المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ما الزائدة تدخل (ما) بعد أدوات الشرط، نحو (إذا ما) و - معاني النحو - جـ ٤

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌جزم المضارع

- ‌الأدوات التي يجزم بعدها الفعل

- ‌لام الأمر

- ‌لا الناهية

- ‌لم

- ‌لما

- ‌جواب الطلب

- ‌إضمار اللام:

- ‌حرفا الاستقبال

- ‌السين وسوف

- ‌فعل الأمر

- ‌زمنه:

- ‌أسماء الأفعال

- ‌التنوين الداخل عليها:

- ‌فائدتها

- ‌أقسامها

- ‌فعال

- ‌أسماء الأصوات

- ‌التنوين الداخل عليها:

- ‌الشرط

- ‌فعل الشرط

- ‌هل يأتي الشرط للمضي:

- ‌دلالته على الحال:

- ‌مع‌‌اني أدوات الشرط

- ‌ان

- ‌اذا

- ‌أنى

- ‌‌‌أيان

- ‌أي

- ‌أين

- ‌حيثما

- ‌كيف‌‌ما

- ‌ما

- ‌متى

- ‌من

- ‌مهما

- ‌لو

- ‌وقوع اللام في جوابها

- ‌ما الزائدة

- ‌اقتران جواب الشرط بالفاء وإذا الفجائية اقترانه بالفاء

- ‌دخول الفاء جوازا على الجواب:

- ‌اقترانه بـ إذا الفجائية

- ‌رفع جواب الشرط بغير الفاء

- ‌العطف على الشرط والجواب

- ‌اجتماع الشرط والقسم

- ‌حذف جواب الشرط

- ‌أ - حذفه وجوبا:

- ‌ب - حذفه جوازاً:

- ‌تشبيه الاسم الموصول بالشرط

- ‌التوكيد

- ‌أغراض التوكيد

- ‌ التوكيد المعنوي

- ‌ألفاظه:

- ‌ كل

- ‌جميع:

- ‌أجمع:

- ‌الأعداد من ثلاثة إلى عشرة إذا أضيفت إلى ضمير ما تقدمها:

- ‌التوكيد اللفظي

- ‌الغرض من هذا التوكيد:

- ‌توكيد الفعل بالنون

- ‌القسم

- ‌أنواع القسم

- ‌أحرف القسم

- ‌ الواو

- ‌الباء:

- ‌التاء:

- ‌اللام:

- ‌ألفاظ تستعمل في القسم

- ‌لعمرك:

- ‌أيمن

- ‌عمرك

- ‌قعدك الله]

- ‌وقوع (لا) قيل القسم:

- ‌جواب القسم

- ‌حذف (لا) النافية من جملة الجواب:

- ‌الاستغناء بالجواب عن القسم:

- ‌حذف جواب القسم

- ‌النفي

- ‌أدوات النفي

- ‌لم

- ‌لما

- ‌لن

- ‌ليس:

- ‌ما:

- ‌الفرق بين ما ولم:

- ‌ أن

- ‌من خصوصيات الاستعمال القرآني:

- ‌لأ

- ‌ألا تفعل وألست تفعل:

- ‌لات:

- ‌غير:

- ‌قل وقلما وأقل:

- ‌نفي الفعل

- ‌دلالات النفي

- ‌1 - نفي العمدة:

- ‌2 - نفي القيد:

- ‌3 - نفي الشيء والمراد عدم كماله:

- ‌4 - التقديم والتأخير:

- ‌أ - تقديم الاسم على الفعل

- ‌تقديم القيد على الفعل:

- ‌ب - وقوع الفعل في حيز النفي وعدمه

- ‌ج - وقوع (كل) في حيز النفي وعدمه:

- ‌5 - تكرير الفعل في النفي:

- ‌6 - نفي النفي

- ‌أسماء وظروف مختصة بالنفي

- ‌الحروف المؤكدة للنفي

- ‌الاستفهام

- ‌أدوات الاستفهام

- ‌1 - الهمزة

- ‌حذف الهمزة

- ‌2 - هل

- ‌هل والهمزة:

- ‌النفي بـ (هل):

- ‌أم وأو:

- ‌3 - أم

- ‌4 - أنّى

- ‌5 - أين

- ‌6 - أي

- ‌7 - أيّان

- ‌8 - كم

- ‌9 - كيف

- ‌10 - ما

- ‌ماذا

- ‌11 - متى

- ‌12 - من

- ‌تقديم المستفهم عنه

- ‌الجواب

- ‌جواب الهمزة:

- ‌جواب هل:

- ‌جواب أسماء الاستفهام

- ‌حروف الجواب

- ‌نعم:

- ‌بلى:

- ‌أجل:

- ‌ أن

- ‌أي

- ‌جلل:

- ‌جير

- ‌التعجب

- ‌1 - ما أفعله:

- ‌أفعل التعجب:

- ‌التعجب من أمر ماض:

- ‌ما أفعلني له، وما أفعلني إليه

- ‌2 - أفعل به

- ‌3 - التعجب إلى صيغة (فَعُل)

- ‌دخول الباء على المتعجب منه:

- ‌الفرق بين فعل وما أفعل وأفعل به:

- ‌4 - التعجب بالنداء

- ‌5 - التعجب بتعبيرات معينة

- ‌أ - التعجب بـ (كفى) وما بمعناها

- ‌ب - التعجب بـ (أي) الكمالية

- ‌ج - التعجب بادخال (ربّ) على الضمير

- ‌د - لله دره

- ‌هـ - التعجب بلام القسم

- ‌و- تعبيرات غير منحصرة تستعمل في التعجب

- ‌المدح والذم

- ‌(نعم وبئس)

- ‌استعمالهما في المدح والدم

- ‌عناصر الأسلوب في المدح والذم

- ‌1 - الفعل

- ‌2 - فاعل نعم وبئس

- ‌نعما وبئسما:

- ‌3 - المخصوص بالمدح والذم

- ‌حبذا

- ‌المخصوص بالمدح:

- ‌(حب

- ‌اسم التفضيل

- ‌تعديه إلى المفعول:

- ‌أوجه التفضيل

- ‌النداء

- ‌حذف حرف النداء:

- ‌اللهم:

- ‌المنادى

- ‌نداء المعرف بـ (آل):

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌تابع المنادى

- ‌الترخيم

- ‌الاستغاثة

- ‌التعجب بإسلوب الإستغاثة:

- ‌الندبة

الفصل: ‌ ‌ما الزائدة تدخل (ما) بعد أدوات الشرط، نحو (إذا ما) و

‌ما الزائدة

تدخل (ما) بعد أدوات الشرط، نحو (إذا ما) و (إما) و (متى ما) وقد ذهب النحاة فيها إلى أنها تؤدي غرضين:

الأول: إفادة الإبهام اولعموم - كما سبق أن ذكرنا - فإذا قلت مثلا: (سأزورك إذا جن الليل)، فالراجح أن يكون القصد ليل يومكم ذاك، فإذا قلت:(سأزورك إذا ماجن الليل) فإنه لا يتعين ليل ذلك اليوم، بل أصبح الكلام يحتمل الليالي الأخرى القابلة، وذلك لأن ما أبهمتها.

جاء في (المفصل): " تقول (متى كان ذاك؟ ) و (متى يكون؟ ) و (متى تأتني أكرمك) و (أين كنت؟ ) و (أين تجلس أجلس) ويتصل بهما (ما) المزيدة فتزيدهما إبهاما (1). وجاء في (الكليات): (إذا ما) فيه إبهام في الاستقبال ليس في (إذا) بمعنى انك إذا قلت (آتيك إذا طلعت الشمس) فإنه ربما يكون لطلوع الغد حتى يستحق العتاب بترك الاتيان في الغد، بخلاف (إذا ما طلعت) فإنه يخص (2). ذلك ولا يستحق العتاب (3).

وكذلك بقية أدوات الشرط، مثل (إذ ما) و (حيثما) و (أينما) غير أن (ما) في (حيثما) و (إذ ما) ليست زائدة عند النحاة، كالداخلة على (أين) و (متى) و (إذا) و (أي) وغيرها، بل هي في (إذ ما) و (حيثما) لازمة لا يكونان للمجازاة إلا بها (4). وذلك لأنهما من دون (ما) ظرفان يضافان إلى الجمل، فهما مخصصان بسبب الإضافة، فدخلت عليهما (ما) فكفتهما عن الإضافة، ليكونا مبهمين، فأصبحت (إذ ما) حرفا في رأي، وإسما مبهما في رأي آخر، وأصبحت (حيثما) ظرفا مبهما أبهمتها (ما) كماسبق أن ذكرنا.

(1) المفصل 2/ 66، وانظر الكليات 337

(2)

كذا والراجح أن الأصل لا يخص ذلك كما هو ظاهر.

(3)

الكليات 27

(4)

المقتضب 2/ 48

ص: 95

جاء في (شرح الرضي على الكافية): " وأما (حيثما) فنقول (ما) فيها كافة لـ (حيث) عن الإضافة، لا زائدة كما في (متى ما) و (إما) وذلك أن (حيث) كانت لازمة للإضافة، فكانت مخصصة بسبب المضاف إليه، فكفتها (ما) عن طلب الإضافة لتصير مبهمة كسائر كلمات الشرط (1).

وجاء في (الأشباه والنظائر): " باب الشرط مبناه على الابهام، وباب الإضافة مبناه على التوضيح، ولهذا لما أريد دخول (إذ) و (حيث) في باب الشرط لزمتهما (ما)، لأنهما لازمان للإضافة، والإضافة توضحهما، فلا يصلحان للشرط حينئذ، فاشترطنا (ما) لتكفهما عن الإضافة، فيبهمان فيصلح دخولهما في الشرط حينئذ (2).

ثم إن (ما) هذه لا تختص بأسماء الشرط، بل قد تدخل على أسماء غيرها فتعطيها إبهاما وعموما أيضا، وذلك نحو قولك:(حدثني حديثا ما) أي أيا كان الحديث.

جاء في (الكليات): (ما) في مثل (اعطني كتابا ما) إبهامية، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاما، وزادته شياعا، وعموما، أي (أي كتاب كان)(3).

والخلاصة أن (ما) تدخل على أدوات الشرط، فتبهم ما ليس مبهما وتزيد إبهاما ما كان مبهما.

الغرض الثاني إفادة التوكيد: جاء في (الكتاب): " وتكون [يعني ما] توكيدًا لغوا وذلك قولك (متى ما تأتني آتك) وقولك (غضبت من غير ما حرم) وقال الله عز جل: {فبما نقضهم ميثاقهم} [النساء: 155]، فهي لغو .. وهي توكيد للكلام (4).

وجاء في (المقتضب): " فـ (ما) تدخل على ضربين:

(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 281، المقتضب 2/ 47

(2)

الأشباه والنظائر 1/ 97 - 98

(3)

الكليات 366

(4)

كتاب سيبويه 2/ 305

ص: 96

أحدهما أن تكون زائدة للتوكيد، فلا يتغير الكلام بها عن عمل ولا معنى فالتوكيد ما ذكرته في هذه الحروف سوى (حيثما) و (إذ ما).

واللازم ما وقع فيهما ونظيرهما قولك: (إنما زيد أخوك) منعت (ما)(إن) عملها" (1).

وجاء في (شرح ابن يعيش): " قد تزاد (ما) مع (إنْ) الشرطية مؤكدة، نحو قولك:(إما تأتني آتك) والأصل: إن تأتني آتك، زيدت (ما) على (إنْ) لتأكيد معنى الجزاء، ويدخل معها نون التوكيد، وإن لم يكن الشرط من مواضعها، لأن موضعها الأمر والنهي، وما أشبههما، مما كان غير موجب، وذلك نحو قوله تعالى:{فإما يأتينكم مني هدى} [البقرة: 38]، وقال سبحانه:{فإما ترين من البشر أحدا} [مريم: 26]، وقال:{وإما تعرضن عنهم} [الإسراء: 28].

والعلة في دخولها أنها لما لحقت أول الفعل بعد (إن) اشبهت اللام في (والله ليفعلن) فجامعتها نونا التوكيد، كما تكون مع اللام في (ليفعلن) وجهة التشبيه بينهما أن (ما) هنا حرف تأكيد، كما أن اللام مؤكدة ..

وقد يجوز أن لا تأتي بهذه النون مع فعل الشرط، وذلك نحو قولك: إما تأتني آتك (2).

وجاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم} [فصلت: 20]، " فإن قلت:(ما) في قوله (حتى إذا ما جاؤها) ما هي؟

قلت: مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها أن وقت مجيئهم النار لا محالة، أن يكون وقت الشهادة عليه، ولا وجه لأن يخلو منها، ومثله قوله تعالى:{أثم إذا ماوقع آمنتم به} [يونس: 51]، أي لابد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به (3).

(1) المقتضب 2/ 54

(2)

شرح ابن يعيش 9/ 5، وانظر الهمع 2/ 63

(3)

الكشاف 3/ 69

ص: 97

والظاهر من أقوال النحاة أن (ما) تؤدي معني الإبهام والتوكيد معا، وإن كان يصرح أحيانا بالإبهام، وأحيانا بالتوكيد، وقد جمع بينهما ابن يعيش فقال: " وقد تدخل (ما)(أين ومتى) للجزاء، زائدة مؤكدة، نحو متى ما تقم أقم، وأينما تجلس أجلس معك. قال الشاعر:

متى ما ير الناس الغني وجاره

فقير يقولوا عاجز وجليد.

وقال الله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء: 78]، وقال:{فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]، فإذا دخلت عليهما (ما) زادتهما إبهاما وازدادت المجازاة بهما حسنا" (1). فذكر أنها زائدة مؤكدة، ثم قال: زادتهما إبهاما.

ومعنى التوكيد أظهر من الابهام في الاستعمال القرآني، والاستعمال العربي، فإنا لا أرى إبهاما في قوله تعالى:{حتى إذا ماجاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم} [فصلت: 20]، وتخصيصا في قوله:{حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها} [الزمر: 17]، فالكلام في الحالتين على أهل النار، ومجيئهم إياها، فلم كانت (إذا) الأولى مبهمة، والثانية غير مبهمة.

وكذلك قوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحلهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 92]، فهذه الآيات نزلت في جماعة مخصوصين، في حادثة معينة مخصوصة، فكيف تكون (إذا) ههنا مبهمة؟

أما التوكيد فهو ظاهر واضح يدل عليه الاستعمال والقياس، فإن (ما) تزاد غير كافة تزاد كافة، وذلك نحو زيادتها بعد الأحرف المشبهة بالفعل، وبعد طائفة من حروف الجر وبعد المضاف، نحو (غضبت من غير ما جرم) فهي إذا زيدت غير كافة كانت للتوكيد في كل مواطنها، وقد مر بنا هذا في أكثر من موطن.

(1) شرح ابن يعيش 4/ 105 - 106

ص: 98

وإذا كانت كافة كان لها غرض آخر، كما سبق أن ذكرنا في بحث الأحرف المشبهة بالفعل وحروف الجر.

وهي هنا زيدت غير كافة، ولا مغيرة من طبيعة الأداة، فهي مؤكدة، ويدل على ذلك أيضا الاستعمال القرآني، فحيثما زيدت (ما) مع (إنْ) الشرطية أكد شرطها بالنون، ولم يتخلف من ذلك موطن واحد، وقد وردت في أربعة عشر موضعا، وذلك نحو قوله تعالى:{وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى} [الأنعام: 68].

وقوله: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال: 58].

وقوله: {وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك} [الرعد: 40].

وهذا التوكيد كثير غالب في كلام العرب، وهذا يدل على أنها تفيد التوكيد، ألا ترى أن (إنّ) لما كانت مؤكدة قد يؤتى معها باللام زيادة في التوكيد، وأن القسم لما كان مؤكدا كان جوابه أيضا مؤكدا، فهو قد يجاب بـ (إنّ) واللام، أو يجاب باللام ونون التوكيد في الفعل المضارع، او يجاب باللام و (قد) في الفعل الماضي.

فهذا دليل ظاهر على أنها تفيد التوكيد، إذ لم يؤكد شرطها مع (ما)، ولا يؤكد من دونها؟ ثم إن مواطن الاستعمال تدل على التوكيد.

جاء في (درة التنزيل وغرة التأويل) للخطيب الإسكافي: قوله تعالى: {حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم} وجلودهم بما كانوا يعملون} [فصلت: 20]، وقال في سورة الزخرف:{حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين} [الزخرف: 38]، وقال قبله:{حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} [الزمر: 71]، يعني أبواب جهنم، وقال بعدها:{حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} [الزمر: 73] يعني أبواب الجنة.

ص: 99

للسائل أن يسأل عن زيادة (ما) بعد (إذا) في سورة السجدة (1) وحذفها من الموضع الاخر.

الجواب أن يقال: أنه إذا قصد توكيد معنى الشرط الذي تضمنته (إذا) لقوة معنى الجزاء، استعملت (ما) بعدها فقوله تعالى:{حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم} شهادة السمع وسائر الجوارح، من المعاني القوية التي لا يقتضيها الشرط الذي هو المجيء، ألا ترى استنكارهم لها حتى قالوا لجلودهم (لم شهدتم علينا) فأجابوا بأن قالوا:{أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} وليس كذلك: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} لأن المجيء يقتضي فتح الأبواب .. وكذلك: {حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك} [الزخرف: 38]، أي قال الآدمي لقرينه من الجن اللذين اشتركا في الدنيا في معصية الله، ثم اشتركا في العذاب في الاخرة: ليتني لم أتبعك وكان بعد ما بين المشرقين بيني وبينك.

وهذا أيضا مما يتوقع كونه منهما، ثم يتبرى بعض من بعض، فليس في الجزاء ما يوجب قوة الشرط الذي لا يتوقع، ولا يستفاد إلا به ومنه (2).

ثم إن شهادة السمع والأبصار والجلود أمر مستغرب، بخلاف فتح الأبواب ونحوه فأكده لذلك.

وقال تعالى: {ولا يأب الشهداء إذا مادعوا} [البقرة: 282]، زيدت (ما) مؤكدة على الشهداء حضور الشهادة عند الدعوة إليها، بخلاف قوله تعالى:{إذ تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282]، وقوله:{وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282]، وذلك لأن الشهيد قد يتباطأ، ويتكاسل، أو ينكص، عن الشهادة، لأنه ليست له مصلحة خاصة به أو قد تلحق به ضررا فحتاج إلى التوكيد.

(1) يعني سورة فصلت

(2)

درة التنزيل وغرة التأويل 417 - 418

ص: 100

وقال تعالى: {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} [الأنبياء: 45]، أي وإن تطاول الإنذار وتكرر، وأكد، بخلاف قوله تعالى:{ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} [النمل: 80]، فتوليتهم مدبرين، لا تحتاج إلى توكيد كالانذار.

وقال: {أث إذا ما وقع آمنتم به} [يونس: 51]، أي أنهم لا يؤمنون إلا إذا حل العذاب يقينا، لا حدسا، ولا تخمينا، ولا استنتاجًا يدل على ذلك سياق الآية، قال تعالى: قبل هذه الآية: {قل أريتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون، أثم إذا ما وقع آمنتم به آلان وقد كنتم به تستعجلون} [يونس: 50 - 51].

وقال تعالى: {ليس على الذين أمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} [المائدة: 93]، فزاد (ما) بعد (إذا) توكيدًا للتقوى، يدلك على ذلك تكرارها ثلاث مرات في الآية {إذا ما اتقوا .. ثم اتقوا وأمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} .

وهكذا كل ما ورد واضح فيه معنى التوكيد.

وكذلك زيادتها بعد (إنْ) قال تعالى: {فإما ترين من البشر أحدًا فقولي إني نذرت للرحمن صوما} [مريم: 26]، واحتمال الرؤية احتمال قوي جدًا، فأكدها وقت وقعت.

وقال: {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما ياتينكم مني هدي فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي} [طه: 123]، وهذا الكلام في آدم وإبليس، واحتمال إنزال الهدى، أي الرسالات السماوية مؤكد، فأكده وقد حصل.

وقال: {قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين} [المؤمنون: 93 - 94].

واحتمال إراءته ما يوعدون احتمال قوى فأكده، وقد أراه الله ذلك فيما بعد في بدر وغيرها.

وهكذا سائر ما ورد من الآيات مما يدل على ان (ما) إنما زيدت للتوكيد، والله أعلم.

ص: 101

تقديم الاسم على فعل الشرط

تقول العرب (إذاجاءك محمد فأكرمه)، وتقول:(إذا محمد جاءك فأكرمه)، قال تعالى:{إن ترك خيرًا الوصية} [البقرة: 180]، وقال:{إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} [النساء: 176]، وقال:{إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت} [الانفطار: 1 - 2].

وهذا عند الجمهور من باب حذف فعل الشرط، الذي يفسره الفعل المذكور بعده، والتقدير: إن هلك امرؤ هلك، وإذا انفطرت السماء انفطرت، وذلك لأن أداة الشرط لا تليها إلا الأفعال (1).

وعند الكوفيين أنه مرفوع بالفعل بعده، وهو فاعل متقدم على فعله (2). أو مبتدأ خبره ما بعده (3).

إن تقدير الجمهور بعيد عن المعنى، مفسد لصحة الكلام، مؤد إلى ركة بالغة فيه، إذ ما الغرض من هذا الحذف، والذكر مع العلم بأن المفسر والمفسر لفظ واحد بعينه، لا يزيده إيضاحا ولا بيانا ولا تفسيرا؟ فلو كان المفسر يعطينا معنى زائدا على المفسر، وإيضاحا لم يكن فيه، لكان مقبولا، ولكن الفعل المذكور هو نفس المحذوف، فما الغرض إذن من الذكر والحذف؟

إن التفسير مقبول في نحو قوله تعالى: {وأسروا النجوي الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم} [الأنبياء: 3]، فإنه فسر النجوى، ووضحها بقوله:(هل هذا إلا بشر مثلكم) وفي قوله: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم

(1) انظر شرح الرضي على الكافية 2/ 283، المقتضب 2/ 74، الهمع 2/ 66

(2)

شرح الرضي على الكافية 2/ 283

(3)

انظر شرح ابن عقيل 2/ 11، حاشية الصبان 2/ 59

ص: 102

وأنفسكم} [الصف: 10، 11] ففسر التجارة بقوله: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} .

ولكن أين الإيضاح في قولنا: (إذا جاءك محمد جاءك فأكرمه)؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه بموجب هذا التقدير لا فرق بين قولنا (إذا جاءك محمد فأكرمه) و (إذا محمد جاءك فأكرمه) وقوله (إذا السماء انشقت) و (إذا انشقت السماء) فيكون تقديم الاسم وتأخيره واحدًا، ولا غرض لذلك سوى التقدير المفسد لجمال التعبير وفصاحته.

كان ينبغي للنحاة أن يقولوا: إنه قد يلى الفعل أداة الشرط في كلام العرب، نحو:{إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1]، وقد يليها الاسم ثم فعل الشرط، نحو:{إذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1]، والفرق بين التعبيرين في المعنى هو كذا وكذا. وهذا أمثل من التقدير الذي يفسد المعنى ويضيعه ويذهب بجمال الكلام وفصاحته.

وعلى أي حال فالمعنى في التعبيرين مختلف ولا شك.

وإن تقديم الاسم على فعل الشرط إنما هو للعناية والاهتمام الذي هو الغرض من التقديم عمومًا، وتختلف أوجه العناية هذه، فقد يكون التقديم للتخصيص، وهو أهم غرض للتقديم، وذلك نحو قولنا (إذا محمد جاءك فأكرمه) و (إذا جاءك محمد فأكرمه) فإن الجملة الأولى تفيد التخصيص، ومعناه أن الاكرام مختص بمحمد دون غيره، فإذا جاءك غيره فلا تكرمه، أما الثانية فهو طلب الاكرام لمحمد من غير تخصيص له به والمعنى أكرم محمدًا عند مجيئه، هو أي الخاطب، غير منهي عن إكرام غيره، وهو كقولنا (أكرم محمدا) و (محمدا أكرم) فإن في الثانية تخصيصا دون الأولى.

ومن هذا الباب قوله تعالى: {لو أنتم تملكون خزائن رحمةِ ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء: 100].

جاء في (الكشاف) في هذه الآية: " إن (تملكون) فيه دلالة على الاختصاص، وإن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ، ونحوه قول حاتم، (لو ذاتُ سوار لطمتني)

ص: 103

وقول المتلمس:

ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي

وذلك لأن الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر (1).

وقد يكون التقديم للتهويل، وذلك نحو قوله تعالى:{إذا السماء انشقت} [الإنشقاق: 1]، وقوله:{إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت} [الانفطار: 1 - 4].

فهذه من مواطن التهويل، وذلك أن انفطار السماء، وانتثار الكواكب، وتفجير البحار وبعثرة القبور، كل ذلك مما يؤدي إلى الهول الكبير والرعب، فقدمها لهذا الغرض، ألا ترى أنه قال:{إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1]، فلم يقدم الاسم وذلك لأن مشهد الزلازل واقع متكرر على الأعوام والأيام، وإن كانت هذه الزلزلة أعظم منها جميعا بخلاف المشاهد التي ذكرها، فإنه لم يحدث أن انشقت السماء، أو انفطرت أو انتثرت النجوم أو تفجرت البحار، فالهول والفزع ههنا أكبر، وأكبر، فقدم ما قدم للتهويل.

وقد يكون للتعظيم، نحو:(إذا الحبر أفتى بذاك، فقد كفانا مؤونة البحث والتنقير) و (إذا ابن حجر صحح الخبر فكيف نرده) ونحو ذاك.

وقد يكون لتعجيل المسرة أو المساءة، نحو (إذا الحبيب حضر وهبت لك ما تريد) و (إذا ولدك عاد من سفره فماذا تعطيني) أو تقول:(إذا السفاك ملك البلاد، فلا خير في الحياة).وقد يكون للتحقير، نحو (إذا الجاهل الغبي أصبح سيدا علينا فبطن الأرض خير لنا من ظاهرها) و (إذا هذا الجبان الذليل أهانك فتعسا لك)

إلى غير ذلك من أغراض التقديم الأخرى.

(1) الكشاف 2/ 247، وانظر التفسير الكبير 21/ 63

ص: 104