الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوكيد
التوكيد يفيد تقوية المؤكد وتمكينه في ذهن السامع وقلبه، جاء في (المفصل): " وجدوى التأكيد أنك إذا كررت فقد قررت المؤكد، وما علق به في نفس السامع، ومكنته في قلبه وأمطت شبهة ربما خالجته، أو توهمت غفلة وذهابا عما أنت بصدده فأزلته (1).
والعرب تؤكد كل شيء تراه في حاجة إلى التوكيد، فهي قد تؤكد الحكم كله أو تؤكد جزءا منه، وقد تؤكد لفظة بعينها، أو تؤكد مضمون الحكم، أو مضمون اللفظة أو غير ذلك، فتقول (إن محمدًا مريض) و (محمد مريض محمد مريض) فهذا تأكيد للحكم.
وتقول: (محمد نفسه مريض) فهذا تأكيد لكلمة واحدة.
وتقول: (محمد ساع إلى الخير سعيا) فهذا تأكيد للحدث الذي تضمنه اسم الفاعل. وتقول: (أدلجت ليلا) فهذا تأكيد للزمن الذي تضمنه الدلج، لأن الدلج هو السير في الليل خاصة، قال تعالى:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} [الإسراء: 1] فـ (ليلا) تأكيد للزمن الذي تضمنه الإسراء.
وتقول (لك علي مائة دينار اعترافا) فهذا تأكيد لمضمون الجملة، لأنه اعتراف بالدين ولو لم تقل (اعترافا).
وقد أفتنت العرب في ذلك افتنانا واسعا، فجاءت بالتوكيد على صور متعددة فهناك:
1 -
ألفاظ تفيد التوكيد حيثما وقعت، مثل أن ولام الابتداء ونوني التوكيد الثقيلة والخفيفة.
2 -
ألفاظ تفيد التوكيد في مواطن دون أخرى، وهي الحروف الزائدة مثل: ما، ولا، والباء، وإن، وذلك نحو قوله:{حتى إذا ما جاءوها} [فصلت: 20]، و {عما قليل ليصبحن
(1) المفصل 2/ 4، وانظر شرح ابن يعيش 3/ 40
نادمين} [المؤمنون: 40] فـ (ما) هنا حرف زائد أفاد التوكيد ونحو: {قال ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12] فـ (لا) هنا حرف زائد، أي ما منعك أن تسجد وهي تفيد التوكيد، وكالباء في الخبر، نحو:{وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت: 46].
3 -
ثم قد يكون التوكيد على صور إعرابية وتركيبية مختلفة، فقد يكون على صورة مفعول مطلق، سواء كان مؤكدا لمصدر عاملة، نحو:{وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164]، أم كان مؤكدا لمضمون الجملة، وهو المؤكد لنفسه أو لغيره نحو {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا} [آل عمران: 145]، و (أنت أخي يقينا).
وقد يكون بصورة ظرف مؤكد لزمن عامله، نحو:{سبحان الله أسرى بعبده ليلا} [الإسراء: 1] و (تكلم حينا) فإن التكلم لا يكون إلا في حين.
وقد يكون على صورة حال، نحو (أقبل الطلاب كافة). و {ولي مدبرًا} [القصص: 31].
وقد يكون على صورة نعت، نحو (أمس الدابر لا يعود) لأن كل أمس دابر، ونحو:{فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة} [الحاقة: 13]، و (أقبل رجلان اثنان).
وقد يكون على صورة معطوف، نحو (هذا كذب وافتراء) و (هذا ضلال وغي).
وقد يكون على صورة جار ومجرور، نحو قوله تعالى:{فخر عليهم السقف من فوقهم} [النحل: 26] لأن السقف لا يكون إلا فوقا، ونحو:{ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: 38]، والطيران لا يكون إلا بالجناحين.
وغير ذلك من الصور.
4 -
ثم قد يكون بصورة تابع متجرد للتوكيد، وهو الذي يسميه بعضهم التوكيد الصناعي (1). وأكثر ما ذكرت مر في بابه الذي هو ألصق به.
ثم إن العرب لم تكتف بمؤكد واحد، بل هي تتكلم على حسب الحاجة، فإذا كان
(1) انظر البرهان 2/ 385
المخاطب لا يحتاج إلى توكيد تركت توكيد الكلام، وإذا كان يحتاج إلى مؤكد واحد جاءت له بمؤكد واحد، وإذا احتاج إلى أكثر جاءت له على قدر حاجة المخاطب إليه، وقد تسفع ذلك بالقسم زيادة في التوكيد، فتقول (محمد سابق)، فإذا كان المخاطب في شك من ذلك قالت (إن محمدا سابق)، فإذا كان منكرا لهذا الخبر، جاءت باللام زيادة على إن، فتقول (إن محمدًا لسابق) وقد تأتي بالقسم مع كل ذلك فتقول (والله إن محمدًا لسابق) جاء في (الإيضاح): " وإذا كان غرض المخبر بخبره إفادة المخاطب أحد الأمرين، فينبغي أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة.
فإن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم بأحد طرفي الخبر على الآخر، والتردد فيه استغنى عن مؤكدات الحكم، كقولك (جاء زيد وعمرو ذاهب) فيتمكن في ذهنه لمصادفته إياه خاليًا.
وإن كان متصور الطرفين، مترددا في إسناد أحدهما إلى الآخر، طالبا له حسن تقويته بمؤكد كقولك (لزيد عارف) أو (إن زيدًا عارف).
وإن كان حاكمًا بخلافه، وجب توكيده بحسب الإنكار، فتقول (إني صادق) لمن ينكر صدقك، ولا يبالغ في إنكاره و (إني لصادق) لمن يبالغ في إنكاره (1).
وجاء في (الاتقان): " ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه، كقوله تعالى حكاية عن رسل عيسى إذ كذبوا في المرة الأولى:{إنا إليكم مرسلون} [يس: 14]، فأكد بأن واسمية الجملة، وفي المرة الثانية:{ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} [يس: 16]، فأكد بالقسم و (إن) واللام، واسمية الجملة، لمبالغة المخاطبين في الإنكار، حيث قالوا:{ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون} [يس: 15](2).
(1) الإيضاح 1/ 18، وانظر البرهان 2/ 390 - 391، ودلائل الإعجاز 242
(2)
الاتقان في علوم القرآن 2/ 64