المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌جزم المضارع

- ‌الأدوات التي يجزم بعدها الفعل

- ‌لام الأمر

- ‌لا الناهية

- ‌لم

- ‌لما

- ‌جواب الطلب

- ‌إضمار اللام:

- ‌حرفا الاستقبال

- ‌السين وسوف

- ‌فعل الأمر

- ‌زمنه:

- ‌أسماء الأفعال

- ‌التنوين الداخل عليها:

- ‌فائدتها

- ‌أقسامها

- ‌فعال

- ‌أسماء الأصوات

- ‌التنوين الداخل عليها:

- ‌الشرط

- ‌فعل الشرط

- ‌هل يأتي الشرط للمضي:

- ‌دلالته على الحال:

- ‌مع‌‌اني أدوات الشرط

- ‌ان

- ‌اذا

- ‌أنى

- ‌‌‌أيان

- ‌أي

- ‌أين

- ‌حيثما

- ‌كيف‌‌ما

- ‌ما

- ‌متى

- ‌من

- ‌مهما

- ‌لو

- ‌وقوع اللام في جوابها

- ‌ما الزائدة

- ‌اقتران جواب الشرط بالفاء وإذا الفجائية اقترانه بالفاء

- ‌دخول الفاء جوازا على الجواب:

- ‌اقترانه بـ إذا الفجائية

- ‌رفع جواب الشرط بغير الفاء

- ‌العطف على الشرط والجواب

- ‌اجتماع الشرط والقسم

- ‌حذف جواب الشرط

- ‌أ - حذفه وجوبا:

- ‌ب - حذفه جوازاً:

- ‌تشبيه الاسم الموصول بالشرط

- ‌التوكيد

- ‌أغراض التوكيد

- ‌ التوكيد المعنوي

- ‌ألفاظه:

- ‌ كل

- ‌جميع:

- ‌أجمع:

- ‌الأعداد من ثلاثة إلى عشرة إذا أضيفت إلى ضمير ما تقدمها:

- ‌التوكيد اللفظي

- ‌الغرض من هذا التوكيد:

- ‌توكيد الفعل بالنون

- ‌القسم

- ‌أنواع القسم

- ‌أحرف القسم

- ‌ الواو

- ‌الباء:

- ‌التاء:

- ‌اللام:

- ‌ألفاظ تستعمل في القسم

- ‌لعمرك:

- ‌أيمن

- ‌عمرك

- ‌قعدك الله]

- ‌وقوع (لا) قيل القسم:

- ‌جواب القسم

- ‌حذف (لا) النافية من جملة الجواب:

- ‌الاستغناء بالجواب عن القسم:

- ‌حذف جواب القسم

- ‌النفي

- ‌أدوات النفي

- ‌لم

- ‌لما

- ‌لن

- ‌ليس:

- ‌ما:

- ‌الفرق بين ما ولم:

- ‌ أن

- ‌من خصوصيات الاستعمال القرآني:

- ‌لأ

- ‌ألا تفعل وألست تفعل:

- ‌لات:

- ‌غير:

- ‌قل وقلما وأقل:

- ‌نفي الفعل

- ‌دلالات النفي

- ‌1 - نفي العمدة:

- ‌2 - نفي القيد:

- ‌3 - نفي الشيء والمراد عدم كماله:

- ‌4 - التقديم والتأخير:

- ‌أ - تقديم الاسم على الفعل

- ‌تقديم القيد على الفعل:

- ‌ب - وقوع الفعل في حيز النفي وعدمه

- ‌ج - وقوع (كل) في حيز النفي وعدمه:

- ‌5 - تكرير الفعل في النفي:

- ‌6 - نفي النفي

- ‌أسماء وظروف مختصة بالنفي

- ‌الحروف المؤكدة للنفي

- ‌الاستفهام

- ‌أدوات الاستفهام

- ‌1 - الهمزة

- ‌حذف الهمزة

- ‌2 - هل

- ‌هل والهمزة:

- ‌النفي بـ (هل):

- ‌أم وأو:

- ‌3 - أم

- ‌4 - أنّى

- ‌5 - أين

- ‌6 - أي

- ‌7 - أيّان

- ‌8 - كم

- ‌9 - كيف

- ‌10 - ما

- ‌ماذا

- ‌11 - متى

- ‌12 - من

- ‌تقديم المستفهم عنه

- ‌الجواب

- ‌جواب الهمزة:

- ‌جواب هل:

- ‌جواب أسماء الاستفهام

- ‌حروف الجواب

- ‌نعم:

- ‌بلى:

- ‌أجل:

- ‌ أن

- ‌أي

- ‌جلل:

- ‌جير

- ‌التعجب

- ‌1 - ما أفعله:

- ‌أفعل التعجب:

- ‌التعجب من أمر ماض:

- ‌ما أفعلني له، وما أفعلني إليه

- ‌2 - أفعل به

- ‌3 - التعجب إلى صيغة (فَعُل)

- ‌دخول الباء على المتعجب منه:

- ‌الفرق بين فعل وما أفعل وأفعل به:

- ‌4 - التعجب بالنداء

- ‌5 - التعجب بتعبيرات معينة

- ‌أ - التعجب بـ (كفى) وما بمعناها

- ‌ب - التعجب بـ (أي) الكمالية

- ‌ج - التعجب بادخال (ربّ) على الضمير

- ‌د - لله دره

- ‌هـ - التعجب بلام القسم

- ‌و- تعبيرات غير منحصرة تستعمل في التعجب

- ‌المدح والذم

- ‌(نعم وبئس)

- ‌استعمالهما في المدح والدم

- ‌عناصر الأسلوب في المدح والذم

- ‌1 - الفعل

- ‌2 - فاعل نعم وبئس

- ‌نعما وبئسما:

- ‌3 - المخصوص بالمدح والذم

- ‌حبذا

- ‌المخصوص بالمدح:

- ‌(حب

- ‌اسم التفضيل

- ‌تعديه إلى المفعول:

- ‌أوجه التفضيل

- ‌النداء

- ‌حذف حرف النداء:

- ‌اللهم:

- ‌المنادى

- ‌نداء المعرف بـ (آل):

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌تابع المنادى

- ‌الترخيم

- ‌الاستغاثة

- ‌التعجب بإسلوب الإستغاثة:

- ‌الندبة

الفصل: ‌النفي بـ (هل):

6 -

أنها لا تدخل على اسم بعده فعل اختيارا، فلا تقول (هل خالد يرجع؟ ) و (هل خالدًا أكرمت؟ ) بخلاف الهمزة، قال تعالى:{قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون} [يونس: 59]، وقال:{أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون} [يونس: 12]، وقال:{أفغير دين الله بغون} [آل عمران: 183].

8 7 - أنها تقع بعد العاطف لا قبله، تقول (وهل) أو (فهل) أو (ثم هل)، قال تعالى:{فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} [يونس: 102]، بخلاف الهمزة فإنها تقع قبل العاطف، قال تعالى:{أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} [البقرة: 75]، وقال:{أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا} [المائدة: 104]، وقال:{أثم إذا ما وقع آمنتم به} [يونس: 51].

9 -

أنها تأتي نافية، ولذلك تقع بعدها (إلا) قال تعالى:{هل ينظرون إلا تأويله} [الأعراف: 53]، أي ما ينظرون إلا تأويله: وقال: {هل يهلك إلا القوم الظالمون} [الأنعام: 47]، و {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60]، أي: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، بخلاف الهمزة فإنها لا تأتي لهذا المعنى، فلا يقال:(أحضر إلا محمد).

‌النفي بـ (هل):

وهنا مسألة جديرة بالبحث وهي: هل تكون (هل) حرف نفي كبقية أدوات النفي وهل قوله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} مماثل لقولنا {ما جزاء الإحسان إلا الإحسان} أنمح فيه عن (هل) معنى الاستفهام وأصبحت الجملة خبرًا؟

الذي يبدو راجحًا أن معنى النفي المستفاد، من (هل) لا يطابق النفي بحرف النفي، بل المعنى مختلف من جهتين:

الأولى: أن النفي بـ (هل) ليس نفيا محضا بل هو استفهام أشرب معنى النفي، فقد يكون مع النفي تعجب أو استنكار، أو غير ذلك من المعاني، فقوله تعالى مثلا:{هل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنين} [التوبة: 52]، يختلف عن قولنا (ما تربصون بنا

ص: 243

إلا إحدى الحسنين) فإن الأولى ليست نفيا خالصا، فإن فيها من التحدي والإستخفاف ما لا يؤديه النفي المحض، ونحوه قوله تعالى ردًا على طلب الكفار حين طلبوا من الرسول أن يفجر لهم من الأرض ينبوعا، أو يسقط السماء كسفا، أو أن يأتي بالله والملائكة وما إلى ذلك، فقال:{قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولا} [الإسراء: 93]ـ، فأنت ترى أن المعنى مختلف عن النفي المحض، وأنه لو جاء بالنفي فقال (قل سبحان ربي ما كنت إلا بشرًا رسولا) ما كان يؤدي ما أداه الاستفهام من استنكار قولهم، والتعجب من طلبهم، فهو يسألهم (هل كنت إلا بشرًا رسولا) وسيكون الجواب حتما (لا لست إلا بشرًا) ومن هنا يكون التعجب والإستنكار، وهو أنه إذا كنتم تعلمون إني بشر فكيف تطلبون مني مثل هذا؟

ونحوه قوله تعالى: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} [يونس: 102]، فهو يختلف عن قولنا (فما ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) فأنت ترى أن النفي بطريق الاستفهام ليس نفيا محضا، بل هو مشوب بمعان أخرى لا يؤديها النفي المحض.

والجهة الثانية: أن النفي الصريح إنما هو اقرار من المخبر، فإذا قال:(ما جزاء الإحسان إلا الإحسان) أو قال (ما على الرسول إلا البلاغ) كان هذا إخبارًا من المتكلم. أما إذا قال ذلك بطريق الاستفهام. فإن المقصود أشراك المخاطب في الأمرن فهو يريد الجواب منه، فإذا قال مثلا (هل على الرسول إلا البلاغ) كان المخاطب مدعوا لأن يجيب، وسيكون جوابه المنتظر: لا ليس على الرسول إلا البلاغ.

وإذا قال: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) كان المخاطب مدعوا لأن يجيب وسيكون جوابه: لا، ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

فالنفي ابتداء يفيد أن المتكلم يقول الأمر من نفسه، وأما في الاستفهام فإنه يدع ذلك للمخاطب ليقوله.

ص: 244

ونحو هذا قوله تعالى: {وهل نجزي إلا الكفور} [سبأ: 17]، فإن عرض المسألة بصيغة النفي معناه أن المتكلم يقررها ابتداء، وإن عرضها بصورة الاستفهام معناه أن المخاطب هو الذي يصدر الحكم، فإذا قلت مثلا (ما نعاقب إلا المعتدي) كنت أنت الذي ذكرت الأمر وقررته بنفسك، ولكن إذا قلت (هل يعاقب إلا المعتدي؟ ) فأنت تريد منه الجواب، تريد منه أن يصدر الحكم، على نفسه هو، فهناك فرق واضح بين الأمرين.

10 -

أنها تأتي بمعنى (قد) بخلاف الهمزة وجعلوا منه قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} [الإنسان: 1](1).

وقد احتلفوا في تقريرها هذا المعنى.

فقد ذكر سيبويه أنها بمنزلة (قد) قال: " وكذلك (هل) إنما تكون بمنزلة (قد) ولكنهم تركوا الألف إذ كانت (هل) لا تقع إلا في الاستفهام (2). يعني أن أصل الاستعمال (أهل) ولكنهم تركوا ألف الاستفهام لأن (هل) لا تقع إلا في الاستفهام.

وذهب الزمخشري إلى أنها بمعنى (قد) على معنى التقدير والتقريب، جاء في الكشاف في قوله تعالى:{هل أتى على الإنسان حين من الدهر} : " هل بمعنى قد، في الاستفهام خاصة، والأصل (أهل) بدليل قوله: أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم

فالمعنى (أقد) على التقرير والتقريب جميعا، أي أتى على الإنسان قبل زمان قريب حين من الدهر (3).

(1) انظر لهذه المعاني مغني اللبيب 2/ 349 - 353، الهمع 2/ 77 - 78، شرح الرضي على الكافية 2/ 430 - 432، جواهر الأدب 168، الإيضاح للقزويني 132، شرح المختصر للتفتازاني 91

(2)

كتاب سيبويه 1/ 492

(3)

الكشاف 3/ 295

ص: 245

وذهب بعضهم إلى أنها بمعنى (قد) على معنى التحقيق، وقال بعضهم: معناها التوقع.

وذهب آخرون إلى أنها لا تأتي بمعنى (قد) أصلا (1). قال ابن هشام " وهذا هو الصواب عندي"(2).

وهذا هو الصواب فيما أحسب، فغنها ليست بمعنى (قد) تمامًا بل هي لا تزال استفهامية فلا يصح أن نبدلها بـ (قد) وأن نبدل (قد) بها، فلا يصح أن تقول مثلا في قوله تعالى:{قد سمع الله قول التي تجادلك} [المجادلة: 1]، هل سمع الله قول التي تجادلك، ولا في {رب قد آتيتني من الملك} [يوسف: 101]، (رب هل آتيتني من الملك)، ولكنها قد تخرج إلى معنى قريب من الأخبار.

إن المقصود من أمثال هذا التعبير أشراك المخاطب في الأمر، ليقرر ويجيب بنفسه في حين لو ذكره بصورة الخبر لكان إخبارا من قبل المتكلم نفسه، فقوله تعالى:{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} يشرك المخاطبين في الأمر ويطلب منهم الإجابة عن هذا السؤال، ولو أجابوا لقالوا: نعم أتي ذلك على الإنسان فالفرق بين (قد أتي على الإنسان حين من الدهر) و (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) أن المتكلم في الأولى قرر هذا الأمر ابتداء وأخبر به، وفي الثانية عرضه بصيغة السؤال ليقرره المخاطب بنفسه، فبدل أن يقولها المتكلم ابتداء، يكون المخاطب مشاركا في إصدار الحكم.

ونحو هذا أن تقول لمخاطبك (هل أكرمتك يا فلان؟ هل أعطيتك ما وعدتك؟ ) وأنت كنت فعلت ذلك له، فيقول: نعم قد أكرمتني وأعطيتني، فبدل أن تقول ذلك بصورة الخبر تقولها مستفهما لتسمع الجواب منه، فيكون أبلغ في التقرير.

وهذا الضرب من التعبير شبيه بما مر من مجيء (هل) نافية، فالتكلم ثم يجيب بالسلب، وههنا يجيب بالإيجاب.

(1) المغني 2/ 352

(2)

المغني 2/ 352

ص: 246

10 -

أن الهمزة تكون للإنكار بخلاف (هل)، وقد مر بنا هذا في باب الهمزة وذلك نحو قوله تعالى:{أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95]، وكقوله لمن ضرب أخاه: أتضربه وهو أخوك؟ فليس المقصد هو الاستفهام الحقيقي، بل المقصود توبيخ المخاطب على فعله والإنكار عليه، فهذا الضرب من الاستفهام مخصوص بالهمزة ولا يصح بـ (هل).

جاء في (المغنى): " وقد يكون الإنكار مقتضيا لوقوع الفعل .. وذلك إذا كان بمعنى: ما كان ينبغي لك أن تفعل نحو: أتضرب زيدًا وهو أخوك؟ (1). وذكر أن هذا النوع من الإنكار مختص بالهمزة.

وقال سيبويه: وذاك أن (هل) ليست بمنزلة ألف الاستفهام، لأنك إذا قلت (هل تضرب زيدًا) فلا يكون ان تدعي أن الضرب واقع، وقد تقول:(أتضرب زيدًا) فأنت تدعى أن الضرب واقع، ومما يدلك على أن الألف ليست بمنلزتها أنك تقول:

أطربا وأنت قنسري

فقد علمت أنه قد طرب، ولكن قلت لتوبخه، أو تقرره، ولا تقول هذا بعد (هل)(2). فهو يبين أنك إذا قلت (أتضرب زيدًا؟ ) فمعناه ان الضرب واقع، وأنت تنكر عليه ضربه، ونحوه قوله (أطربا وأنت قنسري) فالشاعر ينكر عليه طربه، وذلك يقتضي أنه طرب فأنكر عليه طربه، ثم ذكر أن ذلك لا يكون بـ (هل).

فالفرق بين قولك (أتضرب محمدًا)؟ و (هل تضرب محمدًا) أن الضرب في الأولى واقع، وأنت تنكر عليه ضربه له، وأما الثانية فهي استفهام محض، أي: (أستضرب محمدًا؟ ولا يدل على أن الضرب واقع.

11 -

وهناك فارق آخر بين الهمزة و (هل)، فقد ذكر أنه يستفهم بالهمزة إذا هجس في النفس إثبات ما يستفهم عنه، بخلاف (هل) فإنه لا ترجح عنده بنفي ولا إثبات،

(1) المغني 2/ 351

(2)

كتاب سيبويه 1/ 485 - 486

ص: 247

"فإذا قلت: (أعندك زيد؟ ) فقد هجس في نفسك أنه عندك فأردت أن تستثبته بخلاف (هل)(1). وإذا سبق إلى ظنك أن خالدًا حضر، وأردت أن تستوثق من ظنك قلت: أحضر خالد؟ وإذا لم يقع في نفسك شيء، وإنما أردت الاستفهام المجرد قلت: هل حضر خالد؟ وقد ألمح سيبويه إلى أن الاستفهام بالهمزة إنما يكون لما توقع فيه الإثبات بخلاف (هل) فإنها ليست كذلك.

قال سيبويه في (باب الحروف التي لا يليها إلا الفعل) " فمن تلك الحروف (قد) لا يفصل بينها وبين الفعل بغيره، وهو جواب لقوله (أفعل؟ ) كما كانت (ما فعل) جوابًا لـ (هل فعل) إذا أخبرت أنه لم يقع ولما يفعل وقد فعل إنما هما لقوم ينتظرون شيئا؟ (2).

فذكر أن (أَفَعل؟ ) جوابه (قد فعل) و (قد) للتوقع والإنتظار، ومعنى ذلك أن السائل كان يتوقع حصول الشيء، فجاء الجواب بـ (قد) بخلاف (هل) فإذا قلت:(اكتب خالد في هذا الأمر)؟ فإن السائل كان يتوقع انه كتب أو هجس في نفسه ذلك، وجوابه إذا كان إيجابًا (نعم قد كتب)، وإذا قلت:(هل كتب خالد في هذا الأمر؟ ) فإن السائل لم يكن يتوقع أنه كتب، بل ربما كان عدم الكتابة أقرب إلى ذهنه، وذكر برجشتراسر أن (هل) تشير إلى أن السائل كان يتوقع الجواب بالنفي.

جاء في (التطور النحوي): " فأدوات الاستفهام عن الجملة العربية اثنتان: (هل) والهمزة، ولا توجدان في غير العربية من اللغات السامية إلا أن ha في العبرية والآرامية العتيقة تقارب الهمزة العربية، والهمزة هي المألوفة الكثيرة الاستعمال، أو (هل) أشد قوة في الاستفهام وقد ترمز إلى أن السائل يتوقع الجواب بـ (لا)، ولذلك قد تقع بعدها (من) الخاصة بالسلب، مثاله من القرآن الكريم (هل من مزيد) فكأن معناها: ما من مزيد.

(1) البرهان 4/ 433، 2/ 348

(2)

كتاب سيبويه 1/ 458 - 459

ص: 248

فتقارب هل لـ nam اللاتينية التي لا يستفهم بها إلا إذا توقع السائل النفي، نحو venitre أي أجاء يعني، لا أعرف أجاء، أم لم يجيء، و namvenil أي هل جاء؟ يعني: أظن أنه لم يجيء وإن كان على ضد ذلك فخالفني؟ (1).

والذي يبدو ان الكثير في جواب (هل) أن يكون لما يتوقع أن يجاب بالنفي، وليس ذلك على سبيل الإطلاق، قال تعالى:{قل هل يستوي الأعمى والبصير} [الأنعام: 50]، والجواب متوقع أن يكون بالنفي، وقال:{هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} [الأنعام: 148]، وقال:{نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد} [التوبة: 127]، وقال:{مثل الفريقين كالأعمي والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا} [هود: 24]، وقال:{فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء} [إبراهيم: 21] وقال: {هل تعلم له سميا} [مريم: 65]، وقال:{هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء} [الروم: 40]، وقال:{هل من خالق غير الله يرزقكم} [فاطر: 3]، وقال:{فهل ترى لهم من باقية} [الحاقة: 8]، وكلها مما يتوقع جوابه بالنفي.

إلا أنه قد يكون السائل بها لا يتوقع الجواب بالنفي، وذلك نحو قوله تعالى:{هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدًا} [الكهف: 66]ـ، وقوله:{هل أدلكم على من يكفله} [طه: 40]، وقوله:{وقيل للناس هل أنتم مجتمعون} [الشعراء: 39].

ويمكن أن يقال في كل ذلك إنه خرج عن الاستفهام الحقيقي إلى العرض.

وعلى أيه حال فإن كثيرا من جواب (هل) لما يتوقع جوابه بالنفي، بخلاف الهمزة فإن الأصل فيها أن يكون لما توقع حصوله.

12 -

إن (هل) أقوى وآكد من الهمزة، وقد ذكر ذلك برجشتراسر قال:" وهل أشد قوة في الاستفهام"(2).

(1) التطور النحوي 109

(2)

التطور النحوي 109

ص: 249

وهذا صحيح، يدل على ذلك اقترانها بـ (من) الزائدة المؤكدة الدالة على الاستغراق نحو:{فهل من مدكر} [القمر: 17]، {هل من خالق غير الله يرزقكم} [فاطر: 3]، بخلاف الهمزة، فإنها لا تقترن بها.

ويشهد لذلك الاستعمال القرآني:

قال تعالى: {أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا} [الحج: 72]، وقال:{هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله} [المائدة: 60]. وقال: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم} [الشعراء: 221 - 222].

وقال: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [الكهف: 103].

فأستعمل الهمزة و (هل) مع الفعل (نبأ)، وعند النظر في الاستعمالين نرى أن (هل) أقوى وآكد في الاستفهام من الهمزة، ويبين ذلك السياق.

قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأننبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير} [الحج: 72].

فأستعمل الهمزة.

وقال: {يآيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينك هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لايعقلون قل يأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أننبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل} [المائدة: 57 - 60]، وما بعدها.

فاستعمل هل.

ص: 250

والفرق واضح بين السياقين، فأنت ترى أن السياق الثاني قوة وتبكيتا لا تجده فيما قبله، فذكر أن الكفار اتخذوا الدين والنداء والصلاة هزوا ولعبا، وقد وصفهم بالفسق وعدم العقل، وأنهم لعنهم الله وغضب عليهم، ومسخ منهم قردة وخنازير، وأنهم عبدوا الطواغيت، ثم قال (أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل)، ويمضي في تبكيتهم ووصفهم بأقبح الوصف.

وليس الأمر كذلك في الآية التي قبلها، ولذا جاء في الأولى بالهمزة، (قل أفأنبئكم بشر من ذلك) وفي الثانية بـ (هل)(قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عندالله)؟

ونحوه ما جاء في آية الشعراء: {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون} [الشعراء: 210 - 212]، إلى أن يقول:{هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} [الشعراء: 221 - 232].

فأنت ترى في السياق قوة، وشدة بالغة في الرد على الكفرة المفترين، فأستعمل لذلك هل.

ونحوه ما جاء في سورة الكهف، فقال قال:{وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخوا آياتي ورسلي هزوا} [الكهف: 100 - 106].

فإن قوة التبكيت، وشدة التقريع واضحة في السياق، فأستعمل لذلك (هل) ولم يستعمل الهمزة.

ومن هذا الباب قوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} [الصف: 10 - 13]، فإن فيها من شدة التشويق والرحمة بالمؤمنين، والأخذ بيدهم ما ليس في حاجة إلى بيان.

ص: 251