الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في (أنوار التنزيل) في قوله تعالى: {فمن اتقي وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [الأعراف: 35 - 36]، قوله:" وإدخال الفاء في الخبر الأول دون الثاني للمبالغة في الوعد والمسامحة في الوعيد"(1). فقد ذكر أن ادخال الفاء أفاد المبالغة في الوعد، ومعنى المبالغة ههنا التوكيد، بخلاف عدم ذكرها، فدل ذلك على صحة ما ذكرناه، والله أعلم.
اقترانه بـ إذا الفجائية
قد يقترن جواب (أنْ) و (إذا) من بين أدوات الشرط بـ (إذا) الفجائية، وذلك إذا كان الجواب فيه شروط معينة يذكرها النحاة.
جاء في (التصريح): " ويجوز أن تغني (إذا) الفجائية عن الفاء في الرابط، لأنها أشبهت الفاء في كونها لا يبتدأ بها، ولا تقع إلا بعد ما هو معقب بما بعدها، فقامت مقامها إن كانت الأداة الجازمة (أن) .. أو كانت الأداة غير الجازمة (إذا) الشرطية، لأنها تشبه (إن) في كونها إم باب الشروط غير الجوازم، والجواب فيها جملة إسمية موجبة غير طلبية، وغير مقرونة بـ (إن) التوكيدية (2).
وعلى هذا فإن الجواب ليصلح اقترانه بـ (إذا) الفجائية، يجب أن تكون فيه الشروط الآتية:
1 -
أن يكون جملة إسمية، فإن كان فعلية، لم يجز اقترانها به، فلا يجوز اقترانها في نحو (إن كان قميصه .. فصدقت).
2 -
أن تكون الجملة مثبتة فإن كانت منفية، لم يصح اقترانه بها، فلا يجوز (أن يسافر إذا ما أنا مسافر).
(1) أنوار التنزيل 204
(2)
التصريح 2/ 251، وانظر الأشموني 4/ 23، الهع 2/ 60
3 -
أن تكون الجملة خبرية فإذا كانت غير خبرية لم يصح اقترانه بها، فلا يجوز (إن عصيت إذا ويل لك).
4 -
أن تكون غير مقرونة بـ (أن) المؤكدة فلا يصح أن تقول: (إن تذهب إذا إني معك). ومثال ما اجتمعت فيه الشروط، قوله تعالى:{وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} [الزمر: 45]، وقوله:{إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا انتم تخرجون} [الروم: 25].
وهناك شرط أغفله النحاة، وهو أن يحتمل الكلام معنى المفاجأة، وإلا لم يحسن دخولها وإن وجدت الشروط، فلا يحسن مثلا أن يقال في نحو قوله تعالى:{وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [البقرة: 271]، (إذا هو خير لكم) فإنه ليس فيها معنى المفاجأة.
ولا يحسن في نحو قوله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} [البقرة: 282]، أن يقال:(إذا رجل وامرأتان) أو (إذا هما رجل وامرأتان) ولا في نحو قوله تعالى: {وإن كانت واحدة فلها النصف} [النساء: 11]، أن يقال (إذا لها النصف) ولا في نحو قوله:{إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما} [النساء: 135]، أن يقال (إذا الله أولى بهما) ولا في قوله:{وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} [الأنعام: 17]، أن يقال:(إذا هو على كل شيء قدير).
بل لابد من توفر عنصر المفاجأة، ليصح الكلام، وذلك نحو قوله تعالى:{ومنهم من يلمزك في الصدقات فإنأعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} [التوبة: 58]، أي يسخطون فجأة، وقوله:{إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} [الروم: 25]، أي تخرجون فجأة استجابة لأمر الله.
فلا يسن وضع (إذا) في المواطن التي يذكرها النحاة، إذا لم يكن الموطن صالحًا للمفاجأة.
إن الفاء تفيد السبب، ولا تفيد المفاجأةن وهناك فرق بين السبب والمفاجأة، ألا تحس فرقا في المعنى بين قوله {وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} والقول (فهم يسخطون)؟ ألا ترى أن في الأول سرعة تغير ومفاجأة في الموقف، وأما الثاني فسبب محض وليس فيه معنى المفاجأة.
تقول: (من سلم فله الجنة)(ومن فتن المؤمنين في دينهم فله عذاب شديد) فالفاء أفادت السبب ولم تفد المفاجأة والسرعة، فالعذاب قد يكون في الآخرة.
وعلى هذا فإن (إذا) لا تغني عن الفاء، ولا الفاء تغني عن (إذا) ـ، بل لكل منهما غرض ومعنى.
قالوا: " وقد يجمع بين الفاء وإذا الفجائية تأكيدًا، خلافا لمن منع ذلك، قال تعالى:{فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} [الأنبياء: 79].
قال الزمخشري: (إذا) هذه هي الفجائية وقد تقع في المجازاة سادة مسد الفاء، فإذا جاءت الفاء معها، تعاونتا على وصل الجزاء، فيتأكد ولو قيل: إذا هي شاخصة، أو (فهي شاخصة) كان سديدًا. أهـ (1).
ولا شك أنه قد يجمع بينهما كما ورد في القرآن الكريم، ولكن ليس توكيدا إذ ليسا هما بمعنى واحد، حتى يفيد اجتماعهما التوكيد، بل لجع معني الفاء و (إذا) فيراد باجتاعهما السببية والمفاجأة، قال تعالى:{حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين} [الأنبياء: 96 - 97]، فجمع بين الفاء و (إذا) لإرادة معنى السبب والمفاجأة، وليس حذف أحدهما يغني الآخر عن ذكره، كما هو ظاهر كلام الزمخشري، بل إذا حذف أحدهما لم يؤد الآخر معناه، والله أعلم.
(1) التصريح 2/ 251