الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إننا لا نقول - كما يقولون - إن كل ما لم يدخله التنوين يكون معرفة فيكون نزال معرفة وهيهات معرفة، إذ لا معرفة لتعريف نزال وهيهات وأشباههما، وإنما نقول فقط أن ما دخله التنوين منها يفيد العموم والشمول، بخلاف ما لم يدخله والله أعلم.
فائدتها
إن فائدة أسماء الأفعال الدالة على الطلب هي المبالغة والتوكيد، فـ (صه) مثلا آكد وأبلغ في الزجر من (اسكت) و (مه) آكد وأبلغ من انكفف، و (حي) آكد وأبلغ من (أقبل) وذلك لأنه يراد بها الحدث المجرد، ألا ترى أنها لا تتصل بالضمائر صاحبة الحدث، فلا يقال صها ولا صهوا، كما يقال اسكتا واسكتوا، بل يقال بلفظ الأفراد دوما وذلك اكتفاء بالحدث.
ويدل استعمالنا لها في اللغة الدارجة على ذلك، فـ (اص) أو (هص) مقلوب (صه) أبلغ في الزجر من اسكت وأشد، وقد نستعملها في المواقف التي تستوجب الصمت المطبق كأن يكون موقف رعب، أو موقف يستدعي الصمت لسماع شيء مهم.
وكذلك (مكانك) أبلغ من (اثبت مكانك) و (عليك نفسك) أبلغ من (الزم عليك نفسك) لما فيه من الاختصار والسرعة.
وما كان بمعنى الخبر يفيد التعجب إضافة إلى المبالغة والتوكيد، وذلك نحو (هيهات الأمل) أي ما أبعده، قال تعالى:{هيهات لما توعدون [المؤمنون: 36]} وشتان زيد وخالد أي ما أشد الافتراق بينهما و (وي لخالد) أي ما أعجب أمره.
واستعمالنا في الدارجة يؤكد هذا المعنى، فنحن نقول هيهات لما كان بعيدًا جدًا، ونستعمل (وي) مكررة ومفردة للتعجب، فنقول (وي وي) إذا كان ثمة أمر يدعو إلى العجب، ونستعمل (اف) للتضجر الشديد.
قال ابن يعيش: " والغرض منها الإيجاز والاختصار ونوع من المبالغة .. ووجه الاختصار فيها، مجيئها للواحد والواحدة، والتثنية، والجمع، بلفظ واحد وصورة واحدة، ألا ترى أنك تقول في الأمر للواحد: صه يا زيد، صه يا زيدان، وفي الجماعة صه يا زيدون، وفي الواحدة: صه يا هند وصه يا هندان وصه يا هندات. ولو جئت بمسمى هذه اللفظة وهو اسكت، واسكتا للاثنين، واسكتوا للجماعة، واسكتي للواحدة المخاطبة، واسكتن لجماعة المؤنث، فتركهم اظهار علامة التأنيث والتثنية والجمع .. دليل على ما قلناه من قصد الإيجاز والاختصار.
وأما المبالغة فإن قولنا (صه) أبلغ في المعنى من اسكت وكذلك البواقي (1).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): ومعاني أسماء الأفعال، أمرًا كانت أو غيره أبلغ وآكد من معاني الأفعال التي يقال أن هذه الأسماء بمعناها.
أما ما كان مصدرًا في الأصل، والأصوات الصائرة مصادر ثم أسماء الأفعال فلما تبين في المفعول المطلق فيما وجب حذف فعله قياسا.
وأما الظروف والجار والمجرور، فلأن نحو أمامك، ودونك زيدًا بنصب (زيدًا) كان في الأصل: أمامك زيد ودونك زيد فخذه فقد أمكنك، فاختصر هذا الكلام الطويل لغرض حصول الفراغ منه بالسرعة، ليبادر المأور إلى الإمتثال قبل أن يتباعد عنه.
وكذا كان أصل (عليك زيدا) وجب عليك أخذ زيد، و (إليك عني) أي ضم رحلك وثقلك إليك واذهب عني، و (وراءك) أي تأخر وراءك، فجرى في كلها الاختصار لغرض التأكيد.
وكل ما هو بمعنى الخبر ففيه معنى التعجب، فمعنى هيهات أي ما أبعده، وشتان أي ما أشد الافتراق، وسرعان ووشكان أي: ما أسرعه، وبطآن أي ما أبطأه، والتعجب هو التأكيد المذكور (2).
(1) شرح ابن يعيش 4/ 25
(2)
شرح الرضي على الكافية 2/ 76 - 82 - 83، وانظر الصحاح للجوهري 1/ 36 - 37 بطآن