الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وباستخدام صيغ أخرى معروفة لدى فقهائنا الأقدمين ومنها بيع التورق فاتجه إليه مجموعة من الأفراد والشركات والمؤسسات واستعاضوا به عن القروض الربوية.
ولا شك أن هذه الصيغة غطت الكثير من الاحتياج ووفرت السيولة الكافية بطريقة شرعية تتصف بالحل والإباحة على سبيل الجواز الاختياري لا على سبيل الجواز الاضطراري فالحمد لله الذي هدانا لدين تتصف تشريعاته بالعدل والقناعة العقلية وبالاستقصاء والشمول بما في أصوله وقواعده من حل لكل مشكلة في كل زمان ومكان.
4 -
التواطؤ على التورق في معاملة واحدة أو في معاملة تالية لإطفاء مديونية سابقة مماثلة وأثره في الحكم
.
لعل مفهوم من التواطؤ على التورق في معاملة واحدة أن يشتري أحد الناس سلعة من آخر بثمن مؤجل لغرض بيعها والانتفاع بثمنها دون أن يكون له غرض في سداد مديونية عليه لمن باعه فإذا كان هذا هو المفهوم فلا يظهر لي مانع في إجازة هذا البيع ولو كان غرض المشتري الانتفاع بالثمن ولكن بشرط ألا يبيع السلعة على من باعه إياها بحيث تكون من بيوع العينة.
وسواء أكان ذلك عن طريق تواطؤ بين الطرفين وذلك بإفصاح المشتري عن رغبته إلى البائع للانتفاع بثمن ما اشتراه منه أو
لم يكن عن طريق تواطؤ حيث إن هذا البيع لا يخرج عن مسمى البيع الحلال لانتفاع القصد والتحيل به إلى الربا ولانتفاع صورة الربا في ذلك.
وأما إذا كان الغرض من التورق إطفاء مديونية سابقة للبائع على المشتري فهذا ما يسمى بقلب الدين على المدين، وقد أفتى مجموعة من أهل العلم بمنع ذلك لما يفضي إليه من نتيجة ما يفضي إليه المسلك الجاهلي من أخذهم بمقتضى: أتربي أم تقضي؟
ولما في ذلك من مخالفة صريحة لأمر الله بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (1) فالأمر في الإنظار يقتضي الوجوب.
وممن قال بمنع ذلك مجموعة من علماء السلف ومنهم الإمام مالك رحمه الله، فقد سئل الشيخ عبد الله أبابطين عن حكم قلب الدين فأجاب بإجابات متعددة ومن إجاباته رحمه الله ما نصه: ((ونذكر لكم صورة من صور قلب الدين ذكرها الإمام مالك في الموطأ يفعلها بعض الناس إذا صار له على آخر مائة مثلا وطلبها منه قال: ما عندي نقد لكن بعني سلعة بثمن مؤجل كما يقول بعضهم العشر اثني عشر فيبيعه سلعة بمائة وعشرين مؤجلة تساوي مائة نقدا ثم يبيعها المشتري ويعطيه ثمنها مائة. قال مالك رحمه الله: في الرجل يكون له على الرجل مائة
(1) سورة البقرة الآية 280
دينار إلى أجل فإذا حلت قال الذي عليه الدين بعني سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا بمائة وخمسين إلى أجل))
قال مالك: هذا بيع لا يصلح ولم يزل أهل العلم ينهون عنه.
قال إنما كره ذلك، لأنه إنما يعطيه ثمن ما باعه بعينه ويؤخر عنه المائة الأولى إلى الأجل الذي ذكره له آخر مدة ويزداد عليه خمسين دينارا في تأخيره عنه. فهذا مكروه ولا يصلح وهو يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهلية أنهم كانوا إذا حلت ديونهم قالوا للذي عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي " فإن قضى أخذوا وإلا زادوهم في حقوقهم وزادوهم في الأجل " اهـ.
ثم ذكر الشيخ عبد الله أبابطين " أن السلف يعبرون كثيرا بالكراهية فيما هو محرم عندهم "(1) اهـ.
وقد قال بمثل هذا القول مجموعة من علماء نجد وغيرهم لما يترتب على ذلك من أيلولة هذه الصورة إلى ربات الجاهلية المشتمل على الظلم والعدوان واستغلال الاضطرار والإكراه والضعف ويمكن أن يخص هذا الحكم بقلب الدين على المدين المعسر.
أما إذا كان الدين على مليء إلا أنه في حاجة إلى الاستزادة من التمويل لتوسيع نشاطه الاستثماري فهذه الحال محل نظر واجتهاد. وقد أجاز هذه الصورة مجموعة من الهيئات الرقابية
(1) الدرر السنية في الأجوبة النجدية: الجزء الخامس، ص 68.