الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تتضمن معه استفهامًا فتكون بمعنى (بل) والهمزة (1). وهذه التي تعنينا هنا، ومن هذا الضرب قوله تعالى:{أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون} [الطور: 37]، والمعنى: بل أعندهم خزائن ربك، وقوله:{أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة} [القلم: 39]، والمعنى: بل ألكم أيمان علينا.
وقد يكون الاستفهام بها حقيقا، ولك كقولك:(هذا المنطلق أحمد أم هو إبراهيم) فقد ذكرت اولا أنه أحمد غير شاك في ذلك وقد بنيت كلامك على اليقين، ثم أدركك الشك، فأضربت عن كلامك الأول وسألت: بل هو إبراهيم؟
وقد يكون الاستفهام بها غير حقيقي، فيراد به الإنكار والتوبيخ ونحوهما، وذلك نحو قوله تعالى:{أم له البنات ولكم البنون} [الطور: 39]، وقوله:{أم عندهم الغيب فهم يكتبون} [الطور: 41].
وللزومها معنى الإضراب، لا تكون في أول الكلام مثل بقية أدوات الاستفهام، بل لابد أن يسبقها كلام، فلا تقول ابتداء (أم أنت فقير)، ولا (أم فعل هذا)، بل لابد أن يكون المتكلم ابتدأ بشيء، ثم أضرب عنه إلى شيء آخر، وذلك نحو قوله تعالى:{أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون} [القلم: 35 - 37].
4 - أنّى
لها معنيان:
المعنى الأول: أن تكون بمعنى (من أين) وذلك نحو قوله تعالى: {قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله} [آل عمران: 37]، أي: من أين لك هذا؟ وقوله {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165]. والمعنى: من أين هذا؟ ولذلك كان الجواب: هو من عند أنفسكم.
والمعنى الآخر: أن تكون بمعنى (كيف)، وذلك نحو قوله تعالى: {قال أني يحي
(1) انظر المغني 1/ 44 - 45
هذه الله بعد موتها} [البقرة: 259]، والمعنى: كيف يحييها بعد موتها، وقوله:{قال رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} [آل عمران: 40]، والمعنى: كيف يكون لي غلام وهذه حالي؟
وهي تختلف عن (من أين) و (كيف) لأنها لاشتراكها في أكثر من معنى، قد تحتمل عدة معان في آن واحد، وذلك نحو قوله تعالى:{أني لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} [الدخان: 13 - 14]، فإنها تحتمل أن يراد بها (من أين لهم الذكرى) وتحتمل أن يراد (كيف لهم الذكرى) أي كيف لهم أن يتذكروا؟ أستعبادا لحالتهم عن التذكر، واحسب أن المعنيين مرادان، فإنه يراد السؤال عن الموضع الذي تأتي منه الذكري، وعن حالتهم التي هي فيها، وكلاهما استفهام غير حقيقي، ولو قال (من أين لهم الذكرى) أو (كيف لهم الذكرى) أو (كيف لهم الذكرى) لأدي ذلك معنى وحدًا فجاء بـ (أني) ليجمع المعنيين معا.
وهي كذبك في غير الاستفهام، فقد قالوا في قوله تعالى:{نساؤكحرث لكم فأتوا حرثكمأنى شئتم} [البقرة: 223]، أنه يحتمل عدة معان، فقد يحتمل أن المراد: من أين شئتم ومتى شئتم (1).
والمراد والله أعلم جميع هذه المعاني، فلك أن تأتي إمرأتك من أين شئت، وكيف شئت، ومتى شئت مادام ذلك لا يخالف شرع الله.
فالغرض من العدول إلى (أنى) توسيع المعنى، وزيادته فبدل أن يكرر عدة تعبيرات لإفادة هذه المعاني جميعها جمعها بلفظ واحد والله أعلم.
ويبدو لي أنها تختلف عن كيف وأين، من ناحية أخرى، هي القوة في الاستفهام وبناؤها اللغوي يوحي بذلك، فالتشديد، الذي فيها والمدة الطويلة التي في آخرها يجرحان ذلك، وقد لوحظ في كثير من الألفاظ في العربية أن بناءها اللغوي مشاكل لمعناها،
(1) الكليات لأبي البقاء 1/ 328 طبعة دمشق 974 منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي