الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
يجوز الاستغناء بـ (لما) عن ذكر منفيها إذا دل عليه دليل، تقول:(قاربت البلد ولما) أي: ولما أدخله، ولا يجوز حذف الفعل بعد (لم) فلا يقال:(قاربت البلد ولم (1).) وذلك أن (قد) يستغني بها فلا يذكر ما بعدها قال:
أزف الترحل غير أن ركابنا
…
لما تزل برحالنا وكأن قد (2).
أي وكأن قد زالت.
جواب الطلب
ذكرنا أن الفعل المضارع قد يجزم بعد أدوات ظاهرة، وقد يجزم بغير أداة ظاهرة وهو الذي يسميه النحاة جواب الطلب نحو:(زرني أزرك) و (أين بيتك ازرك) و (ليتني أعرف بيتك أزرك) والمعنى كما يقول النحاة، أن تزرني أزرك، وإن دللتني على بيتك أزرك.
جاء في (الكتاب): " هذا باب من الجزاء، ينجزم فيه الفعل إذا كان جوابًا لأمر، أو نهي، أو استفهام، أو تمن، أو عرض" فأما ما انجزم بالأمر فقولك (ائتني آتك) وما انجزم بالنهي فقولك (لا تفعل يكن خيرا لك) وأما ما انجز بالاستفهام فقولك (ألا تأتيني أحدثك) و (أين بيتك أزرك) وأما ما انجزم بالتمني فقولك (ألا ماء أشربه) و (ليته عندنا يحدثنا) وأما ما انجزم بالعرض، فقولك (ألا تنزل تصب خيرًا) وإنما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب (إن تأتني) بأن تأتني، لأنهم جعلوه معلقا بالأول، غير مستغن عنه، إذا أرادوا الجزاء كما أن (إن تأتني) غير مستغنية عن (آتك).
وزعم الخليل أن هذه الأوائل كلها فيها معنى (إن) فلذلك انجزم الجواب، لأنه إذا قال (ائتني آتك) فإن معنى كلامه: إن يكن منك اتيان آتك، وإذا قال (أين بيتك أزرك) فكأنه قال: إن علم بيتك أزرك، لأن قوله (أين بيتك) يريد به (أعلمني)، وإذا قال
(1) المغني 1/ 279، شرح قطر الندى 84
(2)
شرح الرضي على الكافية 2/ 279
(ليته عندنا يحدثنا) فإن معنى هذا الكلام: (إن يكن عندنا يحدثنا) وهو يريد ههنا إذا تمنى ما أراد في الأمر. وإذا قال (لو نزلت) فكأنه قال أنزل (1).
وهذا الأسلوب كما هو ظاهر أسلوب شرطي، فيه جزاء مترتب على ما قبله، ومرتبط به ارتباط الجزاء بالشرط فقولك (زرني أكرمك) معناه أن أكرامك له، مرتبط بزيارته لك ارتباطا شرطيا، وكذلك (ألا تأتيني أحدثك) فإن التحديد مسبب عن الاتيان، ومرتبط به ارتباط الجزاء بالشرط، فإذا لم يترتبط الفعل بما قبله هذا الارتباط لم يجزم قال تعالى:{وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني} [القصص: 34]، بالرفع ولم يجزم، لأنه ليس على إرادة معنى الشرط، إذ ليس معناه أن ترسله يصدقني، وإنما المعنى: أرسله ردءا فإنه يصدقني، ولذا ارتفع ولو أراد معنى الشرط لجزم، ونحوه، أن تقول (زرني أزورك) فإنك لم تقصد فيه ترتيب زيارتك على زيارته، وإنما المقصود أنا أزورك، فزرني، أي أنا ممن يزورك.
ومثله قولك (دعه يضربه) و (دعه يضربه) فبالجزم معناه أن تدعه يضربه، وبالرفع معناه: دعه ضاربا له، فالضرب بالجزم غير حاصل وبالرفع هو حاصل، أو يكون على الاستئناف على معنى دعه إنه يضربه، وتقول:(تعال ينادك) و (تعال يناديك) فبالجزم معناه إن تأت ينادك، والمعنى أنه لا يناديك الآن، وإنما إذا جئت ناداك، وبالرفع معناه: أنه يناديك فتعال، ومعنى ذلك أن المناداة حاصلة.
قال سيبويه: " وتقول (ائتني آتك) فتجزم على ما وصفنا، وإن شئت رفعت على أن لا تجعله معلقا بالأول، ولكن تبتدئه، وتجعل الأول مستغنيا عنه، كأنه يقول: ائتني أنا آتيك. مثل قول الشاعر: (وهو الأخطل):
وقال رائدهم أرسوا نزاولها
…
فكل حتف امريء يمضي لمقدار
(1) كتاب سيبويه 1/ 449
وقال الأنصاري:
يا مال والحق عنده فقفوا
…
تؤتون فيه الوفاء معترفا
كأنه قال أنكم تؤتون فيه الوفاء معترفا ..
وتقول: (ذره يقل ذاك)، (ذره يقول ذاك) فالرفع من وجهين:
فأحدهما الابتداء، والآخر على قولك ذره قائلا ذاك ..
وتقول (قم يدعوك) لأنك لم ترد أن جعل دعاء بعد قيامه، ويكون القيام سببا له ولكنك أردت: قم أنه يدعوك. وإن أردت ذلك المعنى جزمت. (1).
وجاء في (المفصل): " وإن لم تقصد الجزاء فرفعت كان المرفوع على أحد ثلاثة أوجه: إما صفة كقوله تعالى: {فهب لي من لدنك ولي يرثني} [مريم: 5 - 6]، أو حالا كقوله تعالى:{فذرهم في طغيانهم يعمهون} (2). أو قطعا واستئنافا كقولك (لا تذهب به تغلب عليه) و (قم يدعوك) ومنه بيت الكتاب:
وقال ائدهم أرسوا نزاولها
ومما يحتمل الأمرين الحال والقطع قولهم (ذره يقول ذاك) و (مرة يحفرها) وقول الأخطل:
كروا إلى حرتيك تعرونهما
وقوله تعالى: {فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخف دركا ولا تخشى} [طه: 77](3).
(1) كتاب سيبويه 1/ 450 - 451، وانظر المقتضب 2/ 82
(2)
ليس ثمة آية بهذا النص وإنما هي {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأنعام: 110] وليس فيها شاهد، وإنما الشاهد في قوله تعالى:{ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} [الأنعام: 91].
(3)
المفصل 2/ 146 - 147
ويدلك على معنى الجزاء أنه إذا تخلف معنى الشرط لا يصح جزمه وذلك واضح في النهي، نحو (لا تدن من النار تحترق) فإنه لا يصح جزم (تحترق) هنا لأنه لا يصح أن تقول (إن لا تدن من النار تحترق) بخلاف قولك (لا تدن من النار تسلم) فإنه يصح القول (أن لا تدن من النار تسلم) ولذا يجزم الفعل (تسلم) ولا يجزم (تحترق).
جاء في (شرح الأشموني): " وشروط جزم بعد نهي، فيما مر أن يصح أن تضع أن الشرطية قبل (لا) النافية، دون تخالف في المعنى يقع، ومن ثم جاز (لا تدن من الأسد تسلم) وامتنع (لا تدن من الأسد يأكلك) بالجزم (1).
" ولكنك ترفع على القطع، كأنك قلت: لا تدن منه فإنه يأكلك"(2).
ومثاله من غير النهي قولك (اقتل العقرب تلدغك) فإنه لا يصح جزم (تلدغك) لأنه لا يصح تقدير الشرط، فلا تقول (إن تقتل العقرب تلدغك) بخلاف قولك (اقتل العقرب تنج منها) فإنه يصح جزمه، ونحو (تجنب النار تحرقك) فإنه لا يصح فيه الجزم، لأنه لا يصح تقدير الشرط وإنما هو مرفوع على القطع، أي أنها تحرقك بخلاف (تجنب النار تنج) فإنه يجزم.
ومثله (هلا تحفظ ترسبُ) فإن هلا يصح الجزم فيه، بخلاف قولك:(هلا تحفظ دروسك تنجح) ونحو: (ليتني أجد ماء يهلكني العطش) فإنه لا يجوز فيه الجزم، لأنه لا يصح تقدير الشرط بل هو على تقدير أنه يهلكني العطش، بخلاف قولنا (ليتني أجد ماء أعطش) فإن الفعل فيه مجزوم لأنه مقدر بالشرط.
ويدلك على ذلك أيضا - أي على معنى الجزاء - أن ما نصب بعد فاء السببية في الطلب إذا اسقطت منه الفاء جزمت، وذلك نحو قولك:(أين بيتك فأزورك) فإذا أسقطت الفاء منه، وبقي في الجملة معنى السبب جزمت، وهذا يدلك على أن معنى الجزم هو أن يكون الثاني مسببا عن الأول، وهو المقصود من الشرط.
(1) شرح الأشموني 3/ 311
(2)
المفصل 2/ 146
جاء في (التصريح): " وإذا سقطت الفاء من المضارع الواقع بعد الطلب المحض وقصد بالفعل الذي سقطت منه الفاء معنى الجزاء (1). للطلب السابق عليه، جزم الفعل، والمراد بقصد الجزاء، أنك تقدره مسببا عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جزاء الشرط مسبب عن فعل الشرط (2).
وهنا يبرز سؤال وهو؟ ما الفرق بين سقوط الفاء وبقائها في المعنى؟ ما الفرق مثلا بين قولك (هل تزورني أكرمك) و (هل تزورني فأكرمك)؟ المعنى واحد أم مختلف.
الذي يبدو أنهما أسلوبان متغايران معناهما مختلف، وذلك أن التعليل بالفاء إنما هو لبيان السبب فقط، وليس الارتباط بها ارتباطا شرطيا، ولذا يصح أن تأتي بالفاء أحيانا ولكن لا يجوز اسقاطها وجزم الفعل بعدها، لأن معنى الشرط لا يصح، وذلك نحو قولنا (لا تدن من الأسد فيأكلك) فإن هذا التعبير صحيح، وهو بيان لعلة عدم الاقتراب من الأسد، بخلاف ما لو قلنا (لا تدن من الأسد يأكلك) فإنه لا يصح فيه الجزم، لأنه لا يصح تقدير الشرط فيه، إذ لا يقال:(إن لا تدن من الأسد يأكلك). قال تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [الأعراف: 19]، فأنت ترى أنه لا يصح اسقاط الفاء والجزم على الطلب، لأنه لا يصح في المعنى (إن لا تقربا هذه الشجرة تكونا من الظالمين)، فالفاء لبيان علة النهي عن الاقتراب من الشجرة، ولكن ليس ارتباط ما قبلها بما بعدها اربتاطا شرطيا. ومثله قوله تعالى:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام: 108]، وقوله:{ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73]، وقوله:{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46]، وقوله:{ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين} [يونس: 95]، وقوله:{لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} [يوسف: 5].
(1) في الأصل (معنى الجزم)، وهو غلط مطبعي كما هو ظاهر وكما يدل عليه ما بعده والحاشية.
(2)
التصريح 2/ 241، وانظر شرح الأشموني 3/ 308
فأنت ترى في هذا ونحوه أنه لا يصح إسقاط الفاء منه وجزمه، لأنه لا يصح تقدير الشرط إذا حذفت.
وكذلك النفي، فإنه لا يصح اسقاط الفاء فيه والجزم (1).، لأنه لا يحتمل جعله أسلوبا شرطيا، فلا يصح في نحو (ما تأتينا فتحدثنا) (ما تأتينا تحدثنا) ولا في نحو قوله تعالى:{لا يقضي عليهم فيموتوا} [فاطر: 36]، (لا يقضي عليهم يموتوا) لأن المعنى لا يصح، إذ لا يصح (أن لا يقض عليهم يموتوا).
وبذلك يتضح الفرق بين ذكر الفاء واسقاطها، فالفاء إنما هي لمجرد بيان السبب، وأما إسقاطها فعلى إرادة الشرط والجزاء.
هذا من ناحية، ون ناحية أخرى يكون الفرق بينهما في المعنى من غير هذا السبيل وذلك نحو قوله تعالى:{ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا} [غافر: 36 - 37]، فأنت ترى أنه لا يحسن اسقاط الفاء من (فأطلع) والقول (لعلي أبلغ الأسباب أطلع) لأن المعنى سيختلف، وذلك أن الترجي في الاية مستمر إلى ما بعد الفاء، والمعنى لعلي اطلع، بخلاف ما لو جزمت وقلت (أطلع) لأن المعنى سيكون (إن بلغت الأسباب أطلعت إلى إله موسى) وهذا غير مراد ولا يصح لأن فرعون ينكر أن يكون لموسى إله غيره، قال:{ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38]، فأنت ترى أن الجزم يختلف عن النصب بالفاء.
ونحوه قوله تعالى: {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} [الأنعام: 148]، فأنت ترى أنه لا يحسن إسقاط الفاء والقول (تخرجوه لنا) لأن المعنى سيتغير، وذلك أن الاستفهام مستمر إلى ما بعد الفاء، بخلاف ما لو جزمت فإن الاستفهام سينقطع قبلها، ويصبح أسلوبا شرطيا، فيكون (إن كان عندكم علم تخرجوه لنا) وهو مخالف للمقصود، وكذلك قوله تعالى:{لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم} [البقرة: 167]، فإن التمني مستمر
(1) انظر المفصل 2/ 146، الأشموني 3/ 309
إلى ما بعد الفاء، فما بعد الفاء داخل في التمنى، وقوله:{ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97]، فإن الإنكار مستمر إلى ما بعد الفاء ولا يصح إسقاط الفاء والقول (الم تكن أرض الله واسعة تهاجروا فيها) لأن المعنى سيتغير، ثم لا يصح أن يقال: إن كانت واسعة تهاجروا فيها على المعنى السابق.
وكذلك قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} [الحج: 46]، فالاستفهام مستمر بخلاف ما لو اسقطت الفاء وجزمت، فإن المعنى لا يصح.
ويوضحه أيضا قوله تعالى: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88]، فأنت ترى أنك إذا أسقطت الفاء فقلت (يؤمنوا) تغير المعنى تغيرا كبيرا، وذلك أن قوله تعالى:{فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} داخل في الدعاء وأن المقصود طلب عدم إيمانهم حتى يروا العذاب الأليم، بخلاف ما لو اسقطت الفاء فقلت (ربنا اطمس على أموالهم .. لا يؤمنوا) فعند ذلك يخرج قولك (لا يؤمنوا فتكون نتيجة الطمس عدم الإيمان، وليس فيه تنصيص على أن ذلك مراد له، وإنما هو تقرير حقيقة فقط.
يتبين من ذا أن ثمة فرقا كبيرا بين ذكر الفاء واسقاطها، والجزم على الطلب، فإن لكل معنى، قال تعالى:{وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} [المنافقون: 10]، فأنت ترى أنه نصب الفعل بعد الفاء (فأصدق) ثم عطف عليه بالجزم، (وأكن من الصالحين)، والسبب، والله أعلم، أن قوله (وأكن من الصالحين) ليس على إرادة الفاء بل على نية اسقاطها، فيكون الثاني جزاء كأنه أراد (إن اخرتني أكن من الصالحين) فأسقط الفاء على إرادة الشرط، ولو عطف لكانا شيئا واحدا.
ولا تقل كيف يصح عطف الجزاء على ما ليس جزاء، فهذا كثير فإنه معلوم أنه يصح العطف بفاء السبب، وواو المعية على الشرط والجزاء (1). فنقول:(إن تأتني فتكرمني أشكر لك صنيعك) وتقول: (من يزرني أكرمه فأشكر له صنيعه) وتقول (من يزرني أكرمه وأشكر له صنيعه) فهذا عطف سبب على جزاء، وذاك عطف جزاء على سبب.
فاتضح بهذا أن ما يسمى بجواب الطلب، إنما هو إسلوب شرطي، غير أن هذا الأسلوب يختلف عن أسلوب الشرط المشهور، وهو الذي تذكر فيه أداة الشرط وفعله، وجزاؤه نحو (إن تزرني أزرك) وذلك أن الارتباط هنا ليس بأداة شرط، بل الارتباط بمعنى الجزاء، وأن الشرط في الإسلوب الشرطي المشهور يكون فعلا ماضيا، أو مضارعا، بخلاف هذا الإسلوب فإن الشرط فيه يكون طالبا دائما.
ثم إن هذا التعبير يؤدي معنى لا يؤديه الأسلوب الشرطي المشهور، فمثلا أن قوله تعالى:{فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض} [البقرة: 61]، لا يؤديه قولنا (إن تدع لنا ربك يخرج) وذلك أن قوله (ادع لنا ربك) يفيد أن الدعاء مطلوب مراد للقائلين بخلاف قولنا (إن تدع لنا يخرج) فإنه لا يدل على أن الدعاء مطلوب لهم، ومثله قوله تعالى:{نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون} [النمل: 41]، فهذا يختلف عن قولنا (إن تنكروا لها عرشها ننظر) فإن قوله تعالى:{نكروا لها عرشها} يفيد أن التنكير مأمور به مطلوب، بخلاف قولنا (إن تنكروا لها عرشها ننظر) فإن معناه إذا فعلتم ذلك نظرنا، ولا يفيد ان التنكير مطلوب.
ومثله قوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم} [التوبة: 14]، فإنه يدل على أن القتال مطلوب، بخلاف ما لو قلنا (إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) فإنه لا يفيد ان القتال مطلوب صراحة، وكذلك قوله تعالى:{ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، يختلف عن قولنا (إن تدعوني استجب لكم) فإنه في الآية يفيد أن الدعاء مطلوب من العبد،
(1) انظر شرح الأشموني 4/ 24
مراد لله تعالى بخلاف الثانية، وكذلك قوله:{ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [إبراهيم: 44]، فإن التأخير مطلوب لهم مراد بخلاف ما لو قلنا:(إن تؤخرنا نجب دعوتك) فإنه لا يفهم هذا المعنى بل هو أسلوب اشتراطي مع الله سبحانه وهو كما ترى يختلف عن الأول.
وكذلك بقية أنواع الطلب، فالجزاء هنا يكون جوابا للتمنى، والاستفهام، والعرض والتحضيض، والنهي، مما لا يمكن أن يؤدي بالشرط، تقول (ليت محمدا هنا يدافع عني) فيدافع جواب للتمنى، ولا يؤدي هذا المعنى بالشرط فيما إذا قلت (أن يكن محمد هنا يدافع عني) إذ ليس في هذا معنى التمنى، وكذلك قولنا (ألا تأتينا تصب خيرا) فإن هذا عرض (وتصب) جواب العرض، ولا يؤدي هذا المعنى بالشرط فيما إذا قلنا (إن تأتنا تصب خيرا) لأنه ليس فيه عرض.
جاء في (بدائع الفوائد) أن الفرق بين قولنا (قم أكرمك) و (إن تقم أكرمك) أنه " في قوله: (قم أكرمك) فائدتان ومطلوبان:
أحدهما جعل القيان سببا للإكرام، ومقتضيا له اقتضاء الأسباب لمسبباتها.
والثاني كونه مطلوبا للآمر مرادا له، وهذه الفائدة لا يدل عليها الفعل المستقبل فعدل عنه إلى لفظ الأمر تحقيقا له، وهذا واضح جدًا (1).
ففي الشرط فائدة واحدة، وهو اقتضاء الأسباب لمسبباتها، وفي هذا التعبير فائدتان هما فائدة الشرط المذكورة، والثانية إفادة معنى الطلب من أمرن ونهي، واستفهام، وتمن، ونحوه مما لا يتحقق بالشرط.
(1) بدائع الفوائد 1/ 105