الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
إنه في القسم الصريح يقصد لفظ المقسم به، ويراد كما يقصد جوابه فالقول (والله) أو (ورب الكعبة) أو (والضحى) أو (والذاريات) أو (والمرسلات) وغير ذلك مما يقسم به، يراد لفظ المقسم به لأمور بلاغية، أو تعظيمية، أو غيرها كما يراد جوابه.
وأما ما لم يذكر القسم به فالمراد منه هو الجملة المؤكدة فحسب.
3 -
ينبني على ذكر المقسم به صراحة أحكام شرعية، كالبر، والحنث، والصحة والبطلان، مما لا يكون فيما يسمونه بالقسم المضمر، فالقسم بغير الله باطل، ومن أقسم بالله ولم يبر بقسمه فهو حانث، وعليه كفارة اليمين، بخلاف المؤكد توكيد القسم، فإنه لا يجري عليه حكم اليمين، فإذا قلت: والله لأزورنه الليلة، ثم لم تزره كنت حانثا في يمينك، وعليك كفارة اليمين، وإن قلت: لأزورنه الليلة ولم تزره، لم تلزمك الكفارة وإنما أكدت الوعد توكيد اليمين.
فتبين مما ذكرت أن ما أكد باللام أو ما سبق باللام الموطئة، ليس قسمًا والله أعلم.
حذف جواب القسم
يحذف جواب القسم وجوبا وجوازا.
فيجب حذفه إذا تقدم القسم أو أكتنفه ما يدل عليه (1). فمن الأول قولك: (أنت مخلص والله) ومن الثاني قولك: (أنت والله مخلص).
ففي الجملة سبق ما يغني عنه، وقد بني الكلام على غير القسم ابتداء، حتى إذا انتهي الكلام جيء بالقسم بعد ذلك.
وأما في الجملة الثانية فقد اعترض القسم بين الكلام، فقد بني الكلام ابتداء على غير القسم ثم رأيت أن تقسم في أثناء الكلام، فلا يحتاج القسم إلى جواب لأن الكلام في
(1) انظر المغني 2/ 645، شرح الرضي 2/ 377، شرح ابن يعيش 9/ 93
كلتا الحالتين غير معقود عليه، وقد أغني عن الجواب الكلام المتقدم على القسم، أو المكتنف له.
وهذا نظير حذف جواب الشرط إذا تقدمته أو أكتنفه ما يدل على عليه.
وأما إذا وقع القسم ابتداء فلابد له من جواب ظاهر أو مقدر، لأن الكلام مبني عليه.
جاء في (معاني القرآن) للفراء: " وكذلك اليمن يكون لها جواب إذا بديء بها فيقال: والله إنك لعاقل، فإذا وقعت بين الاسم وخبره قالوا: أنت والله عاقل، وكذلك إذا تأخرت لم يكن لها جواب لأن الابتداء بغيرها (1).
وقد يحذف جواب القسم جوازًا إذا كان في الكلام ما يدل عليه، وذلك نحو قولك: لمن قال لك: (أذهبت إليه)؟ : (نعم والله)، أو (لا والله) أي نعم والله لقد ذهبت إليه، أو لا والله ما ذهبت إليه.
ويحذف أيضا جوازا، إذا كان بعده ما يدل عليه، وذلك نحو قوله تعالى:{والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرًا يوم ترجف الراجفة} [النازعات: 1 - 6]، والتقدير لتبعثن بدليل ما بعده (2).
وقد يكون القصد من حذف الجواب، أن لا يراد جواب بعينه، وإنما يراد كل ما يحتمله السياق والمقام من جوابات.
فقد يكون الجواب مقصودًا بعينه، وذلك نحو قوله تعالى:{فوربك لنحشرنهم والشياطين} [مريم: 68]، وقد يكون غير مقصود بعينه، وإنما يتسع لكل ما يحتمله المقام فلا نصرف الذهن إلى شيء بعينه، بل يدعه يذهب كل مذهب مما يحتمله سياق
(1) معاني القرآن 2/ 338
(2)
انظر المغنى 2/ 646، تأويل مشكل القرآن 173، العمدة 2/ 277 - 278، الطراز 2/ 115
الكلام ومقامه فيكون كله مرادا أو محتملا مراده، وذلك نحو قوله تعالى:{ق والقراءن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أءذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ} [ق: 1 - 4] فيحتمل الجواب أن يكون (إنك لمنذر) بدليل قوله: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} (1). ويحتمل أن يكون (ليبعثن) بدليل: {أءذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد} ، ويحتمل أن يكون {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} ويحتمل غير ذلك، مما يتناسب هو والمقام.
ونحو قوله تعالى: {ص والقرءان ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كما أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ص: 1 - 5].
فيحتمل أن يكون الجواب (لنهلكنهم) بدليل قوله تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} ويحتمل أن يكون (لقد عجبوا من إنذارك) أو (ليعجبن) بدليل قوله: {وعجبوا ان جاءهم منذر منهم} ، ويحتل أن يكون الجواب (إنه لذكر لهم) أي شرف لهم، بدليل قوله (والقرآن ذي الذكر) ويحتل أن يكون الجواب (ما الذي كفروا نازلين على حكم الحق بل الذين كفروا في عزة وشقاق) كل ذلك يحتمله السياق، ويحتمل غيره.
وهذه المعاني كلها مرادة، أو محتملة المراد فيكون المعنى قد اتسع بحذف الجواب وشمل أبعادا لم يكن يشملها بالذكر.
وعلى هذا فالغرض من الذكر، هو القصد إلى جواب بعينه.
وأما الحذف فيحتمل أن يكون الراد منه الإيجاز، ويحتمل أن يكون المراد منه سعة المعنى وشموله وذهاب الذهن كل مذهب، والله أعلم.
(1) انظر المغني 2/ 646