الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حذف الهمزة
يجوز حذف همزة الاستفهام إذا دل عليها دليل، وذلك نحو قول عمر بن أبي ربيعة:
فوالله ما أدري وإن كنت داريًا
…
بسبع رمين الجمر أم بثمان
أي: أبسبع رمين الجمر.
وقول الكميت:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
…
ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب
أراد: أوذو الشيب يلعب (1).
ومنه قوله تعالى: {قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين} [الأعراف: 113 - 114] أي: أإن لنا لأجرا.
وقد صرح بالهمزة في موطن آخر، فقال:{قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين} [الشعراء: 41 - 42].
وقد تقول: ولم حذف الهمزة في آية الأعراف، وذكرها في آية الشعراء؟
والجواب أن سياق كل من السورتين يقتضي ما فعل، ومن عادة القرآن في التعبير أن يرصد للسياق كل ما هو إليق به، وإليك إيضاح ذلك:
إن الموقف في سورة الشعراء موقف تحد كبير، ومحاجة شديدة طويلة، أشدوأطول مما هي في سورة الأعراف، فقد سأل فرعون موسى فيها عن رب العالمين، وأجابة جوابا طويلا ثم رمي فرعون فيها موسى بالجنون، قائلا:{إن رسولك الذي أرسل إليكم لمجنون} [الشعراء: 27]، وهدده بالسجن قائلا:{لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين} [الشعراء: 29].
وليس الأمر كذلك في سورة الأعراف.
(1) انظر شرح ابن يعيش 8/ 154، المغنى 1/ 14 - 15
ومن نماذج الإختلاف في التعبير بين السياقين:
1 -
أنه قال في سورة الأعراف: {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم} [الأعراف: 109]، فنسب القول إلى ملأ فرعون، في حين نسب هذا القول في سورة الشعراء إلى فرعون نفسه:{قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم} [الشعراء: 34].
ومن المحتمل أن كلا منهم قال ذلك، فقد قاله فرعون وملؤه، ولكن نسبة القول إلى فرعون نفسه في هذا الموقف دلالة على ضيق فرعون وبرمه، بصورة أشد مما في الموقف الأول.
2 -
قال في سورة الأعراف: {يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} [الأعراف: 110].
وقال في سورة الشعراء: {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون} [الشعراء: 35] فزاد لفظ (بسحره).
3 -
قال في سورة الأعراف: {يأتوك بكل ساحر عليم} [الأعراف: 112]، بصيغة اسم الفاعل (ساحر).
وقال في سورة الشعراء: {يأتوك بكل سحار عليم} [الشعراء: 37]، بصيغة المبالغة (سحار)، وذلك لأحتدام الموقف وشدته، وللمبالغة في الخصومة والمحاجة.
4 -
قال في سورة الأعراف: {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين} [الأعراف: 113].
وقال في الشعراء: {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون ائن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين} [الشعراء: 41]، فلم يصرح في الآية الأولى أنهم قالوا لفرعون، وفي الثانية صرح بأنهم قالوا لفرعون، ثم إنه في الأولى حذف همزة الاستفهام، وفي الثانية ذكرها (أإن لنا لأجرا) مما يدل على قوة الاستفهام، وشدة اللهفة إلى استماع الجواب من فرعون نفسه.
ولما كان المقام مقام إطالة، ومبالغة في المحاجة، جيء بهمزة الاستفهام لتشترك في الدلالة على قوة الاستفهام، والتصريح به.
ففي الآية الأولى أضمر المقول له، وأضمر همزة الاستفهام، وفي الثانية صرح بالمقول له وبهمزة الاستفهام.
5 -
قال في سورة الأعراف: {قال نعم وإنكم لمن المقربين} [الأعراف: 114]، وقال في سورة الشعراء:{قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين} [الشعراءك 42]، بإضافة (إذن) إلى الجواب، وهي إضافة مناسبة للجو والسياق.
6 -
قال في سورة الشعراء: {فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} [الشعراء: 44]، فأقسموا بعزة فرعون، وهو ما لم يذكر في الأعراف، وذلك لأن الموقف إعزاز لفرعون صراحة، فأنت ترى أن كل لفظة في سياقها تسهم في تصوير الجو المناسب للموقف.
7 -
قال في سورة الأعراف: {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون} [الأعراف: 123].
وقال في سورة الشعراء: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون} [الشعراء: 49]، بزيادة اللام على سوف فلسوف زيادة في التوكيد في الوكيد، وهي نظيرة ذكر الهمزة ههنا، وحذفها ثم.
9 -
قال في سورة الأعراف: {قالوا إنا إلى ربنا منقلبون} [الأعراف: 125]، وقال في سورة الشعراء:{قالوا لا ضير لنا إلى ربنا منقلبون} [الشعراء: 50]، بزيادة (لا ضير) زيادة في التبكيت، وعدم الاهتمام بعذاب فرعون، وهذه الزيادة تناسب الجو والسياق.
هذه نماذج من الفروق بين السياقين، فأنت ترى أن ذكر الهمزة في آية الشعراء هو المناسب لسياقها، وحذفها من الأعراف هو المناسب لسياقها، فسياق الشعراء سياق إطالة، وتحد ومحاجة، ومبالغة في الخصومة، أكثر مما هو في الأعراف، فرصد لكل سياق ما يناسبه من الألفاظ.
2