الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصيغة (ما أفعل) تصف الحال وصيغة (فعل) تصف تطور الحال وتحوله، يدلك على ذلك أن صيغة (فعُل) لا يزال فيها معنى الحدث، وأن الفعلية لم تنمح كما انمحت من صيغة (ما أفعل) وإن الفعل لا يزال يستند إلى فاعل مرفوع، وإنه تتصل به تاء التأنيث الساكنة، ويرفع الضمير مما يدل على أن الحدث لا يزال واضحا في هذا الفعل.
وتفيد صيغة (فعل) أيضا التعجب على وجه الاستمرار والثبات، وذلك أن (فعُل) يدل على الثبوت أصلا أو تحويلا، فقولك (ما أحسن هذا المكان) يصف المكان بالحسن في وقت تعجبك، وأما (حسن هذا المكان) فإنه يفيد التعجب من هذا الحسن، فهي حسنة على وجه الدوام قال تعالى: في وصف الجنة: {حسنت مستقرا ومقامًا} [الفرقان: 76]. فهي حسنة على وجه الدوام، وقال يصف رفقة اهل الجنة:{وحسن أولئك رفيقا} [النساء: 69]، يصفهم بالحسن على وجه الدوام والاستمرار.
أما إذا قلت (كبر بها كلمة) و (حسن به مقاما) كانت العبارة تنصيصا على معنى التعجب وتأكيدًا له، ولا يبعد فيما أرى أن يقال إن الباء تفيد الالصاق على معنى التصق الكبر بالكلمة فهو لا يفارقها، والتصق الحسن بالمقام، تقول (صبر بمحمد) ومعناه التصق الصبر بمحمد فهو لا يفارقه، وتقول في غير هذا الباب (كفي بالزمن واعظًا) أي التصقت الكفاية بالزمن، والله أعلم.
4 - التعجب بالنداء
يتعجب بالنداء وذلك بإدخال لام جر مفتوحة على المتعجب منه، مسبوقة بحرف النداء (يا) نحو بالماء! ياللهول! يا للعجب! يالله! يالك شاعرًا! وقد تحذف اللام فيجاء بألف في آخر المتعجب منه، فيقال: يا عجبا يا هولا والتعجب بالنداء على وجهين:
أحدهما: أن ترى أمرا عظيما فتتعجب منه بندائه، فتقول مثلا: يا للماء! إذا تعجبت من كثرته. وياللهول! إذا رأيت هولا عظيما فتتعجب من فظاعته.
جاء في (شرح ابن يعيش): " وأما دخول اللام للتعجب، فنحو قولهم:(يا للماء) كأنهم رأوا عجبا وماء كثيرا، فقالوا تعال يا عجب، ويا ماء، فإنه من أبانك ووقتك، وقالوا:(يا للدواهي) أي تعالين، فإنه لا يستنكر لكن لأنه من أحيانكن (1).
والوجه الآخر أن ترى أمرًا تستعظمه، فتنادي من له نسبة إليه أو مكنة فيه، نحو يا للعلماء (2). وذلك كأن ترى جهازًا علميًا يبهرك فتنادي العلماء للاطلاع عليه، أو تناديهم متعجبا من عملهم وصنعهم، وكأن تسمع قصيدة تهزك فتقول يا للشعراء، متعجبًا من فعلهم أو تدعوهم لسماع هذا الشعر متعجبًا منه.
والتعجب بالنداء قياس مطرد.
فإذا حذفت اللام جئت بالألف في آخره نحو: يا عجبا! يا اسفا!
والفرق بين هذه الصورة وما قبلها أن في الآخيرة مدا للصوت زيادة في التعجب وإظهاره، فإذا قلت (يا أسفا) كنت مادا صوتك بالأسف، بخلاف قولك (يا للاسف) وذلك نحو قوله تعالى:{يأسفى على يوسف} [يوسف: 84]، فإن فيه مد الصوت بالألف للدلالة على شدة الأسف وتمكنه من نفس قائله، ونحو قوله تعالى:{ياويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا} [الفرقان: 28]، فإنه أبلغ من (يا للويل) لما في مد الصوت بالويل من دلالة على فظاعة الويل، ومثله قوله تعالى:{ياويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي} [المائدة: 31]، وهذا أشبه شيء بالندبة وما فيها من مد للصوت، إظهارا للحسرة والتوجع نحو (واعمراه) (واكبداه) ويجوز التعجب بـ (وا) (3). نحو:(واأسفا) لما بينهما من الاقتراب.
(1) شرح ابن يعيش 1/ 131، وانظر كتاب سيبويه 1/ 320
(2)
الهمع 1/ 180، التصريح 2/ 81
(3)
المغني 1/ 106
ويبدو أن التعجب بزيادة الألف في الآخر أكثر ما يكون فيما كان فيه عاطفة قوية عميقة، فيمد الصوت إظهارا لذلك نحو: يا حسرتاه يا فرحتاه، قال تعالى:{أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 56]، وهذا مقام حسرة لا يعدلها حسرة، والله أعلم.
وقد يخلو المتعجب منه من اللام والألف، نحو (يا عجب) (1). قال تعالى:{يا حسرة على العباد} [يس: 30]، وقال:{يا ويلنا هذا يوم الدين} [الصافات: 20]، وقال:{يا بشرى هذا غلام} [يوسف: 19].
وهذا تعجب بالنداء أي (يا للحسرة على العباد) ومعناه: أقبلي أيتها الحسرة، فهذا أوانك.
جاء في (الكشاف): في قوله تعالى: {يا حسرة على العباد} : " نداء للحشرة عليهم كأنما قيل لها تعالى يا حسرة، فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها، وهي حال استهزائهم بالرسل، والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون، ويتلهف على حالهم المتلهفون، أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين، ويجوز أن يكون من الله تعالى على سبيل الاستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم ومحنوها به، وفرط إنكاره له وتعجبه منه"(2).
والتعجب بالنداء على هذه الصورة الأخيرة مستعمل في الدراجة كثيرا، نحو (يا روحي)(يا خسارة)(يا فضيحة)(يا عيوني)(يا فرحة ما دامت)(ياسلام) بمعنى يا للخسارة! يا للفضيحة، يا للفرحة التي لم تدم وهكذا، وهي تعبيرات عربية فصيحة مراد بها معنى التعجب
(1) التصريح 2/ 181
(2)
الكشاف 2/ 586