المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٤

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(5) كتاب الجنائز

- ‌1 - باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب تمني الموت وذكره

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب غسل الميت وتكفينه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب دفن الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب البكاء على الميت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(6) كتاب الزكاة

- ‌ الفصل الأول:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ما يجب فيه الزكاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب صدقة الفطر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب من لا تحل له الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب فضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب أفضل الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب صدقة المرأة من مال الزوج

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب من لا يعود في الصدقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌(7) كتاب الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب رؤية الهلال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب تنزيه الصوم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب صوم المسافر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب القضاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب صيام التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب

- ‌‌‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب ليلة القدر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الاعتكاف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

‌6 - باب صيام التطوع

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

2036 -

[1] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيْلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1969، م: 1156].

ــ

6 -

باب صيام التطوع

تطوَّعَ: تفعَّلَ من الطَّوع بمعنى الانقياد، طاع له يطوع ويطاع: انقاد، فرس طَوْعُ الْعِنَان: سَلِسٌ، ويقال: تطوع بالشيء: تبرع منه، كذا في (الصحاح)(1)، وقال في (القاموس) (2): صلاة التطوعِ: النافلةُ، وكل متنفّلِ خيرٍ: متطوّعٌ.

الفصل الأول

2036 -

[1](عائشة) قوله: (حتى نقول) بالنون، وفي بعض النسخ بالتاء على خطاب العام، وفي شرح ابن الملك: ويجوز بياء الغائب، أي: يقول القائل، ولكن الرواية الصحيحة بالنون على لفظ المتكلم.

وقوله: (ما رأيته) الضمير لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكذا في (منه)، و (رأيت) إما بمعنى علمت أو أبصرت، و (أكثر) إما مفعول ثان أو حال، و (في شعبان) متعلق بـ (صيامًا).

وقوله: (كان يصوم شعبان إلا قليلًا) قيل: هو تفسير للأول، وبيان أن المراد

(1)"الصحاح"(3/ 1255).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 687).

ص: 467

2037 -

[2] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلَّا رَمَضَانَ، وَلَا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1156].

2038 -

[3] وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ سَأَلَهُ أَوْ سَأَلَ رَجُلًا وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ فَقَالَ: "يَا أَبَا فُلَانٍ! . . . . .

ــ

بالكل الأكثر، قال ابن المبارك: ومن عادة العرب أنه إذا صام أحد أكثر الشهر قالوا: صام كله، كما يقال: يقوم الليل كله ويصلي، وهو يأكل فيه ويفعل أفعالًا سوى الصلاة، وبالجملة تنزيل الأكثر منزلة الكل من عادة الناس في المحاورات مبالغة، وفي نسخة:(وكان يصوم) بالواو، وعلى هذا يكون المعنى كان يصوم تارة كله وأخرى أكثر، وهذا أحسن وأقوى، فافهم.

2037 -

[2](عبد اللَّه بن شقيق) قوله: (حتى يصوم منه) أي: بعضه، و (حتى) الأولى بمعنى كي، والثاني بمعنى إلى، وقيل: المراد يصوم كله في سنة، وأكثره في سنة أخرى.

وقوله: (حتى مضى لسبيله) كناية عن الموت، أي: إلى أن توفي، وفي (القاموس) (1): مضى سبيله: مات (2).

2038 -

[3](عمران بن حصين) قوله: (أنه سأله) الضمير المرفوع للرسول صلى الله عليه وسلم، والمنصوب لعمران.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1225).

(2)

قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا لَمْ يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه، وفيه أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُخَلِّيَ شَهْرًا مِنْ صِيَامٍ. "شرح النووي على صحيح مسلم"(8/ 37).

ص: 468

أَمَا صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1983، م: 1161].

2039 -

[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ،

ــ

وقوله: (أما صمت من سرر شعبان؟ ) بفتح السين وكسرها، وحكي ضمها، وروي (من سرار هذا الشهر) وهما بمعنى، ويجيء بمعنى أول الشهر وأوسطه وآخره، ذكره في (القاموس)(1)، فقيل: المراد هنا أوله أو مستهله أو وسطه لا آخره، إذ لم يأت في صوم آخره ندب، بل ورد النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين كما سبق.

وقال الأزهري: لا أعرفه بهذا المعنى إنما يقال: سرار الشهر وسراره وسرره لآخر ليلة يستتر الهلال بنور الشمس. فيجاب أنه كان معتادًا بصيام آخره أو نذره، فتركه لظاهر النهي، فبين صلى الله عليه وسلم أن المعتاد أو المنذور ليس بمنهي.

وقد يقال: هو سؤال زجر وإنكار، ولا يناسبه قوله:(فإذا أفطرت) أي: رمضان، أي: فرغت منه (فصم يومين)، فالظاهر أن هذا الرجل قد أوجبه على نذر فاستحب له الوفاء بالنذر، وقد ورد في الحديث (2):(صوموا الشهر وسرّه)، فقيل: أوله، وقيل: مستهله، وقيل: وسطه، وقالوا: سر كل شيء جوفه، فكأنه أراد أيام البيض، فتدبر (3).

2039 -

[4](أبو هريرة) قوله: (شهر اللَّه المحرم) أي: صومُه، وقالوا: المراد

(1)"القاموس المحيط"(ص: 379).

(2)

أخرجه أبو داود (2339).

(3)

في "التقرير": والحديث مما استدل به أحمد على وجوب صوم يوم الشك، وحمله الشامي على الاستحباب.

ص: 469

وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1163].

2040 -

[5] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ. . . . .

ــ

يوم عاشوراء ذكرًا للكل وإرادة للجزء الأعظم، ويؤيده الحديث الآتي من ابن عباس رضي الله عنه، والإضافة إلى اللَّه للتشريف لا للتخصيص، ولو أريد المحرم كله صار محلًا أن يستفسر عن وجه صيام شعبان كله أو أكثره دون المحرم، ويقال في جوابه: لعله ظهر فضل شعبان أخيرًا، أو لعله كان يمنع من صيام المحرم مانع، واللَّه أعلم.

وقوله: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) فيه دليل لمن قال بذلك، وقال كثير من الشافعية: الرواتب أفضل بعد الفريضة، كذا قال الطيبي (1)، ولكن قال في (الحاوي) (2) في مذهب الشافعي رحمه الله: أفضل النفل صلاة العيد، فالخسوف، فالاستسقاء، فالوتر، ثم ركعتان قبل الصبح، ثم قبل الظهر وبعده، وبعد المغرب والعشاء، ثم التراويح، ثم الضحى، ثم ركعتا الطواف والإحرام والتحية، هذا عند الشافعية، وأما عندنا فالرواتب أفضل، وأفضلها وأقواها ركعتا الفجر، ثم سنة المغرب، ثم ركعتا العشاء، ثم أربع ركعات قبل الظهر، وقيل: السنة قبل الظهر مثلها بعد ركعتي الفجر، كذا ذكره الشُّمُنِّي، وأما العيدان والوتر فواجبة عندنا.

2040 -

[5](ابن عباس) قوله: (فضّله على غيره) بلفظ الماضي من التفضيل صفة (يوم) أو (صيام)، وقد يروى (فَضْلِه) بالتخفيف بلفظ المصدر، فهو بدل اشتمال منه.

(1)"شرح الطيبي"(4/ 177).

(2)

"الحاوي الكبير"(2/ 383).

ص: 470

إلَّا هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2006، م: 1132].

ــ

وقوله: (إلا هذا اليوم يوم عاشوراء) وقيل: لعل هذا على فهم ابن عباس، وإلا فيوم عرفة أفضل الأيام (1) ما عدا الجمعة، فبينهما اختلاف، والمختار هو الأول، وعاشوراء بالمدّ والقصر، وكذا عشوراء وعاشور اسم لليوم العاشر من المحرم، وقيل: لليوم التاسع، كذا في (القاموس)(2)، وسيجيء أن الصواب هو الأول، ثم قيل: عاشوراء اسم لليلة، ويوم عاشور بالإضافة بمعنى يوم الليلة العاشوراء، وبعد غلبة الاسمية ترك ذكر الموصوف، كذا ذكره بعضهم.

(1) قال القاري (4/ 1412): وَدُفِعَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فَضْلِ الصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ لَا فِي فَضْلِ الْيَوْمِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْيَوْمَ أَيْضًا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، انتهى. وقال الحافظ (4/ 249): هذا يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان لكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره، وقد روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعًا:"إن صوم عاشوراء يكفر سنة وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين" وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل، انتهى.

وقال الإمام ولي اللَّه الدهلوي في "حجة اللَّه البالغة"(2/ 84): اعلم أن السِّرّ فِي صَوْم عَرَفَة أَنه تشبُّهٌ بالحاجِّ، وَتَشَوُّقٌ إِلَيْهِم، وَتعرُّضٌ للرحمة الَّتِي تنزل عَلَيْهِم، وسِرُّ فَضله على صَوْم يَوْم عَاشُورَاء أَنه خوض فِي لُجَّةِ الرَّحْمَة النَّازِلَة ذَلِك الْيَوْم، وَالثَّانِي تعرُّضٌ للرحمة الَّتِي مَضَت، وَانْقَضَت، فَعَمِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى ثَمَرَة الْخَوْض فِي لجة الرَّحْمَة -وَهِي كَفَّارَةُ الذُّنُوب السَّابِقَة، والنُّبُوُّ عَنِ الذُّنُوب اللاحقة بأن لا يقبلهَا صميم قلبه-، فَجَعلهَا لصوم عَرَفَة، وَلم يَصُمْه رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي حجَّته، لما ذكرنا فِي التَّضْحِيَة وَصَلَاةِ الْعِيد من أَن مبناها كلّهَا على التَّشَبُّه بالحاج، وَإِنَّمَا المتشبهون غَيرهم. انتهى.

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 410).

ص: 471

2041 -

[6] وَعَنْهُ قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ يَوْمٌ يُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1134].

ــ

2041 -

[6](ابن عباس) قوله: (لأصومن التاسع) الظاهر أن المراد لأضم إليه يومًا آخر ليخالف اليهود في تعظيمه، وخص التاسع لتقدمه على يوم عاشوراء، وهو أدخل في نفي التعظيم عنه، ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يعش إلى قابل ولم يضم، لكن صار صوم التاسع سنة بهذا القول، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم عاشوراء البتة، وكان ذلك من أوكد السنن عنده، كما يجيء من حديث حفصة في (الفصل الثالث)، وقالوا: مراتب صوم المحرم ثلاث: الأفضل أن يصوم يوم العاشر ويومًا قبله ويومًا بعده (1)، وقد جاء ذلك في حديث أحمد والبزار عن ابن عباس (2)، وثانيهما: أن يصوم التاسع والعاشر، وثالثهما: يصوم العاشر فقط، وقد جاء في التاسع والعاشر أحاديث، ولهذا لم يجعلوا صوم العاشر والحادي عشر من المراتب وإن كانت مخالفة اليهود في هذه الصورة أيضًا، وكذا لا يجزئ صوم التاسع من السنة كما ذهب إليه بعض العلماء مع أنه أيضًا يتضمن

(1) وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى (أَوْ) لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا، وتدل عليه رواية أحمد عن ابن عباس قال: صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أوبَعْدَهُ يَوْمًا. ولعل في نسخة "مسند أحمد" التي عند المصنف والقاري ففيها: "ويومًا بعده" بالواو، فقال القاري (4/ 1412): وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وقال شيخنا في "التقرير": استحب بعضهم التاسع فقط، وقال الشافعية به مع العاشر، والحنفية بالعاشر مع الآخر أيًّا ما كان.

(2)

"مسند أحمد"(1/ 241)، و"كشف الأستار"(1052).

ص: 472

2042 -

[7] وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ: أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ،

ــ

مخالفة اليهود؛ لأنها تحصل بضم التاسع إليه أو بنقل الصوم منه إليه، وذلك لأنه وإن تضمن المخالفة لكن لا بد من صوم عاشوراء مع ضميمة المخالفة.

واعلم أنه قد توهم بعض الناس أن عاشوراء اسم لليوم التاسع، وتكلفوا للتسمية بعاشوراء، وأخذوه من إظماء الإبل؛ لأن العرب من عادتهم أن جعلوا لسقي الإبل نوبة، وهي ثمانية أيام يسمونها الورد بكسر الواو، وسموا الثالث منها رِبعًا بالكسر، وبهذا الاعتبار يكون اليوم التاسع عِشرًا، وهذا وهم منهم، ومنشأ التوهم حديث ابن عباس رواه مسلم (1) أنه قال حكم بن الأعرج: أتيت ابن عباس وقلت: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال ابن عباس: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد أيامه فأصبح اليوم التاسع منه وأنت صائم، قلت: أكان محمد صلى الله عليه وسلم يصبح هذ اليوم؟ قال: نعم، قال النووي (2): هذا تصريح من ابن عباس أن مذهبه أن عاشوراء اسم لليوم التاسع من المحرم، وهذا محل نظر، لأن الذي يفهم من كلام ابن عباس صريحًا هو الأمر بصوم اليوم التاسع، وقد جاء ذلك في السنة مع العاشر، فترك تعين يوم عاشوراء على شهرته وظهوره، وعلم السائل بأنه اليوم العاشر وأرشده إلى كيفية صومه بضم التاسع إليه، وأخبره بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم بتنزيل عزمه عليه في العام القابل منزلة فعله صلى الله عليه وسلم، فتدبر.

2042 -

[7](أم الفضل بنت الحارث) قوله: (تماروا) بفتح الراء وسكون الواو

(1)"صحيح مسلم"(1133).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(4/ 267).

ص: 473

فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيْرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1988، م: 1123].

ــ

أي: شكوا وتجادلوا وتباحثوا، وفي (القاموس) (1): المرية بالكسر والضم: الشك والجدل، ماراهَ مماراةً ومِراءً، وامترى [فيه] وتمارى: شك، وقد روى أبو داود (2) عن أبي هريرة، والبخاري ومسلم (3) نحو هذا الحديث عن ميمونة أيضًا، وقال الترمذي (4): وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر، وقد روي عن ابن عمر قال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه -يعني يوم عرفة-، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به ولا أنهى عنه، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يستحبون الإفطار بعرفة ليتقوى به الرجل على الدعاء، وقد صام بعض أهل العلم يوم عرفة بعرفة، انتهى. وقد ورد في فضل يوم عرفة أحاديث، وأنه يكفر السنة التي بعده والتي قبله، فالمختار أن صوم عرفة مستحب إلا للحاج إذا لم يقو على الدعاء والاجتهاد فيه. (5).

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1224).

(2)

"سنن أبي داود"(2440).

(3)

"صحيح البخاري"(1989)، و"صحيح مسلم"(1124).

(4)

"سنن الترمذي"(681).

(5)

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اسْتَحَبَّ الأَكْثَرُ إِفْطَارَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْحَاجِّ، أَمَّا الْحَاجُّ فَلَيْسَ سُنَّةً لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَ، كَيْلَا يَضْعُفَ عَنِ الدُّعَاءِ بِعَرَفَةَ، وَقَالَ إِسْحَاقُ ابْنُ رَاهَوَيِهِ: سُنَّةٌ لَهُ أَيْضًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: سُنَّةٌ لَهُ إِنْ لَمْ يَضْعُفْ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ، وَلِلْحَاجِّ إِنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنِ الْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ فَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1413).

ص: 474

2043 -

[8] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1176].

2044 -

[9] وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْله، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ غَضَبَهُ قَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نبَيًّا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ،

ــ

2043 -

[8](عائشة) قوله: (في العشر) أي: عشر ذي الحجة، وقد ثبت في الأحاديث فضيلة الصوم في هذه الأيام، وفضيلة مطلق العمل فيها، وثبت صومه صلى الله عليه وسلم فيها، وحديث عائشة لا ينافيه؛ لأنها إنما أخبرت عن عدم رؤيتها، فلعلها لم تطلع على عشرة صامه صلى الله عليه وسلم فيها، أو كان له مانع منه من مرض أو سفر أو غيرهما.

وجاء في (صحيح البخاري)(1): أنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل من هذه الأيام)، وفي (صحيح أبي عوانة) و (صحيح ابن حبان) (2) عن جابر رضي الله عنه:(ما من أيام أفضل من عشر ذي الحجة)، ولو نذر أحد صيام أفضل أيام السنة انصرف إلى هذه الأيام، وإن نذر صوم يوم أفضل من سائر الأيام فإلى يوم عرفة، وإن نذر صوم يوم من الأسبوع فإلى يوم الجمعة، والمختار أن أيام هذه العشرة أفضل لما فيها من يوم عرفة، وليالي عشرة رمضان لما فيها من ليلة القدر، وهذا هو القول الفصل.

2044 -

[9](أبو قتادة) قوله: (كيف تصوم؟ ) الظاهر أن يقول: كم تصوم؛ لأن

(1)"صحيح البخاري"(969).

(2)

"صحيح ابن حبان"(3448)، و"مستخرج أبي عوانة"(2430).

ص: 475

فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيفَ بِمن يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: "لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ"، أَوْ قَالَ:"لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ". قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ . قَالَ: "وَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟ ". . . . .

ــ

الظاهر أن سؤاله كان من صوم الدهر أو أقل من ذلك، كما فعله عمر رضي الله عنه، لا من كيفية الصوم، ولكن يحصل للصوم من ذلك صفة وحالة مخصوصة فيجوز أن يعبر عنها بالكيفية كما يجوز أن يعبر بالكمية أيضًا، كما يظهر ذلك من كلامهم في بيان تخطئة السائل وتسفيهه، وسبب غضبه صلى الله عليه وسلم عليه بأنه كان حقه أن يقول: كيف أصوم؟ ، أو كم أصوم؟ ، فيخص السؤال بنفسه ليجاب بمقتضى حاله مع ما فيه من سوء الأدب لوجود المصالح في فعله صلى الله عليه وسلم في القلة والكثرة مما لا يصلح لغيره.

وقوله: (لا صام ولا أفطر) اختلفوا في توجيه معناه فقيل: هذا دعاء عليه كراهة لصنعه وزجرًا له عن فعله، والظاهر أنه إخبار، فعدم إفطاره ظاهر لأنه لم يطعم شيئًا، وأما عدم صومه فلمخالفة السنة، وفيه احتياط لأجره على صومه، وقيل: لأنه يستلزم صوم الأيام المنهية وهو حرام، وقيل: لأنه يتضرر به، وربما يفضي إلى إلقاء النفس إلى التهلكة، وإلى العجز عن الجهاد والحقوق الأخرى، ويختص النهي على هذه التوجيهات بمن لم يفطر في الأيام المنهية وبمن يتضرر به بضعف، وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى جوازه لمن عداه، واستدلوا بما حكي عن بعض الصحابة كأبي طلحة الأنصاري وحمزة بن عمرو الأسلمي، وقد قررهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وكثير من التابعين من سردهم الصوم واختيارهم صوم الدهر، وقيل: معناه من اعتاده زال عنه كلفة ومشقة يتعلق به الثواب، وهي الغاية من شرعية الصوم، وهذا على عكس ما أفاده الوجه الأول من الوقوع في الكلفة والمشقة، فافهم.

وقوله: (ويطيق ذلك أحد) على معنى الاستفهام لتبعيده عن درجة القبول

ص: 476

قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُوم يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ: "ذَاك صَوْمُ دَاوُدَ" قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: "وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ،

ــ

والرضا به.

وقوله: (ذلك صوم داود) فيه فضيلة وكمال ونوع من الاعتدال، ولكنه شاق كما ينبئ عنه سياق الحديث، فافهم.

وقوله: (وددت أني طوّقت) بالتشديد، أي: لم يشغلني عن ذلك الحقوق حتى أصوم، وفي لفظ (طوّقت) بلفظ المجهول مبالغة بمعنى أنه ليس في طاقتي وطبيعتي إلا أن يجعله اللَّه فيها، والغرض تبعيد هذا القسم أيضًا ورده.

وقوله: (ثلاث) كان الظاهر أن يقال: ثلاثة؛ لأنه عبارة عن الأيام، أي: صيام ثلاثة أيام، ولكنهم يعتبرون في مثل ذلك الليالي، والأيام داخلة معها، قال صاحب (الكشاف) (1): تقول: صمت عشرًا، ولو قلت: عشرة خرجت من كلامهم، ثم الأولى أن يكون (ثلاث) خبر مبتدأ محذوف، أي: الأولى أو الأليق ثلاث من كل شهر.

وقوله: (فهذا) تعليل له، وقال الطيبي (2):(ثلاث) مبتدأ و (فهذا) خبره، أدخل الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.

وقوله: (صيام الدهر كله) أي: في حكمه في الأجر والثواب، أما رمضان فقد

(1)"الكشاف"(1/ 282).

(2)

"شرح الطيبي"(4/ 181).

ص: 477

وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُوراءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1162].

2045 -

[10] وَعَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: "فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1162].

ــ

فرض اللَّه ولا بد من فعله، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر في حكم صوم الشهر كله؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها.

وقوله: (أحتسب على اللَّه) أي: أعده وأطلب أجره واجبًا على اللَّه بفضله وكرمه أن يكفر ذنوب السنة التي قبله وذنوب السنة التي بعده بأن يحصل له من الرحمة والثواب ما يكفر ذنوب السنة الآتية أيضًا إن وقعت (1)، وقالوا: هذه المزية لصوم يوم عرفة على صوم يوم عاشوراء؛ لأن صوم يوم عرفة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وصوم عاشوراء من شريعة موسى عليه السلام.

2045 -

[10](أبو قتادة) قوله: (عن صوم الاثنين) يحتمل أن يكون السؤال عن سبب صيامه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، فالجواب أنه لما كان ولادتي ونزول الوحي عليّ في هذا اليوم أحب أن أصوم فيه شكرًا لهاتين النعمتين العظيمتين، ويحتمل أنهم سألوا عن استحباب صومهم فيه، فالمراد لما كان وجود نبيكم ونزول كتابكم في هذا اليوم استحب لكم أن تصوموا فيه، وكلام الطيبي (2) ناظر إلى الوجه الثاني.

(1) قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ، قَالَ الْقَاضِيَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ، أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالُوا: الْمُرَادُ بِالذُّنُوبِ الصَّغَائِرُ، وإِنْ لَمْ تَكُنِ الصَّغَائِرُ يُرْجَى تَخْفِيفُ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتِ الدَّرَجَاتُ. "مرقاة المفاتيح"(4/ 1415).

(2)

"شرح الطيبي"(4/ 182).

ص: 478

2046 -

[11] وَعَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوَّيةِ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّام الشَّهْر يَصُومُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1160].

ــ

2046 -

[11](معاذة العدوية) قوله: (فقلت) أي: قالت معاذة: فقلت، اعلم أنه قد ثبت في السنة قولًا وفعلًا استحباب صوم ثلاثة أيام من الشهر مطلقًا، ومقيدًا بكونها ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة التي يقال لها: أيام البيض، وهو الأحب، ومقتضى أكثر الأحاديث والآثار وقول أكثر أهل العلم، وقد ورد صوم ثلاثة أولها يوم الاثنين مع الثلاثاء والأربعاء، وأولها الخميس مع الجمعة والسبت، وكان قد يصوم من شهر السبت والأحد والاثنين، ومن شهر آخر الثلاثاء والأربعاء والخميس كما يجيء في حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وقد روى ابن خزيمة (1) في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:(أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة من غرة كل شهر).

وكان للسلف في ذلك أقوال واختيارات، اختار كل منهم ما ثبت عنده بخبر أو أثر يقتضي أولويته ورجحانه، ومجموع ذلك عشرة أقوال؛ أحدها: عدم التعيين وكره التعيين. وثانيها: الثلاثة الأول من الشهر، قاله الحسن البصري والنخعي وجماعة، ورجحوه بأنه الأحوط، فإنه لا يدري أن يدرك بعدها أو لا، وفي التأخير آفات، وثالثها: من الثاني عشر إلى الرابع عشر، ورابعها: من الثالث عشر إلى الخامس عشر، وهو قول الأكثرين والراجح من الأقوال لوقوعه في أكثر الأحاديث:(وخير الأمور أوساطها)، ولأن الزمان له فيها نور خاص وحالة مخصوصة، ولأن خسوف القمر يكون فيها،

(1)"صحيح ابن خزيمة"(2129).

ص: 479

2047 -

[12] وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالَ. . . . .

ــ

ونحن أمرنا بمزيد العبادة وفعل الخيرات في الخسوف، وخامسها: آخر ثلاث من الشهر، حكاه الأسنوي عن الماوردي أنه يستحب صيام أيام السود في مقابلة أيام البيض، وسادسها: أولها أول سبت من أول الشهر ثم من أول الثلاثاء من الشهر الذي يليه، وهكذا وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها، وسابعها: أول الشهر والعاشر والعشرون، وهو مروي عن أبي الدرداء، وقالوا كان صوم الإمام مالك هكذا، وثامنها: أول كل عشر فيكون أول الشهر، والحادي عشر، والحادي والعشرين، وهو منقول عن ابن شعبان المالكي، وتاسعها: من أول اثنين في الشهر، ومن أول خميس في الشهر الآخر، كما يأتي من حديث عائشة في الكتاب، وعاشرها: عكس ذلك لأنه قد ثبت الصوم في الاثنين والخميس منه صلى الله عليه وسلم، فالابتداء منه أفضل (1)، وبالجملة صوم ثلاثة أيام من الشهر سنة، فمن صام أي أيام الشهر كان أدرك هذه الفضيلة، واللَّه الموفق.

2047 -

[12](أبو أيوب الأنصاري) قوله: (أنه حدثه) الضمير المرفوع لأبي أيوب، والمنصوب لروايه، وجَعْلُه للحديث كما جوّزه الطيبي (2) مجرد احتمال اللفظ في عبارة (المشكاة)، وأما في عبارة مسلم يتعين رجوعه إلى الراوي؛ لأن عبارته تكون هكذا: حدثنا فلان قال: ثنا فلان عن أبي أيوب أنه حدثه، ولا يحتاج بل لا يتجه رجوعه إلى الحديث كما لا يخفى، وعلى كل تقدير لا حاجة للمؤلف إلى ذكر هذه اللفظة كما لا يخفى.

(1) انظر: "فتح الباري"(4/ 227).

(2)

"شرح الطيبي"(4/ 182).

ص: 480

كَانَ كصِيَامِ الدَّهْرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1164].

2048 -

[13] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ. . . . .

ــ

وقوله: (كان كصيام الدهر)(1) يعني إذا صام مدة عمره وإلا ففي كل سنة صام كان كصيام تلك السنة، وقد ورد في هذا المعنى أيضًا حديث ثوبان رواه ابن ماجه (2)، وفي رواية:(فأتبعه)، وليس المراد التعقيب الحقيقي لاستلزامه صوم يوم العيد فيصح من أول الشهر وآخره، والمختار عند الشافعية من أول شهر متتابعة، وعندنا أعم، وكذا عند أحمد، قالوا: عندنا تفريقها أبعد عن الكراهة والتشبه بالنصارى.

2048 -

[13](أبو سعيد الخدري) قوله: (نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم

(1) قال النووي (8/ 56): فِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَداوُدَ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ هَذِهِ السِّتَّةِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" (1/ 311): مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهَا، قَالُوا: فَيُكْرَهُ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ، وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ، وَإِذَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلَّهِمْ لَهَا، وَقَوْلُهُمْ: قَدْ يُظَنُّ، يُنْتَقَضُ بِصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْم الْفِطْرِ، فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ شَوَّالٍ إِلَى أَوَاخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ؛ لأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ؛ لأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ. انتهى.

وأما مذهب الحنفية في ذلك، ففال في "نور الإيضاح" وشرحه "مراقي الفلاح" (ص 525): وأما الرابع وهو المندوب، ومنه صوم ست من شهر شوال، وقال في "البحر": الست من شوال صومها مكروه عند الإمام متفرقة أو متتابعة، لكن عامة المتأخرين لم يروا به بأسًا. وقال الشعراني في "ميزانه" (2/ 219): ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة باستحبابها، وقال مالك: يكره. وصرح بالكراهة في "الشرح الكبير"(2/ 141)، و"البداية"(1/ 311).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1715).

ص: 481

الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1991، م: 827].

2049 -

[14] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْر وَالأَضْحَى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1197، م: 827].

2050 -

[15] وَعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1141].

ــ

الفطر والنحر) هذا مما اتفق عليه الأئمة، وعند أكثرهم لا يجوز النذر أيضًا، وعندنا يجوز ويقضى في يوم آخر.

2049 -

[14](أبو سعيد الخدري) قوله: (لا صوم في يومين) أي: فعله، وأما نذره فيهما فليس صومًا فيهما، وتحقيقه في أصول الفقه.

2050 -

[15] قوله: (نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة وسكون التحتانية وبالشين المعجمة، و (الهذلي) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة منسوب إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.

وقوله: (أيام التشريق) في (القاموس)(1): التشريق تقديد اللحم، ومنه أيام التشريق، أو لأن الهدي لا ينحر حتى تطلع الشمس، ومنه المُشرَّق على وزن مُعظَّم مسجد الخيف الذي بمنى.

وقوله: (وذكر اللَّه) لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، وذلك بالتكبير أدبار الصلاة وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها في هذه الأيام.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 826).

ص: 482

2051 -

[16] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَن يَصُومَ قَبْلَهُ أَو يَصُومَ بَعْدَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1985، م: 1144].

2052 -

[17] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1144].

ــ

2051 -

[16](أبو هريرة) قوله: (إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده) بمعنى أنه يكفي أحدهما، ولو صامهما معًا جاز أيضًا، وهو الظاهر.

2052 -

[17](أبو هريرة) قوله: (ولا تختصّوا يوم الجمعة) وفي رواية: (ولا تخصوا)، وخص متعد، واختص جاء متعديًا أيضًا كقوله تعالى:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 105]، وفي (القاموس) (1): اختصه بالشيء: خصه به فاختصّ وتخصص لازم متعد، وقد ذكروا للنهي عن تخصيص يوم الجمعة بصوم وجوهًا (2):

الأول: أنه نهى عن صومه لئلا يحصل له ضعف يمنعه عن إقامة وظائف الجمعة وأورادها، وهذا الوجه اختاره النووي، ويتعقب بوجهين؛ أحدهما: أن هذا المعنى موجود في صومها مع وجود الصوم قبلها أو بعدها، بل أكثر من صورة الإفراد، ويجاب بأنه يحصل بفضيلة صوم اليوم الذي قبله أو بعده جبر ما يحصل بصوم يومها من فتور أو تقصير، وفيه نظر؛ لأن الجبران لا ينحصر في الصوم، بل يحصل بجميع أفعال الخير، فيلزم منه جواز إفراده لمن عمل فيه خيرًا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن

(1)"القاموس المحيط"(ص: 570).

(2)

ذكر في "الأوجز" ثمانية وجوه (5/ 365).

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أعتق فيه رقبة، ولا قائل بذلك. وثانيهما: أن النهي حينئذٍ يختص بمن يخشى عليه الضعف لا من يتحقق له القوة إلا أن يقال: أقيم مظنة الضعف مقام حقيقته كما في السفر في حق جواز الإفطار.

والثاني: خوف المبالغة في تعظيمه، فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت والنصارى بالأحد، وهو منتقض بثبوت تعظيمه في الشرع بغير الصيام، وأجيب بأن اللَّه تعالى لما خص هذا اليوم وعظمه بفضائل كثيرة فاللائق أن يقتصر على تلك الفضائل والتعظيمات التي وردت في الشرع، ولا نزيد من عند أنفسنا شيئًا مبالغة في تعظيمه لئلا يوهم الفضل بجميع الوجوه، ويصير سببًا للتجاوز عن الحد والإفراط، ويصير سببًا للافتتان، نعم يرد عليه أن اليهود والنصارى لا يعظمون السبت والأحد بالصيام، فلو كان الملحوظ ترك موافقتهم لتَحَتَّمَ صومه. وقد يأتي في (الفصل الثالث) من حديث أم سلمة رواه أحمد وقد رواه النسائي أيضًا وصححه ابن حبان (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، وكان يقول:(إنهما يوما عيد للمشركين، فأنا أحب أن أخالفهم).

والثالث: أن سبب النهي خوف اعتقاد وجوبه وهو منتقض بصوم يوم الاثنين والخميس، وقد ورد فضلها.

والرابع: أن يوم الجمعة يوم عيد فلا يصام فيه، وقد ورد في الحديث (2):(يوم الجمعة يوم عيد، ولا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم)، وهذا الوجه أحسن الوجوه؛ لأنه منطوق الحديث، لكن جاز فيما إذا صام قبله وبعده، فيدفع بأن اللائق أن لا يصوم فيه، وإن صام فلا ينبغي منفردًا مقصودًا بالذات بل يكون في موافقة يوم آخر وفي

(1)"مسند أحمد"(6/ 323)، و"سنن النسائي الكبرى"(2776)، و"صحيح ابن حبان"(3616).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 303، رقم: 8012).

ص: 484

2053 -

[18] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2840، م: 1153].

2054 -

[19] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ". . . . .

ــ

ضمنه، هذا وقد نقل عن مالك أنه قال في (الموطأ) (1):(لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه)، وقال النووي (2): هذا الذي قاله مالك هو الذي رآه، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو، والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة، فيتعين القول به، ومالك معذور؛ فإنه لم يبلغه، وقال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه، واللَّه أعلم (3).

2053 -

[18](أبو سعيد الخدري) قوله: (في سبيل اللَّه) الظاهر أن المراد به الغزو، وقد ورد في فضل الصوم مع الجهاد أحاديث، قال الطيبي (4): ويجوز أن يراد به لوجه اللَّه، ويؤيد ما قال ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه يأتي في آخر الباب، والمراد بـ (الخريف) السنة، والعرب يبتدئون السنة بالخريف، وقد مرّ وجهه فيما سبق.

2054 -

[19](عبد اللَّه بن عمرو بن العاص) قوله: (ألم أخبر) بلفظ المضارع

(1)"الموطأ"(1104).

(2)

"شرح النووي"(8/ 19).

(3)

ذكر شيخنا مذاهب الأئمة في "الأوجز" بالتفصيل فارجع إليه لو شئت (5/ 360).

(4)

"شرح الطيبي"(4/ 185).

ص: 485