الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضع السجاجيد في المسجد الحرام ومنع الناس من الجلوس والصلاة عليها
لا يجوز
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم: أحمد رمضاني سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
وصلنا كتابكم تاريخ 23 - 9 الذي تذكرون فيه أن بعض الزمازمة والمطوفين يفرشون بسطا وحنابل في المسجد، ويمنعون الناس من الجلوس عليها والصلاة. ويتحجرونها لبعض الحجاج الذين يفدون عليهم.
فنفيدكم أن هذا لا يجوز؛ لأن المساجد لله سبحانه، والسابق أحق من المتأخر، والسبق والتقدم إلى المسجد يكون بالبدن لا بالفراش والوطاء، فمنع الناس والحالة هذه لا يجوز، بل هو ظلم وغصب لتلك البقعة من المسجد بدون حق، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من ظلم قيد شبر من الأرض طوق به سبع أرضين يوم القيامة (1)» .
وأيضا: فعمارة المساجد بطاعة الله فيها من الذكر والقراءة والصلاة كما في حديث أبي سعيد: «إذا رأيتم الرجل يعتاد
(1) عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ شبرا من أرض ظلما طوق يوم القيامة إلى سبع أرضين" متفق عليه.
المسجد فاشهدوا له بالإيمان، ثم قرأ:(2)» رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن غريب.
ومتحجر تلك البقعة مانع لتلك العمارة المعنوية المطلوبة شرعا والمرغب فيها، ولا يبعد دخوله تحت قوله سبحانه:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} (3).
ثم إن واضع ذلك الوطاء والفراش ونحوه قد يحمله ذلك على التأني والتأخر عن إتيان المسجد في أول الوقت، ويفوت على نفسه بسبب ذلك خيرا كثيرا، وقد يأتي متأخرا ويتخطى رقاب الناس وهذا حرام، كما في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له: «اجلس فقد آذيت (4)» .
ولم يكن من عادة السلف الصالح وضع تلك الفرش وتحجر المساجد؛ بل أنكروا ذلك وعدوه بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة، كما يروى أن عبد الرحمن بن مهدي فرش مصلاه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فأمر بحبسه، وقال: أما علمت أن هذا
(1) سنن الترمذي تفسير القرآن (3093).
(2)
سورة التوبة الآية 18 (1){إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}
(3)
سورة البقرة الآية 114
(4)
وآنيت رواه ابن ماجه.
في مسجدنا بدعة.
فإذا علمت ما ذكر فلا شك أن فعل ذلك في المسجد الحرام أعظم تحريما وأشد منعا؛ لعظم حرمة ذلك المسجد، وقد صرحت الأدلة أن المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان، قال الله سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1).
قال ابن الحاج في (المدخل): ليس للإنسان في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه، وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين، فإذا بسط لنفسه شيئا ليصلي عليه احتاج لأجل توسعة ثوبه شيئا كبيرا؛ ليعم ثوبه على سجادته. فيكون في سجادته اتساع خارج، فيمسك بسبب ذلك موضع رجلين أو نحوهما إن سلم من الكبر من أنه لا ينضم إلى سجادته أحد، فإن لم يسلم من ذلك وولى الناس عنه وتباعدوا منه، هيبة لكمه وثوبه وتركهم هو ولم يأمرهم بالقرب إليه فيمسك ما هو أكبر من ذلك، فيكون غاصبا لذلك القدر من المسجد، فيقع بسبب ذلك في المحرم المتفق عليه والمنصوص عن صاحب الشريعة حيث قال:«من غصب شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة (2)» وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب
(1) سورة الحج الآية 25
(2)
صحيح البخاري بدء الخلق (3198)، صحيح مسلم المساقاة (1610)، سنن الترمذي الديات (1418)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 190)، سنن الدارمي البيوع (2606).
إلا وقت الصلاة، وهو في وقت الصلاة غاصب له، فيقع في هذا الوعيد بسبب قماشه وسجادته، فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس ثم يأتي كان غاصبا لذلك الموضع الذي عملت السجادة فيه؛ إنه ليس له أن يحجزه، وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته، انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية في (الفتاوى المصرية)(1):
(وأما ما يفعله كثير من الناس من تقديم المفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها قبل ذهابه إلى المسجد، فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين بل محرم.
وهل تصح صلاته على ذلك المفروش؟
فيه قولان للعلماء؛ لأنه غصب بقعة في المسجد في فرش ذلك المفروش فيها، ومنع غيره من المصليين الذين يسبقونه إلى المسجد أن يصلي في ذلك المكان، ومن صلى في بقعة من المسجد مع منع غيره فهل هو كالصلاة في الأرض المغصوبة؟ على وجهين، وفي الصلاة في الأرض المغصوبة قولان للعلماء، وهذا مستند من كره الصلاة في المقاصير التي تمنع صلاة عموم الناس، والمشروع في المسجد أن الناس يتمون الصف الأول، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها. قالوا: وكيف تصف
(1) ج2 ص 49.
الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول فالأول ويتراصون في الصف (1)»، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه (2)» ، والمأمور: أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد، فإذا قدم المفروش وتأخر فقد خالف الشريعة من وجهين:
من وجه تأخره وهو مأمور بالتقدم
ومن وجهة غصبه لطائفة من المسجد، ومنع السابقين إلى المسجد أن يصلوا فيه وأن يتموا الصف الأول فالأول.
ثم إنه يتخطى الناس إذا حضروا، وفي الحديث «الذي يتخطى رقاب الناس يتخذ جسرا إلى جهنم (3)» ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «اجلس فقد آذيت (4)» ثم إذا فرش هذا فهل لمن سبق إلى المسجد أن يرفع ذلك ويصلي موضعه؟
فيه قولان: أحدهما ليس له ذلك؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه.
والثاني: وهو الصحيح أن لغيره رفعه والصلاة مكانه؛ لأن هذا السابق يستحق الصلاة في الصف المتقدم، وهو مأمور بذلك أيضا، ولا يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء ذلك الحق إلا برفع ذلك المفروش، وما لا يتم
(1) أخرجه النسائي في الإمامة.
(2)
صحيح البخاري الأذان (615)، صحيح مسلم الصلاة (437)، سنن الترمذي الصلاة (225)، سنن النسائي الأذان (671)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 303)، موطأ مالك النداء للصلاة (295).
(3)
" من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم "، أخرجه الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني.
(4)
سنن النسائي الجمعة (1399)، سنن أبو داود الصلاة (1118).