الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمعنى (ما أبغضني له) أنك تبغضه، ومعنى (ما أبغضني إليه) أنه يبعضك.
وتقول: (ما أحب خالدًا لعمرو) إذا كان خالد يحب عمرا، وتقول:(ما أحب خالد لى عمرو) إذا كان عمرو يحب خالدا.
جاء في (الكتاب): " تقول (ما أبغضني له) و (ما أمقتني له) و (ما أشهاني لذلك) إنما تريد أنك ماقت، وأنه مبغوض، وأنك مشته، فإن عنيت غيرك قلت (ما أفعله) فإنما تعني به هذا المعنى، وتقول: ما أمقته وما أبغضه إلي، إنما تريد أنه مقيت، وأنه مبغض إليك، كما أنك تقول: ما أقبحه وإنما تريد أنه قبيح في عينك (1).
فإن أفهم فعل التعجب علما أو جهلا تعلق بالباء، تقول:(ما أعلمه بالشعر) و (ما أعرفه بالفقه) و (ماأجهله بالانساب).
والخلاصة أن فعل التعجب إذا كان يتعدى في الأصل إلى المفعول بنفسه، تعدى إليه الآن باللام، نحو (ما أبغض خالدًا لسالم) و (ما أضرب محمدًا لخالد) لأن الأصل أبغض خالد سالمًا، وضرب محمد خالدًا، فسالم مفعول به لأبغض، وخالد مفعول به لضرب فتعدي إليه الان باللام.
وإذا كان الفعل يفهم علما أو جهلا تعدى إلى مفعوله بالباء نحو: ما أبصره بالفقه وما أجهله بالشعر.
وإن لم يكن متعديا بنفسه بل بحرف جر، بقي ذلك الحرف نفسه، نحو:(ما أرغب خالدا في الخير) و (ما أعزه علي) و (ما أسرعه إلى العون)(2).
2 - أفعل به
.
الصيغة الثانية من صيغ التعجب (أفعل به)(افعل) بفتح الهمزة، وكسر العين، وسكون الآخر نحو (أكرم بمحمد) قال تعالى:{أسمع بهم وأبصر} [مريم: 38].
(1) كتاب سيبويه 2/ 251 - 252 وانظر الهمع 2/ 91
(2)
انظر الهمع 2/ 91، شرح الأشموني 3/ 25
ويصاغ هذا البناء، من كل فعل توفرت فيه الشروط المذكورة في البناء السابق.
وقد حلل النحاة هذه العبارة كما فعلوا في (ما أفعله) فذهب أكثرهم إلى أن (أفعل) هذا فعل ماضي على صورة الأمر، والباء زائدة في الفاعل، فمعنى قولهم (أكرم بمحمد): أكرم محمد، أي: صار ذا كرم، وكأغد البعير أي: صار ذا غدة وأورقت الشجرة بمعنى صارت ذات ورق، ثم غيرت صيغة الماضي إلى صورة الأمر، فصارت (أكرم محمد) فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر، فزيدت الباء في الفاعل (1). للدلالة على التعجب لأن الباء كثيرا ما تزاد مع المتعجب منه، نحو (كفى بالله شهيدًا)، و (ناهيك بخالد رجلا) وحسبك به شاعرًا.
وذهب الفراء والزمخشري وابن خروف إلى أن أفعل ههنا فعل أمر حقيقة، وأنه أمر لكل واحد، بأن يصفه بالصفة المذكورة، فقولك (أكرم بمحمد) أمر لكل واحد، بأن يصف محمدًا بالكرم، والباء مزيدة في المفهوم، أو هي للتعدية داخلة على المفعول به.
جاء في (المفصل): وعندي أن أسهل منه مأخذا أن يقال إنه أمر لكل أحد، بأن يجعل زيدا كريمًا، أي بأن يصفه بالكرم، والباء مزيدة مثلها في قوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195]، للتأكيد والاختصاص، أو بأن يصيره ذا كرم والباء للتعدية، هذا أصله ثم جرى مجرى المثل، فلم يغير عن لفظ الواحد في قولك: يا رجلان أكرم بزيد، ويارجال أكرم بزيد (2).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " فقال الفراء وتبعه الزمخشري وابن خروف أن (أحسن) أمر لكل أحد بأن يجعل زيدا حسنا، وإنما يجعله حسنا كذلك، بأن يصفه بالحسن، فكان قيل: صفة بالحسن كيف شئت، فإن فيه كل ما يمكن أن يكون في شخص"(3).
(1) انظر التصريح 2/ 88، شرح الرضي على الكافية 2/ 343، المفصل 2/ 169 - 170
(2)
المفصل 2/ 169 - 170
(3)
شرح الرضي على الكافية 2/ 344، وانظر التصريح 2/ 88
وقد رد هذا الرأي بوجوه أهمها:
1 -
أنه لو كان أمرا للزم ضميره، فلا يقال بصورة واحدة للمفرد، والمثنى والجمع المذكر، والمؤنث.
ورد هذا القول بأنه أجرى مجرى المثل، والأمثال لا تغير، ألا ترى أن (نعم) فعل ماض ولا تستند إلى ضمير رفع بارز، فلا يقال: نعمت، ولا نعموا، ولا نعمن، وكذلك (حبذا) فلا يقال: حبذي هند ولا حب أولاء؟
2 -
أنه لو كان أمرًا لم يكن الناطق به متعجبا كما لا يكون الآمر بالحلف ونحوه حالفا.
وهذا مردود بأنه لا يقصد به حقيقة الأمر، وإنما حول إلى إنشاء التعجب، كما في ألفاظ العقود والقسم، فقولك (أقسم بالله) أصله خبر تقول:(هو يقسم بالله على أقل من ذلك وأنا لا أقسم على هذا) ثم يحول القصد إلى القسم، فيكون قسمًا حقيقة نحو:(أقسم بالله أنه مخلص)، وكذلك (بعت) و (أشتريت) ونحوهما من ألفاظ العقود.
3 -
أنه لو كان مسندًا إلى ضمير المخاطب لم يله ضمير المخاطب، نحو (أحسن بك). وقد ذهب بعضهم إلى أن الضمير ليس للمخاطب، وإنما هو للمصدر المأخوذ من الفعل، ففي قولك (أحسن بك) الضمير المستتر للحسن المدلول عليه بأحسن، كأنه قيل: أحسن يا حسن بزيد أي دم به وألزمه.
وقال آخرون: الضمير المستتر في (أفعل) للمخاطب المستدعي منه التعجب.
وهذا أقوى مأخذ على هذا الرأي، إذ كيف يؤمر المخاطب بأن يصف نفسه بصفة ما بقصد التعجب؟ إلا إذا قيل أنه ليس المقصود منه أمر المخاطب حقيقة، بل هو تجوز فيقوله (أعدل بك) على معنى: صف نفسك بالعدل، كيف شئت فأنت عادل
وقد ذهب الزمخشري وجماعة كما ذكرنا، إلى أنه أمر لكل أحد، بأن بصفه بالصفة المتعجب منها، ولم يقولوا هو أمر للمخاطب، والأمر ليس مقصورًا على المخاطب، بل هو قد يكون للمتكلم، نحو (لأذهب إليه) والغائب، والغائبة، وغيرهم، قال {ولتنظر نفس ما قدمت لغد} [الحشر: 18].
4 -
إنه لو كان أمرًا لوجب له من الإعلال ما وجب لأقم وابن (1).
وهذا مردود بأنه لم يحصل فيه إعلال، لئلا يلتبس بالأمر الحقيقي، وقد أهملت العرب الاعلال في موطن عديدة منعا للبس، من ذلك اسم التفضيل نحو (أسير) و (ألوم) و (وأبين) والصفة المشبهة نحو (أسود) و (أبيض)، واسم الآلة نحو (مخيط) و (مرود).
بل أن العرب تعل أحد الفعلين، ولا تعل الآخر، أمنا للبس نحو باض، وبيض، وساد وسود وعار وعور.
ومن ذلك أهمالهم الاعلال في فعل التعجب (ما أفعله) نحو ما أسيره، وما أبينه. ولو أخذنا بهذا الاعتراض لقلنا ردا على هؤلاء، أنه لو كان الفعل في (ما أفعله) فعلا ماضيا، لحصل فيه إعلال كما في أقام، وأجاد وأبان.
وقيل في تفسير هذه الصفة ايضا " أن قولك (أكرم بزيد) يفيد أن زيدًا بلغ ف الكرم إلى حيث كأنه في ذاته، صار كرما، حتى لو أردت جعل غيره كريما، فهو الذي يلصقك بمقصود: ، ويحصل لك غرضك كما أن من قال (اكتب بالقلم) فمعناه ان القلم هو الذي يلصقك بمقصودك ويحصل لك غرضك (2).
والذي يبدو ان هذه الصيغة أمر بالمشاركة في التعجب، فالفرق بين قولك (ما أحسن محمدا) و (أحسن بمحمد) أن الأولى تعجب انفرادي يقوله المرء متعجبا من حسن
(1) انظر التصريح 2/ 88 - 89 الهمع 2/ 90، شرح ابن يعيش 7/ 148
(2)
التفسير الكبير للرازي 21/ 221