الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغير ذلك من المعاني:
ماذا
تأتي في العربية على أوجه:
أحدها: أن تكون (ما) استفهامية و (ذا) اسم إشارة، نحو (ماذا) أي:(ما هذا) ونحو (ماذا السكوت) و (ماذا التواني) والعنى: ما هذا السكوت؟ وما هذا التواني؟
الثاني: أن تكون (ما) استفهامية و (ذا) موصولة بمعنى الذي، نحو (ماذا فعلت) أي: ما الذي فعلت؟ وكقول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول
…
أنحب فيقضي أم ضلال وباطل
أي: ما الذي يحالو، فـ (ما) مبتدأ بدليل إبداله المرفوع (نحب) منها، و (ذا) اسم موصول بديل افتقاره إلى الجملة، ولو كانت (ماذا) اسما واحدًا، لكانت مفعولا مقدما للفعل (يحاول) ولأبدل منها النصب.
الثالث: أن تكون (ماذا) كلها كلمة واحدة مركبة تفيد الاستفهام (1). كقولك (ماذا أكلت أفاكهة أم لحما) فـ (ماذا) ههنا كلمة واحدة وهي مفعول به مقدم، بدليل الإبدال منها بالنصب.
فتبين من هذا أنك إذا قلت (ماذا صنعت؟ ) أحتمل أن تكون (ماذا) مركبة من كلمتين: (ما) الاستفهامية و (ذا) الموصولة والمعنى: ما الذي صنعت؟
واحتمل أن تكون (ماذا) كلها كلمة مركبة واحدة والمعنى: ما صنعت؟
فإذا جعلتها اسمين أبدلت من (ما) بالرفع، فتقول (ماذا صنعت أخاتم أم سوار)؟ وذلك لأن (ما) مبتدأ محله الرفع و (ذا) خبره، والبدل من المرفوع مرفوع.
(1) انظر المغني 1/ 300 - 301، الأشموني 1/ 159، التصريح 1/ 138
وإن جعلتها اسما واحدا أبدلت بالنصب، فقلت (ماذا صنعت أخاتما أم سوارا) وذلك لأن (ماذا) مفعول به مقدم، محله النصب والبدل من المنصوب منصوب.
وجوابها مختلف أيضا، فالأصل في جواب الأولى أن يكون: الذي صنعته سوار وجواب الثاني أعني المركبة (صنعت سوارا) وكذلك إذا قلت (ماذا تفقد؟ ) على غير معنى التركيب، فإن جوابه (الذي أفقده كتاب) لأن معنى السؤال: ما الشيء الذي تفقده؟
وعلى معنى التركيب: (أفقد كتابا) لأن المعنى: أي شيء تفقد؟ فهما عبارتان مختلفان.
وههنا يبرز سؤال، وهو: ما الفرق في المعنى بين (ماذا) و (ما)؟ ما الفرق مثلا بين قولك (ماذا فعلت؟ ) و (ما فعلت؟ )
الذي يبدو أن الفرق بينهما من ناحيتين:
الأولى: إن (ذا) تفيد التنصيص على الاستفهام فيما يحتمل الاستفهام وغيره، وذلك كقوله تعالى:{فأروني ماذا خلق الذين من دونه} [لقمان: 11]، فإن (ذا) أفادت التنصيص على الاستفهام ولو حذفت لاحتمل المعنى الاستفهام والموصولية، أي فأروني الذي خلقه الذين من دونه، ألا ترى أنك إذا قلت، (أنا أعلم ما تريد) يحتمل الخبر والاستفهام، ولو قلت (ماذا) أفادك الاستفهام نصا؟
الناحية الثانية: إن في (ماذا) قوة ومبالغة في الاستفهام، ليست في (ما) ففي قولنا (ماذا فعلت) قوة ليست في (ما فعلت)؟ ولعل ذلك يعود إلى زيادة حروفها.
قال تعالى: {يسئلونك ماذا ينفقون} فجاء بـ (ماذا) وهذا يدل على المبالغة في الاستفهام ولذلك، والله أعلم، كرر السؤال مرتين، فقال:{يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} [البقرة 215]، ثم قال:{ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو كلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} [البقرة: 219]، فمرة أجاب عن السؤال ببيان أوجه الاتفاق المشروعة، ومرة أجاب عنه
بنوع المال االذي ينفق، فكرر السؤال مرتين، وأجاب عنه مرتين لأهمية السؤال، ولذا جاء به بـ (ماذا) بدل (ما).
ونحوه قوله تعالى على لسان فرعون بعد أن عجز عن مواجهة موسى عليه السلام بالحجة فقال: {إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون} [الشعراء: 34 - 35]، فجاء بـ (ماذا) للدلالة على المبالغة في الاستفهام، وذلك لأن الموقف يتطلب جوابا يخلصه من مواجهة موسى وتحديه، فإن موسى يهد الوهية فرعون وتجبره، بخلاف قوله تعالى مثلا:{قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا} [يوسف: 65]، فجاء بـ (ما) دون (ماذا) لأن الموقف لا يتطلب ذاك.
ولذا يؤتى بماذا في مواقف التحدي والقوة قال تعالى: {قل أرءيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله اروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا} [فاطر: 40]، فهو يتحدى المشركين تحديا لا يمكنهم الافلات منه فيقول لهم: هؤلاء شركاؤكم أروني ماذا خلقوا من الأرض؟ اذكروا لي شيئا خلقوه، وإن هان وحقر، فجاء بـ (ماذا) في التحدي، وهو أبلغ وأقوى من (ما) وحدها يدلك على ذلك السياق.
ويوضح ذلك أيضا قوله تعالى في سورة الصافات على لسان إبراهيم عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون} [الصافات: 83 - 87]. وقوله في سورة الشعراء: {قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين} [الشعراء: 69 - 71].
فجاء في الأولى بـ (ماذا): (ماذا تعبدون) وفي الثانية بما (ما تعبدون)، وذلك لأن الأولى موقف تحد ظاهر، ومجابهة قوية، بخلاف الثانية، يدلك على ذلك السياق، فإن المقام في الأولى ليس مقام استفهام، وإنما هو مقام تقريع، ولذلك لم يجيبوه عن سؤاله، بل مضى يقرعهم بقوله:{أئفكا آلهة دون الله تريدون} .
وأما في الثانية فهو مقام استفهام المحاجة إذ قال لهم: {ما تعبدون} فأجابوه: {قالو نعبد أصناما فظل لها عاكفين} .
فسألهم: {قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون} [الشعراء: 72 - 73]. فأجابوه قائلين: {بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} [الشعراء: 74].
فانت ترى أن المقام مقام محاجة، بخلاف الأولى فإنه مقام تحد وتقريع ومجابهة، ويوضح ذلك نهاية السياقين.
ففي آية الشعراء قال: {أفرئيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} [الشعراء: 75 - 77].
وأما في آية الصافات فانتهي السياق بتحطيم الأصنام وتحريقه بالنار، فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعبدون قالوا ابنوا له بنينا فألقوه في الجحيم} [الصافات: 91 - 97].
فثمة فرق كبير بين النهايتين، وبين السياقين، فجاء في مقام المجابهة وشدة التحدي بـ (ماذا) دون المقام الآخر الذي جاء فيه بـ (ما).
جاء في (درة التنزيل) في هاتين الآيتين: " للسائل أن يسأل عن زيادة (ذا) في قوله (في الصافات)(ماذا تعبدون) وإخلاء (ما) في (الشعراء) منها:
والجواب ان يقال: إن قوله (ما تعبدون) معناه أي شيء تعبدون؟ وقوله (ماذا) في كلام العرب على وجهين:
أحدهما أن تكون (ما) وحدها إسما (وذا) بمعنى (الذي) والمعنى: ما الذي تعبدون، و (تعبدون) صلة لها.
والآخر: أن تكون (ما) مع (ذا) اسما واحدًا بمعنى (أي شيء) وهو في الحالين أبلغ من (ما) وحدها إذا قيل، ما تفعل؟