الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسم التفضيل
يفاضل بين الشيئين أو الأشياء باسم التفضيل الذي يصاغ على وزن (أفعل) بشروط معينة (1). نحو (أكرم) و (أحسن) وقد سقطت الهمزة من كلمتي (خير وشر) والأصل: أخير وأشر، قال تعالى:{أنا خير منه} [الأعراف: 12]، وقيل في (أحب)(حب) قليلا.
ويدل اسم التفضل على الزيادة في أصل الفعل غالبا (2). ولا يخلو المفضل عليه من مشاركة المفضل في المعنى في الغالب، كقولك:(خالد أفضل من عباس) فإن في كليهما فضلا، غير أن خالدًا يزيد فضله على فضل عباس، ومثله قولك (سيبويه أنحى من الكسائي)" فالكسائي مشارك لسيبويه في النحو، وإن كان سيبويه قد زاد عليه في النحو"(3).
وقد تكون المشاركة تقديرية لا حقيقة، وليس ثمة مشاركة بين المفضل عليه في أصل الوصف كقول القائل، وقد خير بين أن يقتل بالسيف، أو أن يحرق بالنار (لأن أقتل بالسيف أحب إلي من أن أحرق بالنار) وليس في أحدهما استحباب حقيقة، ولكنه اختيار شيء مكروه على شيء أكره إليه، يعني أنه إذا كان لابد من اختيار إحدى التقلتين فتلك أحب إلي أو أقل بغضا إلي.
جاء في (الهمع): (والمراد بقولنا ولو تقديرا مشاركته بوجه ما، كقولهم في البغيضين): (هذا أحسن من هذا) وفي الشريرين: (هذا خير من هذا) وفي الصبعبين (هذا أهون من هذا) وفي القبيحين (هذا أحسن من هذا) وفي التنزيل: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [يوسف: 33].
(1) يصاغ اسم التفضيل من كل فعل ثلاثي تام متصرف مثبت مبني للمعلوم ليس الوصف منه على أفعل فعلاء قابل للتفاوت، وهي الشروط التي مرت في صوغ فعل التعجب.
(2)
انظر حاشية الخضري 2/ 46
(3)
الهمع 2/ 104
وتأويل ذلك: هذا أقل بغضا وأقل شرًا وأهون صعوبة وأقل قبحًا (1).
قال تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24]، وليس ثمة اشتراك في الخير بين المستقرين، فليس عند أصحاب النار خير، بل هو شر محض.
ومن هذا القبيل ما يستعمل في التهكم نحو قولك (هو أخطب من الأخرس) و (هو أنطق من الجدار وأعلم من الحمار) فليس ثمة مشاركة بين المفضل والمفضل عليه في أصل الوصف، ولكنه يراد بذلك التهكم لأنه يعلم أن الصفة منتفية عن المفضل عليه أصلا.
جاء في (شرح الكافية) للرضي: " ويقال في التهكم (أنت أعلم من الحمار) فكأنك قلت: أن أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه عن الحمار"(2).
وقد يكون التفضيل على وجه آخر، وهو أن تفضل شيئا في كمال اتصافه بصفته على شيء آخر متصف بصفة أخرى، مغايرة لتلك الصفة كقولهم (العسل أحلى من الخل) وليس الخل مشاركًا للعسل في الحلاوة، وإنما المعنى أن اتصاف العسل بالحلاوة أكثر من اتصاف الخل بالحموضة، ومنه قولهم (الصيف أحر من الشتاء) أي أن اتصاف الصيف بالحرارة أشد من اتصاف الشتاء بالبرودة.
جاء في (كليات أبي البقاء): " وقد يستعمل (أفعل) لبيان الكمال والزيادة في وصفه الخاص، وإن لم يكن الوصف الذي هو الأصل مشتركا، وعليه قولهم (الصيف احر من الشتاء) أي الصيف أكمل في حرارته من الشتاء في برودته (3).
(1) الهمع 2/ 104
(2)
شرح الرضي 2/ 239، وانظر الكليات أبي البقاء 39
(3)
كليات أبي البقاء 39، وانظر الهمع 2/ 104
قالوا وقد يأتي اسم التفضيل لغير قصد المفاضلة، وذلك نحو قوله تعالى:{وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27]، " فإنما تأويله وهو عليه هين لأنه لا يقال: شيء أهون عليه من شيء" (1).
وأرى أن في هذا مفاضلة أيضا، وذلك لأن الإعادة أسهل من الابتداء، بالنسبة إلى عقولنا، وأن لم يكن شيء أهون من شيء عليه سبحانه غير أن الكلام جاء على سبيل المحاجة فإنهم كانوا يستبعدون البعث حتى قال قائلهم:{من يحي العظام وهي رميم} [يس: 78]، فقال لهم إن الإعادة أسهل من البدء، فهو الذي بدأ الخلق وإعادته أهون وأيسر في حكم العقل، فلماذا تستبعدون البعث بعد الموت؟
قالوا وقد يقصد باسم التفضيل " تجاوز صاحبه وتباعده عن الغير في الفعل، لا بمعنى تفضيله بالنسبة إليه بعد المشاركة في أصل الفعل، بل بمعنى أن صاحبه متباعد في أصل الفعل متزايد إلى كماله فيه على وجه الاختصار فيحصل كمال التفضيل (2).
وهذا الكلام فيه حق فإن اسم التفضيل قد يستعمل لا لتفضيل شيء على شيء آخر معين، بل قد يراد به مجرد الزيادة في أصل الوصف، وذلك كقوله تعالى:{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} [الأنعام: 152]، فليس المقصود هنا التفضيل على شيء معين، بل المقصود أن يقربوا مال اليتيم بمزيد الحسن، ومثله قوله تعالى:{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء: 53]، وقوله:{ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: 96]، وقوله:{وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125]، فإن المراد من كل ذلك الزيادة في الحسن.
ولا يمتنع تقدير مفضل عليه، كأن تقول (وجادلهم بالتي هي أحسن من غيرها) ونحو ذلك، غير أن ما ذكرناه أظهر وأوضح، والله أعلم.
(1) المقتضب 3/ 245
(2)
الكليات 39
ومما جاء في التفضيل قولهم: (هو أعقل من أن يكذب) و (هو أعلم من أن يجهل) و (أنت أكرم على من أن أضربك) و (هو أبخل من أن يجود).
وظاهر هذا التعبير مشكل لأننا إذا أولنا أن والفعل بالمصدر، صار الكلام (هو أعقل من الكذب، وأعلم من الجهل، وأكرم من الضرب، وأبخل من الجود)، ولا معنى له، وقد قدر له سيبويه مضافا محذوفا هو (صاحب) فالمعنى عنده (أنت أكرم من صاحب الضرب) و (أنت أحلم من صاحب الجهل).
جاء في (كتاب سيبويه): " ومثله في السعة: (أنت أكرم علي من أن أضربك) و (أنت أنكد من أن تتركه) إنما تريد أنت أكرم علي من صاحب الضرب، وأنت أنكد من صاحب تركه، لأن قولك (أن أضربك وأن تتركه) هو الضرب، والترك لأن (أن) اسم (وتتركه وأضربك) من صلته كما تقول: يسؤوني أن أضربك، أي يسؤوني ضربك، وليس يريد أكرم علي من الضرب ولكن أكرم علي من الذي أوقع به الضرب (1).
وهو بعيد لأن قولك (هو أحلم من صاحب الجهل) أو (أحلم من صاحب جهله) و (أعقل من صاحب الكذب) و (أبخل من صاحب الجود) لا يعطي المعنى المراد كما أنه لا مدح فيه فهو تفضيل على الناقص.
وقيل المقصود بالمصدر الوصف فالمقصود بقولك (أنت أكرم علي من أن أضربك) أنت أكرم علي من المضروب، وكذلك:(أنت أحلم من الجاهل) و (أعقل كم الكاذب) و (أبخل من الجواد) وهو تفضيل على الناقص أيضا (2). في غير الأخيرة ولا يؤدي المعنى.
والمقصود من هذا التعبير بعد المفضل عن الشيء المذكور بسبب وصفه، فقولك (أنت أعقل من أن تكذب) معناه أنت بعيد من الكذب بسبب عقلك، وقولك (أنت أحلم من أن تجهل) معناه أنت بعيد من الجهل بسبب حلمك، و (من) هذه ليست تفضيلية بل
(1) كتاب سيبويه 1/ 109
(2)
انظر حاشية الصبان 3/ 50
هي لمجرد المجاوزة وأصلها ابتداء الغاية كقولك (خرج من الدار) فإن معناه أنه فارقها وتركها بخروجه وكان ابتداء خروجه منها، وكذلك (هو أعقل من أن يكذب) معناه أنه فارق الكذب بسبب عقله، وفارق الجهل بسبب حلمه، وليس المقصود تفضيل شيء على شيء وإنما جيء بالوصف على صيغة (أفعل) لبيان الزيادة في الوصف.
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " وأما نحو قولهم: (أنا أكبر من الشعر) و (أنت أعظم من أن تقول كذا) فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر، والمخاطب على القول بل المراد بعدهما عن الشعر والقول.
وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول، وتجاوزه عنه فـ (من) في مثله ليست تفضيلة بل هي مثل ما في قولك (بنت من زيد وانفصلت منه) تعلقت به (أفعل) المستعمل بمعنى متجاوز وبائن بلا تفضيل، فمعني قولك (أنت اعز علي من أن أضربك) أي بائن من أن أضربك من فرط عزتك علي. وإنما ذلك لأن (من) التفضيلة يتعلق بأفعل التفضيل بقريب من هذا المعنى ألا ترى أنك إذا قلت (زيد أفضل من عمرو) فمعناه زد متجاوز في الفضل عن مرتبة عمرو. فـ (من) فيما نحن فيه كالتفضيلية، ألا في معنى التفضيل، ومنه قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (ولهي بما تعدك من نزول البلاء بحسنك والنقص في قوتك أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك) أي هي متجاوزة من فرط صدقها عن الكذب (1).
ويجوز فيما أرى أن أصله (أنت أعقل من أن تكون شخصا يكذب) و (هم أحلم من أن يكون شخصا يجهل) فحذف ما حذف فصار (أنت أعقل من أن تكذب وهو أحلم من أن يجهل) فيبقى التفضيل على حاله ومعناه، والله أعلم.
(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 239