الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1598 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا،
ــ
الفصل الأول
1598 -
[1](أبو هريرة) قوله: (لا يتمنى أحدكم الموت) بالياء كذا ثبت في أكثر الروايات، فقيل: خبر في معنى النهي، كما يعبر عن الأمر بصيغة الخبر للمبالغة في الامتثال كما يقرر في علم المعاني، وقيل: بمعنى لا ينبغي أن يتمنى، وقيل: نهي أشبعت ألفه، ويجوز أن يكون من باب رفع المضارع في مقام الجزم كما في: لم يخشى، وفي بعض روايات البخاري:(لا يتمنينَّ) بلفظ النهي بزيادة نون التأكيد.
وقوله: (إما محسنًا) تقديره: إما يكون محسنًا وإما يكون مسيئًا، فحذف (يكون) مع اسمها وأبقي الخبر، وأكثر ما يكون ذلك بعد أن ولو، كذا ذكر الطيبي (1) عن المالكي، وقال التُّورِبِشْتِي (2): وردت الرواية فيه بالرفع والنصب، وهي الرواية المعتد بها، تقديره: إما أن يكون محسنًا، أو إما في تمنيه محسن، ويفتح الألف على هذا التقدير، ولفظ الحديث محتمل للكلمتين [أعني] إما وأما، والذي أعتمد عليه (أما) بكسر الألف الذي هو في معنى المجازاة، انتهى.
اعلم أن الظاهر مما ذكروا أنه على تقدير النصب (كان) مقدرة، وأما على الكسر حرف ترديد، وقول الطيبي:(وأكثر ما يكون ذلك بعد أن ولو) إشارة إلى غير ما في الحديث نحو: إن خيرًا فخير، ويحتمل أن يكون أصله (إن ما كان) و (ما) مزيدة للتأكيد،
(1)"شرح الطيبي"(3/ 323).
(2)
كتاب الميسر (2/ 381).
وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5673].
1599 -
[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ. . . . .
ــ
فحذف (كان) وأدغم النون في الميم، كما يشير إليه عبارة التُّورِبِشْتِي:(إما) بكسر الألف الذي هو في معنى المجازاة فتدبر، وعلى تقدير فتح الهمزة لأن ما يكون محسنًا كما جوّزوا الوجهين في قولهم: إما منطلقًا انطلقت، و (لعل) في معنى عسى، ولهذا زيد في خبره (أن).
وقوله: (يستعتب) بلفظ المعلوم، أي: يطلب رضي اللَّه تعالى بالتوبة وردِّ المظالم وتدارك الفائت، هذا حاصل المعنى، وأما تحقيق معنى هذا اللفظ فبيانه: أن العتب والعتاب والمعتبة: الملامة، والإعتاب: إزالة العتاب، والهمزة للسلب، فيكون معناه الرضا، والعُتْبَى بالضم بمعنى الرضا، والاستعتاب قد يفسر بمعنى طلب العتبى، وقد يُجْعَل بمعنى طلب الإعتاب، فعاتبه بمعنى لامه، وأعتبه أزال عتابه وأرضاه، يقال: استعتبته فأعتبني، أي: أسترضيه فأرضاني، وقال الكرماني (1): هذا على غير القياس؛ لأن الاستفعال إنما يبني من الثلاثي لا من المزيد، فيكون معنى يستعتب: يطلب رضي اللَّه أو يطلب زوال غضبه، فمعنى قوله تعالى:{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت: 24]، وإن يطلبوا رضا اللَّه عنهم وإجابته إياهم فيما يدعون لا يرضون ولا يحابون فيه، وأما قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الجاثية: 35] فيجعل بمعنى لا يسترضون، أي: لا يقال لهم ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم ويرضوه لفوات أوانه، ويجيء في بادي النظر أن يكون بمعنى لا يرضون، فتدبر واللَّه أعلم.
1599 -
[2](وعنه) قوله: (لا يتمنى أحدكم) أيضًا بإثبات الياء، وفي بعض
(1)"شرح الكرماني"(20/ 200).
الْمَوْتَ، وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ أَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2682].
1600 -
[3] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَابُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5671، م: 2680].
1601 -
[4] وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ"،
ــ
نسخ (المصابيح) ههنا: (لا يتمن) كما هو الظاهر، ويؤيده ويناسبه قوله:(ولا يدع) بحذف الواو، وأما وجود الواو كما في رواية على تقدير إثبات الياء فهما بمعنى النهي.
وقوله: (إنقطع أمله) وفي بعض الروايات: (عمله) وهذا أظهر، ولكن مال المعنى على الروايتين واحد، أو المراد بالأمل ما يطمع فيه ثواب العمل، ومحل ذم الأمل ما يحمل على بطر وفتور في العمل الصالح.
1600 -
[3](أنس) قوله: (من ضر) بضم الضاد، أي: دنياوي.
1601 -
[4](عبادة بن الصامت) قوله: (من أحب لقاء (1) اللَّه) المراد بلقاء اللَّه: المصير إلى الدار الآخرة، وطلب ما عند اللَّه، وعدم الركون إلى الدنيا والرضا بحياتها
(1) قال الخطابي: اللقاء على وجوه: منها: الرؤية، ومنها: البعث كقوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} [الأنعام: 31] أي: بالبعث، ومنها: الموت كقوله: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: 5]. "عمدة القاري"(23/ 93).
فَقَالَتْ عَائِشَةُ -أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ-: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ،
ــ
والاطمئنان بها، لا الموت، وإن كان قول عائشة رضي الله عنها:(إنا لنكره الموت) يوهم به، بدليل قوله:(والموت قبل لقاء اللَّه) أي: وسيلته ومقدمته؛ وإنما ذكرت عائشة رضي الله عنها الموت لكونه معترضًا وحائلًا دون الغرض المطلوب ووسيلة إلى اللقاء فيجب أن يصبر عليه، ويحمل مشاقه، كذا ذكر صاحب (النهاية)(1)، وقد أصاب.
وأما قوله: ليس الغرض به الموت لأن كلًا يكرهه، ففيه أن ذلك كراهة جبلة، والمراد الحب الذي يقتضيه الإيمان باللَّه والثقة بوعده دون ما يقتضيه حكم الجبلة، كما يدل عليه جوابه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، ولو حمل لقاء اللَّه على ما يعم ما يشاهد عند الموت وما بعده إلى الآخرة لكان وجهًا أيضًا، فافهم.
ومما ينبغي أن يعلم أن المراد بـ (لقاء اللَّه) هو التلاقي والرجوع إلى حضرة عظمته ومشاهدة ما عنده الذي يعبر عنه بالملاقاة، وبالفارسية: بيش آمدن بيك ديكَر، وليس معنى اللقاء الرؤية ولا مستلزمًا لها، ولهذا عدل بعض المحدثين في تعريف الصحابة لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم إلى من لقيه؛ ليشمل العميان من الصحابة، وبهذا يفسر اللقاء في القرآن، وأيضًا لم يثبتوا جواز رؤيته سبحانه بهذه الآيات بل بالخبر المشهور، وبقوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23]، وأمثال ذلك، ولو كان معنى اللقاء الرؤية لضاق على المعتزلة المعورة إنكارها؛ لكون الآيات الناطقة بذلك نصوصًا لا تقبل التأويل وإن لم يكن ذلك من مكابراتهم وضلالاتهم بعيدًا.
هذا، وقد قال في (الصراح) (2): لقاء بالكسر ديدار كردن، وقد فسر بعض الشارحين ما وقع في الدعاء المأثور من قوله:(ولقاؤك حق) بعد تفسيره بالمصير إلى
(1)"النهاية"(4/ 266).
(2)
"الصراح"(ص: 587).
قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حَضَرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْء أَكُرَهُ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6507، م: 2683].
1602 -
[5] وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ: "وَالْمَوْتَ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [م: 2684].
1603 -
[6] وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجنَازَةٍ فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ أَوْ مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا. . . . .
ــ
الآخرة بالرؤية في الآخرة، واللَّه أعلم.
وقوله: (ليس ذلك) أي: ليس الأمر كما فهمته من أن المراد باللقاء الموت، بل المراد محبة ما يترتب على الموت ويشاهد عنده، أو ليس المراد بذلك تمني الموت ومحبته في الحال، بل عند مشاهدة ما يبشّر عنده، أو ليس المراد محبة الموت بحكم الجبلة بل بحكم الإيمان بما يبشر به من رضوان اللَّه وكرامته.
1602 -
[5](عائشة) قوله: (وفي رواية عائشة: والموت قبل لقاء اللَّه) وهو مذكور في روايتها كما في (المصابيح) بعد قوله: (من كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه).
1603 -
[6](أبو قتادة) قوله: (مر عليه) بلفظ الماضي المجهول من المرور لتعديته بالباء في قوله: (بجنازة).
وقوله: (مستريح أو مستراح منه)(أو) للتنويع، ويقال: استراح واستروح: وجد الراحة وهو لازم، وإنما بُنِيَ للمفعول لتعديته بحرف الجر.
وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6512، م: 950].
1604 -
[7] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي فَقَالَ: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَياتِكَ لِمَوْتِكَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6416].
1605 -
[8] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدَكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2877].
ــ
وقوله: (إلى رحمة اللَّه) أي: ذاهبًا إليها.
وقوله: (والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) لأن بوجود الفجور والظلم يحصل الفساد في العالم والإخلال في أركانه، وأن الفاجر يبغضه اللَّه فيتأذى به الأرض ومن فيها؛ ولأنه تُحْبَس بشؤم ذنبه الأمطار، فبموته يمطرون وتحى الأرض ومن عليها وما عليها.
1604 -
[7](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (أو عابر سبيل) قالوا: (أو) ههنا بمعنى بل، وفيه مبالغة، إذ الغريب قد يسكن في بلاد الغربة ويقيم بها، وزاد في رواية:(وعُدَّ نفسك من أصحاب القبور).
وقوله: (وخذ من صحتك لمرضك) أي: خذ زادًا من وقت صحتك لوقت مرضك، أي: اغتنم صحتك واغتنم العمل فيها، وكذا معنى قوله:(من حياتك لموتك).
1605 -
[8](جابر) قوله: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللَّه) حثّ