الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها. . . وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها. . .) (1).
(1) الفتاوى ج3 ص 347.
6 -
اتفاقهم في أمور العقيدة رغم اختلاف الزمان والمكان
.
يصف قوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني هذا الأمر فيقول: (ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الحق، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة. . قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار. . وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافا ولا تفرقا في شيء ما، وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟)(1).
(1) الحجة في بيان المحجة للأصبهاني ج2/ 224، 225.
7 -
الواسطية: وهي الاعتدال بين الإفراط والتفريط، فلم يغلوا ولم يقصروا في أي مسألة من مسائل الدين، وذلك لاعتصامهم بالكتاب والسنة واتباعهم طرق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
قال شيخ الإسلام - بعد أن بين أن ملة الإسلام وسط بين
الملل، قال:(. . . وهكذا أهل السنة والجماعة في الفرق)(1).
وقال أيضا: (. . . وكذلك في سائر " أبواب السنة" هم وسط؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)(2).
ومن مظاهر (3) وسطيتهم ما يلي:
أ - وسط في باب الأسماء والصفات بين أهل التعطيل وأهل التمثيل، فلم ينفوا الأسماء والصفات ولم يشبهوا الله بالمخلوقات، بل قالوا: لله أسماء وصفات على ما يليق بجلاله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4).
ب - وسط في باب القدر بين القدرية الذين لا يؤمنون بقدرة الله الكاملة ومشيئته الشاملة، فالله تعالى غير خالق لأفعال العباد وإنما العباد هم المحدثون لأفعالهم (5)، وبين الجبرية الذين يزعمون أن العبد
(1) الفتاوى ج3 ص 373.
(2)
الفتاوى ج3 ص 375.
(3)
الفتاوى ج3 ص 373 - 375، بتصرف. وشرح الطحاوية ص 528، 587، 588.
(4)
سورة الشورى الآية 11
(5)
انظر: شرح الأصول الخمسة ص 323 والفرق بين الفرق ص 104.
ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل، فلا فعل لأحد غير الله تعالى، وإنما تنسب الأفعال إلى العباد مجازا (1)، فيؤمن أهل السنة بأن الله على كل شيء قدير، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ويؤمنون بأن العبد له قدرة ومشيئة وعمل، وأنه مختار فيما يفعله، لكن قدرة الخالق فوق قدرة المخلوق، ذلك أن الله هو الذي خلق العبد وخلق قدرته ومشيئته وعمله واختياره، فعمل العبد فعل له حقيقة ومفعول لله تعالى، فهو يضاف إلى العبد إضافة المسبب إلى السبب، ويضاف إلى الله إضافة المخلوق إلى الخالق (2).
ج - وسط في الأسماء والأحكام والوعد والوعيد: بين الوعيدية (3) والمرجئة.
أولا: في الأسماء والأحكام. والمراد بها أسماء الدين مثل - مسلم، مؤمن، كافر، فاسق - وأحكام أصحابه في الدنيا والآخرة (4).
فالخوارج والمعتزلة قالوا: لا يسمى مؤمنا إلا من فعل كل مأمور وترك كل محظور؛ إذ الإيمان عندهم لا يتجزأ، فمتى ذهب بعضه بارتكاب شيء من المنهيات ذهب كله. ولهذا قالوا بسلب اسم الإيمان عن مرتكب الكبيرة، لكنهم اختلفوا: فالخوارج سموه
(1) انظر: الفرق بين الفرق ص 186، والملل والنحل ج1 ص110، 111.
(2)
انظر: الفتاوى ج3 ص373، 374، ج8 ص117، 118، 487، 488.
(3)
الوعيدية: هم الخوارج والمعتزلة ومن قال بقولهم.
(4)
انظر: الفتاوى ج13 ص38.
كافرا، وحكمه حكم الكافر في الدنيا.
والمعتزلة قالوا: لا نسميه مؤمنا ولا كافرا، وإنما هو في منزلة بين المنزلتين، وحكمه في الدنيا حكم باقي المسلمين في "حرمة الدم والمال والعرض والتوارث ونحو ذلك. أما في الآخرة، فاتفق الخوارج والمعتزلة على أن من مات على كبيرة ولم يتب منها أنه مخلد في النار.
أما المرجئة فقالوا: مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، وارتكاب الكبائر لا يؤثر فيه؛ إذ الأعمال عندهم لا تدخل في الإيمان. وفي الآخرة من أهل الجنة إذا مات موحدا؛ ولذا قالت المرجئة الخالصة:(لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة).
أما أهل السنة فتوسطوا؛ حيث قالوا: مرتكب الكبيرة مما دون الشرك مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته - فلا يعطى الاسم على الإطلاق ولا يسلبه على الإطلاق. وأما حكمه في الآخرة فهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه على قدر ذنبه ثم أخرجه من النار فلا يخلد فيها.
ثانيا: في الوعد والوعيد. والمراد بها نصوص الوعد والوعيد.
فالخوارج والمعتزلة غلوا في نصوص الوعيد؛ حيث قالوا: يجب
على الله عقلا أن يعذب العاصي كما يجب عليه أن يثيب المطيع، فمن مات على كبيرة ولم يتب منها فلا يجوز عندهم أن يغفر الله له.
والمرجئة غلوا في نصوص الوعد وأغفلوا نصوص الوعيد، فقالوا: كل ذنب سوى الشرك فهو مغفور؛ أخذا بنصوص الوعد مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1)، ولذا قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
أما أهل السنة فتوسطوا؛ حيث جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد بدون إفراط أو تفريط، فقالو في الوعيد: إذا لم يتب المذنب ولم تكن له حسنات تمحو سيئاته فإنه تحت مشيئة الله. وعليه فإنه يجوز أن يعفو الله عن المذنب فلا يدخله النار، ومن دخلها من أهل الكبائر مما دون الشرك فلا بد أن يخرج منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين.
وقالوا في الوعد: إن الله إذا وعد عباده بشيء كان وقوعه واجبا عليه بحكم وعده، لا بحكم الاستحقاق؛ فإن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئا.
وعليه فإن الله لا بد أن يثيب أهل طاعته، لكن لا يلزم منه
(1) سورة النساء الآية 48
مغفرة كل ذنب سوى الشرك كما قالت المرجئة.
د - وسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بين الخوارج والرافضة.
فالخوارج نظرا لأنهم يكفرون بالذنوب وقد يعدون ما ليس بذنب ذنبا، لذا كفروا عليا رضي الله عنه وطائفة كبيرة من الصحابة واستحلوا دماءهم؛ لأنهم رضوا بالتحكيم الذي كان بين علي ومعاوية إذ هو - عند الخوارج - ذنب يوجب كفر كل من رضي به.
والرافضة غلوا في علي وأهل بيته، ففضلوه على أبي بكر وعمر وسائر الصحابة، وقالوا بعصمته وأبنائه من بعده، بل زعموا أنهم يعلمون الغيب، وبعض فرقهم فضلت الأئمة على الأنبياء والملائكة، وبعضهم قالوا بألوهية علي رضي الله عنه. ومن آثار هذا الغلو سبهم لكثير من الصحابة، وتبرؤهم منهم، بل تكفيرهم لبعضهم كأبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم.
أما أهل السنة فقد توسطوا فلم يكفروا أحدا من الصحابة أو يتبرءوا من أحد منهم، بل ترضوا عن جميع الصحابة وأنزلوهم منازلهم