الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إن كان فيها أخبرك) يتجاهل خوفا من السيد، أو لعدم جزم المخاطب، بوقوع الشرط فيجري الكلام على سنن اعتقاده، كقولك لمن يكذبك (إن صدقت فم
اذا
تفعل؟ ) مع علمك بأنك صادق.
أو تنزيله، أي لتنزيل المخاطب العالم بوقوع الشرط منزلة الجاهل، لمخالفته مقتضي العلم، كقولك لمن يؤذي أباه: إن كان اباك فلا تؤذه.
أو التوبيخ .. أو تغليب غير المتصف به، أي بالشرط على المتصف به، كما إذا كان القيام قطعي الحصول لزيد، غير قطعي لعمرو، فتقول: إن قمتما كان كذا (1).
وجاء في (الإيضاح) للقزويني: " ومجيء قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} [البقرة: 23]، بـ (إن) يحتمل أن يكون للتوبيخ على الريبة لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها، ويحتمل أن يكون لتغليب غير المرتابين منهم، فإن كان فيهم من يعرف الحق وإنما ينكر عنادًا (2).
إذا
الأصل في (إذا) أن تكون للمقطوع بحصوله، وللكثير الوقوع، فمن المقطوع بحصوله قوله تعالى:{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} [البقرة: 180]، فإن كل واحد منا سيحضره الموت، وقوله:{فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه} [آل عمران: 25]، وقوله:{حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا} [النساء: 6]، وقوله:{وإذاا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]، فإن المحرم لا بد أن يتحلل، وقوله:{فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34]، وقوله:{فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5]، فإنه لابد أن تنسلخ الأشهر الحرم، وقوله: {وقالوا أءذا كنا عظما
(1) مختصر المعاني 60 - 61
(2)
الإيضاح 91
ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا} [الإسراء: 49]، وقوله:{وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} [الكهف: 17]، وقوله:{وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا} [النور: 59]، وقوله:{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10]، فإن الصلاة لابد أن تنقضي.
وأما ما يقع كثيرا، فنحو قوله تعالى:{إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282].
وقوله: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86].
وقوله: {وإذا قريء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204].
وقوله: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما} [يونس: 12] ، والنحاة يفرقون بين إن وإذا بما ذكرنا فيقولون إن الأصل في (إنْ) أن تستعمل للمشكوك فيه و (إذا) للمقطوع بوجوده.
وذكر سيبويه أن (ذا) تاجيء وقتا معلومًا، ألا ترى أنك لو قلت: آتيك إذا احمر البسر كان حسنا، ولو قلت:(آتيك إن احمر البسر) كان قبيحا، فـ (إن) أبدا مبهمة، وكذلك حروف الجزاء (1).
وجاء في (المقتضب): " وإنما مع (إذا) من أن يجازي بها (2). لأنها مؤقتة وحروف الجزاء مبهمة، ألا ترى أنك إذا قلت:(إن تأتني آتك) فأنت لا تدري أيقع منه إتيان، أم لا؟ وكذلك: من أتاني أتيته، إنما معناه، أن يأتني واحد من الناس، آته.
فإذا قلتك (إذا اتيتني .. ) وجب أن يكون الاتيان معلوما
ألا ترى إلى قوله الله عز وجل: {إذا السماء انقطرت} [الانفطار: 1]، و (إذا الشمس كورت) [التكوير: 1]، و {إذا السماء انشقت} [الإنشقاق: 1]، إن هذا واقع لا محالة؟
(1) كتاب سيبويه 1/ 433
(2)
يجازي بها أي: يجزم بها
ولا يجوز أن يكون في موضع هذا (إنْ) لأن الله عز وجل يعلم، و (إنْ) إنما مخرجها الظن والتوقع فيما يخبر به المخبر، لويس هذا مثل قوله:{إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]، لأن هذا راجع إليهم.
وتقول: (آتيك إذا احمر البسر) ولو قلت (آتيك إن احمر البسر) كان محالا، لأنه واقع لا محالة (1).
وجاء في (الاتقان): " تختص (إذا) بدخولها على المتيقن، والمظنون، والكثير الوقوع، بخلاف (إنْ) فإنها تستعمل في المشكوك والموهوم والنادر، ولهذا قال تعالى:{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} [المائدة: 6]، ثم قال:{وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة: 6]، فأتى بـ (إذا) في الوضوء، لتكرره وكثرة أسبابه، وبـ (إنْ) في الجنابة لندرة وقوعها بالنسبة إلى الحدث.
وقال تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا} [الأعراف: 131]، {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم: 36]، أتى في جانب الحسنة بـ (إذا) لأن نعم الله على العباد كثيرة ومقطوع بها، و (إنْ) في جانب السيئة لأنها نادرة الوقوع، ومشكوك فيها (2).
وجاء في (شرح ابن يعيش): " وحق ما يجازي به أن لا تدري أيكون أم لايكون، فعلى هذا تقول:(إذا احمر البسر فائتني).
وقبح: (إن احمر البسر)، لأن احمرار البسر كائن، وتقول:(إذا أقام الله القيامة عذب الكفار)، ولا يحس:(إن أقام الله القيامة، لأنه يجعل ما أخبر الله تعالى بوجوده مشكوكا فيه)(3).
(1) المقتضب 2/ 55 - 56
(2)
الاتقان 1/ 149
(3)
شرح ابن يعيش 9/ 4
وجاء في (الإيضاح) للقزويني: " أما (إنْ) و (إذا) فهما للشرط في الاستقبال، لكنهما يفترقان في شيء وهو أن الأصل في (إن) أن لا يكون الشرط فيها مقطوعا بوقوعه، كما تقول لصاحبك (إن تكرمني أكرمك) وأن لا تقطع بأنه يكرمك.
والأصل في (إذا) أن يكون الشرط فيها مقطوعا بوقوعه، كما تقول (إذا زالت الشمس آتيك)
ولذلك كان الحكم النادر موقعا لـ (إن) لأن النادر غير مقطوع به في غالب الأمر (1).
وجاء في (التفسير الكبير) للرازي في قوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض} [الزلزلة: 1]. " قالوا كلمة (إن) في المجوز، و (إذا) في المقطوع به، تقول:(إن دخلت الدار فأنت طالق) لأن الدخول يجوز، أما إذا أردت التعليق بما يوجد قطعا لا تقول (إنْ) بل تقول (إذا) نحو: إذا جاء غد فأنت طالق، لأنه يوجد لا محالة، هذا هو الأصل، فإن استعمل على خلافه فمجاز، فلما كان الزلزال مقطوعا به قال (إذا زلزلت)(2).
وجاء في (الطراز) إن (إنْ) إنما يكن ورودها في الأمور المحتملة المشكوك في وقوعها، كقوله:{فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أغرض عنهم} [المائدة: 42].
وأما (إذا) فإنما تستعمل في الأمور المحققة، كقوله تعالى:{إذا زلزلت الأرض زلزالها} وقوله: {إذا الشمش كورت} .. فهذه الأمور كلها محققة، فلهذا حسن دخول (إذا) فيها (3).
وقال الدكتور علي فودة: " أن (إذا) تستعمل في معظم الحالات لمعنى غير المعنى الذي تستعمل له (إن)، أنها تستعمل في الأمور المتيقنة، أو التي يكثر وقوعها على حين تستعمل (إنْ) فيما يحتمل الوقوع وعدمه، أو في الذي يحدث قليلا، وخير ما يؤيد ذلك
(1) الإيضاح 1/ 88 - 89، وانظر مختصر المعاني 60 - 61
(2)
التفسير الكبير 32/ 57، وانظر الصبان 4/ 13، الأشباه والنظائر 2/ 230
(3)
الطراز 3/ 277 - 278
هو الآيات التي اجتمعت فيها (إنْ) و (إذا) معا، فقد اجتمعتا في آيات يدرك القاريء لها بحسه وضوح هذه الحقيقة في أكثرها (1).
وما ذكره النحاة صحيح على وجه العموم، فإن (إذا) تستعمل للمقطوع بحصوله والكثير الوقوع بخلاف (إنْ) التي أصلها الشك والابهام أو ما هو أقل مما يستعمل بـ (إذا) ويبدو ذلك واضحا في استعمال القرآن الكريم، ولا سيما الآيات التي اجتمعت فيها (إن) و (إذا) معا، كما ذكر الدكتور علي، وذلك نحو قوله تعالى:{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي .. فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] وذلك لأن الاحصار طاري عارض، والأمن هو الأصل فجاء فيما هو الأصل بـ (إذا)، بخلاف ما هو عارض طاريء.
وقال في الحفاظ على الصلاة: {فإذا خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم} [البقرة: 239]، فجاء في حالة الخوف بـ (إن) وهي حالة طارئة، بخلاف حالة الأمن، فإنه جاء فيها بـ (إذا) وهي نظيرة الآية السابقة.
وقال: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101]، فجاء بـ (إذا) في الضرب في الأرض وهو السفر، لأنه كثير بخلاف الفتنة فإنها قليلة.
وقال: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة} [التوبة: 5]، فإن انسلاخ الأشهر الحرم محتوم، فجاء فيه بـ (إذا) بخلاف التوبة، فإنها مشكوك فيها فجاء فيها بـ (إنْ).
وقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت
(1) الشرط بأن وإذا في القرآن الكريم" ص 60 - بحث في مجلة كلية الآداب بجامعة الرياض - المجلد الرابع - السنة السابعة.
به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا [البقرة: 229 - 230]. فجاء في ذلك بـ (إنْ) لأنه أندر حالات الطلاق، وهو الطلاق الثالث، ثم زواج المطلقة من شخص آخر ثم طلاقها منه، وقال بعد هذه الآية:{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن} [البقرة: 231].
وقال: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن} [البقرة: 232]. فإن هاتين الحالتين هما حالتا الطلاق العادي، بخلاف الحالتين الأوليين.
وقال: {وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كنا ترابا أءنا لفي خلق جديد} [الرعد: 5]، فإن صيرورتهم ترابا أمر محتوم، بخلاف العجب، فإن الأمور التي تستدعي العجب نادرة على العموم.
وقال: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} [البقرة: 180]، فجاء في حضور الموت بـ (إذا) لأنه واقع ولابد، وأما ترك الخير وهو المال فهو أقل فجاء معه بـ (إن).
وقال: {يأيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه .. وليملل الذي عليه الحق .. فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا} [البقرة: 282]. فإن حالات الاستدانة أكثر من الحالة التي بعدها، وهي أن يكون المدين سفيها أو ضعيف العقل.
وقال: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25]، وهذا في الإماء، فإن كل أمة أو غير أمة تبلغ الإحصان، أي البلوغ، فجاء فيه باذا لأنه مقطوع بحصوله، أما إتيان الفاحشة فهو قليل فجاء فيه بـ (إن). يدلك على ذلك أيضا أن (إذا) على كثرة استعمالها في القرآن الكريم - فقد وردت في أكثر من ثلاثمائة وستين موضعا - لم ترد في موضع واحد غير محتمل الوقوع، بل هي كلها إما مقطوع بوقوعها، أو كثير الوقوع بخلاف (إنْ).
قالوا ولما كانت (إذا) تفيد الجزم بالوقوع، غلب معها لفظ الماضي، لكونه أدل على الوقوع باعتبار لفظه، بخلاف (إنْ) التي تستعمل في المعاني المحتملة، والمشكوك فيها، فإن غلب معها الفعل المضارع (1).
والملاحظ في الاستعمال ان (إذا) يكثر معها الفعل الماضي حقا، إذا ما قيست بـ (إنْ).
وقد عمل الدكتور علي فودة إحصاء (2). لاستعمال الفعل الماضي والمضارع مع إن الشرطية في القرآن الكريم، وقد كانت نتيجة الإحصاء أن استعمال (إنْ) الشرطية مع الفعل الماضي، أكثر من استعمالها مع المضارع، فقد ذكر أنها وردت في القرآن الكريم في (554) أربعة وخمسين وخمسمائة موضع، جاء فيها بصيغة الماضي في نحو (370) سبعين وثلاثمائة موضع، ومعنى ذلك أنه استعمل الماضي معها أكثر من المضارع.
وعندنا على إحصاء الدكتور ملاحظتان:
الأولى: إن الشرط بـ (إنْ) ورد في القرآن الكريم محذوف الجواب، في زهاء مائتي موضع، لقسم أو لغيره، ويتحتم في هذه الحالة أن يكون الشرط ماضيا، نحو قوله تعالى:{إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 91]{إن كنتم صادقين} [البقرة: 23]، {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم} [الحشر: 12]، فهذا ينبغي أن يسقط من الاحصاء لأنه لا اختيار فيه فتكون نتيجة الاحصاء ما يأتي:
184 موضع، استعمل معها المضارع
170 موضع، استعمل معها الماضي.
فيكون استعمال المضارع أكثر من الماضي
(1) انظر البرهان 2/ 362، مختصر المعاني 60 - 61، الإيضاح 1/ 88
(2)
الشرط بـ (إن) و (إذا) في القرآن الكريم 60 وما بعدها.
وأما الملاحظة الثانية، فإنه لم يحص مواضع ورود الفعل الماضي والمضارع مع (إذا) حتى يتبين صدق قول النحاة أو عدمه، فإنهم قالوا إن (إذا) يستعمل معها المضارع أكثر من (إنْ).
وملاحظة النحاة هذه صحيحة، فقد وردت (إذا) في القرآن الكريم - شرطية وظرفية - في 362 اثنين وستين وثلاثمائة موضع، منها ثمانية عشر موضعا فقط، وردت بالفعل المضارع، والبقية وردت بالفعل الماضي، مما يؤيد ملاحظة النحاة.
ولعله يدور في خلدك أن هذا يخالف ما ذكرناه في بحث (فعل الشرط)، وهو إنه إذا كان الشرط وقع فعلا ماضيا، فإنه قد يفيد افتراض حصول الحدث مرة، أو وقوعه جملة، في حين أن المضارع قد يفيد افتراض تكرر الحدث، أو يفيد تطاول الحدث.
والحق أنه لا تناقض فيما ذهبنا إليه هنا، وهاك، فإن الأمر الذي ذكرناه هناك ينطبق هنا.
فمثلا قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة: 230]، فقد ذكرنا فيه أنه جاء بالفعل الماضي، لأن الطلاق لا يتكرر كثيرا كسائر الأعمال اليومية، أو لأن معناه: إذا حصل الطلاق، أي تم.
وعندما جاء بـ (إذا) فقال: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} [البقرة: 231]، فقد جاء بها لأن حالات الطلاق الأخيرة أكثر، والفعلان ماضيان.
وعندما قال: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} [البقرة: 180]، فإن الحدثين لا يتكرران، لا حضور الموت، ولا ترك الميراث، ولكن حضور الموت أمر واقع ولابد، فجاء فيه بـ (إذا) بخلاف ترك المال، فإنه أقل وقوعا، فجاء فيه بـ (إنْ) والفعلان ماضيان.
وقوله: {وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كنا ترابا} [الرعد: 5]، فجاء بـ (إنْ) مع الفعل المضارع (تعجب)، لأن العجب يتكرر في الحياة، أو لأنه حدث لم ينقطع بعد،
وجاء بـ (إذا) مع الفعل الماضي، (كنا ترابا) لأنه يكون مرة واحدة وهو واقع ولابد.
أو قد يفيد المضارع مع (إذا) تكرر الحدث أو استمراره، وتطاوله، كما ذكرنا ذلك في موضعه، وذلك نحو قوله تعالى:{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله} [يونس: 15]، فالتلاوة تتطاول، وهي تنقضي شيئا فشيئا، بخلاف قوله تعالى:{فإذا جاء رسولهم} [يونس: 47] وقوله: {إذا جاء أجلهم} [يونس: 49]، وقوله:{وإذا أراد الله بقوم سوءا} [الرعد: 11].
فجاء بالفعل المضارع لما يحدث تدريجيا، ويقع جزءا جزءا، بخلاف ما جاء بالفعل الماضي. وقد تقول ألم يرد في القرآن الكريم:{وإذا تليت عليهم آياته} [الأنفال: 2]، بالماض]؟ والجواب أنه ورد، ولكن القصد مختلف، فإذا أردت وقوع الحدث جملة، جئت بالماضي وإذا أردت أن الحدث مستمر لم ينقطع جئت بالمضارع، فقوله تعالى:{وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2]، معناه إذا قرئت عليهم، فهو يشير إلى انقضاء الحدث وتمامه، بخلاف الآيات التي وردت بالمضارع نحو قوله تعالى:{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا أو بدله} [يونس: 15]، فإن معناها أنهم في اثناء القراءة يقولون: ائت بقرآن غير هذا، يقولون ذلك والقراءة لم تكتمل بعد، لضيق ذرعهم بسماعه، والله أعلم.
إذ ما
هي إذ و (ما) ركبتا، فأصبحتا أداة شرط، تقول:(إذ ما تقم أقم) و (إذ) وحدها ظرف زمان يفيد المضي غالبا، قال تعالى:{واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} [الأعراف: 86]، وأما (إذ ما) فهي حرف عند الأكثرين يفيد الشرط وغيرته (ما) من المضي إلى الاستقبال (1)، تقول إذ ما تأتني آتك، واستدل النحاة بتغير زمانها على حرفيتها (2).
(1) التصريح 2/ 248
(2)
التصريح 2/ 248
وذهب قسم من النحاة إلى أنها باقية على ظرفيتها، غير أن (ما) كفتها عن الإضافة (1)، فإذا لم تنضم إليها (ما) لم تكن حرف جزاء (2).
وأنا لا أرى حرفيتها، بل لا تزال ظرفا وأن زمانها لم يتغير، بل تخصص بـ (ما)، وذلك أن (إذ) للمضي كثيرا، وقد تكون للاستقبال، كقوله تعالى:{فسوف تعلمون إذ الأغلال في أعناقهم} [غافر: 70 - 71]، وقوله:{وجائ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى} [الفجر: 23]، بل هي قد تكون للاستقبال، مع دخولها على الفعل الماضي، وذلك نحو قوله تعالى:{وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة} [مريم: 39]، وهذا يكون يوم القيامة، فعند دخول (ما) عليها جعلتها شرطية، وخصتها بالاستقبال، وأما كفها عن الإضافة، فهذا أمر قاله النحاة بسبب أنهم يرون أن أداة الشرط لابد أن تكون مبهمة (3). فإذا كانت موقتة أي معلومة لم تجزم، وهذا هو سبب عدم الجزم بإذا وذلك لأنها مضافة إلى ما بعدها، فتعرفت. أو تخصصت به، فليس فيها إبهام فلم تجزم.
جاء في (الكتاب): " وسألته عن (إذا) ما منعهم أن يجازوا بها؟
فقال: الفعل في (إذا) بمنزلة في (إذ)، إذا قلت (أتذكر إذ تقول) فـ (إذا) فيما يستقبل بمنزلة (إذ) فيما مضى، ويبين هذا، أن (إذا) تجئ وقتا معلوما، ألا ترى أنك لو قلت (آتيك إذا احمر البسر) كان حسا، ولو قلت:(آتيك إن احمر البسر) كان قبيحا، فـ (إنْ) أبدًا مبهمة، وكذلك حروف الجزاء، و (إذا) توصل بالفعل، فالفعل في (إذا) بمنزلته في: حين (4).
(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 281
(2)
كتاب سيبويه 1/ 432
(3)
انظر الأشباه والنظائر 1/ 97
(4)
كتاب سيبويه 1/ 433