الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ (وفى راويةٍ: فأرادُوا أنْ يستَمْتِعُوا بهِنَّ ولا يَحْمِلْنَ 8/ 172) ، وقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ؟! فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؟ (وفي روايةٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنِ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا، وَنُحِبُّ الْمَالَ؛ كَيْفَ تَرَى فِى الْعَزْلِ؟ 7/ 211) فَقَالَ:
«مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا (وفى أخرى: أوَ إنَّكُم لَتَفْعَلونَ [ذلك]؟ -قالها ثلاثاً- 6/ 154)، [فإنه] مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَاّ وَهْىَ كَائِنَةٌ (ومن طريق أُخرى عنه: ليسَ نفسٌ مخلوقةٌ إلا اللهُ خالِقُها) ".
35 - بابُ غزوةِ أنْمارٍ
(قلتُ: أسند فيه حديث جابر المتقدم "ج 1/ 18 - التقصير/ 7 - باب").
36 - بابُ حديثِ الِإفكِ
و (الإِفْكُ): بمنزلةِ النِّجْسِ والنَّجَسِ، يُقالُ: إِفْكُهُم، وأَفْكُهُم، وأَفَكُهُم، فمَن قالَ: أَفَكَهُم؛ يقولُ: صرَفَهُم عنِ الِإيمانِ وكذَّبَهُم؛ كما قالَ: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يُصْرَفُ عنهُ مَن صُرِفَ.
1748 -
عن عَائِشَةُ رضي الله عنه زوجِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا؛ خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ، [وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبْتَغِى بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 3/ 135]، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِى غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِى، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِى هَوْدَجِى، وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا
فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ، [و6/ 5] دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قافِلينَ؛ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِى أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِى، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ (ظَفَارِ) (74) (وفي روايةٍ: أَظفارٍ 3/ 154) قدِ انقطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِى ، فَحَبَسَنِى ابْتِغَاؤُهُ، قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِى، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِى، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِى الَّذِى كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّى فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ (75) وَلَمْ يَغْشَهُنَّ (وفى روايةٍ: يُثقِلهُنَّ) اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ، فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِى بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ، وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِى الَّذِى كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِى فَيَرْجِعُونَ إِلَىَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِى مَنْزِلِى؛ غَلَبَتْنِى عَيْنِى فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِىُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِىُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِى، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَعَرَفَنِى حِينَ رَآنِى، وَكَانَ رَآنِى قَبْلَ الْحِجَابِ (*)، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِى، فَخَمَّرْتُ وَجْهِى بِجِلْبَابِى، وَاللَّهِ
(74) كحضار: مدينة باليمن.
(75)
أي: لم يهبلهن اللحم؛ كما في بعض الروايات التي ذكرها الشارح العيني، يقال:(هبله اللحم): إذا كثر عليه، وركبا بعضه بعضاً. و (العلقة): القليل. (تيممت): قصدت.
(*) تعني: قبل نزول آية الحجاب: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} .
واعلم أن (الحجاب) في هذه الآية غير (الجلباب) في آية سورة النور؛ فالأول والمرأة في بيتها تتستر بأي حاجز منفصل عنها؛ كالستارة المعلقة أو الباب ونحوه؛ فهو كقوله تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} ، وأما الجلباب؛ فهو الثوب الذي تلتحف به المرأة إذا خرجت من دارها؛ فتنبه لهذا؛ فإن كثيراً ممن كتبوا في هذا الموضوع خلطوا بين (الحجاب) و (الجلباب)، وقد فرقت عائشة بينهما كما ترى.
مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِى الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ [بعدَما نزلوا 6/ 6] مُوغِرِين (76) (وفي روايةٍ: مُعَرِّسِينَ) (77) فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَهُمْ نُزُولٌ قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِى تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ: ابْنَ سَلُولَ.
قَالَ: عُرْوَةُ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلَاّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فِى نَاسٍ آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ؛ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّ كُبْرَ (78) ذَلِكَ يُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ.
قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إنَّه الذي قالَ:
فإنَّ أبي ووالِدَهُ وعِرْضي
…
لعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقاءُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ (79) حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِى قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِى فِى وَجَعِى أَنِّى لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِى كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِى (وفي
(76) أي: داخلين في الوغرة، وهي شدة الحر، وعبر بلفظ الجمع موضع التثنية.
(77)
قلت: ولعلها خطأ.
(78)
بضم الكاف وكسرها؛ أي: وإن متولى معظمه.
(79)
أي: مرضت. (يفيضون): يخوضون. (يريبني): يوهمني؛ من رابه وأرابه؛ إذا أوهمه وشككه. (اللطف): الرفق، وروي بفتحتين. (نقهت): بفتح القاف وكسرها؛ أي: أفقت من المرض.
روايةٍ: أمْرَض) ، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ [الذى] يَرِيبُنِى، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّر، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَاّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا. قَالَتْ: وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِى الْبَرِّيَّةِ [أو فى التَّبرُّز](وفي روايةٍ: التَّنزُّهِ) قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ -وَهْىَ ابْنَةُ أَبِى رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ- فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِى، حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِى مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ (80) مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ: لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ؛ أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا؟! (601 - وفي روايةٍ معلقةٍ: أَىْ أُمِّ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟! وَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ: لَهَا: أتَسُبِّينَ ابْنَكِ؟! ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَانْتَهَرْتُهَا 6/ 11)، فَقَالَتْ: أَىْ هَنْتَاه (81)! وَلَمْ تَسْمَعِى مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِى بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ (وفى المعلقة: فقاَلتْ: وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَاّ فِيكِ! فَقُلْتُ: فِى أَىِّ شَأْنِى؟ قَالَتْ: فَنَقَرَتْ (82) لِي الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ. فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِى كَأَنَّ الَّذِى خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلاً وَلَا كَثِيرًا)، قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِى، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِى؛ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ:
(80) بكسر العين وفتحها؛ أي: كبِّ لوجهه.
601 -
هذه الرواية وكثير مما يأتي بعدها معلقة عند المصنف، وقد وصلها الِإمام أحمد (6/ 59 - 61)، وسنده صحيح على شرط الشيخين.
(81)
قوله: "أي هنتاه! " بهذا الضبط، وقد تفتح النون، وأما الهاء الأخيرة، فتضم وتسكن، وهذه اللفظة تختص بالنداء؛ ومعناه: يا هذه!
(82)
بنون وقاف ثقيلة؛ أي: شرحته، ولبعضهم: بموحدة وقاف خفيفة؛ أي: أعلمتنيه.
كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِىَ أَبَوَىَّ؟ قَالَتْ: و [أنا حينئذٍ] أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، [فجئتُ أَبَوَيَّ]، فَقُلْتُ لأُمِّى: يَا أُمَّتَاهُ! مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟! (وفى المعلقة: فَأَرْسَلَ مَعِى الْغُلَامَ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ، فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِى السُّفْلِ، وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَقَالَتْ أُمِّى: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا، وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّى) قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِى عَلَيْكِ (وفى روايةٍ: على نفسِكِ الشأنَ)، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً (83) عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا [و] لَهَا ضَرَائِرُ إِلَاّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا (وفى المعلقة: إِلَاّ حَسَدْنَهَا، وَقِيلَ فِيهَا، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّى)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟! قَالَتْ: [قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِى؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعْبَرْتُ، وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِى وَهْوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ، فَقَالَ لأُمِّى: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِى ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ؛ قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَىْ بُنَيَّةُ! إِلَاّ رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، فَرَجَعْتُ]، فَبَكَيْتُ (وفى روايةٍ: فبِتُّ) تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِى.
قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْىُ- يَسْأَلُهُمَا؟ وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِى فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ؛ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِى يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِى يَعْلَمُ لَهُمْ فِى نَفْسِهِ [من الوُدِّ]، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَاّ خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِىٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ، فَقَالَ: أَىْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَىْءٍ يَرِيبُكِ؟ قَالَتْ لَهُ
(83)(وضيئة)؛ أي: حسنة جميلة. قوله: "إلا كثرن" ويروى: "أكثرن"؛ أي: القول الرديء عليها. قوله: "لا يرفأ"؛ أي: لا ينقطع.
بَرِيرَةُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ؛ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا (وفي المعلقةِ: عَيْباً) قَطُّ أَغْمِصُهُ (84)؛ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِى الدَّاجِنُ (85) فَتَأْكُلُهُ، [وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ (86)، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَاّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ].
قالتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ (87) مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىٍّ وهو على المنبر، فقال:
(وفي روايةٍ معلقةٍ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِىَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:
«أَمَّا بَعْدُ؛ أَشِيرُوا عَلَىَّ فِى أُنَاسٍ أَبَنُوا (88) أَهْلِى، وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِى مِنْ سُوءٍ [قط]، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ؟ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِى قَطُّ إِلَاّ وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِى سَفَرٍ إِلَاّ غَابَ مَعِى» )، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ [الأنصارىُّ] أخو بنى عبدِ الأشْهِلِ ،
(84) أي: أعيبها به.
(85)
(الدَّاجِن): ما يألف البيوت من الشاء والحمام ونحوه، والجمع: دواجن.
(86)
أي: صرحوا لها بالأمر.
(87)
فاستعذر؛ أي: قال: من يعذرني؛ ومعناه: من يقوم بعذري إن كافأته على قبح فعاله ولا يلومني؛ أو من ينصرني؟
(88)
أي: اتهموا.
فَقَالَ: أَنَا [وَاللَّهِ] يا رسولّ اللهِ! أَعْذِرُكَ [مِنْهُ]، فإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ -وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ -فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ؛ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ -وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ- فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ؛ [والله] لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَتْ: فَثَارَ (وفى روايةٍ: فتثاور) الْحَيَّانِ: الأَوْسُ، وَالْخَزْرَجُ؛ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا [فى المسجِدِ ، وما عَلِمْتُ]، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، [فنزلَ]، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ. قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِى ذَلِكَ كُلَّهُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ.
قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَاىَ عِنْدِى، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّى لأَظُنُّ (وفى روايةٍ: يظنَّانِ) أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِى، قالتْ: فَبَيْنَا أَبَوَاىَ جَالِسَانِ عِنْدِى، وَأَنَا أَبْكِى؛ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَىَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِى مَعِى، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ؛ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا [وقد صلَّى العصر] ، [وقدِ اكْتَنَفَنى أبواىَ عن يميني وعن شِمالى] ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِى مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِى شَأْنِى بِشَىْءٍ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وفى المعلقةِ: فَحَمِدَ اللهَ وأَثنَى عليهِ) حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ:
«أَمَّا بَعْدُ؛ يَا عَائِشَةُ! إِنَّهُ [قد] بلغنى عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً؛
فسيبرِّئُكِ اللهُ، وإنْ كنتِ ألْمَمْتِ بذنبٍ؛ فاسْتَغْفِري اللهَ وتُوبي إليهِ، فإنَّ العبدَ إذا اعتَرَفَ [بذنبهِ]، ثمَّ تابَ؛ تابَ اللهُ عليهِ".
قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ؛ قَلَصَ دَمْعِى (89) حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، [فقلتُ: أَلَا تَسْتَحِى مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا؟ فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَالْتَفَتُّ] ، فَقُلْتُ لأَبِى: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّى فِيمَا قَالَ، فَقَالَ أَبِى: وَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْتُ لأُمِّى: أَجِيبِى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ، قَالَتْ أُمِّي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [قالتْ:][فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ؛ تَشَهَّدْتُ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ تعالى، وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ] ، فَقُلْتُ -وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لَا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا-:[أمَّا بعدُ؛ فـ] إِنِّى وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ (وفي روايةٍ: علمتُ أنَّكم) سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِى أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِه، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّى بَرِيئَةٌ -[واللهُ يعلمُ أنِّى بريئةٌ]- لَا تُصَدِّقُونِى، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّى مِنْهُ بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُنِّى (وفى المعلقة: لَتَقولُنَّ: قد باءَتْ بهِ على نفسها) ، فَوَاللَّهِ لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً -[والتَمَسْتُ اسْمَ يعقوبَ فلم أقدِرْ عليهِ]- إِلَاّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ (90)، وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّى حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِى بِبَرَاءَتِى، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ تعالى مُنْزِلٌ فِى شَأْنِى وَحْيًا يُتْلَى، [و] لَشَأْنِى فِى نَفْسِى كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِىَّ بِأَمْرٍ [يُتْلَى]، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِى اللَّهُ بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ
(89) أي: انقطع.
(90)
تعني: بوجهها إلى الجدار؛ كما في رواية.
عليهِ [مِن ساعتهِ، فسَكَتْنا]، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ (91)، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ، وَهْوَ فِى يَوْمٍ شَاتٍ؛ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَسُرِّىَ (92) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَضْحَكُ، [وهو يمْسَحَ جبينَهُ]، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ:
" [أبشرى] يا عائشةُ! أمّا (وفى روايةٍ: احمدى) اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ"، قَالَتْ:[وكنتُ أشدَّ ما كنتُ غضباً]، فَقَالَتْ لِي أُمِّى: قُومِى إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، [وَلَا أَحْمَدُ، ولا أحمَدُكُما] ، فَإِنِّى لَا أَحْمَدُ إِلَاّ اللَّهَ عز وجل [الَّذِى أَنْزَلَ بَرَاءَتِى، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ، وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ]، قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العَشْرَ الآياتِ [كلَّها 8/ 214].
ثم (وفي روايةٍ: فلمَّا) أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِى بَرَاءَتِى؛ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ-: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِى قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [إلى آخر الآية؛ يعنى: أبا بكر {وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} يعنى: مِسْطَحاً] إلى قوله: {[أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ] غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ؛ إِنِّى لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِى كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِى، فَقَالَ: لِزَيْنَبَ: «مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟» . فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحْمِى سَمْعِى وَبَصَرِى؛
(91)(البرحاء): الشدة. و (التحدر): الانصباب والنزول، وروي:"لينحدر". و (الجمان):اللؤلؤ.
(92)
(فسري)؛ أي: فكشف وأزيل.
وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَاّ خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهْىَ الَّتِى كَانَتْ تُسَامِينِى (93) مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ ، [فلمْ تَقُلْ إلا خيراً]، قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا (94)، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ [مِن أصحاب الإفكِ] ، [وَكَانَ الَّذِى يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ، وَهْوَ الَّذِى كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهْوَ الَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ، هُوَ وَحَمْنَةُ].
قالتْ عائشةُ: واللهِ إنَّ الرجُلَ الذي قيلَ لهُ ما قيلَ لَيقولُ: سُبحانَ اللهِ! فوالذي نفسي بيدِهِ؛ ما كَشَفْتُ مِن كَنَفِ أُنْثى (*) قطُّ. قالتْ: ثمَّ قُتِلَ بعدَ ذلكَ [شهيداً] في سبيلِ اللهِ.
1749 -
عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ؟ قُلْتُ: لَا؛ وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِى رَجُلَانِ مِنْ قَوْمِكِ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَهُمَا: كَانَ عَلِىٌّ مُسَلِّمًا (95) فِى شَأْنِهَا. فراجَعُوهُ ، فلمْ يَرْجِع (96)، وقالَ: مسلِّماً بلا شكِّ فيه وعليهِ ، وكانَ في أصلِ العَتيقِ كذلك.
(93) أي: تضاهيني وتفاخرني بجمالها.
(94)
أي: تتعصب لها، وتحكي ما قال أهل الإفك؛ لتنخفض منزلة عائشة، وتعلو مرتبة أختها زينب.
(*) قوله: (من كنف أنثى)؛ أي: من سترها، وهو كناية عن عدم مقاربته النساء، وقد روي أنه كان حصوراً.
(95)
قوله: "مسلماً" بكسر اللام المشددة؛ أي: ساكتاً، وللحموي:"مسلَمًا" بفتح اللام: من السلامة من الخوض فيه، ولابن السكن والنسفي:"مسيئًا".
(96)
المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف شيخ شيخ البخاري؛ فيما يظن الحافظ. فراجعه.
1750 -
عن مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ قَالَ: حَدَّثَتْنِى أُمُّ رُومَانَ وَهْىَ أُمُّ عَائِشَةَ -رضى الله عنها- (وفى روايةٍ عنه قال: سألتُ أمَّ رومان -وهى أمُّ عائشةَ- عمَّا قيلَ فيها؛ ما قيلَ؟ 4/ 123) قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ؛ إِذْ وَلَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ، وَفَعَلَ بفلانٍ ، فَقَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَت: ابْنِى فِيمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ (وفى روايةٍ: إنَّه نَمَى ذِكْرَ الحديثِ) قَالَتْ [عائشةُ]: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا (97)، فَمَا أَفَاقَتْ إِلَاّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ (98)، فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، فَغَطَّيْتُهَا، فَجَاءَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:
«مَا شَأْنُ هَذِهِ؟» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخَذَتْهَا الْحُمَّى بِنَافِضٍ. قَالَ:
«فَلَعَلَّ فِى حَدِيثٍ تُحُدِّثَ [بِهِ] (99)؟» . قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لَا تُصَدِّقُونِى، وَلَئِنْ قُلْتُ لَا تَعْذِرُونِى (100)، مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ:{وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} . قَالَتْ: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا ، قَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِ أَحَدٍ، وَلَا بِحَمْدِكَ.
1751 -
عن عائشة رضي الله عنها كانَتْ تقرأُ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ
(97)(تنبيه): هذا يخالف بظاهره ما تقدم من حديث عائشة أن الخبر بلغها من أم مسطح. قال الحافظ: "وطريق الجمع بينهما أنها سمعت ذلك أولاً من أم مسطح ، ثم ذهبت لبيت أمها لتستيقن الخبر منها ، فأخبرتها أمها بالأمر مجملاً كما مضى من قولها: هونى عليك"، وما أشبه ذلك ، ثم دخلت عليها الأنصارية ، فأخبرتها بمثل ذلك بحضرة أمها ، فقوي عندها القطع بوقوع ذلك".
(98)
أي: برعدة.
(99)
زيادة من متن "الفتح".
(100)
أي: لا تقبلون مني العذر.
بِأَلْسِنَتِكُمْ} (101)، وتقولُ:(الوَلْقُ): الكَذِبُ.
قالَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: وكانَتْ أعلَمُ مِن غيرِها بذلكَ؛ لأنّهُ نَزَلَ فيها.
1752 -
عن عُروةَ قالَ: ذهبتُ أسُبُّ (وفي روايةٍ: سبَبْتُ) حسانَ عندَ عائشةَ -[وكانَ ممَّنْ كَثَّرَ عليها]- فقالتْ: لا تَسُبَّهُ؛ فإنَّه كانَ يُنافحُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِى هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ؛ قَالَ:
«كَيْفَ بِنَسَبِى؟!» .
قَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.
1753 -
عن مسروقٍ قالَ: دَخَلْنا على عائشةَ رضي الله عنها وعندَها حسَّانُ ابنُ ثابتٍ يُنْشِدُها شعراً؛ يُشَبِّبُ بأبياتٍ لهُ، وقالَ:
حَصَانٌ (102) رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ
…
وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِل
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ! قَالَ: مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِيني لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ؟! فقالتْ: وأيُّ عذابٍ أشدُّ مِن العَمى؟! قالتْ لهُ: إنَّه كانَ يُنافحُ -أو يُهماجِي- عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
(101) من ولق الرجل إذا كذب؛ قال الحافظ: "لكن القراءة المشهورة بفتح اللام وتشديد القاف من التلقِّي، وإحدى التاءين فيه محذوفة".
(102)
قوله: "حصان"؛ أي: عفيفة. (رزان)؛ أي: صاحبة الوقار. (ما تزن)؛ أي: ما تتهم. (بريبة)؛ أي: بتهمة. (غرثى)؛ أي: جائعة من لحوم العفيفات؛ يعني: لا تغتاب الناس. قوله: "وأي عذاب أشد من العمى"؛ أي: على فرض شمول الآية لحسان، وإلا فهي في ابن أبيٍّ كما مر.