المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثالث: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌1 - باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تمني الموت وذكره

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب غسل الميت وتكفينه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب دفن الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب البكاء على الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌ الفصل الأول:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب صدقة الفطر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب من لا تحل له الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أفضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب من لا يعود في الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب رؤية الهلال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب تنزيه الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب صوم المسافر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب القضاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب صيام التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب ليلة القدر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الاعتكاف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثالث:

فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3159].

*‌

‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

1626 -

[11] عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ لِلأَحْيَاءِ؟ . . . . .

ــ

وقوله: (ابن وحوح) بضم واوين وسكون حاء مهملة أولى، كذا في (المغني)(1)، والصواب فتحهما، وكذا صحح في شرح الشيخ وفي نسخ الكتاب، وهو المشهور.

وقوله: (فآذنوني) بمد الألف، أي: أعلموني به حتى أصلي عليه، يعني عجلوا في الإعلام.

وقوله: (لجيفة مسلم) في (القاموس)(2): الجيفة بالكسر: جثة الميت، وفي (مختصر النهاية) (3): إذا أنتنت، وجاف وجيف واجتاف: أنتن، وكأنه بها سميت بالجيفة؛ لأن من شأنه أن يجتاف إذا أمهل.

وقوله: (ظهراني أهله) لفظ (ظهراني) مقحم، وقد يجمع، وقد مر بيانه.

الفصل الثالث

1626 -

[11](عبد اللَّه بن جعفر) قوله: (كيف للأحياء) أي: كيف هذا الدعاء

(1)"المغني"(ص: 285).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 736).

(3)

"الدر النثير"(1/ 201).

ص: 89

قَالَ: "أَجْوَدُ وَأَجْوَدُ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. [جه: 1446].

1627 -

[12] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا تَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُفْتَحَ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ، فَيُقَالُ: . . . . .

ــ

لنا لو قلناه أيحسن للأحياء أم لا؟ قالوه حرصًا على ذكر اللَّه، ولما توهموا اختصاصه بالموتى سألوه.

وقوله: (وأجود) من الجودة، والتكرير للتأكيد، والواو فيه يفيد الاستمرار، كذا قال الطيبي (1).

1627 -

[12](أبو هريرة) قوله: (كانت) الغيبة باعتبار النفس، أي: التي كانت كما هو القياس بعد النداء نحو: يا أيها الذين آمنوا، لو قيل:(كُنْتِ) اعتبارا للمعنى لجاز أيضًا نحو: أنا الذي سمتني أمي حيدره، كما يقرر في علم المعاني، و (كانت) حال أو صفة بعد صفة.

وقوله: (بروح وريحان) الروح بفتح الراء بمعنى الراحة، وروي بضمها، وأريد به الرحمة أو البقاء، والريحان بمعنى الرزق كذا فسر في قوله تعالى:{ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12]، وفي قوله تعالى:{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89].

وقوله: (فيفتح لها) بالياء التحتانية مسند إلى الجار والمجرور.

(1)"شرح الطيبي"(3/ 342).

ص: 90

مَرْحَبًا بِالنَّفسِ الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَريحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا تَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالَ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بِحَمِيمِ وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ،

ــ

وقوله: (يقال لها) أي: للنفس.

وقوله: (فيها اللَّه) أي: عظمته وكبرياؤه الخاصة كما يكون للملوك والأمراء، وللَّه المثل الأعلى، واللَّه أعلم، وقال الطيبي (1): أي فيها رحمة اللَّه وهي الجنة، والمراد السماء السابعة كما يأتي في حديث البراء.

وقوله: (الرجل السوء) بضم السين وفتحها وهو مرفوع صفة للرجل، أو منصوب على الخبرية لكان كما في قوله:(فإذا كان الرجل صالحًا).

وقوله: (اخرجي) أي: قال قائل من الملائكة التي حضرت، ولعل إيراد لفظ الجمع في الرجل الصالح لتكريمه والاعتناء بشأنه.

وقوله: (بحميم) أي: ماء حار.

وقوله: (غساق) بالتخفيف والتشديد: صديد أهل النار يسيل عنهم، غسقت العين: سال دمعها، والمراد الإخبار بالعذاب الذي يكون لها في جهنم.

وقوله: (وآخر) بالنصب عطف على محل (حميم)، والرفع أي له عذاب آخر (من شكله) أي: مثل ما ذكر (أزواج) أي: أصناف صفة لـ (آخر) لإرادة الجنس.

(1)"شرح الطيبي"(3/ 343).

ص: 91

فَمَا تَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا لَا تفتح لكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَتُرْسَلُ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْر". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. [جه: 4216].

1628 -

[13] وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا". قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ، قَالَ:"وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ". . . . .

ــ

1628 -

[13](وعنه) قوله: (إذا خرجت روح المؤمن) الروح يذكر ويؤنث.

وقوله: (تلقاها) بتشديد القاف وتخفيفها.

وقوله: (ملكان) وذكر الملائكة في الحديث السابق بإرادة ما فوق الواحد، أو كان يلقى بعضهم ملكان وبعضهم أكثر.

وقوله: (قال حماد) هو راوي الحديث من أبي هريرة، كأنه نسي لفظ الحديث.

وقوله: (فذكر) بالمعنى، وفاعل (ذكر) أبو هريرة أو الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (وذكر المسك) أي: بطريق التشبيه، أي: رائحة كرائحة المسك.

وقوله: (صلى اللَّه عليك) خطاب للروح على طريقة الالتفات.

وقوله: (تعمرينه) بضم الميم، والمراد بآخر الأجل أجل القيامة، أو المراد البرزخ، أي: انطلقوا به إلى المكان الذي أُعدَّ له إلى يوم الحشر.

ص: 92

قَالَ: "وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ" قَالَ حَمَّادٌ: وَذَكَرَ مِنْ نَتَنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا. "وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ، فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَل"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَرَدَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2872].

1629 -

[14] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَريحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ،

ــ

وقوله: (فيقال) ذكر ههنا (يقال) وثمة (يقول) إشارة بأن اللَّه تعالى يقول للمؤمن تشريفًا له واعتناء بالرحمة، والكافر مبعود مطرود من الحضرة تقول له الملائكة.

وقوله: (ريطة) بفتح الراء وسكون التحتانية: كل ملاءة غير ذات لِفْقَيْنِ، كلها نَسْجٌ واحد، وقطعة واحدة، أو كل ثوب ليِّنٍ رقيق، كذا في (القاموس)(1).

وقوله: (هكذا) أي: كفعلي هذا، فعله أبو هريرة ليُريَ الحاضرين صورة فعله صلى الله عليه وسلم، كوشف له صلى الله عليه وسلم عن نتنه، فردَّ الريطة على أنفه.

1629 -

[14](وعنه) قوله: (عنك) مفعول ما لم يسم فاعله لقوله: (مرضيًا)، ولهذا لم يقل: مرضية.

وقوله: (فتخرج كأطيب) أي: رائحة كأطيب روائح المسك، أي: تخرج الروح بهذه الرائحة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 615).

ص: 93

حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَأْتُوا بِهِ أَبْوَابَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدُمُ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلْونَهُ: مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا. فَيَقُولُ: قَدْ مَاتَ، أَمَا أَتَاكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: قَدْ ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ: أُخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عز وجل. فَتَخْرُجُ كَأنتن رِيحٍ جِيفَةٍ حَتَّى يأْتُونَ بِهِ إِلَى بَابِ الأَرْضِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. [حم: 4/ 287، ن: 1833].

ــ

وقوله: (ليناوله بعضهم بعضًا) أي: يتداولونه تبركًا وتعظيمًا للروح، والروح يذكر ويؤنث.

وقوله: (دعوه) أي: لا تسألوه ولا تنقبوه حتى يذهب عنه بقايا غم تعب الدنيا فيستريح فحينئذ سألوه.

وقوله: (بمسح) بكسر الميم: البلاس.

وقوله: (باب الأرض) أي: باب سماء الأرض، كما يدل عليه الحديث السابق، ويحتمل أن يراد باب الأرض فيردونه إلى أسفل السافلين، كذا قال الطيبي (1).

وقوله: (حتى يأتون) على حد {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 214] على قراءة الرفع، كذا في شرح الشيخ، ويحتمل أن يكون (حتى) حرف ابتداء استحضارًا لتلك الحال.

(1)"شرح الطيبي"(3/ 346).

ص: 94

1630 -

[15] وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:"اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ" قَالَ: "فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنَ السِّقَاءِ فَيَأْخُذهَا،

ــ

1630 -

[15](البراء بن عازب) قوله: (ولما يلحد) أي: لم يلحد بعد.

وقوله: (ينكت به) والنكت أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها، كذا في (القاموس)(1)، وبهذه العلاقة من اللزوم تسمى المعنى الدقيق: نكتة؛ لأن من عادة المتفكر أن ينكت، وقيل: لتأثيره في القلب. و (الحنوط) كصبور وككتاب: كل طيب يخلط للميت.

وقوله: (تسيل كما تسيل القطرة) يريد خروج الروح من البدن بسهولة ولين وسرعة. و (السقاء) بكسر السين: جلد السخلة إذا جدع يكون للماء واللبن، بالفارسية: مشك.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 162).

ص: 95

فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا في ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ"، قَالَ: "فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا- عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذِه الرُّوْحُ الطّيِّبُ؟ ! فَيَقُولُونَ: فلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحَ لَهُ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي علِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ،

ــ

وقوله: (فإذا أخذها) أي: ملك الموت الروح سلمها إلى أعوانه إلى الملائكة الذين معهم كفن من أكفان الجنة.

وقوله: (لم يدعوها في يده) أي: لم يترك هؤلاء الملائكة الروح في يد ملك الموت.

وقوله: (ما هذا الروح الطيب) الروح يذكر ويؤنث كما ذكرنا.

وقوله: (فيشيعه) الضمير لفلان أو للروح وهو يذكر ويؤنث، والتشييع والمشايعة: الذهاب مع أحد ومتابعته.

وقوله: (مقربوها) بفتح الراء: الملائكة المقربون في تلك السماء، فالإضافة بأدنى ملابسة، (حتى ينتهى به) بلفظ المجهول.

وقوله: (في عليين) اسم موضع في السماء السابعة.

وقوله: (وأعيدوه إلى الأرض) أي: إلى جسده الذي دفن في الأرض.

ص: 96

فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى، قَالَ:"فَتُعَادُ رُوْحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأُتيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُول: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءَ أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: "فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ" قَالَ: "وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ أَحْسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْه يَجِيء بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ،

ــ

وقوله: (فأفرشوه) بقطع الهمزة، أي: اجعلوا له فراشًا من فرش الجنة.

وقوله: (فيفسح) من الفسح أو التفسيح.

وقوله: (فوجهك الوجه) أي: وجهك هو الكامل في الحسن والجمال والكمال، وحقٌّ لمثل هذا الوجه أن يجيء بالخير ويبشر بمثل هذه البشارة. و (يجيء بالخير)(1) صفة الوجه لأن لامه للعهد الذهني.

وقوله: (فيقول: رب أقم الساعة) أي: أحيني حتى أرجع إلى الدنيا وأزيد في

(1) جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَقِيلَ: الْمَوْصُولُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: وَجْهُكَ الَّذِي يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1179).

ص: 97

حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي". قَالَ: "وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ" قَالَ: "فَتَفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُودُ من الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَتَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ،

ــ

العمل الصالح حتى يزيد ثوابًا ودرجة، لكنه لما علم أن ليس الإحياء بعد الموت إلا بالبعث يوم القيامة طلب قيام الساعة كناية عن الإحياء، هذا ويحتمل أن يكون المراد حتى أرجع إلى أهلي ومالي لفرط سروره، وتمنيه الرجوع إليهم ليخبرهم به، كما يقول، ويتمنى المسافر الذي حصل له التنعم في بلاد الغربة كما جاء في الحديث.

وقوله: (فتفرق) أي: تفرق الروح (في جسده) وتنتشر في أعماقه فزعًا وكراهة الخروج إلى ما يضرها على عكس حال روح المؤمن في سرعة الخروج نشاطًا وسرورًا وحسن النظر إلى ما يسرها.

(فينتزعها) الانتزاع متعد ولازم، والنزع متعد. و (السفود) كتنور: حديدة يشوى بها اللحم ويبقى معها بقية من المحروق، فيتصحب عند الجذب شيئًا من ذلك الصوف المبلول.

وقوله: (فيأخذها) أي: ملك الموت الروح.

وقوله: (لم يدعوها) أي: الملائكة الروح.

ص: 98

فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الْخَبيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ -بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا- حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ"، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40]. فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّين فِي الأَرْض السُّفْلَى، فتطرح رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]،

ــ

وقوله: (كان يسمى بها) وذكر فيما قبل (يسمونه بها) تكريمًا، ولذلك ذكر هنا (اكتبوا كتابه) وهناك (كتاب عبدي)، فتدبر.

وقوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) يعني: يدخل ما هو مثل في عظم الجرم، وهو البعير فيما هو مثل في ضيق المسلك، وهو ثقبة الإبرة، وذلك مما لا يكون، فكذلك ما توقف عليه، كذا قال البيضاوي (1)، والسم بالفتح: الثقب، والقاتل المعروف، ويثلث فيها، كذا في (القاموس)(2).

وقوله: (فكأنه خر من السماء) أي: سقط؛ لأنه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر.

وقوله: (فتخطفه) أي: تسلبه الطير؛ لأن الأهواء الرديئة توزع أفكاره.

وقوله: (أو تهوي به) بكسر الواو، أي: تلقيه، والباء للتعدية.

وقوله: (في مكان سحيق) أي: بعيد؛ فإن الشيطان قد طرح به في الضلالة،

(1)"تفسير البيضاوي"(1/ 338).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 1035).

ص: 99

فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ. وَفِي رِوَايَة نَحوه، وَزَاد فِيهِ:"إِذَا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّه أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ. وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ -يَعْنِي الْكَافِرَ- مَعَ الْعُرُوقِ، فَيَلْعَنُهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَكلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّه أَنْ لَا يُعْرِجَ رُوحَهُ مِنْ قِبلِهِمْ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 5/ 287].

ــ

و(أو) للتخيير، كما في قوله:{أَوْ كَصَيِّبٍ} أو للتنويع، فإن من المشركين من لا خلاص له أصلًا، ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة ولكن على بعد، كذا في (تفسير البيضاوي)(1).

وقوله: (وتنزع نفسه مع العروق) كناية عن الشدة.

(1)"تفسير البيضاوي"(2/ 88).

ص: 100

1631 -

[16] وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ كَعْبًا الْوَفَاةُ أَتَتْهُ أُمُّ بِشْرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنْ لَقِيتَ فُلَانًا فَاقْرَأْ عَلَيْهِ مِنِّي السَّلَامَ. فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكِ يَا أُمَّ بِشْرٍ، نَحْنُ أَشْغَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلُقُ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَتْ: فَهُوَ ذَاكَ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ في كِتَابِ "الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ". [جه: 4271، البعث: 226].

ــ

1631 -

[16](عبد الرحمن بن كعب) قوله: (معرور) بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الراء الأولى.

وقوله: (فأقرأ) من الإقراء، وفي نسخة من القراءة، قال في (القاموس) (1): قرأ عليه السلام: أبلغه، كأقرأه، ولا يقال: أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبًا.

وقوله: (نحن أشغل) أي: بأعمالنا وجزائها.

وقوله: (من ذلك) أي: بعيد من إقراء السلام فإنه يستدعي الفراغ.

وقوله: (سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . إلخ)، أي: لست ممن يشغل عن ذلك بل أنت ممن ورد فيهم هذه الكرامة.

وقوله: (تعلق) علقت الإبل العِضاه كنصر وسمع: رعتها من أعلاها، والباء في (بشجر الجنة) زائدة للملابسة تفيد الاتصال واللحوق.

وقوله: (فهو ذاك) أي: فالفضل والكرامة الذي يرجى لك ذاك، فتكون أنت في

(1)"القاموس المحيط"(ص: 59).

ص: 101

1632 -

[17] وَعَنْهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّما نسمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ تَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ". رَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ". [ط: 568، ن: 2073، البعث: 224].

1633 -

[18] وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَمُوتُ فَقُلْتُ: اقْرَأْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَام. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. [جه: 1450].

* * *

ــ

غاية السرور والحبور لا مشغولًا ومتعوبًا، وفي الحديث دليل على أن الروح باقية لا يفنى ينعم ويعذب.

1632 -

[17](وعنه) قوله: (إنما نسمة المؤمن) أي: روحه، والنسمة يطلق على الروح والبدن، وفي (القاموس) (1): النسمة محركةً: الإنسان، وقد يقيد المؤمن بالشهيد، وقيل: بل المراد جميع المؤمنين، وهو ظاهر الحديث، واللَّه أعلم.

وقوله: (طير) أي: في طير، وفي رواية:(وفي جوف طير خضر)، وفي رواية:(كطير أخضر)، وفي اخرى:(بحواصل الطير)، وفي أخرى:(في صورة طير بيض)، والكل ثابت في قدرة اللَّه سبحانه لا مجال للعقل في ذلك.

وقوله: (حتى يرجعه) من المرجع متعديًا، لا من الرجوع لازمًا.

1633 -

[18](محمد بن المنكدر) قوله: (فقلت اقرأ) صحح بالأمر من القراءة.

(1)"القاموس"(ص: 1071).

ص: 102