الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك في فعل مقدر وجوده، وإذا قلت:(ألست تفعل) فإنما تقول ذلك في فعل تحقق وجوده، والفرق بينهما أن (لا) ينفي بها المستقبل، فإذا دخلت عليها الألف صار تخصيصا على فعل ما يستقبل، و (ليس) إنما تستعمل لنفي الحال، فإذا دخلت عليها الألف صار لتحقيق الحال (1).
وقد ذكرنا سابقا أن (ليس) تكون لنفي الحال عند الإطلاق، وأما (لا) فليست مقيدة بزمن على الأرجح.
لات:
تستعمل لنفي الحين خصوصا، كقوله تعالى:{ولات حين مناص} [ص: 3]، وكقول الشاعر:
ندم البغاة ولات ساعة مندم
وقد مر الكلام عليها بما فيه الكفاية.
غير:
اسم يفيد المغايرة يقع استثناء بمعنى (إلا) ويقع نفيا، وقد يكون اسما لمعنى المغايرة بلا دلالة على نفي أو استثناء.
فمن دلالته على الاستثناء، قولك (أقبل الرجال غير رجل واحد).
ونحو قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدين في سبيل الله} [النساء: 95]، في قراءة النصب، وقد مر هذا في باب الاستثناء.
ومن دلالته على المغيرة فحسب، من غير دلالة على استثناء أو نفي، قوله تعالى:{لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82]، وقوله:{إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله} [البقرة: 173].
(1) التفسير الكبير 15/ 235
وقد يكون اسما يفيد النفي، ينفي المضاف إليه، ويقع في المواطن الإعرابية المختلفة فيقع مبتدأ كقوله:
غير مجد في ملتي واعتقادي
…
نوح باك ولا ترنم شادي
وقوله:
غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن.
وصفه، كقوله تعالى:{ذلك وعد غير مكذوب} [هود: 65].
وخبرًا، كقوله تعالى:{وهو في الخصام غير مبين} [الزخرف: 18].
وحالا، كقوله تعالى:{أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} [النور: 60]، وقوله:{فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم} [الأنعام: 145].
وفاعلا: نحو: (رماك غير رام وهجاك غير شاعر).
ومفعولا: نحو: (خاصمت غير كفء)، و (هجرت غير مستحق)، و (رميت غير عدوك). ومجرورًا بالحرف، كقوله تعالى:{الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف: 146].
وظرفا كقوله تعالى: {فمكث غير بعيد} [النمل: 2]، وغير ذلك. إن (غيرا) كما ترى مختصة بنفي الاسم، وهي وظيفة تنفرد بها (غير) عن سائر أدوات النفي.
وقد تقول: إن لا قد تشاركها في بعض المواضع، و (ما) أيضا، فما الفرق بينها وبينهما؟
والجواب: أن غيرا أوسع استعمالا في نفي الأسماء من (لا) أو (ما) أو غيرهما.
وذلك أن (ما) تنفي الأفعال، وتنفي الجمل الإسمية، ولكنها لا تنفي الاسم المفرد، إلا بقيود وذلك أن لها صدر الكلام، فلا يصح أن تقول مثلا (محمد ما حاضر) ولا (أقبل محمد ما مسرعا) ولا (أكرمت ما محمدًا) بل تقدم (ما) مع منفيها إلى صدر الكلام، فتقول (ما حاضر محمد) و (ما مسرعا أقبل محمد) و (ما محمدًا أكرمت) والمعنى في التقديم يختلف عنه في التأخير، وأما (غير) فيصح تقديمها وتأخيرها، فتقول (محمد غير قائم) و (غير قائم محمد) و (أكرمت غير محمد) و (غير محمد أكرمت).
ولا يمكن نفي الصفة مثلا بـ (ما) لأن الصفة لا تتقدم في أول الكلام كما هو معلوم. وكذلك (لا) فإنها تنفي الأفعال وتنفي الجمل الإسمية، وقد تنفي الاسم المفرد، ولكن لا تنفيه إلا بقيد أيضا، فهي لا تنفي الخبر المفرد، ولا الصفة، ولا الحال، إلا بشرط تكرارها كما مر، وذلك لأنه يراد بها إشراك أكثر من جهة في النفي، بخلاف (غير) فإنه لا يشترط أن تتكرر كما هو واضح من الأمثلة، فوظيفة (لا) تختلف عن وظيفة أدوات النفي الأخرى هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن (غيرا) اسم يفيد المغايرة، فقولك (غير محمد) يعني شخصا آخر مغايرا لمحمد، وأما (ما محمد) فيعني النفي عن محمد، ولا يعني شخصا آخر مغايرا لمحمد، وأما (ما محمد) فيعني النفي عن محمد، ولا يعني شخصا آخر، فإذا قلت مثلا (ما محمد حضر) فإنك نفيت الحضور عن محمد خصوصا، ولكن إذا قلت:(غير محمد حضر) فإنك أثبت الحضور لشخص آخر غير محمد. وكذلك إذا قلت (ما محمدًا أكرمت) فإنه يفيد نفي الإكرام عن محمد خصوصا، وينفي هذا الخصوص عن محمد، يدل التعبير استنتاجًا عن أنك أكرمت غير محمد، وأما قولك (غير محمد أكرمت)، فإنه يفيد إثبات الإكرام لشخص غير محمد، وبلفظ المغايرة دل التعبير على نفي الإكرام لمحمد، فهما طريقتان مختلفتان في النفي والإثبات، فالأولى أعني بالحرف هو نص على النفي، وقد يستفاد الإثبات لغير المنفي استنتاجًا.