الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
2109 -
[1] عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5027].
ــ
الفصل الأول
2109 -
[1](عثمان) قوله: (خيركم من تعلم القرآن) قيل: المراد من خيركم؛ لورود ذلك في غير المعلم والمتعلم، كذا في بعض الحواشي، أقول: إن قيد بالعمل به الإتيان بكل ما فيه كما هو الظاهر؛ لأن تعلم القرآن وتعليمه إنما هو للعمل، ولا يعتد به كثيرًا بدون ذلك كما ورد:(رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه) فلا حاجة إلى هذه الإرادة؛ فإن كل ما يفرض من وجوه الخيرية داخل في العمل بالقرآن (1)، ولا يتجه أيضًا ما نقل النووي في (فتاواه) (2): إن تعلم قدر الواجب من القرآن والفقه سواء في الفضل، وأما الزيادة على الواجب فالفقه أفضل (3)، فافهم.
= الْمَعْنَيَيْنِ اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسِيِّ، قَالَ تَعَالَى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وَاللَّفْظُ مُحَالٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَخَلْقُ الْكَلَامِ فِي الشَّجَرَةِ مَجَازٌ لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقُرْآنَ بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَوْ فُعْلَانِ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ؛ لِجَمْعِهِ السُّورَ وَأَنْوَاعَ الْعُلُومِ، وَأَنَّهُ مَهْمُوزٌ، وَقِرَاءَةُ ابْنُ كَثِيرٍ إِنَّمَا هِيَ بِالنَّقْلِ كَمَا قَالَ الشَّاطِبِيُّ رحمه الله. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1452).
(1)
قال القاري: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامَ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ وَيُعَلّمُهُ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ بِالإِخْلَاصِ. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1453).
(2)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(6/ 458).
(3)
قال القاري: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إِسَاءَةِ الإِطْلَاقِ؛ لأَنَّ تَعَلُّمَ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْقُرْآنِ عِلْمٌ يَقِينِيٌّ وَمِنَ الْفِقْهِ ظَنِّيٌّ، فَكَيْفَ يَكُونَانِ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ؟ وَالْفِقْهُ إِنَّمَا يَكُونُ أَفضَلَ =
2110 -
[2] وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْم إِلَى بُطْحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَينِ. . . . . .
ــ
2110 -
[2](عقبة بن عامر) قوله: (ونحن في الصُفّة)(1) المراد صفة المسجد، وهي موضع مظلل من المسجد، كذا في (القاموس)(2)، وقيل: هو المسجد القديم الذي كان قبلته إلى بيت المقدس.
وقوله: (إلى بطحان) بضم الباء.
وقوله: (أو العقيق) شك من الراوي تدل عليه عبارة (جامع الأصول)(3): أو قال: إلى العقيق، وهما واديان بالمدينة، وإنما خصهما بالذكر لأنهما أقرب أسواق الإبل إلى المدينة، و (الكوماء) بالفتح: الناقة العظيمة السنام، وقد كَوِمتْ كفرِح،
= لِكَوْنِهِ مَعْنَى الْقُرْآنِ، فَلَا يُقَابَلُ بِهِ، نَعَمْ لَا شَكَّ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَعْنَى الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ مَعْرِفَةِ لَفْظِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْقُرْآنِ تَعَلُّمُ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ رُكْنٌ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبِالْفِقْهِ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الرُّكُوعِ رُكْنًا مَثَلًا، فَلَا يَسْتَوِيَانِ أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1453).
(1)
قال القاري: وَفِي "الْقَامُوسِ": أَهْلُ الصُّفَّةِ كَانُوا أَضْيَافَ الإِسْلَامِ يَبِيتُونَ فِي صُفَّةِ مَسْجِدِهِ عليه الصلاة والسلام. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَتْ هِيَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ مُعَدَّةً لِفُقَرَاءِ أَصْحَابِهِ الْغَيْرِ الْمُتَأَهِّلِينَ، وَكَانُوا يَكْثُرُونَ تَارَةَ حَتَّى يَبْلُغُوا نَحْوَ الْمِئتَيْنِ، وَيَقِفُونَ أُخْرَى لإِرْسَالِهِمْ فِي الْجِهَادِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَفِي "التَّعَرُّفِ": إِنَّمَا سُمُّوا صُوفِيةَ لِقُرْبِ أَوْصَافِهِمْ مِنْ أَوْصَافِ أَهْلِ الصُّفَّةِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِلِبْسِهُمُ الصُّوفَ، أَوْ لِصَفَاءِ أَسْرَارِهِمْ، أَوْ لِصَفَاءِ مُعَامَلَتِهِمْ؛ لأَنَّهُمْ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ: مِنَ السَّابِقِينَ الْمُسَارِعِينَ فِي الْخَيْرَاتِ وَالْمُبَادِرِينَ فِي الطَّاعَاتِ. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1453).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 763).
(3)
"جامع الأصول"(6281).
فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كُلُّنَا نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ:"أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 803].
ــ
والأكوم المرتفِع.
وقوله: (في غير إثم) أي: في غير ما يوجب إثمًا؛ كسرقة وغصب.
وقوله: (نحب) الرواية بالنون باعتبار المعنى، والظاهر (يحب) بالياء باعتبار لفظ (كل)، وقد يروى بها.
وقوله: (فيعلم أو يقرأ) في أكثر نسخ (المشكاة) من التعليم، وصحح في (جامع الأصول) (1): من العلم، وكلمة (أو) للشك أو للتنويع، وهما منصوبان إن حمل (أفلا) على معنى العرض، ومرفوعان إن كان نفيًا.
وقوله: (خير له) خبر مبتدأ محذوف.
وقوله: (ومن أعدادهن من الإبل) أي: وعلى هذا القياس يكون عدد الآيات التي يعلمها أو يقرأها خيرًا من أعدادهن، فخمس خير من خمس، وست من ست، هذا هو المتبادر من هذا الكلام، وقال الطيبي (2): ويحتمل أن يكون المعنى: الآيات تفضل على مثل عددها من النوق، ومثل عددها من الإبل، انتهى.
أقول: قد يؤيد هذا المعنى ذكر الإبل مكان النوق؛ فإن الظاهر على تقدير المعنى الأول أن يقال: من أعدادهن من النوق، إلا أن الإبل اسم جنس يشمل الذكر والأنثى، يقال للأنثى منه: ناقة، وللذكر: الجمل، كالإنسان الشامل للرجل والمرأة، فتدبر.
(1)"جامع الأصول"(6281).
(2)
"شرح الطيبي"(4/ 216).
2111 -
[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟ " قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: "فَثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 802].
ــ
فإن قلت: إن آية من القرآن خير من الدنيا وما فيها، فأيّ شيء الناقة حتى يفضل عليها؟ قلنا (1): حقيقة المراد أن اشتغالهم بأمر الدين خير لهم مما يكدحون فيه من طلب الرزق، ولم يرد حقيقة بيان المقدار الواقع في المقايسة بين الشيئين، وإنما مثله بمثال، وخصه بالناقة الكوماء، لأنها خيار أموال العرب، أو أراد أنها خير منها في أمر المعاش، إذ يحصل منها من الخير والبركة ما لا يحصل منها، وأما في أمر المعاد فإنها خير من الدنيا وما فيها، هذا حاصل ما ذكره التُّورِبِشْتِي (2).
2111 -
[3](أبو هريرة) قوله: (خلِفات) الخلف ككتف: المخاض، وهي الحوامل من النوق، الواحدة بهاء، يقال: خلفت الناقة: إذا حملت، فهي خلفة، وأخلفت فهي مخلفة، أي: لم تحمل، وهي الحوامل من النوق التي تظن بها حملًا ولم يكن كذلك.
وقوله: (يقرأ بهن) يقال: قرأه وقرأ به، والباء زائدة أو للملابسة والإلصاق.
وقوله: (من ثلاث خلفات) لم يعرِّفها لإرادة التنكير للتعظيم، وبهذا
(1) قال القاري (4/ 1454): وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَرَادَ تَرْغِيبَهُمْ فِي الْبَاقِيَاتِ وَتَزْهِيدَهُمْ عَنِ الْفَانِيَاتِ، فَذِكْرُهُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّقْرِيبِ إِلَى فَهْمِ الْعَلِيلِ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّنْيَا أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِمَعْرِفَةِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِثَوَابِهَا مِنَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، انتهى.
(2)
"كتاب الميسر"(2/ 487).
2112 -
[4] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4937، م: 798].
ــ
يغاير الأولى، فلا يراد أن النكرة إذا أعيدت نكرة تكون الثانية غير الأولى، فينبغي أن يعرف.
2112 -
[4](عائشة) قوله: (الماهر) وهو الحاذق، والمراد به الجيد اللفظ والحفظ، و (السفرة) جمع سافر بمعنى كاتب، من السِّفر بمعنى الكتابة، أو بمعنى السفير من السفارة، والتركيب للكشف، يقال: سفرت المرأة: إذا كشفت وجهها، والمراد بهم الملائكة أو الأنبياء ينتسخون الكتب السماوية من اللوح المحفوظ أو الوحي، [أو سفراء] يسفرون بالوحي بين اللَّه وبين رسله أو الأمة، كذا قال البيضاوي (1)، وقيل: هم أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أول ما نسخوا القرآن، وقيل: الملائكة الكاتبون لأعمال العباد، وقيل: مشتق من السفارة بالكسر بمعنى الإصلاح، سفر بين القوم: أصلح، والمراد الملائكة النازلون بأمر اللَّه لإصلاح العباد وحفظهم من الآفات والمعاصي وإلهامهم الخير، والمراد الملائكة بكونه مع هؤلاء كونه في الآخرة رفيقًا لهم، وفي الدنيا عاملًا بعملهم، و (التعتعة) في الكلام: التردد فيه من حصر أو عيّ، وعدم إطاعة اللسان إياه، وفي (القاموس) (2): تعتعه: حركه بعنف.
وقوله: (له أجران) أي: أجر القراءة وأجر المشقة، لا أنه يفضل في الأجر على الماهر، فإنه لا شك أن الماهر به أفضل ممن يتعب في تعهده، وقيل بالعكس؛ لأن
(1)"البيضاوي"(5/ 371).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 651).
2113 -
[5] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا حَسَدَ إِلَّا على اثْنَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهَارِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5025، م: 815].
ــ
الأجر بقدر التعب، والأول أشبه.
2113 -
[5](ابن عمر) قوله: (لا حسد)(1) أي: لا غبطة (إلا في اثنين) وفي بعض النسخ: (اثنتين) بالتاء، أي: خصلتين، فعلى الأول الكلام محمول على الظاهر، وعلى الثاني المضاف محذوف، أي: في خصلة، (رجل) وهو مرفوع أو مجرور، و (آناء الليل) ساعتها جمع إِنّى بالكسر كـ (مِعًى)، وبالفتح كـ (عصًا)، وإِنوٌ وإِنيٌ بسكون النون (2).
(1) قال القاري: قَالَ مِيرَكُ: الْحَسَدُ قِسْمَانِ: حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ، فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَال النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا، وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَهُوَ الْغِبْطَةُ، وَهِيَ تَمَنِّي مِثْل النعْمَةِ الَّتِي عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَمَنِّي زَوَالٍ عَنْ صَاحِبِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً، وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةَ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ: لَا غِبْطَةَ مَحْمُودَةً إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ، اهـ.
يَعْنِي فِيهِمَا وَأَمْثَالِهِمَا، وَلِذَا قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَنَّى الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ صَاحِبِ نِعْمَةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ النِّعْمَةُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّصَدُّقِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْخَيْرَاتِ، اهـ. يَعْنِي مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالطَّاعَاتِ الْمَالِيَّةِ. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1456).
وقال شيخنا في "التقرير": وفي تقديم الليل إشارة إلى أفضلية الإخفاء على الإظهار.
(2)
قال النووي (3/ 359): وَاحِدُهُ أَنَا وَإِنًى وَإِنْيٌ وإِنْوٌ، أَرْبَعُ لُغَاتٍ. انتهى.
2114 -
[6] وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ،
ــ
2114 -
[6](أبي موسى الأشعري) قوله: (مثل الأترجة)(1) بضم الهمزة والراء
(1) قال الحافظ (9/ 66): قيل: الحكمة في تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح كالتفاحة، لأنه يتداوى بقشرها، وهو مفرح بالخاصية، ويستخرج من حبها دهن له منافع، وقيل: إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج، فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين، وغلاف حبه أبيض، فيناسب قلب المؤمن، وفيها أيضًا من المزايا كبر جرمها، وحسن منظرها، وتفريح لونها، ولين ملمسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة، ودباغ معدة، وجودة هضم، ولها منافع أخرى مذكورة في المفردات، انتهى.
وقال الطيبي (5/ 1636): إن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنًى مَعْقُولٍ صِرْفٍ لَا يُبْرِزُهُ عَنْ مَكْنُونِهِ إِلَّا تَصْوِيرُهُ بِالْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ، ثُمَّ إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ المجيد لَهُ تَأْثِيرٌ فِي بَاطِنِ الْعَبْدِ وَظَاهِرِهِ، وَإِنَّ الْعِبَادَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ النَّصِيبُ الأَوْفَرُ مِنْ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْقَارِئُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ الْبَتَّةَ، وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْحَقِيقِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَثَّر ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ، وَهُوَ الْمُرَائِي، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَؤُهُ، وإِبْرَازُ هَذِهِ الْمَعَانِي وَتَصْوِيرُهَا إِلَى الْمَحْسُوسَاتِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوَافِقُهَا وَيُلَائِمُهَا أَقْرَبُ وَلَا أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَاتِ وَالْمُشَبَّهَ بِهَا وَارِدَةٌ عَلَى التَّقْسِيمِ الْحَاصِر؛ لأَنَّ النَّاسَ إِمَّا مُؤْمِنٌ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَالثَّانِي إِمَّا مُنَافِقٌ صِرْفٌ أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ، وَالأَوَّلُ إِمّا مُوَاظِبٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرُ مُوَاظِبٍ عَلَيْهَا، فعَلَى هَذَا قِسِ الأَثْمَارَ الْمُشَبَّهَ بِهَا، وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي الْمَذْكُورَاتِ مُنْتَزَعٌ مِنْ أَمْرَيْنِ مَحْسُوسَيْنِ: طَعْمٌ وَرِيحٌ، وَلَيْسَ بِمُفَرَّقٍ كَمَا فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا
…
لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِي
انتهى.
وقال التُّورِبِشْتِي (2/ 489): إن الشارع صلى الله عليه وسلم أشار في ضرب هذا المثل إلى معان لا يهتدي إليها إلا من أُيِّد بالتوفيق، فمنها: أنه ضرب المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال، فإنها من ثمرات النفوس، والمثل وإن ضرب للمؤمن نفسه فإن العبرة فيه =
وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن مَثَلُ التَّمْرِةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلُوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5427، م: 797].
وَفِي رِوَايَةٍ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأُتْرُجَّةِ، وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ". [خ: 5059، م: 797].
2115 -
[7] وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 817].
ــ
وسكون التاء بينهما، وتشديد جيم مفتوحة، ويقال: الأترج بدون الهاء، وتُرنْجَة وتُرُنْج، ثمر معروف جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون ومنافع كثيرة، وكذلك المؤمن الذي يقرأ القرآن يلتذ بقراءته، ويستريح الناس بصوته، وتنعكس أشعة أنوار القدس من باطنه إلى ظاهره حتى تظهر من وجناته، ويحسن في أعين الناظرين، وقس عليه حال المشبهين الآخرين.
2115 -
[7](عمر) قوله: (أقوامًا) يؤمنون به ويعملون ويقرؤون ويخلصون،
= بالعمل الذي يصدر منه، لأن الأعمال هي الكاشفة عن حقيقة الحال. ومنها: أنه ضرب مثل المؤمن بالأترجة والتمرة وهما مما يخرجه الشجر، وضرب مثل المنافق بما تنبته الأرض؛ تنبيهًا على علو شأن المؤمن، وارتفاع عمله، ودوام ذلك وبقائه ما لم تيبس الشجرة، وتوقيفًا على ضعة شأن المنافق وإحباط عمله، وقلة جدواه وسموط منزلته. ومنها: أن الأشجار المثمرة لا تخلو عمن يغرسها فيسقيها ويُصلح أودَها ويربيها، وكذلك المؤمن يقيض له من يؤدِّبه ويعلّمه ويهذّبه ويلمّ شعثه ويسومه، ولا كذلك الحنظلة المهملة المتروكة بالعراء أذلّ من نقع الفلا، والمنافق الذي وكل إلى شيطانه وصبعه وهواه، انتهى.
2116 -
[8] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ،
ــ
وآخرين حالهم على عكس هؤلاء (1).
2116 -
[8] قوله: (أسيد بن حضير) كلاهما على صيغة التصغير.
وقوله: (سورة البقرة) قال السيوطي عن القتبي (2): السورة تهمز ولا تهمز، فمن همزها جعلها من أَسْأَرَتْ، أي: أفضلت، من السؤر، وهو ما بقي من الماء في الإناء، كأنها قطعة من القرآن، ومن لم يهمزها جعلها منه وسهّل همزها، ومنهم من شبهها بسور البناء، أي: القطعة منه، أي: منزلة بعد منزلة، وقيل: من سُور المدينة؛ لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور، ومنه السوار؛ لإحاطته بالساعد، وقيل: لارتفاعها؛ لأنها كلام اللَّه، والسورة المنزلة الرفيعة، قال النابغة:
ألم ترأن اللَّه أعطاك سورةً
…
ترى كل ملك حولها يتذبذب
وقيل: لتركيب بعضها على بعض، من التسور بمعنى التصاعد والتركب، ومنه {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21]، وقال الجعبري: حد السورة قرآن يشتمل على آي ذي فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آيات، وقال غيره: السورة الطائفة المترجمة توقيفًا، أي: المسماة باسم خاص بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يقال: سورة البقرة وسورة العنكبوت، وقد كرهه بعضهم، وقال: ينبغي أن يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة،
(1) قَالَ الطِّيبِيُّ (5/ 1637): فَمَنْ قَرَأَهُ وَعَمِلَ بِهِ مُخْلِصًا رَفَعَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَرَأَهُ مُرَائِيًا غَيْرَ عَامِلٍ بِهِ وَضَعَهُ اللَّه أسفل السافلين. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1457).
(2)
انظر: "الإتقان في علوم القرآن"(1/ 186).
ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، وَلَمَّا أَخَّرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ، فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"اقْرَأْ يَا بْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا بْنَ حُضيْرٍ". قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أن تَطَأَ يَحْيَي وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، وَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابيحِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ:"وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟ ". . . . .
ــ
ويذكر فيها العنكبوت، وروى الطبراني والبيهقي ذلك [عن أنس مرفوعًا](1)، وإسناده ضعيف، بل ادعى ابن الجوزي أنه موضوع، وروي أن المشركين كانوا يقولون: سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزؤن بها فنزل: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95].
وقوله: (فانصرف) أي: عن القرآن، والضمير المرفوع في قوله:(ولما أخره) لأسيد، والمنصوب لابنه، و (الظلة) بضم الظاء المعجمة: سحابة تظل، وما أظلك من شجر وغيره.
وقوله: (اقرأ يا بن حضير) مكرر مرتين للتأكيد (2)، والمراد الاستمرار على القراءة، فاعتذر بقوله:(فأشفقت) وفي نسخة: (أشفقت) بدون الفاء.
وقوله: (حتى لا أراها) أي: لغلبة الفزع، و (حتى) حرف ابتداء.
(1)"المعجم الأوسط"(5755)، و"شعب الإيمان"(2582).
(2)
قال القاري (4/ 1458): أَيْ رَدِّدْ وَدَاوِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي [هي] سَبَبٌ لِمِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ؛ إِشْعَارًا بأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا إِنْ وَقعَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا اسْتِمْتَاعًا بِهَا، وَقَالَ الطِّيبِيَّ رحمه الله:(اقْرَأْ) لَفْظُ أَمْر طلب لِلْقِرَاءَةِ فِي الْحَالِ، وَمَعْنَاهُ تَخْصِيص وَطَلَبُ الِاسْتِزَادَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، فَكَأَنَّهُ اسْتَحْضَرَ تِلْكَ الْحَالَةَ الْعَجِيبَةَ الشَّأْنِ فَأَمَرَهُ تَحْرِيضًا عَلَيْهِ. اهـ.
قَالَ: لَا، قَالَ:"تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتَ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5018، م: 796].
وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَفِي مُسْلِمٌ:"عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ" بَدَلَ: "فَخَرَجْتُ" عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ.
2117 -
[9] وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فتغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو،
ــ
وقوله: (وفي مسلم: عرجت) من العروج على صيغة المؤنث الغائبة، والضمير راجع إلى الظلة، و (الجو) الهواء ما بين السماء والأرض.
2117 -
[9](البراء) قوله: (وإلى جانبه) يقال: قعدت الجنب والجانب، والجنبة محركة: شق الإنسان، كذا في (القاموس)(1)، وفي (الصراح) (2): جنب بهلو، ويقال: قعدت إلى جنب فلان وإلى جانب فلان بمعنًى.
وقوله: (حصان) بكسر الحاء: الفرس الذكر، أو الكريم المضنون بمائه، وجمعه حصن ككتب، كذا في (القاموس)(3)، و (الشطن) بفتح المعجمة والمهملة: الحبل الطويل، أو عام، وفي (الصراح) (4): شطن: رسن دراز، ووصف الأعرابي فرسًا فقال: كأنه شيطان في أشطان.
وقوله: (فتغشته) أي: سترت الفرس من فوق رأسه، والضمير في (جعلت)
(1)"القاموس المحيط"(ص: 77).
(2)
"الصراح"(ص: 22).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1096).
(4)
"الصراح"(ص: 515).
وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5011، م: 795].
2118 -
[10] وَعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ (1)، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]، ثُمَّ قَالَ:"أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ". فَأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ قُلْتَ: لأُعَلِّمِّنَكَ أَعْظَمَ سُوْرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . . . . .
ــ
لـ (سحابة)، و (ينفر) بالياء والتاء؛ لأن لفظ الفرس يذكر ويؤنث، وإن كان المراد المذكر، و (السكينة) الطمأنينة، وقد تجيء بمعنى الرحمة، وبمعنى التأني والوقار، وقيل: هي ما يحصل به السكون وصفاء القلب وذهاب الظلمة النفسانية، ونزول ضياء الرحمانية والحضور والذوق والغيبة، وقد مرّ الكلام فيها أكثر من هذا في (كتاب العلم) في الفصل الأول منه.
2118 -
[10](أبو سعيد بن المعلى) قوله: (عن أبي سعيد بن المعلى) بالضم والتشديد.
وقوله: (فلم أجبه) وفي حديث الترمذي (2) عن أبي هريرة مخبرًا عن وقوع هذه القصة بالنسبة إلى أُبيّ: (فخففت الصلاة ثم أتيته).
وقوله: (أعظم سورة) من حيث اشتمالها عن معان كثيرة مع وجازة ألفاظها.
(1) زاد بعده في نسخة: "حَتَّى صَلَّيْتُ".
(2)
"سنن الترمذي"(2875).
هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 4474].
ــ
وقوله: (هي السبع المثاني) اللام للعهد إشارة إلى المذكور في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]، وقال البيضاوي في (تفسيره) ما نصه (1):{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا} سبع آيات وهي الفاتحة، وقيل: سبع سور وهي الطوال، وسابعتها: الأنفال والتوبة فإنهما في حكم سورة واحدة، أو الحواميم السبع، وقيل: سبع صحائف وهي الأسباع (2)، {مِنَ الْمَثَانِي} بيان للسبع، والمثاني من التثنية أو الثناء، فإن كل ذلك مثنى تكرر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه، أو مثني عليه بالبلاغة والإعجاز، أو مثنٍ على اللَّه بما هو أهله من صفاته العظمى وأسمائه الحسنى، ويجوز أن يراد بالمثاني القرآن أو كتب اللَّه تعالى، فتكون (من) للتبعيض، {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} إن أريد بالسبع الآيات أو السور فمن عطف الكل على البعض أو العام على الخاص، وإن أريد به الأسباع فمن عطف أحد الوصفين على الآخر، انتهى. فظهر مما ذكر أن قوله تعالى:{سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} محتملة للفاتحة وغيرها، وقد ذكر في الحديث أنها هي السبع المثاني بلفظ الحصر، اللهم إلا أن لا يراد به معنى الحصر أو يراد مبالغة، واللَّه أعلم.
(1)"البيضاوي"(2/ 535).
(2)
وَقِيلَ: لأَنَّ فِيهَا سَبْعُ آدَابٍ، وَقِيلَ: لأَنَّهَا خَلَتْ عَنْ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: الثَّاءِ وَالْجِيمِ وَالتَّاءِ وَالزَّاي وَالشِّينِ وَالظَّاءِ وَالْفَاءِ، وَرُدّ بِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُسَمَّى بِمَا فِيهِ دُونَ مَا فُقِدَ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ قَد يُسَمَّى بِالضِّدِّ كَالْكَافُورِ لِلأَسْوَدِ، وَالْمَثَانِي لِتَكَرُّرِهَا فِي الصَّلَاةِ كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُثَنَّى بِسُورَةٍ أُخْرى، أَوْ لأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً بِمَكَةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ تَعْظِيمًا لَهَا وَاهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا، انتهى. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1459 - 1460).
2119 -
[11] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْعَلُوا بِيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مَنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأ فِيْهِ سُوْرَةُ الْبقَرَةِ! . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 780].
2120 -
[12] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايتَانِ، أَو فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ. . . . .
ــ
2119 -
[11](أبو هريرة) قوله: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) أي: لا تجعلوا بيوتكم خالية عن الذكر والتلاوة والطاعة مثل المقابر، أي: لا تكونوا كالموتى لا يذكرون ولا يتلون، ثم ذكر ما هو أفضل وأقرب نفعًا للبيوت وأهلها بقوله:(إن الشيطان ينفر) إلى آخره.
2120 -
[12](أبو أمامة) قوله: (الزهراوين) الزهراء تأنيث الأزهر (1)، والممدود إن كانت همزته للتأنيث قلبت واوًا في التثنية كما في حمراوين، و (الغمامة) السحابة البيضاء، و (الغياية) بالتحتانيتين: كل ما أظل الإنسان من فوق رأسه كالسحابة ونحوها، كذا في (القاموس)(2).
وقوله: (الفرق) بالكسر في الأصل: القطيع من الغنم، والمراد ههنا الجماعة
(1) وَهُوَ الْمُضِيءُ الشَّدِيدُ الضَّوْءِ، أَي: الْمُنِيرَتَيْنِ لِنُورِهِمَا وَهِدَايَتهِمَا وَعِظَمِ أَجْرِهِمَا، فَكَأَنَّهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَدَاهُمَا عِنْدَ اللَّهِ مَكَانُ الْقَمَرَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَسُمِّيتا زَهْرَاوَيْنِ لِكَثْرَةِ أَنْوَارِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْعَلِيَّةِ، وَذِكْرُ السُّورةِ فِي الثَّانِيةِ دُونَ الأُولَى لِبيانِ جَوَازِ كُلٍّ مِنْهُمَا. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1460).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1212).
صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ (1)، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 804].
2121 -
[13] وَعَنِ النَّوَاسِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبقَرَةِ وَآلُ عِمْرانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْداوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَن صَاحِبِهِمَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 805].
ــ
من طير، و (صواف) جمع صافة، من الصف و (أو) للتنويع.
وقوله: (لا تستطيعها البطلة) أي: أصحاب البطالة والكسالة، وقد يراد بها السحرة والفجرة.
2121 -
[13] قوله: (وعن النوّاس) بفتح النون وتشديد الواو (ابن سمعان) بكسر السين، وقد تفتح.
وقوله: (تقدُمه) بضم الدال، من باب نصر ينصر.
وقوله: (سوداوان) وصفهما بالسواد لكثافتهما ولشدة ظلمتهما.
وقوله: (بينهما شرق) بالشين المعجمة وبفتح الراء وإسكانها، أي: ضوء، وقيل: فُرجة، قالوا: كأنه نور التسمية، أو فصلها بين السورتين.
(1) قال الطيبي (5/ 1642): تخصيص بعد تخصيص بعد تعميم، أمر أولًا بقراءة القرآن وعلق بها الشفاعة، ثم خص الزهراوين وأناط بهما التخليص من حر يوم القيامة بالمحاجة، وأفرد ثالثًا البقرة وأناط بها الأمور الثلاثة الآتية؛ إيماءً إلى أن لكل خاصة يعرفها الشارع. وانظر:"مرعاة المفاتيح"(7/ 189).
2122 -
[14] وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، قَالَ: فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ: "لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 810].
2123 -
[15] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو من الطَّعَام، فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا هُرَيْرَة! مَا فَعَلَ أَسِيْرُكَ الْبَارِحَةَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيالًا فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ:"أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ"، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ سَيَعُودُ". فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
ــ
2122 -
[14](أبيّ بن كعب) قوله: (فضرب) في (المصابيح): بيده.
وقوله: (ليهنِك) بلفظ الأمر الغائب بفتح التحتانية وسكون الهاء وكسر النون، وفي بعض النسخ: ليهنئك بالهمزة وهي الأصل، وخففت، أي: ليكن العلم هنيئًا لك، مدحه لإصابته في درك أنها {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، وفي الحقيقة كان دركه أيضًا من تصرفه صلى الله عليه وسلم وتعليمه في الباطن.
2123 -
[15](أبي هريرة) قوله: (زكاة رمضان) المراد به صدقة الفطر، و (يحثو) أي: يغترف ويأخذ من كفيه، و (لأرفعنك) من رفع الخصم إلى الحاكم.
قَالَ: دَعْنِي؛ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيالٌ لَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُك؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَالَ:"أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ"، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَولِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ سَيَعُودُ"، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، إِنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرُبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ " قُلْتُ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَ:"أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ، وَهُوَ كذُوبٌ، وَتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ:"ذَاكَ شَيْطَان". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2311].
ــ
وقوله: (إنك تزعم) صحح بكسر (إن) وفتحها، والكسر أظهر؛ فإن الفتح يوهم أن الزعم يكون ثلاث مرات، وليس كذلك، فافهم.
وقوله: (أما إنه قد صدقك) في هذا القول (وهو كذوب) في سائر أحواله.
وقوله: (ذاك شيطان) أي: شيطان من الشياطين، ولا يلزم أن يكون إبليس نفسه، ثم إنه يحتمل أن تكون آية الكرسي محفوظة له، أو كانت هذه الخاصية له معلومة من غير أن يحفظها كلها، واللَّه أعلم (1).
(1) قال الحافظ (4/ 489): وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع =
2124 -
[16] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ عليه السلام قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورينِ أُوتيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: . . . . .
ــ
2124 -
[16](ابن عباس) قوله: (إذ سمع نقيضًا) أي: صوتًا مثل صوت الباب والمحامل والرحال، والأول هو الأنسب بقوله:(فتح)، والضمير فيه وفي (رفع) و (قال) لجبرئيل، وقيل: الأولى أن في الأولين للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي (قال) لجبرئيل.
وقوله: (فنزل) الظاهر أنه عطف على (فتح)، فهو من تتمة كلام جبرئيل، وفي الحاشية أنه كلام الراواي، ويلائمه قوله:(فقال) أي: جبرئيل: (هذا ملك نزل) فإنه على المعنى الأول يكون فيه شائبة تكرار.
وقوله: (فسلم) أي: الملك النازل على النبي صلى الله عليه وسلم.
= به المؤمن، وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها، وأن الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن ولا يكون بذلك مؤمنًا، وأن الكذاب قد يصدق، وأن الشيطان من شأنه أن يكذب، وأنه قد يتصور ببعض الصور فتمكن رؤيته، وأن قوله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها، وأن من أقيم في حفظ شيء سمي وكيلًا، وأن الجن يأكلون من طعام الإنس، وأنهم يظهرون للإنس لكن بالشرط المذكور، وأنهم يتكلمون بكلام الإنس، وأنهم يسرقون ويخدعون. وفيه فضل آية الكرسي، وفيه جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر وتوكيل البعض لحفظها وتفرقتها، انتهى مختصرًا.
فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيم سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 806].
2125 -
[17] وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الآيَتَانِ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْبقَرَةِ، مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4008، م: 807].
2126 -
[18] وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [809].
ــ
وقوله: (فاتحة) بالجر، ويحتمل الرفع والنصب، وكذا قوله:(خواتيم)، والضمير في (أعطيته) بلفظ المجهول المخاطب لـ (الحرف)، فهو بمعنى الطرف، والمراد به الجملة الواقعة فيهما مثل {اهْدِنَا} ، و {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} ، وغير ذلك من المطالب، أي: أجيبت دعواتك، أو المراد أعطيت ثوابه، أي: يكون البتة مقبولًا ومجزئًا، وعلى هذا المراد بـ (الحرف) أجزاء الكلمات من حروف التهجي، فقد ورد: إن لكل حرف من القرآن جزاء، وعليه ثواب.
2125 -
[17](أبو مسعود) قوله: (كفتاه) أي: دفعتا عنه شر الجن والإنس، أو كفتا عن سائر أوراد الليل.
2126 -
[18](أبو الدرداء) قوله: (من حفظ) ظاهره أن العصمة جزاء الحفظ من غير أن يقرأ، ويحتمل أن يكون المراد قرأ، فإن الحفظ إنما يكون للقراءة.
وقوله: (من الدجال) أي: المعهود، أو كل كذاب مُلَبِّس، والدَّجل في اللغة: الكذب والخيانة، والخداع والتلبيس.
2127 -
[19] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيَعْحِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ " قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 811].
2128 -
[20] وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. [خ: 5015].
2129 -
[21] وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7375، م: 813].
ــ
2127، 2128 - [19، 20](أبو الدرداء) قوله: (يعدل ثلث القرآن) أي: في الثواب والفضيلة إلحاقًا للناقص بالكامل كما في أمثال ذلك، قيل: إن القرآن قصص وأحكام وتوحيد، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يشتمل على الأخير.
2129 -
[21](عائشة) قوله: (يقرأ لأصحابه) أي: يؤمهم (فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي: يختم قراءته بها، يعني كان من عادته أن يقرأها بعد الفاتحة، كذا قال الطيبي (1)، وفي (صحيح البخاري) (2) في ترجمة (3) عن عبيد اللَّه عن ثابت عن أنس قال: (كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يُقرأ به افتتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة
(1)"شرح الطيبي"(4/ 234).
(2)
"صحيح البخاري"(774).
(3)
أي: في ترجمة الباب.
2130 -
[22] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قَالَ: "إِنَّ حُبَّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَى البُخَارِيُّ مَعْنَاهُ. [ت: 2901، خ: 774].
2131 -
[23] وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 814].
ــ
أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلتُ، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال:(يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ ) قال: إني أحبها، قال:(حبك إياها أدخلك الجنة).
2130 -
[22](أنس) قوله: (أدخلك الجنة) فإن حبك إياها سبب لحب اللَّه إياك، وحب اللَّه إياك سبب لدخولك الجنة.
2131 -
[23](عقبة بن عامر) قوله: (ألم تر) أي: ألم تعلم، وهي كلمة تعجب وتعجيب.
وقوله: (لم ير مثلهن قطّ) أي: في باب التعوذ؛ فإن فيهما تعوذًا من المكاره الظاهرة والباطنة على أبلغ وجه وأوكده، وقد نقل الطيبي (1) شيئًا، فانظره.
(1)"شرح الطيبي"(4/ 236).