيض نقية من القطن خاصة، وقال: السحل: الثوب النقي من القطن، ووقع في كتاب مسلم من رواية السمرقندي:(أثواب سحول)، فمَن فتح السين أضاف الأثواب وأراد الموضع، ومن ضمَّها نوَّن وأراد صفةَ الأثواب أنها من قطن أو بِيضٌ.
وقوله: (من كرسف) وهو بضم الكاف والسين: القطن، وفي رواية بدون (من)، وصف به الثياب وإن لم يكن مشتقًا كـ: حيةٌ ذراعٌ، ولا يخفى أن ذكر الكرسف قرينة على أنه يراد بـ (سحولية) من معانيه ما لا يوجد فيه معنى القطن، إلا أن يكون مبنيًا على التجريد أو التأكيد.
وقوله: (ليس فيها قميص ولا عمامة) أي: ليسا موجودين أصلًا، وقيل: ليسا فيها بل خارجين عنها، فيكون أكفانه خمسة، والأول هو الأصح؛ لأنه قد ثبت أنه لم يكن كفنه صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أثواب (2)، وبه أخذ الشافعي رحمه الله، وعندنا أيضًا السنة ثلاثة أثواب، لكن ذكر منها في (الهداية) (3): القميص لا العمامة، وقد استحسن العمامة
(1)"مشارق الأنوار"(2/ 352).
(2)
قَالَ في "الْمَوَاهِبِ"(3/ 580): الصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ أَصْلًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ خَارِجٍ عَنِ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، وَتَرَتَّبَ عَلَى هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّهٌ: الأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ: إِزْارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَةٌ. اهـ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1185).
(3)
انظر: "الهداية"(1/ 89).
1636 -
[3] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَفَّنَ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 943].
1637 -
[4] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ. . . . .
ــ
بعض المتأخرين للأشراف، وقيل: يجعل ذَنَبُ العمامة إلى الوجه، ولا يرسل من قبل القفا كما في حالة الحياة، والمراد ثلاثة لفائف، وكذا عند أحمد، وتحقيقه في مقامه من كتب الفقه (1).
1636 -
[3](جابر) قوله: (فليحسن كفنه) المراد بتحسين الكفن أن يكون أنظف وأتم من غير إسراف وتبذير، والجديد والمغسول سواء، كذا في (شرح ابن الهمام)(2).
1637 -
[4](ابن عباس) قوله: (فوقصته راحلته)، في (القاموس) (3): وقص عنقَهُ، كَوَعَدَ: كسرها، فوقَصَتْ لازم ومتعد، وقد يقال: وقصت به راحلته، بزيادة الباء، وفي بعض الشروح: الوقص كسر العنق، فإن كان حصل الكسر بسبب الوقوع فإسناد الوقص إلى الناقة مجاز، وإن حصل من الناقة بأن تكون أصابتْه بعد أن وقع فحقيقةٌ، وبالجملة المراد أنه سقط من راحلته فانكسر عنقه.
(1) انظر: "شرح فتح القدير"(2/ 114)، و"المحيط البرهاني"(2/ 298)، و"المغني"(3/ 383)، و"المجموع"(5/ 106)، و"بداية المجتهد"(1/ 240/ 241).
(2)
"فتح القدير"(2/ 114).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 585).