الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " والثاني أن يظن السامع به تجوزا في ذكر المنسوب إليه المعين، فربما نسب الفعل إلى الشيء، والمراد ما يتعلق بذكر المنسوب إليه كما تقول (قطع الأمير اللص) أي قطع غلامه بأمرهن فيجب أذن إما تكرير لفظ المنسوب إليه نحو (ضرب زيد زيد) أي ضرب هو لا من يقوم مقامه، أو تكريره معنى وذلك بالنفس والعين ومتصرفاتهما لا غير (1).
ألفاظه:
ذكرنا أن ألفاظ هذا التوكيد هي (النفس) و (العين) ومشتقاتهما مضافة إلى ضمير المؤكد، ويستعمل في التثنية والجمع وزن (أفعل)، فتقول (حضرت البنتان أنفسهما)(وحضرت البنات أعينهن) و (حضر الطالبان أنفسهما أو أعينهما) و (حضر الطلاب أنفسهم أو أعينهم).
والمقصود بلفظ (النفس) و (العين) حقيقة الشيء (2). جاء في (بدائع الفوائد): " وأما النفس فعلى أصل موضوعها، إنما هي عبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد (3).
" والعين: يراد بها حقيقة الشيء المدركة بالعيان، أو ما يقوم مقام العيان.
وليست اللفظة على أصل موضوعها، لأن أصلها أن يكون مصدرا وصفة لمن قامت به ثم عبر عن حقيقة الشيء بـ (العين) كما عبر عن الوحش بـ (الصيد)، وإنما (الصيد) في أصل موضوعه مصدر من صاد يصيد، ومن ههنا لم يرد في الشريعة عبارة عن نفس الباري سبحانه وتعالى: لأنه نفسه سبحانه غير مدركة بالعيان في حقنا اليوم (4).
وجاء في (لسان العرب): " والعين عند العرب حقيقة الشيء .. وعين الشيء نفسه
(1) شرح الرضي على الكافية 1/ 360 - 361، وانظر شرح شذور الذهب 508 - 509، شرح ابن يعيش 3/ 40 - 41
(2)
انظر شرح عمدة الحافظ 555
(3)
بدائع الفوائد 2/ 6
(4)
المصدر السابق 2/ 2
وشخصه وأصله والجمع (أعيان)، وعين كل شيء نفسه وحاضره وشاهده، وفي الحديث: أوه عين الربا أي ذاته ونفسه، ويقال: هو هو عينا وهو هو بعينه، وهذه أعيان دراهمك، ودراهمك بأعيانها .. ويقال: إن فلان لكريم عين الكرم، ولا أطلب أثرًا بعد عين أي بعد معاينة" (1).
وإذا اجتمعت النفس والعين قدمت النفس على العين، فتقول (قدم محمد نفسه عينه) وليس العكس، قالوا لأن الأصل في الإطلاق على الحقيقة هي النفس، والعين منقولة إليها:(جاء في شرح الرضي على الكافية): " وأما تقديم النفس على العين فلأن النفس لفظ وضوع لماهيتها حقيقة ولفظ العين مستعار لها مجازًا من الجارحة المخصصة كالوجه في قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]، أي ذاته (2).
ويبدو أن لفظ (العين) أطلق تجوزًا على حقيقة الشيء، فأام أن يكون لفظ (العين) في الأصل مصدرًا أطلق على (المعين) أي المرئي، وهو الذي تدركه العين كما ذكر ابن القيم ثم اتسع استعمالها لغير المرئي فتقول (هو الربا بعينه) و (هو عين الحق) أو (الحق بعينه) و (هو عين الكذب) أو (الكذب بعينه) والربا والحق والكذب ونحوها مما لا يدرك بالعين.
أو تكون في الأصل مستعارة من العين التي هي الجارحة، فأطلق الجزء على الذات كما ذكر الرضي، وكما نقول الآن في لغتنا الدارجة (أقبل أخوك برأسه) و (أقبل بعينه) فالرأس هو جزء وكذلك العين، وقد أطلقا على الكل، ثم أصبح المقصود بالرأس والعين الذات، أو الحقيقة.
ثم توسع في الاستعمال فأصبح التعبير يطلق على ما ليس جارحة، وعلى أي حال فهي تستعمل في التوكيد بمعنى حقيقة الشيء وذاته.
(1) لسان العرب / عين.
(2)
شرح الرضي على الكافية 1/ 368
ويبدو أن الرأي الثاني أرجح، إذ أن هناك نظيرا لهذا الاستعمال في اللغات السامية الأخرى فبعضها يستعمل (الرأس) بمعنى الشخص، جاء في (التطور النحوي) " وتقارب النفس في العربية العين، وهي تضاف أكثر مما تبدل نحو (عين الأمر) وقد تؤخر مع الحاق الباء نحو (الأمر بعينه)، وهي في هذا المعنى خاصة بالعربية.
ويوجد في سائر اللغات السامية أسماء أخر مرادفة لها، نحو (الرأس) أو gnoma في السريانية ومعناها (الشخص)(1).
ولا تزال في لغتنا الدارجة نستعمل الرأس للتوكيد، فتقول (رأيته برأسه) أو (حتى يأتيني هو برأسه) أي بنفسه.
وتختص (النفس) و (العين) بجواز جرهما بالباء الزائدة، زيادة في التوكيد، نحو (أقبل الأمير بنفسه) و (أقبلت هند بعينها) ولا يجوز ذلك في غيرهما من ألفاظ التوكيد (2).
ويبدو أن هذه الباء ليست زائدة، بمعنى أن حذفها وذكرها سيان، فليس قولنا (أقبل أخوك بنفسه) مثل (أقبل أخوك نفسه) وإنما تفيد الباء أن المؤكد فعل ذلك، وما كان متوقعًا منه أن يفعل، أو بعارة أخرى أنها يؤتى بها للاهتمام الزائد، فقولك (أقبل أخوك بنفسه) معناه أقبل وما كان متوقعًا أن يقبل، أما لأن أخاك بمنزلة عالية لا تناسب مجيئه أو لغير ذلك.
ولا نزال نحن نستعمل هذه الباء، فنقول (ذهبت إليه بنفسي فلم يفعل) بمعنى أن هذا أقصى ما أستطيع أن أفعله، وتقول (كلمته أنا بنفسي فرد كلامي).
ومثله ما تقوله العامة (ذهب إليه برجلي) وهو كناية عن الاهتمام الكثير بالشيء.
2 -
والغرض الثاني هو رفع الاحتمال عدم إرادة الشمول، وذلك نحو أن تقول،
(1) التطور النحوي 98 - 99
(2)
انظر شرح عمدة الحافظ 561، الهمع 2/ 122، شرح الأشموني 3/ 77