الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نماذج من صورة المخطوطة
الصحيفة الأولى
الصحيفة الأخيرة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
من سليمان بن عبد الرحمن العمري إلى علماء المدينة الكرام المدرسين في مسجد أفضل الرسل الكرام محمد، صلى الله عليه وسلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أما بعد، فأهنئكم ونفسي بما من الله علينا وخصنا به من نشر هذه الدعوة الإسلامية والطريقة المحمدية، وهي الدعوة إلى توحيد رب العالمين، التي هي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2).
وقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (3).
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
سورة الأنبياء الآية 25
(3)
سورة النحل الآية 2
وهذه دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، يأمرون أممهم بالتوحيد الذي هو عبادة الله وحدة، وينذرون عن عبادة الطواغيت. وكما ورد في الحديث:«نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، أبونا واحد - يعني التوحيد - وأمهاتنا شتى (1)» يعني الشرائع كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (2).
وكل هذا - ولله الحمد - تعرفونه، وتفهمونه، فاحمدوا الله تعالى على ما من علينا وعليكم بهذا الإمام الذي غرز الله في قلبه محبة التوحيد ومحبة من يدعو إليه في آخر هذا الزمان.
ولقد علمتم ما سلف في هذه البلدان من المنكرات التي لا تعد ولا تحصى، ومن ظهور الشرك والبدع التي لا تخفى.
واعلموا - وفقني الله وإياكم - أن أجل مقاصد إمامنا وملكنا في هذه التعليمات ثلاثة أمور:
الأول: تفهيم عوام المسلمين قواعد الدين المشتملة على التوحيد الذي تضمنته (الثلاثة الأصول و (الأربع القواعد) و (كتاب التوحيد) لإمام هذه الدعوة النجدية، وتفهيم الناس أنواع
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 1270) رقم (3259)، ومسلم في صحيحه (4/ 1837) رقم (2365).
(2)
سورة المائدة الآية 48
التوحيد الثلاثة كما قد علمتم:
الأول: توحيد الربوبية، الذي هو الإقرار بأن الله تعالى رب كل شي ومليكه، وأنه النافع الضار، الخالق الرازق.
وهذا التوحيد أقر به المشركون، كما قد علمتم.
النوع الثاني: توحيد الأسماء والصفات، وهو الإقرار بأن الله بكل شيء عليم، وأنه الحي القيوم، وأنه سميع عليم، رءوف رحيم، على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته.
وهذان النوعان لا يكفيان في حصول الإسلام؛ لأن النوع الأول أقر به المشركون، وهو توحيد الربوبية.
والنوع الثاني: منهم من أقر به، ومنهم من جحده.
النوع الثالث: توحيد الألوهية، المبني على إخلاص التأله لله تعالى من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة، والدعاء لله وحده.
وينبني على ذلك إخلاص العبادات كلها: ظاهرها وباطنها لله وحده لا شريك له، ولا يجعل فيها شيئا لغيره، لا لملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلا عن غيرهما.
وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره، وظاهره وباطنه، وهو
أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية، والإجلال والتعظيم، وجميع أنواع العبادات
ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليفة (1)، وأرسلت الرسل (2)، وأنزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار.
واعلموا - وفقني الله وإياكم - أن المقصود الأعظم لإمامنا - وفقه الله - هو تقرير هذا النوع، وهو الزبدة في ذلك، فإن الناس كما علمتم أحوالهم فيما مضى (3) وكان المتكلم بهذا ممقوتا عند الملوك، معاقبا بالحبس والعزل عن المناصب، وعند العامة لا يسمعون منه، ويقولون: هذا تنقص للرسل وللأولياء والصالحين.
(1) كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[الذاريات، الآية 56].
(2)
كما قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)[النحل، الآية 36].
(3)
قبل حكمه. عليه رحمة الله تعالى.
فاحمدوا الله تعالى أن ولى عليكم ملكا يحضكم على هذه الدعوة، ويوالي على ذلك، ويعادي من خالفها. فعليكم بالحد والاجتهاد، وتصحيح النية والقصد لله تعالى والنصح لأئمة المسلمين وعامتهم.
الأمر الثاني: من مقصود إمام المسلمين وملكهم: تعليم الناس دينهم عن الألفاظ التي اعتادوها، مما هو من الشرك الأكبر، وما هو من الشرك الأصغر، وما هو من المحرم التي نشأ عليها الصغير، وهرم عليها الكبير.
فمن الشرك الأكبر: الاستغاثة بغير الله، والطلب من الأموات والغائبين، كقول القائل عند قيامه وقعوده: يا رسول الله، أو عثر، أو فوجئ بأمر يروعه أو نحو ذلك.
فهذا دعاء واستعانة بغير الله.
وكذلك الطلب من الغائبين والأموات، كقول: يا رسول الله، اشفني، أو ارزقني، واجبرني، أو أنا في حسبك، ونحو ذلك.
ومن الشرك الأصغر: كالحلف بغير الله، كقول: بالنبي والنبي، أو بابن عباس، ونحو ذلك من الألفاظ المحرمة، كالحلف بالأمانة، والسؤال بجاه النبي أو غيره، فإن هذا بدعة محرمة.
وهذه الأمور مما يجب علينا معاشر العلماء التنبيه عليها، وتعليم الجاهل، ولا يحل لنا السكوت عن هذا الأمر العظيم.
الأمر الثالث: الذي من مقصود ملكنا: تفهيم الناس وتعليمهم ألفاظ الزيارة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، كما قد علمتم، وأن المقصود من الزيارة، الدعاء للميت بالمغفرة والرحمة، ورفع الدرجة، لا دعاؤه ولا التمسح بقبره، ولا الطواف حوله؛ فإن دعاءه والسؤال منه من الشرك الأكبر.
والتمسح بقبره، والطواف به حرام لا يحل، فيجب علينا وعليكم القيام بأمر الله، وإبطال هذه المنكرات، وتفهيم الناس ذلك؛ لأنه لا عذر لنا في ذلك، كيف وملكنا ونوابه يحضون على إبطال ذلك؟
وكذلك ينبغي لكم أن تبينوا للناس أن تكرار الزيارة كل يوم، وربما كررت في اليوم الواحد مرارا، وهذا ليس بمشروع.
قال في المبسوط عن مالك إمام هذه البلدة (1): (لا بأس لمن قدم من السفر أو خرج إليه أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي ويسلم عليه، ويدعوا له ولأبي بكر وعمر، فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه، وهم
(1) يعني المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، يأتون عند القبر، ويسلمون عليه، ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه في بلدنا، لا من الصحابة ولا من غيرهم، ولا يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكررون المجيء إلى القبر، بل كانوا يكرهونه إلا لمن جاء من سفر، أو أراده) انتهى.
وكذلك - وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه - بعضنا في حال التدريس يحيد عن الكلام الذي قصده وأراده المصنف. ربما يقرر على الحديث أو الآية ما ليس له مناسبة بما قصده، وأراده بالترجمة، وهذا لا يفيد طالب العلم ولا مستمعه، وربما يأتي بالمناسبة، ثم يأتي بمناسبة للمناسبة، وهلم جرا، حتى يخرج عن الموضوع الذي قصده المصنف، وقصده طالب العلم من العلم بهذا الموضوع، فتفطنوا لذلك. وفقني الله وإياكم.
وسبب هذه التهنئة والباعث لهذا الكتاب: وصيتكم بلزوم ما من الله به عليكم من هذا الدين الذي أكرم الله به من أكرم في هذا الزمان، بعدما اشتدت به غربة الإسلام، وعاد المعروف منكرا
والمنكر معروفا والسنة بدعة، والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، وصار هذا الدين لا يعرف، حتى صار العلماء أجهل به من العامة، حتى من الله على عباده بإمام ألهمه الله ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، فأخذه من الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين قبل حدوث ما حدث، فجدد الله به ما درس، والحمد لله الذي جعل أكثركم اليوم يميز الحق من الباطل، وغيركم من الأمصار لا يخفى عليكم حالهم، أكثرهم جمع بين البدعة والشرك واتخذه دينا يظن أنه يقربه إلى الله، وهو يبعده منه ومن رحمته وجنته.
وأعطاكم الله من الكتب التي فيها من الأدلة والبيان ما فيه الغنية، فاعرفوا قدر هذه النعمة، وأنها عظيمة لا يماثلها شيء، كما قال تعالى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (1).
وفضل الله الإسلام أن جعلكم من أهله.
ومن فسره بالإسلام والقرآن فالمعنى واحد؛ لأن الإسلام هو العمل بالقرآن، فاشكروا الله - سبحانه وبحمده - على هذه النعمة، وتجردوا لله في الدعوة إلى ذلك، والعمل به، وتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل.
(1) سورة يونس الآية 58
وكل شبهة أوردها مبطل على هذا الدين من جهمي أو مشرك أو مبتدع، أبطلها الله بالأدلة من الكتاب والسنة، كما قال تعالى:{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (1).
فلا يقدر أحد أن يأتي بحجة على أن الله يدعى ويدعى معه غيره، بل دل الكتاب والسنة على النهي عن ذلك، وتغليظ أمره، وأنه من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله.
وفي القرآن من الأدلة على ذلك ما يفوت العد، كما قال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (2).
وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} (3).
وهذا عام يتناول كل ما دعاه أكثر المشركين مع الله من ميت أو غائب أو غير ذلك.
وأمثال هذه الآيات جملة وتفصيلا أكثر من أن تحصى، وقد قصر العبادة بجميع أنواعها على نفسه، كما في فاتحة الكتاب وغيرها.
فلا يصير لكم تنافس إلا في العلم بالتوحيد ومعرفة ما يعارضه
(1) سورة الفرقان الآية 33
(2)
سورة لقمان الآية 30
(3)
سورة الحج الآية 73
من الشبهات، وردها، حتى يمن الله عليكم بالعمل الصالح؛ لأن صحة العمل ترتبت على هذا، إذا كان عن قبول ومحبة ورغبة ومعرفة، وبحسب قوة العلم بهذا التوحيد يصلح العمل ويكثر فضله وثوابه وتكفيره الذنوب، وتفريجه الكروب.
وتمام هذا بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد من خرج ومرق بالحجة والبيان، وبالله التوفيق.
ولا يخفى عليكم أن تفصيل هذه النبذة يحتاج لمجلد ضخم، فمن عثر على زلة أو عرض له شبهة، فلينبهني على ذلك؛ لأن الحق ضالة المؤمن.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع قلوبنا على طاعته، وأن يجعلنا وإياكم ممن يتعاونون على البر والتقوى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وبالله التوفيق.
صفحة فارغة
الزيارة الشرعية والبدعية
لشيخ الإسلام: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية
تحقيق وتعليق الدكتور / علي بن عبد العزيز الشبل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعد:
فهذه فتيا مختصرة جامعة لشيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الزيارة: شرعيها وبدعيها، وشد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين، وحكم قصر الصلاة في ذلك السفر. كتبها بخطه جوابا لسؤال ورد إليه.
وقد عثر عليها خصومة في العقيدة ولم توافق هواهم، فأشغبوا وشنعوا عليه جدا، فحصل من ذلك فتنة وشدة على الشيخ ومن كان على منهاجه، طار شررها في الآفاق، حتى كتب القضاة - من مناوئيه - كتابا إلى السلطان بمصر يشهدون أن الخط خطه، وحرفوا على