المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المحتويات الافتتاحية الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لسماحة الشيخ - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٧٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌مشي المأموم إلى فرجة أمامه

- ‌وضع السجاجيد في المسجد الحرام ومنع الناس من الجلوس والصلاة عليها

- ‌في مقدمة الصف وأمروه بالقيام

- ‌تكلم الإمام على أولاد يلعبون وهو في الخطبة ونزل وضرب الصبيان

- ‌مصافحة المأموم من على يمينه وشماله إذا دخل الخطيب

- ‌حكم قراءة الفاتحة للميت وذبح المواشي له

- ‌حكم إهداء قراءة القرآن الكريم لروح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم قراءة الفاتحة على جميع الأموات والأحياء بعد الصلاة

- ‌حكم قضاء الصلاة عن الميت

- ‌المصحف ينتفع به الميت إذا جعله وقفا

- ‌حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور

- ‌الزيارة الشرعية للقبور

- ‌ حكم إطلاق التكفير على أهل البدع

- ‌ حكم من يسب الصحابة أو يسب بعضهم أو يكفر بعضهم

- ‌ حكم الإبلاغ عن الإرهابيين

- ‌ مراتب مناصحة أولي الأمر

- ‌ حكم من أخر صلاة الفجر إلى طلوع الشمس معتذرا أن الدوام يبدأ متأخرا

- ‌ هل يجوز أن نصلي صلاة واحدة بنية أكثر من سنة

- ‌ حكم تارك الصلاة تهاونا وكسلا مع العلم أنه لم يجحد وجوبها

- ‌ هل كان هناك دعوات إصلاحية قبل أو بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌ ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في التثويب في الأذان الأول للفجر

- ‌ حكم التطويل في الأذان

- ‌ الأذان بمكبرات الأصوات

- ‌ شك المسلم بأن إحدى ملابسه غير طاهرة، وهو لم ير أثرا على الثوب من نجاسة

- ‌ مسجد القرية التي يسكن فيها بعيد عن القرية فهل يجوز لهم أن يؤذنوا وسط القرية

- ‌ هل من السنة أن يؤذن المؤذن خارج المسجد وليس في الداخل

- ‌ الأذان للصلاة في أي مكان من الأرض

- ‌ هل يجوز للمؤذن أن يؤذن دون إذن الإمام

- ‌ هل من الواجب الأذانفي جميع المساجد بمكبرات الصوت في حي واحد

- ‌ إقامة الصلاة جهرا أم سرا عندما يصلي منفردا

- ‌أهل السنة والجماعة

- ‌المقدمة:

- ‌ ذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة في الحث على السنة والجماعة وما ورد في افتراق هذه الأمة:

- ‌أولا: بعض ما ورد في الأمر بالسنة والجماعة:

- ‌ثانيا: ما ورد في افتراق هذه الأمة:

- ‌المبحث الأول: في التعريف بأهل السنة والجماعة:

- ‌أولا: المراد بأهل السنة والجماعة:

- ‌ثانيا: نشأة مصطلح أهل السنة، وتاريخ إطلاق السلف له، ولم سموا به

- ‌ثالثا: أسماؤهم وعلة تلقيبهم بها:

- ‌المبحث الثاني: منهج أهل السنة والجماعة في تقرير العقيدة الإسلامية وشيء من مؤلفاتهم:

- ‌أولا: منهج أهل السنة:

- ‌ثانيا: في ذكر شيء من المؤلفات في باب الاعتقاد على منهج أهل السنة:

- ‌المبحث الثالث: أصول أهل السنة والجماعة:

- ‌ثانيا: من أصول أهل السنة:

- ‌ثالثا: في الأسماء والصفات:

- ‌رابعا: في الرؤية:

- ‌خامسا: في اليوم الآخر:

- ‌سادسا: في الوعد والوعيد:

- ‌سابعا: في القدر:

- ‌ثامنا: في الأولياء والكرامات:

- ‌تاسعا: الوسيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌عاشرا: في لزوم الجماعة والطاعة:

- ‌حادي عشر:أهل السنة مجمعون على قتال من خرج من أهل القبلة عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين

- ‌المبحث الرابع: خصائص أهل السنة والجماعة

- ‌ الالتزام بالكتاب وصحيح السنة في كل مسألة من مسائل العقيدة

- ‌ التمسك بالإسلام المحض الذي بعث الله به رسوله

- ‌ عدم الابتداع في الدين

- ‌ ليس لهم إمام يأخذون كلامه كله إلا رسول الله

- ‌هم أعلم الناس بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله

- ‌ اتفاقهم في أمور العقيدة رغم اختلاف الزمان والمكان

- ‌ لا يكفر بعضهم بعضا لعدم وجود ما يوجب ذلك

- ‌ أنهم لا يتسمون بغير الإسلام والسنة والجماعة

- ‌ أنهم الغرباء حين يفسد الناس

- ‌ أنهم الفرقة الناجية التي تنجو من عذاب الله يوم القيامة والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة

- ‌ تعظيم الأمة لهم

- ‌ الاستمرارية:

- ‌ ثباتهم على الحق وعدم تقلبهم كما هي عادة أهل الأهواء

- ‌ تورعهم في الفتوى

- ‌ الأمانة العلمية

- ‌ ترك الخصام والجدال والمراء في الدين ومجانبة أهله

- ‌ أنهم خيار الأمة الذين يدعون إلى إحياء السنة وإماتة البدعة

- ‌ محبتهم للسلف الصالح وتعظيمهم لهم

- ‌ أن أهل الصلاح والاستقامة والمجاهدين في سبيل الله في أهل السنة أكثر من غيرهم

- ‌ الجمع بين العلم والعبادة

- ‌الخاتمة:

- ‌ترجمة المؤلف:

- ‌أعماله:

- ‌تلامذته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مصادر ترجمته:

- ‌نماذج من صورة المخطوطة

- ‌نسبة المخطوطة للمؤلف:

- ‌وصف الأصل:

- ‌نماذج من الأصل المخطوط

- ‌من الثمرات التي تستفاد من كتابة هذه الدراسة:

- ‌ترجمه عطاء:

- ‌أخذة عن الصحابة رضوان الله عليهم:

- ‌رواته في باب المناسك:

- ‌اتباعه السنة:

- ‌علمه:

- ‌عطاء وعلم المناسك:

- ‌تيسيره وعدم تشدده:

- ‌منسك الإمام عطاء رحمة الله

- ‌أحكام العمرة:

- ‌أشهر الحج:

- ‌من يجب عليه الحج:

- ‌الإحرام:

- ‌الإهلال والتلبية:

- ‌تقليد الهدي

- ‌محظورات الإحرام:

- ‌ما يفسد الحج:

- ‌ما لابأس به في الإحرام:

- ‌ دخول مكة بغير إحرام

- ‌الإحصار:

- ‌الطواف:

- ‌ ما يستحب فيه:

- ‌ ما يجوز فيه:

- ‌ ما يكره فيه:

- ‌ أحكام متفرقة تتعلق بالطواف:

- ‌السعي بين الصفا والمروة:

- ‌زمزم:

- ‌التحلل:

- ‌يوم التروية:

- ‌يوم عرفة:

- ‌مزدلفة:

- ‌رمي الجمار:

- ‌النحر:

- ‌الحلق والتقصير:

- ‌التحلل الأول:

- ‌طواف الزيارة

- ‌المبيت بمنى:

- ‌أيام التشريق:

- ‌التحصيب:

- ‌طواف الوداع:

- ‌العمرة بعد الحج:

- ‌صيام المتمتع:

- ‌الفدية وحيوان الحرم:

- ‌أحكام الصيد في الإحرام وجزائه:

- ‌متفرقات:

- ‌ مفهوم التورق والفرق بينه وبين العينة:

- ‌ حكم التورق:

- ‌ حاجة الحياة الاقتصادية المعاصرة إلى السيولة وأثرها في حكم التورق جوازا أو توسعا

- ‌ التواطؤ على التورق في معاملة واحدة أو في معاملة تالية لإطفاء مديونية سابقة مماثلة وأثره في الحكم

- ‌ التفاهم على عملية جديدة كالمضاربة بين البائع بالأجل والمتورق لاستخدام حصيلة التورق

- ‌ توكيل العميل للمصرف الإسلامي بالبيع النهائي

- ‌ التورق بالبيع لمن ابتاع من البائع بالأجل وأثره على مفهومه وحكمه

- ‌ مجموعة استفسارات على تطبيقات التورق واستخدامه في العمل المصرفي

- ‌ الآليات العملية للتورق ومدى انضباطها:

- ‌ التورق في مرابحات السلع الدولية مع المؤسسات المالية:

- ‌ حكم التورق عند تعذر التمويل بصيغة شرعية أخرى:

- ‌ حكم التورق لتمكن العملاء من سداد مديونياتهم

- ‌ حكم التورق لتشجيع العملاء على الاستثمار لدى المصارف الإسلامية:

- ‌ التورق كصيغة تمويل عامة تقوم إلى جانب الصيغ الأخرى:

- ‌ أثر التورق والتوسع في الأخذ به على الصيغ الأخرى من حيث الاستخدام والابتكار

- ‌ أثر التوسع في التورق على فلسفة المصارف الإسلامية ومستقبلها

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌المحتويات الافتتاحية الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لسماحة الشيخ

‌المحتويات

الافتتاحية

الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ 7

الفتاوى

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 31

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 43

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن محمد آل الشيخ 67

من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 79

ص: 4

البحوث

أهل السنة والجماعة لفضيلة الدكتور / عواد بن عبد الله المعتق 99

رسالة في التوحيد تحقيق لفضيلة الدكتور / يوسف بن محمد السعيد 191

الزيارة الشرعية والبدعية تحقيق لفضيلة الدكتور / علي بن عبد العزيز الشبل 213

منسك الإمام عطاء ابن أبي رباح المكي لفضيلة الدكتور / عصام بن عبد المحسن الحميدان 239

التأصيل الفقهي للتورق في ضوء الاحتياجات التمويلية المعاصرة لفضيلة الشيخ / عبد الله بن سليمان المنيع 351

ص: 5

صفحة فارغة

ص: 6

الملتقى الأول لدعوة الإمام

محمد بن عبد الوهاب

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه أبدا دائما إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. . وبعد:

فإن موضوعنا في افتتاحية هذا العدد المبارك سيكون بإذن الله حول الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقبل البداءة بهذا نعلم أن الله جل وعلا فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فجعلها خير الأمم وأفضل الأمم، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1). فبين الله لهذه الأمة مكانتها ومنزلتها وخصوصيتها، وهي: أنها خير أمة أخرجت للناس، فالأمة المحمدية خير الناس للناس، لها القيادة

(1) سورة آل عمران الآية 110

ص: 7

والسيادة، ولها المكانة الرفيعة، دينها أكمل الأديان، وكتابها خير الكتب، ونبيها أفضل الأنبياء والمرسلين، وشريعتها أتم الشرائع وأكملها، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1)، أمة مرحومة، وأمة لا يزال الخير فيها باقيا، وأمة هي خاتم الأمم، وأمة سيظل دينها باقيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله (2)» ، أمة لا تجتمع على ضلالة، أمة الخير فيها لا يزال مستمرا كلما ضعف، هيأ الله لها من أبنائها من ينهض بها ومن يعيدها إلى الطريق المستقيم، ويهديها سواء السبيل، أمة أساس دينها هو التوحيد الذي دعت إليه جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فقد بعث الله أنبياءه ورسله مبشرين ومنذرين بعدما فشا الشرك في قوم نوح وحدث ما حدث، بعث الله نوحا عليه السلام، لتحذيرهم من الشرك، ودعوتهم إلى التوحيد، ثم تتابعت الرسل، كل رسول يمضي يعقبه رسول بعده، {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} (3)، هؤلاء الرسل مهمتهم البشارة والنذارة {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} (4)، ومهمتهم إقامة حجة الله على العباد، فلا حجة لأحد أشرك بالله بعد

(1) سورة المائدة الآية 3

(2)

صحيح مسلم الإمارة (1920)، سنن الترمذي الفتن (2229)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (4252)، سنن ابن ماجه الفتن (3952)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 279).

(3)

سورة المؤمنون الآية 44

(4)

سورة النساء الآية 165

ص: 8

إرسال الرسل {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (1) هؤلاء الرسل صفوة الخلق وخير الخلق، وأفضل الخلق، كلفوا بحمل الرسالة فحملوها، وأدوا الأمانة ونصحوا لأممهم، بذلوا جهدهم في سبيل هداية أممهم، فهدى الله من شاء وأضل من شاء، ما من نبي بعث إلا وله أعداء يخاصمونه، ويجادلونه، ويكذبونه، ويقابلون دعوته بالتكذيب والإنكار، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (2)، تلك العداوة للرسل ليست لهوان الرسل على الله، ولكن تلك العداوة للرسل فيها حكم عظيمة منها:

أولا: عظم ثواب الرسل بصبرهم وثباتهم.

ثانيا: ليتميز الحق من الباطل، فإذا وجد الأعداء والخصوم والمناوئون، وجد مقابلهم من يدافع عن الحق ويناضل عن الحق والهدى، رسل الله تفاوتوا في كثرة الاتباع، فمن رسل الله من يأتي وليس معه أحد، ومنهم من يأتي ومعه الرجل والرجلان، وليس ذلك لقصور في بيان الرسل، ولكن الله يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله، تتابعت الرسالات وعمت جميع الخلائق،

(1) سورة النساء الآية 165

(2)

سورة الأنعام الآية 112

ص: 9

{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) وهم متفقون على أن التوحيد هو مبدأ رسالتهم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) والرسل متفاوتون في الفضل، فأولوا العزم أفضلهم {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (3) فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم سيد الأولين والآخرين أولئك هم أولو العزم {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (4)، وتميز الخليل إبراهيم ومحمد بأنهما أفضل أولي العزم، ثم اختار الله سيد الأولين والآخرين ليكون أفضل الجميع وسيد الجميع وإمام الجميع، «أنا سيد ولد آدم ولا فخر (5)» ، حقا إنه سيدهم وإنه إمامهم، وهو الشاهد على الأمم أن رسلهم قد بلغتهم رسالات ربهم، ختمت أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، وقد بشر بمحمد صلى الله على وسلم لقرب عهده به، {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (6) رفع الله عيسى إلى السماء واندرست بطول الزمن الملة الحنيفية، فما بين

(1) سورة النحل الآية 36

(2)

سورة الأنبياء الآية 25

(3)

سورة البقرة الآية 253

(4)

سورة الأحقاف الآية 35

(5)

سنن الترمذي تفسير القرآن (3148)، سنن ابن ماجه الزهد (4308).

(6)

سورة الصف الآية 6

ص: 10

محمد صلى الله عليه وسلم، وعيسى عليه السلام زهاء ستة قرون لم يكن فيها نبي، وإنما بقايا على الملل السابقة، بقايا من أتباع عيسى ومن شريعته يقلون ويتناقصون شيئا فشيئا، حتى جاء زمن لم يبق على الأرض من يعرف الحق، فأظلمت الأرض بالجهالات والضلالات وأظلمت بالطغيان والفساد {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (1)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب (2)» . أخرجه مسلم، فرحم الله الخليقة بهذا النبي الكريم محمد بن عبد الله، هذا النبي من ولد إسماعيل بن إبراهيم «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم فأنا خيركم حسبا ونسبا (3)»

أشرقت الأرض بعد ظلماتها، واستنارت واهتدت بعد الغواية بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، بعث هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، واندراس من العلم، واختار الله له بلده مكة شرفها الله، التي كان مولده فيها وأسلافه إلى إسماعيل عليه السلام، كلهم ولدوا فيها، وترعرع فيها ونشأ فيها، وعاش بين أهلها لمدة أربعين عاما، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (4)

(1) سورة الروم الآية 41

(2)

صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 162).

(3)

صحيح مسلم الفضائل (2276)، سنن الترمذي المناقب (3605)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 107).

(4)

سورة الأنعام الآية 124

ص: 11

فاختاره الله بأن يكون النبي الخاتم للأنبياء والرسل، بعثه بما بعث به إخوانه الأنبياء، ليدعوا إلى توحيد الله، ليدعوا إلى إخلاص الدين لله، بعثه في زمن كانت الأرض تعج بملل متطاحنة، وآراء متباينة وملل مختلفة، يهودية ونصرانية ومجوسية ووثنية، هذه هي أصول الملل، ويدخل تحتها أنواع، يقول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1) ابتدأ النبي الكريم دعوته بمكة، يدعو العرب - عشيرته، وبني عمه، وأقاربه، وذوي رحمه، وأهل بيته - يدعوهم إلى لا إله إلا الله، ليقولوها، ويعملوا بمقتضاها، وينصروها، ويؤيدوها، ويحملوا لواءها، بدأ بهم؛ امتثالا لقول الله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (2).

حين نزلت هذه الآية قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت

(1) سورة البقرة الآية 62

(2)

سورة الشعراء الآية 214

ص: 12

محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا (1)». . . أخرجه البخاري ومسلم بنحوه.

فلما ابتدأ الدعوة قوبل بالتكذيب والإنكار، وعورضت دعوته، وأوذي أتباعه، وجرى ما جرى وهو صابر محتسب يدعو إلى الله سرا وجهارا، وليلا ونهارا، يعرض نفسه على أندية العرب وملتقياتهم، وفي مواسمهم يدعوهم إلى الله، ويتلو عليهم القرآن، فمن مستجيب وهم قليل، ومن صاد، ومن متوقف، ومن. . ومن. .، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم واصل دعوته، وهاجر إلى المدينة، وفرضت الفرائض وأوجبت الواجبات ودخل الناس في دين الله أفواجا فما توفي صلى الله عليه وسلم إلا وجزيرة العرب قد انقادت لدعوته واستجابت لطريقته، ودخلوا في دين الله أفواجا، فأقر الله عينه، وشرح صدره، فصلوات الله وسلامه عليه، توفي صلى الله عليه وسلم وقد ترك أمته على المحجة البيضاء الواضحة الجلية ليلها كنهارها، انحرف من انحرف من العرب، وارتد من ارتد من العرب، وكادت دولة الإسلام أن تذهب، ولكن ثبت الله قلوب أصحابه الكرام، ولا سيما الصديق رضي الله عنه، فظهر من قوة إيمانه، ويقينه، وقوة غيرته على دين الله ما تحققت به معجزة النبي حيث أشار بخلافته، فقام بالمهمة خير قيام إلى أن رد من ارتد من العرب إلى حظيرة الإسلام، وقضى على مدعي النبوة وعلى كل معرض عن دين الله أو

(1) صحيح البخاري الوصايا (2753)، صحيح مسلم الإيمان (204)، سنن النسائي الوصايا (3646)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361)، سنن الدارمي الرقاق (2732).

ص: 13

ممتنع عن شرائعه فعاد الناس إلى حظيرة الإسلام، ثم انطلقت تلك الجحافل المؤمنة شرقا وغربا، تفتح القلوب والبلاد، وتنير الطريق، وتهدي العباد، وتخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والهدى، مضى على ذلك حقبة من الزمن، ولكن من حكمة الله أن يكون بين الحق وبين الباطل جدال ونزال، وأن الحق لا يمكن أن ينفرد وحده بل لا بد من باطل يقاومه؛ ليظهر الحق من الباطل {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} (1)، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (2)، فالحق لا بد أن يقاومه باطل حكمة من الله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} (3).

بدأت تلك الظاهرة متمثلة في فرقة الخوارج الذين خرجوا في آخر عهد عثمان، فقالوا في عثمان بآرائهم الباطلة، وأفهامهم الخاطئة ما قالوا، إلى أن قتل الخليفة ظلما وعدوانا، فسل السيف على أهل الإسلام وعاث الخوارج في دماء المسلمين، وخرجت الخوارج على علي لتكفر عليا والصحابة وتدعي أنهم كفار فارقوا الشرع وعصوا الرب، وهكذا إلى أن قاتلهم الصحابة، ولكن بقاياهم لا يزالون يتوالدون، ثم خرجت فرق شتى كلها شذت عن منهج الله القويم

(1) سورة التغابن الآية 2

(2)

سورة هود الآية 7

(3)

سورة الفرقان الآية 31

ص: 14

وعن طريقه المستقيم، ونبينا قد قال لنا:«إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله (1)» الحديث، أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب، وأخرجه مسلم من وجه آخر ولفظه «وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله (2)» الحديث، لكن لما فرطت الأمة في هذا الاعتصام بكتاب الله وبدا الضعف، حصلت تلك المبادئ والبدع والآراء المتباينة الضالة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن خير الناس قرنه، ثم الذين يلونه، ثم الذين يلونه، فما مضى القرن الثالث إلا وقد لوث العالم الإسلامي ببدع وأفكار غريبة، وآراء باطلة هدامة، دبت إليها من أفكار غير المسلمين، ومن تراث اليونان وغيرهم من فلاسفة وغيرهم.

وما زال هذا الباطل ينمو حتى حورب أصل الإسلام، وشيد البناء على القبور، وطيف بها كما يطاف بالبيت العتيق، وحصل على الإسلام من النكبات والآلام ما الله به عليم، وتتابعت الفتن والمحن على هذه الأمة، ولكن مع كثرة الفتن والمحن فالشرع لا يزال قائما؛ لأن الله ضمن لهذا الدين البقاء، القرآن لا يزال محفوظا، والسنة لا تزال محفوظة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (3)، وفي كل قرن يهيئ الله لهذه الأمة من يجدد لها معالم دينها، ومن يردها إلى الصواب ومن يهديها إلى الطريق المستقيم.

(1) سنن الترمذي المناقب (3788)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 17).

(2)

صحيح مسلم فضائل الصحابة (2408)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 367)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3316).

(3)

سورة الحجر الآية 9

ص: 15

فما موقف أئمة الإسلام وعلماء الصحابة، ثم التابعين وتابعيهم، وما موقف الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة، والبخاري ومسلم وابن خزيمة وغيرهم من أئمة الإسلام، وما مواقف من جاء بعدهم ومن سار على نهجهم من علماء الأمة في شرق الأرض وغربها يناضلون عن هذه الشريعة، ويدافعون عنها، ويوضحون الحجة، ويدحضون بالحق الباطل {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (1).

وجاءت حرب التتار، وكم قتل من المسلمين من قتل، ودمر من مساجدهم، وأتلف من تراثهم ما أتلف، ومع هذا فقد عادت الأمة بعد جراحها قوية شديدة، وجاءت الحروب الصليبية إلى غير ذلك مما توالى على الأمة من محن وفتن، ومع هذا كله فشرع الله لا يزال عزيزا باقيا مهما حاول الأعداء القضاء عليه {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (2).

فشت البدع في الأمة: بدع الشرك، وتعظيم القبور، والطواف بها، والذبح لأهلها، والاستغاثة بهم، والالتجاء إليهم، وضعف التمسك بالدين، وعادت بعض دول الإسلام إلى مشابهة الجاهلية في

(1) سورة الأنبياء الآية 18

(2)

سورة التوبة الآية 32

ص: 16

عدم وجود الحق، وعدم من يقوم لهذا الدين بالدعوة والتوضيح، أما جزيرة العرب ما عدا الحرمين - وخاصة نجد - فقد عادت في القرون المتأخرة في جهالة وبعد عن الخير، فليس فيها مطامع لأحد، صحراء قاحلة، لا يأتيها إلا أفذاذ من الناس هاربين ولاجئين إليها عندما تضيق بهم الأمور في بلادهم، كانت نجد في غاية من التمزق والقلة والضعف، منذ حرب اليمامة في عهد الصديق ونجد أخبارها طويت أو ضعفت، وفي مطلع القرن الحادي عشر وفق الله بفضله رجلا من أبناء هذا البلد، هداه الله للطريق المستقيم، ومن عليه بفهم كتاب الله عز وجل وفهم سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وفهم ما عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وخيار هذه الأمة، فقرأ كتاب الله وفهمه، وقرأ سنة رسول الله عليه وسلم، وعلمها، وتتلمذ على علماء عصره من ذوي الرأي والعلم في الأحساء والبصرة والمدينة ومكة وغيرها من البلدان، يتلقى العلم.

وقد فتح الله على قلبه فقارن بين واقع مجتمعه وما دل الكتاب والسنة عليه، فرأى أن هذا المجتمع مجتمع يعيش على أمور تخالف شرع الله، لا سيما في أصل الدين وأساسه، فأراد أن يدعو قومه إلى الله وأراد أن يبين منهج الله، وأراد أن يكشف لهم الحقيقة، ويريهم المنهج القويم، ويدلهم على كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وهدي أئمة

ص: 17

الهدى من الصحابة ومن سار على نهجهم، لكن القوم قد أشربوا الباطل، ونشأوا وهرموا عليه، فعندما ابتدأ الدعوة إلى الله قوبل بالإنكار، وقوبل بالتكذيب، وقوبل بالعداء، وقيل له: جئت الناس بما لا يعرفه آباؤهم، وقيل له: إنك أتيت بمذهب خامس زائد على المذاهب الأربعة، وقيل، وقيل، لكنه لم يلتفت لتلك الأمور، بل حزم وعزم وقام لله قيام صدق وإخلاص، وعلم الله ذلك منه فوفقه وأعانه، وكان يعرض دعوته لمن يثق به ممن يرجو أن ينصرها ويؤيدها {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (1).

فعندما ضاقت بالشيخ الحيل، وضاقت به الأرض بما رحبت ولم يجد ناصرا ولا مؤيدا لجأ إلى الله، وفوض أمره إلى الله، واستعان بمن هو على كل شيء قدير، فسخر الله له، وهيأ الله له إماما من أئمة المسلمين الأفذاذ في ذلك الزمان، ألا وهو الإمام محمد بن سعود بن مقرن آل سعود، فقبل هذه الدعوة، واقتنع بها، وارتضاها، واطمأن إليها، وشرح الله صدره لها، فآوى الشيخ، وأيده، ونصره، ودافع عنه، واتخذه إماما له يقتدي به، ويتأسى به، ويسمع ويطيع لتوجيهاته؛ لأنه يراها حقا وهدى، وذاك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فهذا الإمام رحمه الله لما بين له الحق شرح الله صدره لقبوله، واطمأن لذلك، وعاهد الشيخ على القيام بالدعوة إلى الله، ونشر هذه

(1) سورة البقرة الآية 105

ص: 18

الدعوة في بلده الدرعية وما جاورها، فقام الإمامان بهذا الواجب، لكنهم قوبلوا بالعداء من قومهم، ولا سيما بعض المنتسبين إلى العلم الذين يرون أن انضواءهم تحت هذا الدعوة سلب لصلاحيتهم، وإذهاب لمكانتهم، وتحولهم من أئمة متبوعين إلى أناس تابعين، عند ذلك أوضح الشيخ طريقته بالتدريس والكتابة للعلماء والمسئولين في كل قطر، يعرض عليهم منهجه ودعوته، وأنه لم يأت الناس بأمر غريب، ولكن جاء بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويطلب من كل من وقف في وجه الدعوة أن يبدي اعتراضه، أو يوضح منهجه، أو يقدح في هذا المنهج الذي جاء به، حتى يتبين هل قدحه مبني على حق أم منطلق من هوى وتعصب باطل.

هذه الدعوة مضت في سبيلها: محمد بن سعود، محمد بن عبد الوهاب جاهدا في الله، وسارا يدعوان من حولهم إلى الانضواء تحت هذه الدعوة، وسماع الحق، والعمل به، وقبوله، والاطمئنان إليه، فيستجيب من يستجيب، ويناوئ من يناوئ، ولكن بتوفيق الله عز وجل ثم صبر أولئك على دعوتهم واستمرارهم عليها. مكن الله لهذه الدعوة، فوضح أمرها، واستبان للناس منهجها، واستفاد منها من أهل هذا البلد وغيره من العالم الإسلامي، وعرفوا أنها دعوة صالحة، ونهج إسلامي: كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف هذه الأمة.

ص: 19

أيها الإخوة: لكل داع إلى الله عدو، حتى يكون هذا العدو سببا في انتشار هذا الحق ووضوح هذا السبيل، وأعداء الشيخ قالوا عنه ما قالوا، وافتروا عليه من الأقاويل ما افتروا، ولكن ولله الحمد، ذهبت تلك الأباطيل، ووضح الحق، واستبان الهدي {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (1).

كانت نجد والجزيرة متفرقة في ولايتها فجمعهم الله على إمام واحد، وكان الفقر سائدا فأغناهم الله، وكان الجهل متمكنا فعلمهم الله، وكانت العصبية رافعة لواءها فأزالها الله بهذه الدعوة الصالحة التي جمعت القلوب على الخير والهدى والعلم النافع، والاتحاد على الكتاب والسنة، والأخوة الإيمانية الصادقة القائمة على هذا المنهج العظيم: دعوة أصلحت القلوب والبلاد، ودعوة جلبت الخير والرغد، ودعوة بصرت من العمى، وهدت من الجهل، إذ هي دعوة سارت في منهجها على منهج محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لم تكن هذه الدعوة من تلقاء الشيخ من فكره ورأيه، ولا من كتاب قلده ولكنها دعوة من كتاب وسنة، وهو لا يدعي عصمة ولا كمالا ولكن يدعو من خالفه إلى أن يبينوا له إن رأوا في كلامه مخالفة للكتاب والسنة؛ ولهذا يخاطب بعض من يناوءونه قائلا: وإني أشهد الله وملائكته ومن حضرني من عباده المؤمنين أنكم لو قلتم في شيء

(1) سورة الإسراء الآية 81

ص: 20

مما قلته إنه مخالف للكتاب والسنة لكنت أول الناس رجوعا عنه، ولكني ولله الحمد على طريق مستقيم، ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين.

لقد تنوع خصومه في عيبه، وفي ذمه، وفي القدح في دعوته بأمور عظيمة، وشبه باطلة، وسنأتي إن شاء الله على بيان بعض ذلك.

وهذه الدعوة الصالحة قامت على أمور:

أولا: قامت على توضيح الدين للأمة، وهداية الناس إلى طريق الله المستقيم، كانوا يعبدون الأشجار والأحجار، ويطوفون بالقبور ويتحكم فيهم الكهان والمشعوذون والسحرة وعلماء السوء، فأبدل الله ذلك بدين الإسلام الصحيح والشريعة الصافية فاعتنقوها عن إيمان وقناعة، كان الشرك ظاهرا، والتوحيد خفيا إلا عند نذر قليل من الناس، فجاءت هذه الدعوة لترفع لواء التوحيد:" لا إله إلا الله " بتوضيحها وبيانها، وبيان شروطها وأركانها، حتى تكون العبادة لله خالصة.

كان الناس يخضعون للأعراف الجاهلية، والقوانين الظالمة، فجاءت هذه الدعوة لتقول للناس: مرجعكم فيما تنازعتم فيه: كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)

(1) سورة النساء الآية 59

ص: 21

خالفتمونا في أنكم قلتم: الأولياء يعظمون، ويطلب الشفاعة منهم، وإلى غير ذلك، ونحن نقول: أولياء الله حقا هم المتقون، والشفاعة ملك لله لا تطلب من غيره، ولكن تطلب منه جل وعلا {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (1)، {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (2).

تنازعتم معنا في شرعية أعراف الجاهلية وأحكامها، ونحن نقول: ردوا التنازع إلى الكتاب والسنة ليحكم فيكم كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم تجدون أنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، وأن المؤمن حقا لا يتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، دعوة جاءت لتقول للناس: أيها الناس اتبعوا الكتاب والسنة ودعوا التعصب الباطل الذي حقيقته قبول الآراء بلا دليل، والجمود على آراء الناس بلا حجة، فكتاب الله واضح المعالم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بينة، فاعملوا بها، ودعوا التعصب للمشايخ وأرباب الطرق، وسيروا على المنهج القويم، جاءت هذه الدعوة لتقول للناس: الاجتهاد لم يغلق بابه، وكل عالم له أن يجتهد في البحث عن الحق من مصادره الأساسية، وأما أن نتمسك بعادة وتقليد لا أساس لها فذاك عين الباطل، جاءت هذه الدعوة لتقول للناس: انظروا ما دل الكتاب والسنة عليه وما أجمع

(1) سورة البقرة الآية 255

(2)

سورة الزمر الآية 44

ص: 22

عليه سلف الأمة فإن الله يقول {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1).

فنحن ندعوكم إلى ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وأجمعوا على أن العبادة بكل أنواعها حق لله، أجمعوا على أن من ذبح لغير الله، أو دعى غير الله فإنه بهذا قد أتى كفرا وضلالة، أجمعوا على وجوب اتباع الرسول والإيمان به وتحكيم سنته وتقديمها على كل الآراء والأقوال، أجمعوا على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، أجمعوا على أن مرجع الناس الكتاب والسنة ليس لهم مرجع سواه، جاءت هذه الدعوة لتقول لهم أيضا: يا أناس، دعوا تعظيم أرباب الطرق، وعظموا الرسول، واتباع الرسول، عظموا رسول الله بأي شيء؛ باتباع سنته، بتحكيم شريعته، بطاعة الله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2).

جاءت لتهذب العقيدة وتنقيها من أدران الشرك وأنواع البدع حتى عاد هذا المجتمع إلى صفاء العقيدة، وشابه في ذلك زمن النبي صلى الله عليه وسلم من حيث صحة الاعتقاد والحرص على السنة، وإن لم يكن مثله في كمال الإيمان.

(1) سورة النساء الآية 115

(2)

سورة آل عمران الآية 31

ص: 23

فالحمد لله رب العالمين، إن خصوم هذه الدعوة أرادوا تشويهها ونقلوها لغيرهم بصورة مشوهة كاذبة، فمنها: قالوا: إن أرباب هذه الدعوة حكموا على الناس بالكفر، وإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كفر عموم الأمة، وحكم عليهم بالكفر والخلود في النار {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (1).

والشيخ قد تبرأ منها فهو لم يأت ليكفر الناس، جاء ليدعو الناس ويهديهم سواء السبيل، ولم يقل للناس بأنهم كفار، هو لا يكفر إلا من كفر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ممن عرف الحق فحاد عنه كبرا وعنادا، قالوا: إن ابن عبد الوهاب كفر من لم يستجب له، وزعم أن المسلمين الذين لم يخضعوا لدعوته كفار، وقد رد هذا القول وتبرأ منه، وقال:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (2).

قالوا عن الشيخ: إن مذهبه مذهب الخوارج، لماذا؟ قالوا: لأنه يحكم على من عبد القبور وطاف بها بأنه حلال الدم، والشيخ بريء من مذهب الخوارج كله، الشيخ بريء من مذهب الخوارج، وبريء من كل المذاهب الضالة، وهو على منهج مستقيم يدعو إلى الله على علم وبصيرة.

وقالوا عن الدعوة أيضا: إنها مذهب خامس، والشيخ يتبرأ

(1) سورة الكهف الآية 5

(2)

سورة النور الآية 16

ص: 24

ويقول: نحن في الفروع على مذهب أحمد بن حنبل إلا أن يتبين لنا دليل بخلاف المذهب.

وقالوا: إن الشيخ ابن عبد الوهاب: لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أن الشيخ يرى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ركن من أركانها.

وقالوا: إنهم يقولون: اللهم صل على محمد، يقصد ابن عبد الوهاب، وكل هذه من الأغاليط والأكاذيب.

وقالوا: وإنه يقول: لو أستطيع أن أهدم قبر النبي لفعلت، وإنه يقول: العصا التي أحملها أحب إلي من محمد.

وقالوا: وإنه كفر أهل القبلة، وإنه وإنه، وكل هذه آراء باطلة وأكاذيب، وتشويه للحقيقة، لكن ومع مرور الزمن استبان لكل ذي لب سليم أن هذه الدعوة، دعوة صادقة خالصة، وأن مناوئيها قد افتروا الكذب، والله جل وعلا حكيم عليم في ذلك.

أيها الإخوة: هذه الدعوة دعوة إلى الخير وما نعيشه في هذه البلاد من الأمن والرغد إنما هو آثار هذه الدعوة الصالحة بعد توفيق الله عز وجل، رحم الله من دعا ومن أعان ومن نصر وأيد، ووفق الله ولاة أمرنا للخير والصلاح، وجعلهم أئمة هدى وحماة لهذه العقيدة، ومدافعين عنها.

أيها الإخوة: تعلمون رحمكم الله، أن هذا البلد اليوم يعاني

ص: 25

حملات ضالة شرسة قائمة على الحقد والكراهية لهذا الدين وأهله، إعلام جائر، وقنوات مفسدة ضالة، ووسائل إعلام منحرفة، لا يهمها سوى الكذب والأباطيل، وتشويه الحقيقة، وتناسي الفضائل، علينا جميعا: أن نتمسك بدين الله، وأن نعتصم بحبل الله جميعا، وأن نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر فيما بيننا، وأن نحفظ شبابنا، ونسعى في جمع كلمتهم، ونسعى في تحذيرهم من دعاة السوء، ومن دعاة الفتنة، من الدعاة الذين يحبون أن يضلوا هذه الأمة بعد أن هداها الله، وأن يفرقوها بعد اجتماعها، وأن يلقوا بينهم العداوة والبغضاء؛ حسدا لما رأوا في هذا البلد من النعمة والفضل، نحن محسودون على ديننا الذي جمع الله به قلوبنا، إذ القلوب لا تجتمع إلا على هذا الدين، نحن محسودون على أمننا الذي نعيشه، والعالم في اضطراب وقلق وانقسامات سياسية وتناحرات حزبية، ونحن نعيش في هذا البلد في أمن واستقرار واجتماع كلمة، نحن محسودون على رغد العيش الذي تفضل الله به علينا، وعلى هذه القيادة التي نرجو من الله أن يأخذ بناصيتها إلى ما فيه الخير والصلاح للأمة في حاضرها ومستقبلها.

يا شباب الإسلام، تمسكوا بدينكم، وحافظوا على إسلامكم، واحذروا دعاة الضلال، احذروا دعاة الفتنة، احذروا ممن يريدون أن

ص: 26

يلقوا في قلوبكم شرا، أو يكرهوا إليكم بلادكم ودينكم، ويبغضوا إليكم علماءكم وولاة أمركم، أو يسخروكم لتنفيذ باطلهم وأغراضهم الدنيئة، فاستمسكوا بهذا الدين وتمسكوا به لعلكم تفلحون.

أسال الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويجمع قلوب المسلمين على طاعته، ويولي عليهم خيارهم، وأن يصلح ولاة أمرنا، وأن يرزقهم الاستقامة على الهدى، وأن يعيذنا وإياهم من نزغات الشيطان، وصلى الله وبارك على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

ص: 27

صفحة فارغة

ص: 28

الفتاوى

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

ص: 29

صفحة فارغة

ص: 30

من فتاوى سماحة الشيخ

محمد بن إبراهيم آل الشيخ

مفتي الديار السعودية رحمه الله

إذا أقيمت الجمعة في مسجد آخر بغير إذن الإمام

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنبعث لجلالتكم بالأوراق المتعلقة بقضية نقل الجمعة من مسجد الجامع في قرية موقق إلى مسجد جديد في القرية أقترح تأسيسه المشتملة على خطاب فضيلة رئيس محكمة حائل، المتضمن أن هذا العمل من مندوبي وزارة الحج والأوقاف أحدث تشويشات بين الأهالي وشقاقا بينهم.

وتعرفون حفظكم الله أن نقل الجمعة من مسجد إلى آخر من الأمور الشرعية التي لا يجوز إجراء شيء منها إلا لجهة الاختصاص بموجب المسوغات الشرعية ذلك أن الجمعة لا تجوز إلا فيما يأذن

ص: 31

الإمام بإقامتها فيه، فإذا أقيمت في مسجد آخر بغير إذن الإمام فجمعة من صلى فيه غير صحيحة، وتصرفات مندوبي الأوقاف بنقل الجمعة من مسجد مأذون بإقامتها فيه من الإمام أو نائبه إلى مسجد آخر لم يؤذن فيه بإقامة الجمعة تصرفات في غير محلها، وفضلا عن أنها تدخل فيما لا يعني، مما أثار بين أهل تلك القرية التشويشات والشقاق بينهم، فهي تصرفات تعرض جمعة أهل هذه القرية للخلل.

لهذا نأمل جلالتكم تعميد وزارة الحج والأوقاف بملاحظة هذه الأمور وإرجاعها إلى جهة اختصاصها. والله يحفظكم.

مفتي البلاد السعودية

(ص - ف - 1056 - 1 في 11 - 8 - 1384هـ)

ص: 32

س: إذا صلى العيد يوم الجمعة هل تسقط الجماعة في المسجد الظهر؟

ج: لم يرد في الحديث أنهم يجتمعون ويصلون في المسجد ويؤذن لهم ظهرا. والظاهر أنه لو فعل ذلك كان بدعة؛ لأنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل سقط الحضور وكفى مجمع عن مجمع. .

ص: 32