الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أنها مع التقدم يمكن التعبير بها للدلالة على الإحاطة والشمول بصورة أوسع مما تقع مؤكدة، فإنها إذا وقعت مؤكدة أفادة العموم في المعارف فقط، أما إذا تقدمت، فإنها تفيد العموم، في النكرات والمعارف، مفردًا أو غيره مما لا يصح أن يقع مؤكدًا، وذلك نحو قوله تعالى:{كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38]، ولا يقال:(نفس كلها بما كسبت رهينة)، وقال:{تدمر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف: 25]، ولا يقال (تدمر شيئا كله) وقال:{يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} [النحل: 111]، ولا يقال:(يوم تأتي نفس كلها).
وحتي إذا قيل نحو ذلك على مذهب الكوفيين، فإن المعنى يختلف، فإنه يصح على مذهب الكوفيين أن تقول (صمت شهرًا كله) لأن النكرة محدودة (1). ولكن إذا قدمت (كلا) وقلت (صمت كل شهر) تغير المعنى، وأصبحت تفيد أستغراق الشهور.
جميع:
وهي مأخوذة من الإجتماع، وتستعمل لعدة معان:
فقد يكون بمعنى مجتمع يوصف بها المفرد، يقال (هو رجل جميع)، بمعنى مجتمع الخلق أي قوي ورجل جميع السلاح أي مجتمع السلاح (2).
ويوصف بها الجمع فيقال (هؤلاء جميع) أي مجتمعون، قال تعالى:{وإنا لجميع حذرون} [الشعراء: 56]ـ، أي مجتمعون، وقال {أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 44 - 45]، أي مجتمعون، وقال:{وإن كل لما جميع لدينا محضرون} [يس: 32]، ومعناها كلهم مجموعون، جاء في (الكشاف) في هذه الآية: " والمعنى أن كلهم محشورون مجموعون محضورن للحساب يوم القيامة، وقيل محضرون معذبون.
(1) انظر شرح الأشموني 3/ 77، التصريح 2/ 124 - 125
(2)
انظر لسان العرب / جمع
فإن قلت: كيف أخبر عن (كل) بـ (جميع) ومعناها واحد.؟
قلت: ليس بواحد، لأن (كلا) يفيد معنى الإحاطة، وإن لا يتفلت منهم أحد، والجميع معناه الإجتماع، وإن الحشر يجمعهم، والجميع (فعيل) بمعنى (مفعول) يقال: حي جميع وجاؤا جميعا" (1).
وقال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} [النور: 61]، أي مجتمعين أو متفرقين، وقال:{تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى} [الحشر: 14]، أي تحسبهم مجتمعين، وهم متفرقون.
وأما (جميع) المضاف إلى الضمير فتكون توكيدًا بمعنى (كل) فإذا قلت (أقبل الرجال جميعهم) كان المعنى أقبلوا كلهم، وليس معناه أقبلوا مجتمعين، فقد يكونون مجتمعين أو متفرقين.
فهناك فرق بين قولنا (أقبل الرجال جميعا) و (أقبل الرجال جميعهم)، فـ (أقبل الرجال جميعا) تحتمل معنيين:
الأول أن يكون معناه أقبلوا كلهم، وذلك نحو قوله تعالى:{وتوبوا إلى الله جميعًا} [النور: 31]، والمعنى توبوا كلكم، وليس معناه توبوا مجتمعين، وقوله:{قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]، أي كلكم، وليس معناه مجتمعين:
الثاني: أن يكون معناه أقبلوا مجتمعين، كقوله تعالى:{ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} [النور: 61].
وأما (أقبل الرجال جميعهم) فلا يكون إلا بمعنى كلهم. (2).
والخلاصة أن الفرق بين (جميع) إذا اتصلت بالضمير (جميعهم، جميعنا .. )
(1) الكشاف 2/ 587
(2)
انظر كتاب سيبويه 1/ 189
و (جميع) المفردة أن المتصلة به، لا تكون إلا توكيدًا بمعنى (كل)، والمفردة قد تكون بمعنى (كل) وقد تكون بمعنى (مجتمع).
وقد تحتمل العنيين معًا، وذلك نحو قوله تعالى:{ويوم نحشرهم جميعًا} [الأنعام: 22]، فهذا يحتمل معنيين:
الأول: أن يكون بمعنى (كل) فيكون المعنى: ويوم نحشرهم كلهم.
والثاني: أن يكون بمعنى (مجتمع) فيكون المعنى، ويوم نحشرهم مجتمعين.
وقد يراد المعنيان معًا، أي يحشرهم كلهم مجتمعين، فبعدوله إلى المفردة كسب المعنيين معًا، ولو قال (ويوم نحشرهم جميعهم) لأفاد معنى واحدًا فقط.
فـ (جميع) المفردة أوسع استعمالا ومعنى من المضافة، إلا ترى أنك لو قلت:(اللهم اكفني شر مخلوقاتك جميعا) كان المعنى محتملا جميع الشر، وجميع المخلوقات ولو قلت (أكفني شر مخلوقاتك جميعه) لكان نصا في الشر، ولو قلت (جميعها) لكان نصا في المخلوقات.
وهذا من أوجه الفرق بين (كل) و (جميع) فإن (كلا) تفيد العموم حيث وقعت، وكيفما كانت وليست كذلك (جميع).
وفرقوا بين (كل) و (جميع) أيضا، فقالو: " أن (كل) تدل على كل فرد بطريق النصوصية، بخلاف (جميع) فإنه يدل على كل الأفراد، وهو الذي يراد من قولهم، وإن (جميع) للعموم الأحاطي.
وفرقت الحنفية بينهما، بأن (كل) تعم الأشياء على الانفراد، و (جميع) تعمها على سبيل الاجتماع، ومثلوا لذلك بقولهم: إن القائد إذا قال لجنده: (من دخل هذا الحصن فله ألف دينار) فدخل واحد أستحق الألف وإن دخله جماعة لم يستحق أحد منهم شيئا، وإذا قال (كل من دخل هذا الحصن أولا فله ألف دينار) فدخله واحد أستحق الألف وإن دخله جميعًا استحق كل واحد منهم ألفا.