الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1914].
1906 -
[19] وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعْ بِهِ، قَالَ:"اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2618].
وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: "اتَّقُوا النَّارَ" فِي "بَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ".
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
1907 -
[20] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ جِئْتُ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. فَكَانَ أَوَّلُ مَا قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! . . . . .
ــ
الحديث ذكر قطع الشجرة، وفي الحديث السابق تنحية غصنها من غير قطع على وفق مصلحة في قطع أو تنحية شجرة أو غصن منها، وفي الكل أجر.
1906 -
[19] وقوله: (وعن أبي برزة) بتقديم الراء على الزاي، وتقديم الموحدة عليهما على وزن طلحة.
وقوله: (أنتفع) بالجزم.
وقوله: (اتقوا النار) تمام الحديث: (ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة).
الفصل الثاني
1907 -
[20](عبد اللَّه بن سلام) قوله: (فلما تبينت وجهه) أي: شاهدته وتأملته، و (تبين) لازم ومتعد، وذلك إما بعلامات قرأها في الكتب السماوية، أو بالتفرس في سيمائه وهو أنسب بقوله:(عرفت أنه ليس بوجه كذاب) بالإضافة وهو السماع، وقد
أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَمِيُّ. [ت: 2485، جه: 1334، دي: 340].
1908 -
[21] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلام". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [ت: 1855، جه: 3694].
1909 -
[22] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 664].
ــ
يُنَوَّن، و (أفشوا) من الإفشاء، إما بمعنى أظهروه رغبة فيه حتى يسمع المسلّم عليه، أو بمعنى التسليم على من عرف أو لم يعرف؛ لأنه حق الإسلام لا الصحبة.
1908 -
[21](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (اعبدوا الرحمن) في معنى قوله: (وصلّوا بالليل)، وفي الحديثين تنبيه على أداء حق اللَّه وحقوق الناس وتعظيم أمر اللَّه والشفقة على خلق اللَّه.
1909 -
[22](أنس) قوله: (أن الصدقة لتطفيء غضب الرب)[في] الحديث إشارة إلى حصول العافية في الدين والدنيا، و (ميتة) بكسر الميم وسكون الياء، أصله موتة مصدر للنوع كالجلسة، أبدلت واوه ياء لسكونها وكسر ما قبلها، والمراد بـ (ميتة السوء) الحالة السيئة التي يكون عليها عند الموت مما يؤدي إلى كفران النعمة من الآلام والأوجاع المفضية إلى الجزع والفزع أو الغفلة عن ذكر اللَّه، ومنها موت الفجاءة وسائر ما يشغله عن اللَّه مما يؤدي إلى سوء الخاتمة ووخامة العاقبة، نعوذ باللَّه منها.
1910 -
[23] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. [حم: 3/ 360، ت: 1970].
1911 -
[24] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيك صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَنَصْرُكَ الرَّجُلَ الرَّدِيءَ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَ وَالْعَظْمَ عَن الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 1956].
1912 -
[25] وَعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْمَاءُ". فَحَفَرَ بِئْرًا، وَقَالَ: هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 1681، ن: 3664].
ــ
1910 -
[23](جابر) قوله: (وأن تفرغ) من الإفراغ بالغين المعجمة، أي: تصب الماء من دلوك في إناء أخيك، محمول على ظاهره، أو المراد الإحسان إليه من فضل مالك.
1911 -
[24](أبو ذر) قوله: (في أرض الضلال) وهي التي لا علامة فيها للطريق، وردأة البصر إما فقدانه أو نقصانه، وظاهر اللفظ في المعنى الثاني، و (البصر) مجرور على الإضافة، وقد يرفع على الفاعلية كما في الحسن الوجه ولا تظهر زيادة (لك) في بعض هذه الأمور دون بعض، فتأمل.
1912 -
[25](سعد بن عبادة) قوله: (قال: الماء) لأنه أعم نفعًا في الأمور
1913 -
[26] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَا مُسْلِمًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ". رَوَاهُ أَبَو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. [د: 1682، ت: 2449].
ــ
الدينية والدنيوية، وكان الظاهر أن يضع هذا الحديث في الباب الآتي في (أفضل الصدقة).
1913 -
[26](أبو سعيد) قوله: (على عري) بالضم والسكون: خلاف اللبس.
وقوله: (من خضر الجنة) جمع أخضر، أي: من ثيابها الخضر تلميح إلى قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} [الإنسان: 21]. و (الظمأ) العطش وزنًا ومعنًى، وقيل: أشد العطش، و (الرحيق) الخمر أو أطيبها أو الخالص أو الصافي، والمراد بـ (المختوم) الأواني بالمسك مكان الطين، ولعله تمثيل لنفاسته، أو الذي ختامه أي مقطعه رائحة المسك كذا في التفسير.
وقال التُّورِبِشْتِي (1): وإن ذهب ذاهب إلى أن معنى الختم هنا بلوغ الآخر من قولهم: ختمت الكتاب، أي: انتهيت إلى آخره كان له وجه، ويكون المعنى أنه رحيق لا ينهى الشارب في شربه إلى آخره، فلا يترك منه شيئًا كما يترك الشراب الذي يشوبه الكدر وتمنع من شرب آخره، انتهى. ولا يخفى ما فيه لأن نعيم الجنة لا ينتهي فيها، وفيها:{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: 15]، فافهم.
(1)"كتاب الميسر"(2/ 447).
1914 -
[27] وَعَن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ" ثُمَّ تَلَا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الآيَة [البقرة: 177]. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَمِيُّ. [ت: 660، جه: 1789، دي: 1637].
1915 -
[28] وَعَنْ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا قَالَتْ: قَالَ: يَا رَسُول اللَّه! مَا الشَيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: "الْمَاءُ". قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: "الْمِلْحُ". قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا الشَّيْءُ الَّذِيْ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: "أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3476].
ــ
1914 -
[27](فاطمة بنت قيس) قوله: (ثم تلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ})[البقرة: 177] وفي هذه الآية ذكر الزكاة بعد إيتاء المال، فدل ذلك على أن في المال حقًا سوى الزكاة، وقال الترمذي: إن هذا الحديث مقطوع، وقال: الأصح أنه من قول الشعبي، كذا قيل، ويدل على ذلك كلام صاحب (الكشاف)(1)، والحديث المقطوع ما يكون قول التابعي أو فعله.
1915 -
[28](بهيسة) قوله: (وعن بهيسة) بالباء الموحدة والسين المهملة مصغرًا.
وقوله: (أن تفعل الخير خير لك) مبتدأ وخبر، فالخير لا يحل لك منعه، وهذه كلمة جامعة للخيرات كلها.
وقوله: (الماء)، وقوله:(الملح) وفيه تفصيل سنذكره في (باب إحياء الموات والشرب).
(1)"الكشاف"(1/ 158).
1916 -
[29] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ". رَوَاهُ [النَّسَائِيُّ] وَالدَّارَمِيُّ. [ن في الكبرى: 5757، دي: 2607].
1917 -
[30] وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَنَحَ مِنْحَةَ لَبَنٍ أَو وَرِقٍ، أَوْ هَدَى زُقَاقًا. . . . .
ــ
1916 -
[29](جابر) قوله: (وما أكلت العافية منه) من العافي الوارد وكل طالب خير أو رزق، والعافية الجماعة، وضمير (منه) لحاصل الأرض وريعها.
1917 -
[30](البراء) قوله: (من منح منحة لبن) قد عرفت أن المنحة العطية، فإضافته إلى اللبن ظاهر، والمراد بمثحة اللبن: الناقة أو الشاة، أي: أعطى الفقير ليشرب لبنها مدة ثم يردها، وقد يجيء بمعنى الشاة، فإضافتها للبيان والتأكيد.
وقوله: (أو ورق) بفتح الواو وكسر الراء، وهو الأشهر وهي الرواية هنا، وفي (القاموس) (1): مثلثة، وككتف وجبل: الدراهم المضروبة، وهو عطف على (لبن)، فإن كانت المنحة بمعنى العطية فظاهر، وإن كانت بمعنى الشاة المعطاة فمجاز ومشاكلة، والمراد بمنحة الورق: قرض الدراهم، وإنما فسروه به لأن المنحة من شأنها أن ترد على صاحبها.
وقوله: (أو هدى) الرواية المشهورة بالتخفيف من الهداية، و (الزقاق) بضم الزاي: السكة، ومنه زقاق الحجر بمكة، أي: من هدى ضريرًا أو ضالًّا الطريق والسكة التي توصل إلى بيته، وقد يروى بالتشديد للمبالغة من الهدية، أي: أهدى وتصدق زقاق
(1)"القاموس المحيط"(ص: 855).
كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ رَقَبَةٍ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 1957].
1918 -
[31] وَعَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ، لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ:"لَا تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ، قُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ" قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؟ . . . . .
ــ
النخل وهي السكة والصف من أشجارها، كذا قال التُّورِبِشْتِي (1)، وقال الطيبي (2): ويحتمل أن يكون للمبالغة من الهداية بمعنى هدى وعرف زقاق النخل، أي: أعطاها وتصدق بها، واللَّه أعلم.
وقوله: (كان له مثل) بالرفع والنصب، والأول أشهر وأظهر.
1918 -
[31](أبو جري) قوله: (عن أبي جري) بضم الجيم وفتح الراء وتشديد الياء هو جابر بن سليم، ويقال: سليم بن جابر، والأول أكثر.
وقوله: (يصدر الناس عن رأيه) الصدور: الرجوع من المنهل بعد ري، ويقال: صدر عن المكان، أي: يرجع عنه، به شبه المنصرفين عن حضرته بعد توجههم إليه واستصوابهم برأيه ليسألوا عن أمر دينهم ومصالح معاشهم ومعادهم واغترافهم من بحر علمه وفضله بالصادرين عن المنهل بعد ورودهم عليه وارتوائهم به.
وقوله: (إلا صدورا عنه) أي: أطاعوه وعملوا بما حكم واستصوب.
وقوله: (عليك السلام تحية الميت) هذا على عادة الناس وإلا فالسنة في الميت
(1)"كتاب الميسر"(2/ 448).
(2)
"شرح الطيبي"(4/ 112).
قَالَ: "أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إِن أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ أَوْ فَلَاةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ". قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ. قَالَ: "لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا"، قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا وَلَا بَعِيرًا وَلَا شَاةً. قَالَ: "وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ، إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ. . . . .
ــ
أيضًا السلام عليك بتقديم السلام؛ لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في الزيارة: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) ومع ذلك يجوز أن يقال: تحية الموتى ذلك دون تحية الأحياء لوجهين؛ أحدهما: الحي يرد بـ (عليك السلام)، فلا يحسن أن يجيء به كراهة التكرار، وثانيهما: أن تقديم (عليك) يوهم ابتداء بالدعاء عليه، وهو مناف لما وضع له السلام من المبادرة لوجود السلامة والأمن من جانب المسلم والإشعار بكونه مؤمنًا محبًّا لا كافرًا عدوًا، كذا قالوا.
وقوله: (أنا رسول اللَّه الذي إن إصابك ضر فدعوته. . . إلخ)، زاد على الجواب توصيفه بهذه الصفات إشارة إلى أنه مبعوث رحمة وواسطة لإفاضة الخير والبركة من رب العالمين، والتاء في قوله:(فدعوته) مفتوح وقد يضم، وكذا فيما بعد، والإضافة في (عام سنة) من إضافة العام إلى الخاص؛ لأن السنة غلبت في القحط.
وقوله: (بأرض قفر) بالوصف وقد يضاف، والقفر بتقديم القاف على الفاء: أرض خال عن الماء والكلأ، و (الفلاة) المفازة والصحراء الواسعة، وعهد إليه: أوصاه.
وقوله: (ولا تحقرن شيئًا من المعروف) أي: يصنع بك أحد أو تصنع بأحد كما
وَإِسْبَالَ الإِزَارِ؛ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ حَدِيثَ السَّلَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ: "فَيَكُونُ لَكَ أَجْرُ ذَلِكَ وَوَبَالُهُ عَلَيْهِ". [د: 4084، ت: 2721].
1919 -
[32] وَعَن عَائِشَةَ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ " قَالَتْ: مَا بَقِي مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ:"بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. [ت: 2470].
ــ
سبق، و (إسبال الإزار) إرخاءه.
وقوله: (فإنها) أي: الإزار المسبلة، الإزار يذكر ويؤنث، و (المخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء وسكون الياء: الكبر، وستعرف في (كتاب اللباس) حد الإسبال، وإن كراهة الإسبال يجري في الثياب كلها.
وقوله: (وروى الترمذي منه) أي: من هذا الحديث المذكور صدره إلى حديث السلام من تسليم أبي جري على رسول اللَّه بقوله: (عليك السلام)، ونهيه صلى الله عليه وسلم إيّاه عن ذلك ولم يرو ما بعده، وذكر في بعض الحواشي أن الحديث بتمامه عند الترمذي أيضًا، لكن اللفظ لأبي داود، وبناء على ذلك قيل في قوله:(وفي رواية): إن الأولى أن يقول المؤلف: وفي رواية له، أي: للترمذي، فإن هذه الرواية للترمذي أيضًا (1)، فتدبر.
1919 -
[32](عائشة) قوله: (قال: بقي كلها غير كتفها) لبقاء ثوابها عند اللَّه
(1) كذا قال القاري (4/ 1346)، ولم أجد هذه الرواية عند الترمذي ولا عند أبي داود، بل وجدتها عند النسائي في الكبرى (9616) وعند أحمد في "مسنده"(20634)، فالأولى أن يقول المؤلف: وفي رواية للنسائي، واللَّه أعلم.
1920 -
[33] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا إِلَّا كَانَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللَّهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ مِنْهُ خِرْقَةٌ". رَوَاهُ أَحْمدُ (1) وَالتِّرْمِذِيُّ. [ت: 2484].
1921 -
[34] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ: رَجُلٌ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ، وَرَجُلٌ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا، -أُرَاهُ قَالَ: مِنْ شِمَالِهِ-، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، فَاسْتَقْبَلَ الْعَدُوَّ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، أَحَدُ رُوَاتِهِ أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيَّاشٍ كَثِيرُ الْغَلَطِ. [ت: 2567].
ــ
تعالى، و (غير) روي بالرفع على البدل من (كلها)، وبالنصب على الاستثناء، ويعلم من قوله:(بقي كلها) جواز استعمال (كل) مضافًا إلى ضمير لغير التأكيد إن كان هذا لفظ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو من أحد من الرواة ممن يوثق بعربيتهم، وقد حكم التفتازاني بعدم جواز ذلك، واللَّه أعلم. ويمكن أن يعتبر الضمير في (بقي) فيكون (كلها) تأكيدًا.
1920 -
[33](ابن عباس) قوله: (في حفظ اللَّه) وفي أكثر النسخ: (في حفظ من اللَّه)، والنكرة للتعظيم أو للتنويع.
1921 -
[34](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (أحد رواته أبو بكر بن عياش كثير الغلط) وغلطه أنه رواه عن الأعمش عن منصور عن ربعي بن خراش عن ابن مسعود، قال الترمذي: هذا غريب غير محفوظ، والصحيح ما روى شعبة وغيره عن منصور عن
(1) لم أجده في مسند عبد اللَّه بن عباس، ولعله ذكره في أثناء مسند غيره من الصحابة، أو هذا سهو من المصنف، ويقوى ذلك إنه لم ينسبه المنذري في "الترغيب" والسيوطي في "الجامع الصغير" لأحمد، واللَّه أعلم. "مرعاة المفاتيح"(6/ 356).
1922 -
[35] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَمَنَعُوهُ، فتخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْيَانِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا، لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ، فَوَضَعُوا رُؤوسَهُمْ، فَقَامَ. . . . .
ــ
زيد بن ظبيان عن أبي ذر، فمقصوده أن أبا بكر بن عياش غلط في شيخ منصور واسم الصحابي أيضًا، وأراد بحديث شعبة الحديث الذي بعده، وهو حديث صحيح رواه الترمذي وصححه، وصححه أبو داود أيضًا وابن حبان في (صحيحه) وغيرهم، كذا في بعض الحواشي، فتدبر.
1922 -
[35](أبو ذر) قوله: (فرجل أتى قومًا) ليس أحد الثلاثة هذا الرجل، بل هو المذكور في قوله:(فتخلف رجل بأعيانهم) وقال التُّورِبِشْتِي (1) في شرح هذا الكلام: أي ترك القوم المسؤول عنهم خلفه وتقدم فأعطاه، ويحتمل أن يكون المراد أنه سبقهم بهذا الخبر فجعلهم خلفه، وفي رواية الطبراني:(من أعيانهم)، وهذا أشبه من طريق اللفظ، والمعنى أنه تأخر عن أصحابه حتى خلا بالسائل وأعطاه سرًا، وإن كانت الرواية الأولى أوثق من طريق السند، انتهى، فافهم.
وقوله: (وقوم) أي: رجل من قوم.
وقوله: (مما يعدل به) بلفظ المجهول، أي: مما يقابل ويساوي بالنوم، أي: من كل شيء.
وقوله: (فقام) أي: رجل منهم، وفي نسخة:(أحدهم).
(1)"كتاب الميسر"(2/ 450).
يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَهَزَمُوا فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ، وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالْغَنِيُّ الظَّلَومُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 2568، ن: 2570].
1923 -
[36] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ، فَخَلَقَ الْجبَالَ، فَقَالَ بِهَا عَلَيْهَا، فَاستَقَرَّتْ، فَعَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ شِدَّةِ الْجبَالِ، فَقَالُوا: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنِ الْجِبَالِ؟ . . . . .
ــ
وقوله: (يتملقني) تملقه: تودد إليه وتلطف له، والملق -محركة-: الود واللطف، والمراد هنا الدعاء وغاية التضرع، وقد يجيء الملق بمعنى أن تعطي باللسان ما ليس في القلب، فكأنه بهذا المعنى ما وقع في الحديث:(ليس من خلق المؤمن الملق)، وياء المتكلم في (يتملقني) يدل على أنه كلام اللَّه، رواه النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الحديث القدسي.
وقوله: (فأقبل بصدره) أبلغ في الإقبال والجرأة من أن يقال: بوجهه.
وقوله: (والغني الظلوم) قيل: أراد به مطله في أداء حق الغير.
1923 -
[36](أنس) قوله: (جعلت تميد) بالدال المهملة، أي: تتحرك.
وقوله: (فقال بها عليها) أي: ضرب بالجبال في الأرض حتى استقرت، كذا قال التُّورِبِشْتِي (1)، ونقل عن ابن الأنباري أنه قال: تقول العرب: قال بمعنى تكلم، وبمعنى أصل، وبمعنى مال، وبمعنى ضرب، وبمعنى استخرج، وبمعنى غلب، ونقل عن غيره: أن العرب تجعل القول عبارة عن كثير من الأفعال نحو: قال برجله بمعنى
(1)"كتاب الميسر"(2/ 450).
قَالَ: نَعَمْ، الْحَدِيدُ. قَالُوا: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، النَّارُ. فَقَالُوا: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْمَاءُ، قَالُوا: يَا رَبِّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، الرِّيحُ، فَقَالُوا: يَا رَبِّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، ابْنْ آدَمَ تَصَدَّقَ صَدقَةً بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَريبٌ. وَذُكِرَ حَدِيثُ مُعَاذٍ: "الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ" فِي "كِتَابِ الإِيمَانِ". [ت: 3369].
ــ
مشى، وقال بيده بمعنى أخذ، قال الطيبي (1): فالمراد ألقى بالجبال على الأرض، والباء زائدة كما في قوله:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195]، وفي بعض الحواشي قيل: القول بمعنى الأمر، والمفعول محذوف، أي: أمر اللَّه تعالى الملائكة بالجبال، أي: بوضعها على الأرض، وقيل: ضمن القول معنى الأمر، أي: أمر الجبال قائلًا: استقري عليها.
وقوله: (نعم، الحديد) هو أشد من الجبال يدقها ويكسرها، وهكذا في أخواته.
وقوله: (نعم، ابن آدم تصدق. . . إلخ)، أي: التصدق من بني آدم أشد من الريح ومن كل ما ذكر، وذلك إما لأن فيه مخالفة النفس وقهر الطبيعة أو الشيطان، ولا يحصل ذلك من شيء مما ذكر، أو لأن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وغضب اللَّه تعالى لا يقابله شيء في الصعوبة والشدة، وإذا فرض نزول عذاب اللَّه بالريح على أحد وتصدق في السر اندفع العذاب المذكور وانكشف، فكان أشد من الريح، وقيل: ذلك لعظم ثواب صدقة السر، وقيل: لأنه يحصل به مرضاة اللَّه تعالى.
(1)"شرح الطيبي"(4/ 119).