الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما تعبدون في سورة الشعراء أخبار عن تنبهه لهم، لأنهم أجروا مقاله مجرى مقال المستفهم، فأجابوه وقالوا:{نعبد أصناما فنظل لها عاكفين} فنبه ثانيا بقول: {هل يسمعونكم أذ تدعون} .
وأما {ما تعبدون} في سورة الصافات فإنها تقريع وهو حال بعد التنبيه، ولعلمهم بأنه يقصد توبيخهم وتبكيتهم، لم يجيبوا كأجابتهم في الأول، ثم أضاف تبكيتا إلى تبكيت ولم يستدع منهم جوابًا فقال:{أئفكا آلهة دون الله تريدون، فما ظنكم برب العالمين} .
فلما قصد في الأول التنبيه كانت (ما) كافية، ولما بالغ وقرع استعمل اللفظ الأبلغ وهو (ماذا) التي إن جعلت (ذا) منها بمعنى (الذي)، فهو أبلغ من (ما) وحدها، وإن جعلا اسما كان أيضا أبلغ وأوكد مما إذا خلت من ذا (1).
11 - متى
للسؤال عن الزمان نحو (متى السفر)؟ وقد يخرج عن الاستفهام الحقيقي إلى معان أخرى، كالاستبطاء نحو قولك (متى يؤوب أبي) مستبطئا عودته، والاستعباد نحو قوله تعالى:{ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [يونس: 48]، وغير ذلك من المعاني.
12 - من
للسؤال عمن يعقل نحو: (متى حضر؟ ) فتقول: خالد، قال تعالى:{ومن أصدق من الله قيلا} [النساء: 122]، وقال:{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130].
وقد يخرج (من) عن الاستفهام الحقيقي إلى أغراض أخرى كالنفي نحو قوله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135](2).
(1) درة التنزيل 330 - 331
(2)
انظر المغنى 1/ 327
والدهشة والتعجب، نحو قوله تعالى:{من بعثنا من مرقدنا} [يس: 52]. والإلزام، نحو:{من خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء} والتشويق والترغيب، نحو:{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [البقرة: 245].
إلى غير ذلك من المعاني.
وقد تلحقها (ذا) كما مر في (ما) فتكون (من) اسم استفهام، و (ذا) اسم اشارة، وذلك نحو (من ذا؟ ) و (من ذا واقفًا؟ ).
وقد تكون اسما موصولا نحو (من ذا أكرمت أمحمد أم خالد) وقد تكون كلمة واحدة مركبة بمعنى (من) نحو (من ذا أكرمت أمحمدًا أم خالدا؟ ).
ويحتمل هذا المعنى قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} [البقرة: 245]، ويحتمل أيضا أن تكون (من) استفهاما و (ذا) اسم إشارة بمعنى (من هذا الذي يقرض الله) كما في قوله تعالى:{أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم} [الملك: 20](1).
ويبدو أنه إذا قرن اسم الإشارة بـ (ها التنبيه) كان آكد وأقوى وذلك لأن فيه زيادة تنبيه، فقولك (من هذا الذي فعل) آكد وأقوى من قولك (من ذا الذي فعل) وذلك أن السائل في العبارة الأولى كأنه يجتهد في الاستخفاف بالفاعل، نحو أن تقول (من هذا الذي يستطيع أن يرد علي) أو تعظيمه كأن تقول (من هذا الذي اقتحم النار وأنقذ الطفل؟ ).
ويدل على ذلك الاستعمال القرآني أيضا، قال تعالى:{وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} [آل عمران: 160]، وقال:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255] فلم يجيء بـ (ها) التنبيه.
(1) انظر شرح الرضي على الكافية 2/ 65، المغنى 1/ 327
وقال: {أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور} [الملك: 20، 21]، فجاء بـ (ها) التنبيه، وسبب ذلك - والله أعلم - أن التحدي في الآيتين الأخيرتين أشد وأقوى وهو واضح من السياق. فالآية الأولى خطاب للمؤمنين قال تعالى:{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: 159 - 160].
والثانية في الكلام على الكافرين في سياق التخويف من قدرة الله وبطشه: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرين إلا في غرور} [الملك: 16 - 31].
فالسياق والجو مختلف في الآيتين: فالأولى مقام رحمة ومسح على جراح المؤمنين ومقام عفو ومغفرة بعد معركة أحد، وأما الثانية فمقام ترهيب وإنذار وتخويف وتحذير فجاء بـ (ها) التنبيه زيادة في التحذير والتنبيه وهو ما يقتضيه المقام.
وأما الفرق بين (من) و (من ذا) فإنه نظير الفرق بين (ما) و (ماذا) فلا داعي لتكرار القول فيه.
مما تقدم يتبين أن مراحل التعبير من حيث قوته وتوكيده تتدرج كما يأتي:
من فعل؟
من ذا فعل؟
من ذا الذي فعل؟
من هذا الذي فعل؟