الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" ومن أمثلته (ساء) .. فإنه في الأصل (سوَأ) بالفتح من السوء ضد السرور، من (ساءه الأمر يسوؤه) إذا أحزنه فهو متعد متصرف، فحول إلى (فعُل) بالضم فصار قاصرًا، ثم ضمن معنى (بئس) فصار جامدًا قاصرًا محكومًا له، ولفاعله با ذكرنا في بئس (1).
وهذا الأفعال تكون للمدح الخاص، أو للذم الخاص بخلاف (نعم) و (بئس) فإنهما للمدح العام، والذم العام فإذا قلت مثلا:(كرم الرجل سعيد) كنت مدحته بالكرم، وإذا قلت:(شرف) كنت مدحته بالشرف، وإذا قلت:(لؤم) كنت ذممته باللؤم، وإذا قلت (بخُل) كنت ذممته بالبخل (2).
2 - فاعل نعم وبئس
.
يكون فاعل نعم وبئس على ضربين:
الضرب الأول: أن يكون اسما ظاهرا معرفا بـ (ال) أو مضافا إلى معرف بـ (أل) فمن الأول قوله (نعم الأدام الخل) وقوله تعالى: {نعم المولى ونعم النصير} [الأنفال: 40]، ومن الثاني قوله تعالى:{فنعم عقبى الدار} [الرعد: 24]، وما ورد بغير هاتين الصورتين قليل.
واختلف في (أل) هذه، فقال الجمهور هي للجنس، واختلف القائلون بذلك على رأيين:
أحدهما أنها للجنس حقيقة فإذا قلت (نعم الرجل خالد) كان الجنس كله ممدوحا، ثم خصصت خالدا بالذكر، فتكون قد مدحته مرتين، مرة مع عموم الجنس، ومرة أفردته بالذكر وحده.
(1) التصريح 2/ 98
(2)
انظر حاشية الخضري 2/ 45
جاء في (كتاب سيبويه): " إذا قلت (عبد الله نعم الرجل) فإنما تريد أن تجعله من أمة كلهم صالح، ولم ترد أن تعرف شيئا بعينه بالصلاح بعد نعم (1).
الثاني: أنها للجنس مجازا، وذلك لأنك لم تقصد إلا مدح معين، ولكنك جعلته جميع الجنس مبالغة، فقولك (نعم الرجل خالد) معناه أن خالدًا هو الجنس كله، أي هو المتصف بصفات الرجولة الكاملة، أو اجتمع فيه ما تفرق في غيره من صفات الرجولة.
وقال آخرون: هي للعهد، واختلف هؤلاء على قولين.
الأول: كونها للعهد الذهني، أي تشير بها إلى شيئ معهود في الذهن، كما تقول:(دخلت السوق) فأنت لا تقصد به الجنس، كما لا تقصد به سوقا معينا تقدم ذكره، ونحو قولك (اشتريت اللحم) وكذلك قولك (نعم الرجل خالد) فـ (الرجل) معهود ذهني، ولا يقصد به شخص تقدم ذكره.
والقول الآخر أنها للعهد الشخصي، والمعهود هو الشخص الممدوح أو المذموم، فإذا قلت (نعم الرجل محمد) فكأنك قلت:(نعم هو)(2).
الذي يبدو أن القول بأن (أل) تفيد الجنس أرجح، وذلك أنك تقول (نعم الفاكهة التفاح) فـ (الفاكهة) جنس عام، و (التفاح) خاص منه.
وتقول: (نعم الأدام الخل)، فالأدام عام (والخل) خاص، و (نعم الشراب الماء) فـ (الشراب) جنس عام، و (الماء) قسم منه، وخصه من بينه بالمدح فـ (أل) ههنا جنسية كما هو واضح.
ومما يدل على أن (أل) للجنس لا للعهد، أنك لا تمدح الشيء بـ (نعم) إذا لم يكن معه فرد من جنسه، فلا تقول مثلا (نعم مؤلف المفصل الزمخشري) ولا (نعم مؤلف لسان العرب ابن منظور) ولا (نعم الخارج من الجنة آدم)، ولا (نعم أبو البشر آدم).
(1) كتاب سيبويه 1/ 301، وانظر شرح ابن عقيل 2/ 42
(2)
انظر التصريح 2/ 95، الهمع 2/ 85
لأن مؤلف المفصل واحد هو الزمخشري، ومؤلف لسان العرب واحد هو ابن منظور، لكن يصح أن تقول:(نعم المؤلف الزمخشري) لأن المؤلف جنس، ولا يصح كذلك أن تقول:(نعم الخليفة بعد أبي بكر عمر) لأن الخليفة بعد أبي بكر واحد، ولكنك تقول (نعم الخليفة عمر، ولا تقول: (نعم الرشيد هرون) ولا (نعم الجاحظ عمرو بن بحر) ولا (نعم المبرد محمد بن يزيد) ألا إذا قصدت الوصف، وكان المقصود بالرشيد من اتصف بالرشد، والمقصود بالجاحظ من اتصف الجحظ، عمومًا وبالمبرد من اتصف بالتبريد.
ثم ألا ترى أنك لا تقول (نعم الهلال هذا) ولا (نعمت الشمس هذه) لأن ليس هناك جنس تخصه من بينها، إلا إذا أردت مدح حال من أحوالها كأن تكون الشمس مشرقة، أو دافئة ونحو ذلك.
فاتضح بهذا أن فاعل (نعم)، و (بئس) جنس، و (آل) فيه جنسية، وأما المخصوص بالمدح والذم فقد يكون فرعا من هذا الجنس، وقد يكون فردًا تقول:(بئس الحيوان الذئب)، فأنت ذممت جنس الذئب من بين جنس الحيوان، فـ (الحيوان) عام، و (الذئب) خاص منه، وتقول (بئس الرجال عبيد الشهوات) فـ (الرجال) جنس عام، و (عبيد الشهوات) جزء منهم، وتقول (نعم العبد خالد) فـ (العبد) عام و (خالد) واحد من هذا الجنس. فتبين من هذا أن الفاعل أعم من المخصوص دائما وليس العكس فلا تقول (نعم الماء الشراء) ولا (بئس الذئب الحيوان).
وليس المقصود من هذا التعبير أنك تمدح الجنس كله، ثم تخص فردا أو قسما منه بالذكر فتكون قد مدحته مرتين، ولا المقصود اجتماع خصال الجنس في الممدوح، فيكون هو الجنس مبالغة، وإنما المقصود تخصيص شيء من بين الجنس بالمدح، فقولك (نعم الشراب الماء) ليس المقصود منه أنك تمدح الشراب كله، ثم تخص الماء منه بالذكر فتكون قد مدحته مرتين، وإنما المقصود أن تمدح الماء من بين الشراب، وكذلك قولك (نعم الرجل خالد) فليس المقصود منه مدح الجنس كله وتخصيص خالد بالذكر
ولا المقصود اجتماع خصال الجنس فيه وإنما المقصود تخصيص خالد بالمدلح من بين أفراد الجنس، ولو كان المعنى على ما قاله الأولون لتناقض القولان (نعم الرجل محمد) و (بئس الرجل خالد) فإنك في الأولى مدحت جنس الرجال كله، ثم خصصت محمدًا منهم بالذكر، وفي الثانية ذممت الرجال كلهم وخصصت خالدا منهم بالذم فتكون قد مدحت الجنس مرة، وذممته مرة أخرى، ونحوه قولك:(نعمت التفاحة هذه) و (بئس التفاحة هذه) فمرة تكون مدحت الجنس كله، ومرة تكون ذممت الجنس كله، ومثله (نعن الخلق الصدق) و (بئس الخلق الكذب) فتكون مرة مدحت الخلق ومرة ذممته.
ثم أنك على هذا تدخل في المدح مالا خير فيه من الجنس، وتدخل في الذم مالا سوء فيه فيدخل في قولك (بئس الرجال خالد) ذم الأنبياء والرسل، ويدخل في قولك (نعم الشراب الماء) و (نعم الطعام اللحم) مدح الغسلين، والغساق والزقوم، وما شاكله من طعام أهل النار، وشرابهم مما ليس فيه شيء يمدح.
فهذا التفسير غير صحيح فيما أحسب، وكذلك التفسير الثاني وهو اجتماع خصال الجنس في شيء واحد، فهذا لا يصح أيضا، ألا ترى أنه في قولك:(بئس الخلق الظن) لا يصح أن يقال اجتمع في الظن كل الخلق، السيء، وإنما المقصود كما ذكرت أنك تمدح شيئا تخصه من بين جنسه أو تذمه.
والضرب الثاني من فاعل نعم أن يكون ضميرا مستترا، مفسرا بتمييز مطابق للمعنى، نحو (نعم رجلا خالد) و (نعم رجالا أنتم) قال تعالى:{بئس للظالمين بدلا} [الكهف: 50]، ولا يجوز أن يكون المرفوع فاعلا لـ (نعم)، إذ لو كان كذلك ما صح أن يقال (نعم رجلا أنت) بل لاتصل بالفعل، لأنه لا يصح أن يقال (طاب نفسا أنت) بل يقال (طبت نفسا) ولأن المرفوع يدخل عليه الناسخ نحو (نعم رجلا كان محمد)(1). ولو كان فاعلا لم يدخل عليه ناسخ، وتقدير الكلام (نعم الرجل رجلا أنت) ولا يجتمع الفاعل والتمييز معا وقد اجتمعا قليلا ومن ذلك قوله:
(1) شرح الأشموني 3/ 33