الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1858 -
[22] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَشْتَرِطُ عَلَيَّ: "أَنْ لَا تَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "وَلَا سَوْطَكَ إِنْ سَقَطَ مِنْكَ حَتَّى تَنزلَ إِلَيْهِ فتأْخُذَهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 5/ 172].
* * *
5 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1859 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ
ــ
1858 -
[22](أبو ذر) وقوله: (ولا سوطك) مبالغة في النهي عن السؤال وحسم لمادته وإن لم يكن من السؤال المحرم.
5 -
باب الإنفاق وكراهية الإمساك
أنفق ماله: أنفده، وكل ما فاؤه نون وعينه فاء فهو دالّ على معنى الذهاب والخروج، نحو نفر ونفع ونفس، والإمساك: البخل، ولعل المراد الإنفاق من غير الزكاة، ولذا ذكر الكراهية؛ لأن الزكاة وأحكامها قد ذكرت، ويجوز أن يراد مطلقًا ما يشمل الفرض والنفل، ويكون المراد مدح صفة الإنفاق وذم الإمساك مطلقًا، وقد فسر الإنفاق والبخل الواقعان في الآيات بما يشملهما، ولكن سوق الأحاديث المذكورة في الباب أكثرها ينظر إلى مدح السخاء وإنفاق المال كله وعدم إبقاء شيء منه.
الفصل الأول
1859 -
[1](أبو هريرة) وقوله: (أن لا يمر عليّ ثلاث ليال) إشارة إلى غاية ما يبقى منه شيء إلى ثلاث ليال مع غاية كثرة ذلك المال، وقد كان لا يمر عليه صلى الله عليه وسلم أكثر
وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2389].
1860 -
[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1442، م: 1010].
1861 -
[3] وَعَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، ارْضَخِي. . . . .
ــ
من ليلة واحدة حتى ينفق ما عنده، فافهم.
وقوله: (إلا شيء أرصده) بضم الهمزة، يقال: أرصدت له: أعددت، وفيه أن إعداد المال وحفظه لأجل الدين جائز، بل عسى أن يجب في بعض الأحيان، وتخصيصه بالدَّين للاهتمام دِينًا ودنُيًا، والحاجات الضرورية تكون في حكمه.
1860 -
[2](وعنه) قوله: (خلفًا) أي: مالًا عوضًا مما أنفق، ويجوز أن يكون المراد أعم من المال والولد، فكأنه ببركة الإنفاق يبارك في المال والأولاد، والخلف ما استخلفت من شيء والولد الصالح. و (أعطى) الثاني بمعنى حصل وأوجد، و (التلف) تلف المال، أو أعم كما في الخلف.
1861 -
[3] قوله: (عن أسماء) أي: بنت أبي بكر رضي الله عنه.
وقوله: (ولا تحصي) بلفظ نهي المخاطبة وحذف النون من الإحصاء، وهو الإحاطة بالشيء حصرًا وتعدادًا؛ لأن عادة العرب أن يعدد الشيء بالحصاء، والمراد هنا عدّ الشيء لتبقيته وادخاره، والمراد بإحصاء اللَّه إما قطع مادة البركة والمزيد، وإما حساب الآخرة. و (الإيعاء): حفظ الأمتعة بالوعاء، والمراد هنا الإمساك وترك الإنفاق.
وقوله: (ارضخي) من رضخ يرضخ من باب فتح يفتح، يقال: رضخ له: أعطاه
مَا اسْتَطَعْتِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2591، م: 1029].
1862 -
[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5352، م: 993].
1863 -
[5] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا ابْنَ آدَمَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُوْلُ". . . . .
ــ
[عطاءً] غير كثير، والمراد أعطي شيئًا وإن كان يسيرًا، وقال التُّورِبِشْتِي (1): إنما قال: ارضخي لما عرف من حالها ومقدرتها، ولأنه لم يكن لها تصرف في مال زوجها إلا في شيء يسير، الذي جرت فيه العادة بالتسامح من قبل الأزواج كالكسرة والتمرة والطعام الذي يفضل في البيت، ولا يصلح للخزن لتسارع الفساد إليه، أو فيما سبق إليها من نفقتها وحصتها.
1862 -
[4](أبو هريرة) قوله: (أُنفق عليك) أي: أعطيك وأفيض عليك، وإسناد الإنفاق إلى اللَّه تعالى مجاز للمشاكلة؛ لما عرفت أن أصل الإنفاق يتضمن معنى النفاد والفناء، وخزائن اللَّه تعالى لا تنفد ولا تفنى.
1863 -
[5](أبو أمامة) قوله: (أن تبذُل الفضل) أي: بذلك الزيادة على الحاجة خير وفيه نفع لك.
وقوله: (ولا تلام على كفاف) أي: لا تلام على إمساك الكفاف، أي: القوت الذي يكف عن السؤال، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان.
وقوله: (وابدأ بمن تعول) أي: تمون، أي: ابدأ في إنفاق الزائد على الكفاف
(1)"كتاب الميسر"(2/ 438).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1036].
1864 -
[6] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا، وَتَرَاقِيهِمَا،
ــ
بعيالك، ووسع عليهم أولًا زيادة على نفقتهم الواجبة.
1864 -
[6](أبو هريرة) قوله: (عليهما جنتان) بضم الجيم، في (المشارق) (1): هي بالنون، أي: درعان، ويروى:(جبتان) بالباء، والنون هنا أوجه، ونقل الطيبي (2) بعلامة -مح- هي بالنون في هذا الموضع بلا شك، وقال التُّورِبِشْتِي (3): وقد رواه البخاري في بعض طرقه عن أبي هريرة بالباء مكان النون، وهو تصحيف عن بعض الرواة لا خفاء به، ولا يلتبس ذلك على من له أدنى فهم، وذلك أن الجبة بالباء من حديد شيء لم يعهد ولم يعرف في كلامهم، يعني أن المراد هنا الدرع بدليل ذكر الحديد، والحلقة والدرع لا يسمى جبة بالباء بل النون.
وقوله: (قد اضطرت) بلفظ المجهول، أي: التصقت، وأصل الاضطرار الاحتياج إلى الشيء.
وقوله: (إلى ثُديِّهما) بضم المثلثة وكسر المهملة وشدة تحتية: جمع ثدي بمفتوحة فساكنة، وروي بالإفراد، كذا في (مجمع البحار)(4)، و (التراقي) جمع ترقوة
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 245).
(2)
"شرح الطيبي"(4/ 76).
(3)
"كتاب الميسر"(2/ 438).
(4)
"مجمع البحار"(1/ 287).
فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1443، م: 1021].
1865 -
[7] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ،
ــ
بفتح التاء وضم القاف وفتح الواو: العظم بين ثغرة النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين، وقد يجمع باعتبار الجوانب والأطراف. و (جعل) بمعنى طفق من أفعال المقاربة، و (قلصت) بفتحات، أي: انضمت وانقبضت الجُنة، والمعنى أن الجواد إذا هم بالنفقة انشرح لذلك صدره وطاوعته يداه فامتدتا بالعطاء والبذل، والبخيل يضيق صدره وتنقبض يده عن الإنفاق.
1865 -
[7](جابر) قوله: (اتقوا الظلم) يشمل أنواع المعاصي، وأعظمها وأشدها الشرك، وإِنّ الشرك لظلم عظيم، فجمعه ظلمات يحتمل أن يكون بهذا الاعتبار، وأن يكون المراد أن الظلم الواحد يكون سبب ظلمات متراكمة وشدائد متعددة من أهوال يوم القيامة وأحوالها.
وقوله: (واتقوا الشحَّ) مثَلَّثة: البخل والحرص. فهو شحاح كسحاب وشحيح، كذا في (القاموس)(1)، وقال في (النهاية) (2): الشح: أشد البخل، وقيل: البخل مع الحرص، وقيل: البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشح عام، وقيل: البخل في مال، وهو في مال ومعروف، وقيل: الشح خلة غريزية جبل عليها الإنسان، وهي كالوصف
(1)"القاموس المحيط"(ص: 219).
(2)
"النهاية"(2/ 448).
حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2578].
1866 -
[8] وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا"(1). . . . .
ــ
اللازم، ومركزها النفس، قال اللَّه تعالى:{وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128] فإذا انتهى سلطانه إلى القلب واستولى على عرش القلب ومنع عن أحكام الإيمان فهي مذمومة؛ لأنه يشح بالطاعة فلا يسمح بها، ولا يبذل الانقياد لأمر اللَّه، والشح في النفوس كالشهوة والحرص جبلت للابتلاء ولمصلحة عمارة العالم، فالمذموم أن يستولي سلطانه على القلب فيطاع، وهو المراد بقوله:(شح مطاع)، هذا خلاصة ما ذكره التُّورِبِشْتِي (2).
وقوله: (حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم) أي: سائر ما حرم اللَّه عليهم من المعاصي، فهو أعم من سفك الدماء، وإنما حملهم الشح على ذلك لما فيه من التهاجر والتقاطع المؤدي إلى المعاداة المفضي إلى التشاجر والتقاتل.
1866 -
[8](حارثة بن وهب) قوله: (يأتي عليكم) الخطاب لجنس الأمة ولو
(1) قال القاري (4/ 1321): وَهُوَ إِمَّا مِنْ غِنَاهُ الصُّورِيِّ مِنْ إِصَابَةِ الْمَالِ أَوْ لِغِنَاهُ الْمَعْنَوِيِّ مِنْ حُصُولِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَوُصُولِ الْكَمَالِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يَعْنِي يَصِيرُ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ رَاغِبِينَ فِي الآخِرَةِ وَتَارِكِينَ لِلدُّنْيَا يَقْنَعُونَ بِقُوتِ يَوْمِ وَلَا يَدَّخِرُونَ الْمَالَ لِلْمَآلِ. انتهى.
(2)
"كتاب الميسر"(2/ 439).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1411 م: 1011].
1867 -
[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1419، م: 1032].
1868 -
[10] وَعَنْ أَبِي ذَرِّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ:"هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ" فَقُلْتُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمُ الأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إِلَّا مَنْ قَالَ. . . . .
ــ
في ضمن البعض، وذلك يكون في آخر الزمان زمن المهدي، كما يجيء في (باب أشراط الساعة)
1867 -
[9](أبو هريرة) قوله: (أن تصدق) أي: تتصدق.
وقوله: (وأنت صحيح شحيح) أي: مظنة أن تشح وتمنعك نفسك أن تبذل.
وقوله: (ولا تُمهِل) بالنصب عطفًا على (تصدق)، وبالجزم على صيغة النهي، والضمير في (بلغت) للروح.
وقوله: (قلتَ: لفلان كذا) هذا على سبيل التمثيل، فقيل: فلان الأول والثاني الموصى له، وفلان الأخير الوارث؛ لأنه إن شاء أبطله وإن شاء أجازه، يعني بخل حتى أشرف على الموت ثم طفق يتصدق مما تعلق به حق الوارث وهو باطل، ويحتمل أن يكون المراد بالجميع الموصى له، وإنما أدخل (كان) في الثالث إشارة إلى تقدير المقدر له، وقال الكرماني: يحتمل أن بعضها وصية وبعضها إقرار، فتدبر.
1868 -
[10](أبو ذر) وقوله: (إلا من قال) أي: فعل، والقول يطلق في