الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نماذج من الأصل المخطوط
نموذج من صور المخطوطة
نموذج من صور المخطوطة
نموذج من صور المخطوطة
وهذا صورة السؤال وجواب الشيخ عنه:
ما تقول السادة أئمة الدين نفع الله بهم المسلمين في رجل نوى زيارة قبور الأنبياء والصالحين: مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره، فهل يجوز له في سفره أن يقصر الصلاة؟
وهل هذه الزيارة شرعية أم لا؟ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حج ولم يزرني فقد جفاني، ومن زارني بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» .
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (1)» ، أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، أما من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، فهل يجوز له قصر الصلاة؟ على قولين معروفين:
أحدهما: وهو قول متقدمي العلماء الذين لا يجوزون القصر في سفر المعصية كأبي عبد الله ابن بطة، وأبي الوفاء ابن عقيل، وطوائف كثيرة من العلماء المتقدمين أنه: لا يجوز القصر في مثل هذا السفر؛ لأنه سفر منهي عنه (2) في الشريعة فلا يقصر فيه.
والقول الثاني: أن يقصر، وهذا يقوله من يجوز القصر في
(1) صحيح البخاري الجمعة (1189)، صحيح مسلم الحج (1397)، سنن النسائي المساجد (700)، سنن أبو داود المناسك (2033)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1409)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 234)، سنن الدارمي الصلاة (1421).
(2)
في العقود الدرية 220: ومذهب مالك والشافعي وأحمد أن السفر المنهي عنه في الشريعة لا يقصر فيه.
السفر المحرم: كأبي حنيفة، ويقوله بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد ممن يجوز السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين: كأبي حامد الغزالي، وأبي الحسن بن عبدوس الحراني، وأبي محمد بن قدامة المقدسي.
وهؤلاء يقولون: إن هذا السفر ليس بمحرم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«زوروا القبور (1)» .
وقد يحتج بعض من لا يعرف الحديث بالأحاديث المروية في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: «من زارني بعد مماتي، فكأنما زارني في حياتي» رواه الدارقطني.
(1) رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي آخره:((فإنها تذكر الآخرة)). رواه في كتاب الجنائز - باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (976).
وأما ما يذكره بعض الناس من قوله: «من حج ولم يزرني فقد جفاني» فهذا لم يروه أحد من العلماء. وهو مثل قوله: «من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على
الله الجنة (1)» فإن هذا أيضا باطل باتفاق العلماء، ولم يروه أحد ولم يحتج به أحد، وإنما يحتج بعضهم بحديث الدارقطني.
وقد احتج أبو محمد المقدسي على جواز السفر لزيارة القبور بأنه صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء.
وأجاب عن حديث «لا تشد الرحال (2)» ، بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب.
(1) نص الشيخ ابن تيمية على أنه كذب موضوع باتفاق أهل العلم في مواضع من كتبه: في " أحاديث القصاص " من الفتاوى 18/ 125 و378 و342 و 24/ 357 و27/ 16 و25 - 29 و 35 و165، 166 و216، 217، " والفتاوى المصرية " 2/ 64، 65 و" الرد على الأخنائي " 43، 44، كما نص على بطلانه النووي في المجموع 8/ 277 وأنه لا أصل له. وكذلك ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي". والسخاوي في "المقاصد الحسنة"(413) والعجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 251، والفتني في "تذكرة الموضوعات"(75) والقاري" في " الأسرار المرفوعة " 344 (909)، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" 2/ 176، ومرعى الحنبلي في " الفوائد " (16) والسيوطي في "الدرر المنتثرة" (389)، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (46).
(2)
صحيح البخاري الجمعة (1189)، صحيح مسلم الحج (1397)، سنن النسائي المساجد (700)، سنن أبو داود المناسك (2033)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1409)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 234)، سنن الدارمي الصلاة (1421).
وأما الأولون فإنهم يحتجون بما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (1)» . وهذا الحديث اتفق على صحته والعمل به.
فلو نذر بشده الرحال أن يصلى بمسجد، أو بمشهد، أو يعتكف فيه، ويسافر إليه، غير هذه الثلاثة، لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة.
ولو نذر أن يسافر ويأتي إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة، وجب عليه ذلك باتفاق العلماء، ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف، وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد، ولم يجب عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يجب عنده بالنذر إلا ما كان من جنسه واجبا (2).
وأما الجمهور فيوجبون الوفاء بكل طاعة، كما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (3)» . والسفر إلى المسجدين طاعة فلهذا وجب الوفاء به.
وأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليه إذا نذروه، حتى نص العلماء أنه لا يسافر إلى مسجد قباء؛ لأنه ليس من الثلاثة، مع أن مسجد قباء تستحب زيارته
(1) مسند أحمد بن حنبل (6/ 7).
(2)
زاد ابن عبد الهادي في العقود الدرية 222. ((بالشرع))
(3)
صحيح البخاري الأيمان والنذور (6696)، كتاب الأيمان والنذور (6700)، سنن الترمذي النذور والأيمان (1526)، سنن النسائي كتاب الأيمان والنذور (3806)، الأيمان والنذور (3807)، كتاب الأيمان والنذور (3808)، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3289)، سنن ابن ماجه الكفارات (2126)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 224)، باقي مسند الأنصار (6/ 36)، كتاب باقي مسند الأنصار (6/ 41)، موطأ مالك النذور والأيمان (1031)، سنن الدارمي النذور والأيمان (2338).
لمن كان يجيء المدينة؛ لأن ذلك ليس بشد رحل كما في الحديث الصحيح: «من تطهر في بيته، ثم أتى إلى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه، كان كعمرة (1)» ، قالوا: ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يعطها (2) أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعله فهو مخالف للسنة
(1) الحديث أخرجه الإمام أحمد في" مسند " 3/ 487 من حديث محمد الكرماني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه يرفعه فذكره، وكذا رواه النسائي في " السنن الصغرى" 1/ 80 في كتاب المساجد باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه. وابن ماجه في "السنن"(1412) والطبراني في " الكبير" 6/ 90. وقد تابع محمد بن سليمان الكرماني، يوسف بن طهمان عن أبي أمامة به، رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 373 ووكيع في "الزهد" (3920) والطبراني في " الكبير " 6/ 91 وانظر المجمع 4/ 11. وفي باب عن أسيد بن حضير رضي الله عنه مرفوعا: ((صلاة في مسجد قباء كعمرة)) أخرجه الترمذي في "جامعه" 2/ 146 في كتاب الصلاة باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء من حديث أبي الأبرد عن أسيد بن حضير يرفعه حسنه. وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1411) والحاكم في "المستدرك" 1/ 487 وصححه البيهقي في "الكبرى" 5/ 248" كلهم من طريق أبي الأبرد به.
(2)
كذا، وفي الرد على الأخنائي "45" و"العقود الدرية" 222:((لم يفعلها)) وهو الأصوب.
ولإجماع الأئمة.
وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الصغرى من البدع المخالفة للسنة والإجماع.
وبهذا يظهر ضعف حجة أبي محمد لأن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء لم يكن بشد رحل، وأن السفر إليه لا يجب بالنذر.
وقوله: «لا تشد الرحال (1)» محمول على نفي الاستحباب، عنه جوابان:
أحدهما: أن هذا إن سلم فيه أن هذا السفر ليس بعمل صالح، ولا قربة ولا طاعة ولا هو من الحسنات، فإذا من اعتقد أن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع، وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة كان ذلك محرما بإجماع المسلمين، ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك.
وأما إذا نذر الرجل أن يسافر إليها لغرض مباح، فهذا جائز وليس من هذا الباب
(1) صحيح البخاري الجمعة (1189)، صحيح مسلم الحج (1397)، سنن النسائي المساجد (700)، سنن أبو داود المناسك (2033)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1409)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 234)، سنن الدارمي الصلاة (1421).
الوجه الثاني: أن الحديث يقتضي النهي، والنهي يقتضي التحريم، وما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها، بل مالك إمام أهل المدينة (1)، الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة، كره أن يقول الرجل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم أو مشروعا، أو مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه عالم أهل المدينة.
والإمام أحمد أعلم الناس في زمانه بالسنة، لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك من الأحاديث، إلا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه.
(1) في " الرد على الأخنائي " 46 و"العقود الدرية" 223: المدينة النبوية
وكذلك مالك في الموطأ، روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:"كان إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف".
وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم (1)» .
وفى سنن سعيد بن منصور أن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رأى رجلا يختلف إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم» . فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء.
(1) رواه أبو داود في سننه في كتاب المناسك" ـ باب زيارة القبور (2041)، والإمام أحمد في " مسنده 2/ 367 وعبد الرازق في المصنف" (6726) والطبراني في " الأوسط " (8026) وحسن الشيخ إسناد الحديث، وقال: إن رواته مشاهير، وتكلم على حال عبد الله بن نافع فيه وبشواهده في " الاقتضاء" 1/ 296 ـ 299 و2/ 654 ـ 660، وكذا في " الرد على الأخنائي" 145 ـ 148 فأطال عليه وعلى الحديث الأتي بعده. وصححه النووي في " الأذكار ص173 في كتاب الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن شواهده مما لم يذكره رحمه الله عن علي رضي الله عنه رواه أبو يعلى في " مسنده (3116) والقاضي إسماعيل في " فضل الصلاة على النبي " (20). وعن ابن مسعود في" المسند " 1/ 387 و"سنن النسائي " 3/ 43 وعبد الرازق في " مصنفه " (3116) وغيرهم. وانظر: إلى " المطالب العالية " 1/ 372 و"مجمع الزوائد " 3/ 4.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما فعلوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا (1)» .
وهم دفنوه في حجرة عائشة خلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء لئلا يصلي أحد عند قبره، ويتخذه مسجدا، فيتخذ قبره وثنا.
(1) رواه البخاري في كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (4441)، ورواه مسلم في كتاب المساجد، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (19).
وكان الصحابة والتابعون - لما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك - لا يدخل أحد إليه، لا لصلاة هناك، ولا لتمسح بالقبر، ولا دعاء هناك، بل هذا جميعه إنما كانوا يفعلونه في المسجد، وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه، وأرادوا الدعاء دعوا استقبال القبلة، ولم يستقبلوا القبر.
وأما الوقوف للسلام عليه، فقال أبو حنيفة: يستقبل القبلة أيضا، ولا يستقبل القبر، وقال أكثر الأئمة بل يستقبل القبر عند السلام خاصة.
ولم يقل أحد من الأئمة أنه يستقبل القبر عند الدعاء، وليس في ذلك إلا حكاية مكذوبة تروى عن مالك ومذهبه بخلافها.
واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبله.
وهذا كله محافظة على التوحيد، فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد، كما قال طائفة من السلف في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (1).
قالوا: " هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا على صورهم تماثيل، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم ".
وقد ذكر البخاري في صحيحه هذا المعني عن ابن عباس.
وذكر محمد بن جرير الطبري، وغيره في التفسير عن واحد من السلف وذكره وثيمة.
وغيره في قصص الأنبياء، من عدة طرق
(1) سورة نوح الآية 23
وقد بسطت الكلام على أصول هذه المسائل في غير هذا الموضع.
وأول من وضع هذه الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على القبور: أهل البدع من الرافضة.
ونحوهم، الذين يعطلون المساجد، ويعظمون المشاهد، يدعون بيوت الله التي أمر الله أن يذكر
اسمه ويعبد وحده لا شريك له، ويعظمون المشاهد (1).
التي يشرك فيها ويكذب ويبتدع فيها دين لم ينزل الله به سلطانا، فإن الكتاب والسنة، إنما فيهما ذكر المساجد، دون المشاهد، كما قال الله تعالى:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2).
وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3). .
وقال تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (4).
وقال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (5).
وقال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} (6).
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح: أنه كان يقول: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك (7)» .
(1) في الكواكب 156: " من الرافضة ونحوهم الذي يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد "
(2)
سورة الأعراف الآية 29
(3)
سورة التوبة الآية 18
(4)
سورة البقرة الآية 187
(5)
سورة الجن الآية 18
(6)
سورة البقرة الآية 114
(7)
رواه مسلم في " صحيحه " في كتاب المساجد ـ باب النهي عن بناء المساجد على القبور (532) من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا. . . الحديث
ثم قال ابن عبد الهادي: هذا آخر ما أجاب به شيخ الإسلام والله سبحانه وتعالى أعلم.
وله من الكلام في مثل هذا كثير، كما أشار إليه في الجواب.
ولما ظفروا في دمشق بهذا الجواب كتبوه، وبعثوا به إلى الديار المصرية وكتب عليه قاضي الشافعية:
قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية فصح - إلى أن قال: وإنما المخرف.
جعله: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
وقبور الأنبياء صلوات الله عليهم معصية بالإجماع مقطوع بها. هذا كلامه، فانظر إلى هذا التحريف على شيخ الإسلام.
والجواب ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين وإنما ذكر فيه قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور وزيارة القبور من غير شد الرحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى.
والشيخ لا يمانع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها، ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض الشيخ إلى هذه الزيارة في الفتيا، ولا قال: إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية.
ولما وصل خط القاضي المذكور إلى الديار المصرية، كثر الكلام وعظمة الفتنة وطلب القضاة بها، فاجتمعوا وتكلموا وأشار بعضهم بحبس الشيخ. فرسم السلطان به وجرى ما تقدم ذكره. ثم جرى بعد ذلك أمور على القائمين في هذه القضية لا يمكن ذكرها في هذا الموضع.
ثم ذكر ابن عبد الهادي انتصار العلماء للشيخ في مسألة شد الرحال للقبور من 227 - 240 في كتابة العقود الدرية.
صفحة فارغة
منسك الإمام عطاء بن أبي رباح المكي رحمه الله
لفضيلة الدكتور عصام بن عبد المحسن الحميدان (1).
المقدمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان أما بعد:
فإن فقه مناسك الحج من أهم أقسام الفقه الإسلامي، ذلك أنه يتناول ركنا من أركان الإسلام، يجب على كل مسلم ومسلمة مستطيع في العمر مرة: لقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2).
والحج شعيرة إسلامية، ومجمع إسلامي عظيم، يظهر فيه جلال الإسلام، وقوته، وتلاحم أفراده، ووحدتهم في مشعر واحد، وهدف واحد، ونظام متقن، وهتاف مجيد: لبيك اللهم لبيك. . لبيك لا شريك لك لبيك.
(1) الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية بجامعه الملك فهد للبترول والمعادن
(2)
سورة آل عمران الآية 97
فحسبك بهذه الشعيرة من فخر، وحسبك بالبحث فيها من أهمية.
ولأهمية هذا المنسك سمى الله تعالى سورة من كتابه العزيز باسمه، وهي سورة الحج، مكية في نزولها، وهي السورة الوحيدة في القرآن التي تتضمن سجدتين؛ تعظيما لهذا المنسك وأنزل الله تعالى على رسوله قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1).
فمن أجل أن يبين للناس كيفية الحج، حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة واحده بعد هجرته.
وحج بعده خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم، والمسلمون، وسيظل الحج إلى أن يأذن الله تعالى.
وقد يتساءل بعض الناس: لماذا أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج - هذا المنسك العظيم - إلى آخر عمره، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:«تعجلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له (2)» ؟!
(1) سورة النحل الآية 44
(2)
رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه الألباني (إرواء الغليل (: 4/ 168).
والجواب كما قال العلماء في عده احتمالات (1):
الأول أنه لم يرد أن يحج مع المشركين. فأذن أبو بكر في الناس سنة تسع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان (2)» .
والثاني: أنه أخره حتى تكون حجته في السنه التي استدار فيها الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، ويصادف وقفته يوم الجمعة التي أكمل الله فيها الخلق.
والثالث: أنه كان له عذر من عدم الاستطاعة.
دور الفقهاء:
وفقهاء المسلمين هم الموقعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمبينون للناس كيف السنة في الحج، فلم يزالوا منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم يفتون بما يعتقدون أنه موافق للسنة التي جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (3)» .
(1) المغني (5/ 37)
(2)
رواه البخاري (الحج / لا يطوف بالبيت عريان: 3/ 483 ـ ح: 1622) ومسلم (الحج / لا يحج البيت مشرك: 2/ 982 ـ ح: 1347) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه البيهقي بهذا اللفظ عن جابر رضي الله عنه (5/ 125)، وهو في (صحيح مسلم) (الحج / استحباب رمي جمرة العقبة: 2/ 943 ـ ح: 1297) (وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه ومسند أحمد) عنه بلفظ " لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذة ". (الهداية بتخريج أحاديث البداية) للمعماري: 3/ 14، (وإرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل) للألباني (4/ 271).
فمن أبرز من كان الناس يرجعون إليه في الفتوى في الحج عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هو أعلم الناس بالحج.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد سئل في الحج: سل ابن عباس، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (1).
وليس هذا بغريب، حيث كان ابن عباس رضي الله عنهما إمام أهل مكة، وصاحب المدرسة العلمية المعروفة فيها.
وبعد عهد الصحابة كان عهد التابعين، وهم من خير القرون، حيث قال صلى الله عليه وسلم:«خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2)» .
وبرز من التابعين جماعة كانوا أعلم من غيرهم بمناسك الحج
(1) الأثران في: (أخبار مكة) للفاكهي (2/ 341).
(2)
رواه البخاري (فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم / باب فضائل الصحابة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: 7/ 3 ـ ح: 3650) ومسلم (فضائل الصحابة / فضل الصحابة: 4/ 1964 ـ ح: 2535) عن عمران بن حصين رضي الله عنه.