المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثالث: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌1 - باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تمني الموت وذكره

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب غسل الميت وتكفينه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب دفن الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب البكاء على الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌ الفصل الأول:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب صدقة الفطر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب من لا تحل له الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أفضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب من لا يعود في الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب رؤية الهلال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب تنزيه الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب صوم المسافر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب القضاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب صيام التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب ليلة القدر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الاعتكاف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثالث:

*‌

‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

1875 -

[17] عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّنَا أَسْرعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: "أَطْوَلُكُنَّ يَدًا" فَأَخَذوا قَصَبَةً يَذْرَعُونها، وَكَانَت سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَ طُولُ يَدِهَا الصَّدَقَةَ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ زينَبُ،

ــ

الفصل الثالث

1875 -

[17](عائشة) قوله: (أينا أسرع بك لحوقًا؟ ) اللحوق: انضمام شيء بشيء، واللحاق بالفتح: إدراك شخص غيره، والمقصود استكشاف أنه من يموت بعده صلى الله عليه وسلم من أزواجه بلا واسطة كما في حديث فاطمة:(إنك أول أهلي لحوقًا بي)(1).

وقوله: (فأخذوا) وضع ضمير المذكر مكان ضمير المؤنث تعظيمًا بشأنهن، وليس المراد أن رجالًا من أهل بيته صلى الله عليه وسلم أخذوا (قصبة يذرعونها) أي: أيديهن، وهو ظاهر، وليس أيضًا من باب التغليب كما قيل في قوله تعالى:{لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33]؛ لأن الذكور لم يكونوا داخلين في هذا الفعل كما في الرواية الأخرى: (وكانت يتطاولن أيتهن أطول يدًا).

وقوله: (إنما كانت طول يدها) أي: يد المرأة المرادة من قوله: (أطولُكُنَّ يدًا) يعني كان المراد باليد الصدقة؛ فإنه قد تستعمل اليد في معنى النعمة مجازًا، فيكون ذكر الطول ترشيحًا للمجاز.

وقوله: (وكانت أسرعنا لحوقًا به زينب) هي زينب بنت جحش، وماتت سنة عشرين أو إحدى وعشرين، فهي أول من ماتت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح،

(1) انظر: "سنن ابن ماجه"(1621).

ص: 330

كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 1420].

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: [م: 2452] قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْرَعكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلكُنَّ يَدًا". قَالَتْ: وَكَانَتْ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ، لأَنَّهَا كَانَت تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَتَصَدَّقُ.

ــ

قال الشيخ (1): وقع في (التاريخ الصغير) للبخاري بهذا الإسناد: (فكانت سودة رضي الله عنها أسرعنا لحوقًا)، وكذا أخرجه البيهقي، وكذا في رواية عفان عند أحمد وابن سعد أيضًا، وفسره الخطابي وقال: لحوق سودة به من أعلام النبوة، لكن هذا خلاف المعروف عند أهل العلم لاتفاق أهل السير على أنها زينب رضي الله عنها، صرح به النووي، وسبقه إلى نقل الاتفاق ابن بطال، فكانت ماتت في زمان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وبقيت سودة رضي الله عنه إلى أن توفيت في زمان معاوية في شوال سنة أربع وخمسين، حتى قال ابن الجوزي: هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم يتنبه عليه، كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها بلفظ:(فكانت أطولهن يدًا زينب) انتهى كلام الشيخ، وله فيه كلام بعد، وهذا الذي ذكره الشيخ للبخاري كان في (تاريخه الصغير) فإنه صرح فيه بأن سودة أسرعهن لحوقًا، ولفظ البخاري في (صحيحه) أيضًا ظاهر في ذلك؛ فإنه ليس فيه لفظ (زينب) في قوله:(فكانت أسرعنا لحوقًا به زينب) كما في أكثر نسخ (المشكاة)، فظاهر السياق أن الضمير لسودة.

فقال السيوطي: قال بعض الحفاظ: كأن الحديث سقط عنه لفظ (زينب) بعد قوله: (فكانت)، وعندي أنها من بعض نساخ الصحيح لا من المصنف، أو سقطت من المصنف حال الكتابة، وقيل: وإما أن في الحديث اختصارًا وطيًّا لذكر زينب رضي الله عنها،

(1) انظر: "فتح الباري"(3/ 286).

ص: 331

1876 -

[18] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ؟ ! لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ ! لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِق وزَانِيَة وغَنِيٍّ؟ فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقَ. . . . .

ــ

فالضمائر كلها لزينب لاشتهارها به، يعني اختصر البخاري القصة، ونقل القطعة الأخيرة من حديث فيه ذكر زينب، فالضمائر راجعة إليها، وإما أنه اكتفى بشهرة الحكاية فيعود الضمير إلى من هو مقرر في أذهانهم، وإما أن يأول الكلام بأن الضمير راجع إلى المرأة التي علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحوقها به أولًا، كذا قال الكرماني (1).

1876 -

[18](أبو هريرة) قوله: (قال رجل) يعني: من بني إسرائيل.

وقوله: (يتحدثون) أي: الناس بطريق التعجب أو الإنكار، ويقولون:(تصدق) بلفظ المجهول، أي: أرى من تصدق، (فقال) أي: الرجل شكرًا أو تعجبًا وتسليةً.

وقوله: (فأتِيَ) بلفظ المجهول، أي: أري في المنام أتاه ملك النوم.

وقوله: (فلعله يعتبر فينفق) فإن الغني إذا نظر إلى تصدقه اقتدى به، ويزجر عن صفة البخل.

(1)"شرح الكرماني"(7/ 190).

ص: 332

مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. [خ: 1421، م: 1022].

1877 -

[19] وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ، يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَان -الاسْمُ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ . . . . .

ــ

وقوله: (مما أعطاه اللَّه) وفي بعض النسخ: (مما آتاه اللَّه)، وكلاهما بمعنى (1).

1877 -

[19](أبو هريرة) قوله: (بفلاة) هي المفازة لا ماء فيها، أو الصحراء الواسعة، و (اسق) أمر للسحابة، و (الحديقة) الروضة ذات الشجر، والبستان من النخل والشجر، والقطعة من النخل.

وقوله: (فتنحى ذلك السحاب) أي: ذهب نحو حديقة فلان، (الحرة) أرض ذات حجارة، و (الشرجة) مسيل ماء من الحرة إلى السهل، والجمع: الشراج والشروج، والضمير في (تتبع) للرجل، و (المسحات) بكسر الميم وسكون السين، من سحا الطين يسحيه ويسحوه ويسحاه سحيًا: قشره وجرفه، [والمسحاة] ما سُحِيَ به (2)، والضمير

(1) قال القاري (4/ 1326): اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ فَقِير ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَنِيٌّ لَا يُعِيدُهَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ. وفي "المغني" (2/ 498): "وَإِذَا أَعْطَى مَنْ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا. فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: يُجْزِئُهُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي عُبَيْدِ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ.

(2)

انظر: "القاموس المحيط"(ص: 1189).

ص: 333

فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، وَيَقُول: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2984].

1878 -

[20] وَعَنْهُ أَنَّهُ سَمعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ ! قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَني النَّاسُ"، قَالَ: "فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإبِلُ -أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ شَكَّ إِسْحَاقُ- إِلَّا أَنَّ الأَبْرَصَ أَوِ الأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا: الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: الْبَقَرُ، قَالَ: . . . . .

ــ

في (يقول) للصوت مجازًا.

وقوله: (أما إذا قلت هذا) إشارة إلى أنه لا ينبغي إظهار أمر العبادة إلا بضرورة أو مصلحة اتقاء عن الرياء.

وقوله: (وأرد فيها) أي: في الحديقة، أي: لزراعتها وغرسها وعمارتها.

1878 -

[20](وعنه) قوله: (فأراد اللَّه) الفاء زائدة، أو لتضمن المبتدأ معنى الشرط، ومن جعل (أن) مانعة عنها يقدر الخبر، ويجعل الفاء للتعقيب.

وقوله: (ويذهب) بتقدير (أن) بالرفع والنصب، و (قذر) كفرح ونصر وكرم، قذرًا محركة وقذارة فهو قذر بالفتح وككتف، قذره كسمعه ونصره، ويقذره واستقذره: تجتنبه الناس.

ص: 334

فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا". قَالَ: "فَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ". قَالَ:"فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ"، قَالَ:"وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا"، قَالَ: "فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: . . . . .

ــ

وقوله: (فأعطي) بلفظ المجهول، أي: الأبرص.

وقوله: (ناقة) مبني على الرواية الأولى.

وقوله: (عشراء) بضم العين وفتح الشين، في (القاموس) (1): العشراء من النوق التي مضى لحملها عشرة أشهر، أو ثمانية، أو هي كالنفساء من النساء، قال في (النهاية) (2): وأكثر ما يطلق على الإبل والخيل، (فقال) أي: الملك.

وقوله: (فأعطي بقرة حاملًا) حملت المرأة تَحْمِلُ: عَلِقَتْ، وهي حامل وحاملة، كذا في (القاموس)(3)، وقال في (الصحاح) (4): فمن قال: (حامل) قال: هذا نعت لا يكون إلا للإناث، ومن قال:(حاملة) بناه على حملت فهي حاملة، فإذا حملت شيئًا على ظهرها أو رأسها فهي حاملة لا غير؛ لأن الهاء إنما ملحق للفرق، فأما ما لا يكون للمذكر فقد استغنى فيه عن علامة التأنيث، فإن أتي بها فإنما هو على الأصل، وهذا قول أهل الكوفة.

وقوله: (قال: بارك اللَّه) هنا بدون الفاء والواو، وفي الأول كان (فقال) بالفاء.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 410).

(2)

"النهاية"(3/ 240).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 908).

(4)

"الصحاح"(4/ 1676 - 1677).

ص: 335

أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ". قَالَ: "فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا.

فَأَنْتَجَ هَذَانِ، وَولَّد هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ". قَالَ: . . . . .

ــ

وقوله: (شاة والدًا) هو أيضًا مثل حامل، ويقال: هي والد ووالدة وولود.

وقوله: (فأنتج هذان) يعني صاحب الإبل والبقر، هكذا الرواية أنتج من الإنتاج، ويفهم من (المشارق)(1) أنه من رواة مسلم، وغيرهم رووا:(فنتج) بلفظ المعلوم وهو الصواب؛ لأن الناتج للإبل كالقابلة للنساء، يقال: نتجت الناقة أنتجها: إذا ولدتَها وتوليتَ نتاجها، فأما أنتجت فمعناه: حملت أو حان نتاجها أو ولدت فهي نتوج، ولا يقال: منتج، وأنكر بعضهم أنتجت على ما جاء في الرواية، وحكى الأخفش الوجهين: نتجت وأنتجت، وقال: لغتان، وقال النووي (2): أنتج لغة في نتج بمعنى تولي الولادة، وسيجيء الكلام فيه في قوله:(كما تنتج البهيمة) في حديث الفطرة.

وقوله: (وولد هذا) أي: الأعمى بصيغة المعلوم من التوليد، يقال: وَلَّدَ الرجل غنمه توليدًا، أي: تولى ولادة ماشيته، في (الصحاح) (3): فالناتج للإبل والمولد للغنم كالقابلة للنساء، وقد يستعمل الناتج في الغنم كالتوليد في مطلق الماشية، لكن الأغلب ما ذكر.

(1)"مشارق الأنوار"(2/ 5).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(9/ 334).

(3)

"الصحاح"(2/ 554).

ص: 336

"ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُوْرَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بِهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ مَالًا؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وُرِّثْتُ هَذَا الْمَالَ. . . . .

ــ

وقوله: (ثم إنه) أي: الملك المذكور.

وقوله: (في صورته وهيئته) أي: التي جاء فيها أول مرة، وهذا أدخل في شناعة منعه وإنكاره، (فقال: رجل) أي: أنا رجل (مسكين قد انقطعت بي) الباء للتعدية، (الحبال) بالباء الموحدة، أي: الأسباب في طلب الرزق، وفي (فتح الباري) (1): وفي بعض روايات مسلم: (الحيال) بالتحتانية جمع حيلة، وفي بعض روايات البخاري:(الجبال) بالجيم والموحدة وهو تصحيف، والمراد بهذا الكلام إنشاء الاستعطاف لا الإخبار حقيقة، و (البلاغ) بالفتح: اسم من الإبلاع، ويجيء بمعنى الكفاية أيضًا، وهو المراد هنا، أي: لا كفاية لي في تحصيل القوت، ويجوز أن يكون من البلوغ، أي: ما أبلغ به إلى غرضي.

وقوله: (ثم بك) بطريق التنزيل على وجه التسبب والمجاز، ويجوز أن يقال: رفعت حاجتي إلى اللَّه ثم إليك، ولا يجوز إلى اللَّه وإليك، واستعنت باللَّه وبك، و (بعيرًا) مفعول (أسألك)، و (أتبلغ) بالغين المعجمة: من البلغة بالضم ما يتبلغ ويتوصل ويكتفي به إلى العيش، و (ورثت) بلفظ المجهول من التوريث هكذا الرواية.

(1)"فتح الباري"(6/ 502).

ص: 337

كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ". قَالَ: "وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ". قَالَ: "وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أُجْهِدُكَ الْيَوْم شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فقد رَضِيَ عَنْكَ وَسَخَطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3464، م: 2964].

ــ

وقوله: (كابرًا عن كابر) الكابر: الكبير، أي: عن آبائي وأجدادي كبيرًا عن كبير في العز والشرف، و (إنْ) في (إن كنت كاذبًا) ليس للشك، بل فيه توبيخ وتقريع.

وقوله: (وأتى الأعمى في صورته وهيئته) إلى آخره، لم يختصر فيه كما اختصر في الأقرع؛ لأنه كان في حكم الأبرص في المنع، وأما الأعمى فقد اعترف بالنعمة وشكرها، فبالغ في استعطافه وسؤاله.

وقوله: (لا أجهدك) بضم الهمزة وكسر الهاء وبفتحها روايتان، والجهد الطاقة، ويضم، والمشقة، واجهَدْ جهدَك: ابلُغْ غايَتَك، وجَهَدَ كمنع.

وقوله: (فقد رضي عنك وسخط) كلاهما على لفظ المعلوم، أي: رضي اللَّه وسخط، وصححا أيضًا بلفظ المجهول، في (القاموس) (1): رضيه فهو مرضو ومرضي.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1184).

ص: 338

1879 -

[21] وَعَنْ أُمِّ بُجَيْدٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقِفُ عَلَى بَابِي حَتَّى أَسْتَحْيِيَ، فَلَا أَجِدُ فِي بَيْتِي مَا أَدْفَعُ فِي يَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ادْفَعِي فِي يَدِهِ وَلَوْ ظِلْفًا مُحْرَقًا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. [حم: 6/ 382، د: 1667، ت: 665].

1880 -

[22] وَعَنْ مَوْلًى لِعُثْمَانَ قَالَ: أُهْدِيَ لأُمِّ سَلَمَةَ بُضْعَةٌ مِنْ لَحْمٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ اللَّحْمُ، فَقَالَتْ لِلْخَادِمِ: ضَعِيهِ فِي الْبَيْتِ، لَعَلَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُهُ، فَوَضَعَتْهُ فِي كَوَّةِ الْبَيْتِ، وَجَاءَ سَائِلٌ فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: تَصَدَّقُوا، بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ، فَقَالُوا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ. فَذَهَبَ السَّائِلُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"يَا أُمَّ سَلَمَةَ! هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ أَطْعَمُهُ؟ ". فَقَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ لِلْخَادِمِ: اذْهَبِي فَأتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكِ اللَّحْم. فَذَهَبَتْ فَلَمْ تَجِدْ فِي الْكَوَّةِ إِلَّا قِطْعَةَ مَرْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:"فَإِنَّ ذَلِك اللَّحْمَ عَادَ مَرْوَةً لِمَا لَمْ تُعْطُوهُ السَّائِلَ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِل النُّبُوَّةِ". [هق: 2559].

ــ

1879 -

[21](أم بجيد) قوله: (أم بجيد) بباء موحدة مضمومة وفتح جيم وسكون تحتية وإهمال دال.

وقوله: (ولو ظلفًا) بكسر الظاء المعجمة وسكون اللام: للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير.

1880 -

[22](مولى لعثمان) قوله: (الخادم) الخادم يطلق على الذكر والأنثى، و (الكوة) بالفتح والضم، والكو: الخرق في الحائط، أو التذكير للكبير والتأنيث للصغير، و (المروة) حجارة بيض براقة توري النار، أو أصلب الحجارة.

وقوله: (لِما) بكسر اللام وتخفيف الميم وبفتحها وتشديد الميم، والأول أظهر،

ص: 339

1881 -

[23] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ مَنْزِلًا؟ قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: الَّذِي يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 1/ 237].

1882 -

[24] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ، وَبِيَدِهِ عَصَاهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَصِلُ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ فَضَرَبَ كَعْبًا وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا أُحِبُّ لَوْ أَنَّ لِي. . . . .

ــ

فتدبر.

1881 -

[23](ابن عباس) قوله: (الذي يسأل باللَّه) الباء للاستعانة أو القسم.

وقوله: (ولا يعطي به) قال الطيبي (1): وهذا مشكل إلا أن يهتم السائل بعدم الاستحقاق، وأقول: أو يكون المسؤول عنه محتاجًا لنفسه أو لعياله، ولا يكون له سوى ما في يده، واللَّه أعلم.

1882 -

[24](أبو ذر) قوله: (بيده) أي: بيد أبي ذر، (عصاة) التاء للوحدة مثل تمرة.

وقوله: (وترك مالًا) أي: مالًا عظيمًا، وقد روي أنه كان له أربع نسوة فصولحت على ربع الثمن الذي هو حقهن، فأصاب كل واحدة منهن ثمانين ألفًا.

وقوله: (فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبًا) كان أبو ذر رضي الله عنه من فقراء الصحابة وزهادهم، وكان مذهبه ترك الكل واختيار التجريد، وإلا فما أدى زكاته فلا كنز

(1)"شرح الطيبي"(4/ 91).

ص: 340

هَذَا الْجَبَلَ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّ أَوَاقِيَّ". أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا عُثْمَانُ! أَسَمِعْتَهُ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 1/ 63].

1883 -

[25] وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ. . . . .

ــ

ولا وعيد عليه، لاسيّما إذا وصلت فيه الحقوق من الصدقات النافلة (1)، و (هذا الجبل) إشارة إلى الجبل المتخيل المستحضر في الذهن تمثيلًا، أو يكون إشارة إلى جبل أحد، واللَّه أعلم.

وقوله: (ويتقبل مني) فيه مبالغة، أي: مع أنه يتقبل ويترتب عليه الثواب، و (أذر) مفعول (أحب) بتقدير أن بالرفع بعد تقديرها كقوله: وتسمع بالمعيدي.

وقوله: (ثلاث مرات) ظرف (قال) أي: قاله أبو ذر ثلاث مرات.

1883 -

[25](عقبة بن الحارث) قوله: (إلى بعض حجر نسائه) متعلق بـ (قام) أو (مسرعًا).

(1) قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَضْرِبُهُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَنْزٍ بَعْدَ إِخْرَاجِ حَقِّ اللَّهِ مِنْهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ نَفَى الْبَأْسَ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُحَاسَبُ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ أَيْ: بِخَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَقَامَ الأَعْلَى هُوَ صَرْفُ الْمَالِ فِي مَرْضَاةِ الْمَوْلَى كَمَا هُوَ طَرِيقُ أَكْثَرِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَصْفِيَاءِ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ إِشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ كَعْبًا أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى إِجْمَالًا بِقَوْلِهِ:(لَا بَأْسَ) فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الرُّخْصَةِ دُونَ الْعَزِيمَةِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَظْهَرُ وَجْهُ الإِهَانَةِ لَا سِيَّمَا فِي حَضْرَةِ الْخَلِيفَةِ، وَلَعَلَّ أَبَا ذَرٍّ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْجَذْبَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى الضَّرْبَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِـ (لَا بَأْسٍ) نَفْيَ الْحُرْمَةِ أَوِ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَلَعَلَّ هَذَا الْفِعْلَ وَأَمْثَالَهُ مِمَّا صَدَرَ عَنْهُ فِي جَذْبِهِ حَالَةَ أَمْرِ عُثْمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى رَبْزَةَ حَتَّى تُوفِيَ بِهَا رضي الله عنهما. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1331).

ص: 341

عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، قَالَ:"ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ: "كُنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَةِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ". [خ: 851، 1430].

1884 -

[26] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدِي فِي مَرَضِهِ سِتَّةُ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةٌ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُفَرِّقَهَا، فَشَغَلَنِي وَجَعُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا:"مَا فَعَلَتِ السِّتَّةُ أَوِ السَّبْعَةُ؟ " قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كَانَ شَغَلَنِي وَجَعُكَ، فَدَعَا بِهَا، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي كَفِّهِ، فَقَالَ:"مَا ظَنُّ نبِيِّ اللَّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ عز وجل وَهَذِهِ عِنْدَهُ؟ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 6/ 104].

ــ

وقوله: (أن يحبسني) أي: يمنعني عن مقام الزلفى ويلهيني عن خالص التوجه.

وقوله: (أبيته) أي: أتركه يدخل عليه الليل.

1884 -

[26](عائشة) قوله: (ما فعلت الستة)(1) فعلٌ وفاعلٌ، أي: ما حالها؟ وإلى ما صارت، أنفقتها أم لا؟ فقولها:(لا) اختيار للشق الأول المقدر، ويحتمل أن تكون كلمة (لا) من لواحق القسم كما يقولون: لا واللَّه، وهي أيضًا وإن كانت نفيًا للكلام السابق لكن يكون قوله:(ما فعلت الستة) في معنى قد قصرت في تفريقها، فقالت:(لا واللَّه، شغلني وجعك)، فافهم.

وقوله: (ما ظن نبي اللَّه) الإضافة إلى الفاعل، أي: هي منافية لمقام النبوة.

(1) قال القاري (4/ 1332): بِالرَّفْعِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِذَا رُوِيَ بِالنَّصْبِ كَانَ "فَعَلْتِ" عَلَى خِطَابِ عَائِشَةَ، اهـ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا فَعَلْتِ بِالسِّتَّةِ أَوِ السَّبْعَةِ؟ يَعْنِي هَلْ فَرَّقْتِهَا أَوْ مَا فَرَّقْتِهَا "قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ" أَيْ: مَا فَرَّقْتُهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقَسَمِ تَحْقِيقُ التَّقْصِيرِ لِيَكُونَ سَبَبًا لِقَبُولِ الْعُذْرِ.

ص: 342

1885 -

[27] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ، وَعِنْدَهُ صُبْرَةٌ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟ " قَالَ: شَيْءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ. فَقَالَ: "أَمَا تَخْشَى أَنْ تَرَى لَهُ غَدًا بُخَارًا فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَنْفِقْ بِلَالُ! وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا"(1).

1886 -

[28] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّخَاءُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، فَمَنْ كَانَ سَخِيًّا أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا فَلَمْ يَتْرُكْهُ الْغُصْنُ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. وَالشُّحُّ شَجَرَةٌ فِي النَّارِ، فَمَنْ كَانَ شَحِيْحًا أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا فَلَمْ يَتْرُكْهُ الْغُصْنُ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ". رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [شعب: 1345، 10877].

1887 -

[29] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَادِرُوا بِالصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَا يَتَخَطَّاهَا". رَوَاهُ رَزِينٌ.

* * *

ــ

1885 -

[27](أبو هريرة) قوله: (أن ترى له غدًا بخارًا) أي: أثرًا يصل إليك، يقال: أصابه من بخاره، أي: يصل أثره إليه، وهذا إرشاد إلى مقام التوكل والوثوق باللَّه.

1886 -

[28](وعنه) قوله: (السخاء شجرة في الجنة) أي: كشجرة ذات شعب وأغصان، فمن تعلق بطرف منها دخل الجنة.

1887 -

[29](علي) قوله: (لا يتخطاها) أي: لا يتجاوزها، تفعّل من الخطو.

(1) قال القاري (4/ 1332): "أَنْفِقْ بِلَالُ! " أَيْ: يَا بِلَالُ "وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا" أَيْ: فَقْرًا وَاعِدًا مَا، وَهَذَا أَمْرٌ إِلَى تَحْصِيلِ مَقَامِ الْكَمَالِ وَإِلَّا فَقَدْ جَوَّزَ ادِّخَارَ الْمَالِ سَنَةً لِلْعِيَالِ وَكَذَا لِضُعَفَاءِ الأَحْوَالِ، قِيلَ: وَمَا أَحْسَنَ مَوْقِعَ ذِي الْعَرْشِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، أَيْ: أَتَخْشَى أَنْ يُضَيِّعَ مِثْلَكَ مَنْ هُوَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ؟ اهـ.

ص: 343