المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

10 - العجب، نحو: (انظر ماذا يصنع)، و {انظر كيف - معاني النحو - جـ ٤

[فاضل صالح السامرائي]

فهرس الكتاب

- ‌جزم المضارع

- ‌الأدوات التي يجزم بعدها الفعل

- ‌لام الأمر

- ‌لا الناهية

- ‌لم

- ‌لما

- ‌جواب الطلب

- ‌إضمار اللام:

- ‌حرفا الاستقبال

- ‌السين وسوف

- ‌فعل الأمر

- ‌زمنه:

- ‌أسماء الأفعال

- ‌التنوين الداخل عليها:

- ‌فائدتها

- ‌أقسامها

- ‌فعال

- ‌أسماء الأصوات

- ‌التنوين الداخل عليها:

- ‌الشرط

- ‌فعل الشرط

- ‌هل يأتي الشرط للمضي:

- ‌دلالته على الحال:

- ‌مع‌‌اني أدوات الشرط

- ‌ان

- ‌اذا

- ‌أنى

- ‌‌‌أيان

- ‌أي

- ‌أين

- ‌حيثما

- ‌كيف‌‌ما

- ‌ما

- ‌متى

- ‌من

- ‌مهما

- ‌لو

- ‌وقوع اللام في جوابها

- ‌ما الزائدة

- ‌اقتران جواب الشرط بالفاء وإذا الفجائية اقترانه بالفاء

- ‌دخول الفاء جوازا على الجواب:

- ‌اقترانه بـ إذا الفجائية

- ‌رفع جواب الشرط بغير الفاء

- ‌العطف على الشرط والجواب

- ‌اجتماع الشرط والقسم

- ‌حذف جواب الشرط

- ‌أ - حذفه وجوبا:

- ‌ب - حذفه جوازاً:

- ‌تشبيه الاسم الموصول بالشرط

- ‌التوكيد

- ‌أغراض التوكيد

- ‌ التوكيد المعنوي

- ‌ألفاظه:

- ‌ كل

- ‌جميع:

- ‌أجمع:

- ‌الأعداد من ثلاثة إلى عشرة إذا أضيفت إلى ضمير ما تقدمها:

- ‌التوكيد اللفظي

- ‌الغرض من هذا التوكيد:

- ‌توكيد الفعل بالنون

- ‌القسم

- ‌أنواع القسم

- ‌أحرف القسم

- ‌ الواو

- ‌الباء:

- ‌التاء:

- ‌اللام:

- ‌ألفاظ تستعمل في القسم

- ‌لعمرك:

- ‌أيمن

- ‌عمرك

- ‌قعدك الله]

- ‌وقوع (لا) قيل القسم:

- ‌جواب القسم

- ‌حذف (لا) النافية من جملة الجواب:

- ‌الاستغناء بالجواب عن القسم:

- ‌حذف جواب القسم

- ‌النفي

- ‌أدوات النفي

- ‌لم

- ‌لما

- ‌لن

- ‌ليس:

- ‌ما:

- ‌الفرق بين ما ولم:

- ‌ أن

- ‌من خصوصيات الاستعمال القرآني:

- ‌لأ

- ‌ألا تفعل وألست تفعل:

- ‌لات:

- ‌غير:

- ‌قل وقلما وأقل:

- ‌نفي الفعل

- ‌دلالات النفي

- ‌1 - نفي العمدة:

- ‌2 - نفي القيد:

- ‌3 - نفي الشيء والمراد عدم كماله:

- ‌4 - التقديم والتأخير:

- ‌أ - تقديم الاسم على الفعل

- ‌تقديم القيد على الفعل:

- ‌ب - وقوع الفعل في حيز النفي وعدمه

- ‌ج - وقوع (كل) في حيز النفي وعدمه:

- ‌5 - تكرير الفعل في النفي:

- ‌6 - نفي النفي

- ‌أسماء وظروف مختصة بالنفي

- ‌الحروف المؤكدة للنفي

- ‌الاستفهام

- ‌أدوات الاستفهام

- ‌1 - الهمزة

- ‌حذف الهمزة

- ‌2 - هل

- ‌هل والهمزة:

- ‌النفي بـ (هل):

- ‌أم وأو:

- ‌3 - أم

- ‌4 - أنّى

- ‌5 - أين

- ‌6 - أي

- ‌7 - أيّان

- ‌8 - كم

- ‌9 - كيف

- ‌10 - ما

- ‌ماذا

- ‌11 - متى

- ‌12 - من

- ‌تقديم المستفهم عنه

- ‌الجواب

- ‌جواب الهمزة:

- ‌جواب هل:

- ‌جواب أسماء الاستفهام

- ‌حروف الجواب

- ‌نعم:

- ‌بلى:

- ‌أجل:

- ‌ أن

- ‌أي

- ‌جلل:

- ‌جير

- ‌التعجب

- ‌1 - ما أفعله:

- ‌أفعل التعجب:

- ‌التعجب من أمر ماض:

- ‌ما أفعلني له، وما أفعلني إليه

- ‌2 - أفعل به

- ‌3 - التعجب إلى صيغة (فَعُل)

- ‌دخول الباء على المتعجب منه:

- ‌الفرق بين فعل وما أفعل وأفعل به:

- ‌4 - التعجب بالنداء

- ‌5 - التعجب بتعبيرات معينة

- ‌أ - التعجب بـ (كفى) وما بمعناها

- ‌ب - التعجب بـ (أي) الكمالية

- ‌ج - التعجب بادخال (ربّ) على الضمير

- ‌د - لله دره

- ‌هـ - التعجب بلام القسم

- ‌و- تعبيرات غير منحصرة تستعمل في التعجب

- ‌المدح والذم

- ‌(نعم وبئس)

- ‌استعمالهما في المدح والدم

- ‌عناصر الأسلوب في المدح والذم

- ‌1 - الفعل

- ‌2 - فاعل نعم وبئس

- ‌نعما وبئسما:

- ‌3 - المخصوص بالمدح والذم

- ‌حبذا

- ‌المخصوص بالمدح:

- ‌(حب

- ‌اسم التفضيل

- ‌تعديه إلى المفعول:

- ‌أوجه التفضيل

- ‌النداء

- ‌حذف حرف النداء:

- ‌اللهم:

- ‌المنادى

- ‌نداء المعرف بـ (آل):

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌تابع المنادى

- ‌الترخيم

- ‌الاستغاثة

- ‌التعجب بإسلوب الإستغاثة:

- ‌الندبة

الفصل: 10 - العجب، نحو: (انظر ماذا يصنع)، و {انظر كيف

10 -

العجب، نحو:(انظر ماذا يصنع)، و {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} [الإسراء: 48].

11 -

التكذيب، نحو:{قل فأتوا بالتوراة فاتلوها} [آل عمران: 93]، إذ القصد إظهار كذب ادعائهم.

12 -

التعجيز، نحو:{فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23]، إذ ليس المراد طلب ذلك منهم، بل إظهار عجزهم، ونحو قوله:{أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة: 31].

13 -

الإذلال، نحو:{كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65]، فليس المخاطب مكلفا أن يفعل شيئا.

14 -

اظهار القدرة وفي هذا يكون المخاطب غير مأور بأن يحدث فعلا، نحو:{قل كووا حجارة أو حديدًا} [الإسراء: 50]، :" يعني لو كنتم حجارة أو حديدًا، لأعدناكم، الم تسمع إلى قوله حاكيا عنهم، ومجيبا لهم (فسيقولون من يعيدنا؟ قل الذي فطركم أول مرة) فهذا يبين لك أن لفظ الأمر في هذا الموضع، تنبيه على قدرته سبحانه"(1).

إلى غير ذلك من المعاني.

‌زمنه:

يقول النحاة: " والأمر مستقبل أبدًا، لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما حصل نحو:{يأيها النبي اتق الله} [الأحزاب: 1].

قال ابن هشام: إلا أن يراد به الخبر، نحو:(إرم ولا حرج)، فإنه بمعنى رميت، والحالة هذه وإلا لكان أمرًا بتجديد الرمي وليس كذلك (2).

(1) أمالي ابن الشجري 1/ 270، وانظر الاتقان 2/ 81

(2)

الهمع 1/ 7

ص: 31

من هذا القول يتبين أن زمن فعل الأمر كما يرى النحاة، هو الاستقبال، وقد يراد به دوام ما حصل.

والحق أن تحديد زمن فعل الأمر بما هو مذكور في هذا القول فيه نظر، إذ هو أوسع من ذلك.

1 -

فقد يكون فعل الأمر دالا على الاستقبال المطلق، سواء كان الاستقبال قريبًا أم بعيدًا، فمن المستقبل القريب أن تقول مثلا (أغلق النافذة) و (افتح الباب) وكقوله تعالى:{فافعلوا ما تؤمرون} [البقرة: 68]، وقوله:{فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} [الحجر: 94].

ومن البعيد قوله تعالى: {ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما} [الفرقان: 65]، وقوله:{وآتنا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران: 194]، وكقولك:(رب ادخلني الجنة).

2 -

وقد يكون دالا على الحال وذلك نحو قوله تعالى: {ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 48 - 49]، فزم الذوق مصاحب لصب الحميم، ومثله قوله تعالى:{يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون} [الذاريات: 13 - 14]، فزمن الذوق هو زمن تعذيبهم في النار. ومثله قوله تعالى:{يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر} [القمر: 48].

وهذا كله واضح في أنه للحال، ونحو ذلك أن تقول لمن لا يعلم ماذا خبئ لع، وماذا يراد به وهو يضحك ويصخب (أضحك قبل أن تبكي) ونحوه قوله تعالى:{فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} [التوبة: 82]، فالضحك للحال، والبكاء في الاستقبال.

3 -

الأمر الحاصل في الماضي، وذلك نحو قوله تعالى:{فلما دخلوا على يوسف آوي إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} [يوسف: 99]، فقوله:(ادخلوا مصر) كان بعد دخولهم إياها فهو أمر يفيد المضي.

ص: 32

ونحوه قوله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين} [الحجر: 45 - 46]، فقوله (ادخلوها) كان بعد دخلوهم الجنة، يدل على ذلك قوله {إن المتقين في جنات وعيون} .

ونحو ذلك قوله تعالى: {ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابي ونذر} [القمر: 38 - 39]، فقوله: (فذوقوا عذابي ونذر كان بعد تصبيحهم العذاب وذوقه.

وهذا له نظائر في الكلام، فقد تقول لشخص قتل بسبب فعلة سوء فعلها:(ذق عاقبة ما فعلت) وتقول: (اشرب من الكأس التي جرعتها لغيرك).

وهذا كله أمر واقع في الزمن الماضي. ومن ذلك قول المنصور بعد ما قتل أبا مسلم.

اشرب بكأس كنت تسقي بها

أمر في الحلق من العلقم

زعمت أن الدين لا يقتضي

كذبت فاستوف أبا مجرم

ومن دلالة فعل الأمر على المضي قوله صلى الله عليه وسلم لشخص رمي في الحج بعد الذبح (ارم ولا حرج) فليس القصد امره بالمرمي في المستقبل، لأن الرمي قد حصل في الماضي وإنما المعنى هو الموافقة على ما فعل، ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: رميت بعدها أمسيت، (افعل ولا حرج) فهذا من باب الاقرار على ما حصل، والموافقة عليه، وليس من باب طلب القيام بالفعل مرة أخرى، فقد دل فعل الأمر على المضي كما هو ظاهر.

ونحو هذا أن يقول لك شخص: إني هجوت فلانًا وسببته.

فتول له: اهجه وسبه، موافقا على ما فعل، وليس القصد تكرار الهجاء والسبب، ومثله قولك لمن شرب دواء أو شرابا:(اشرب بالهناء والشفاء) وهو قد شربه، فالفعل دل ههنا على المضي وليس القصد الأمر بالشرب.

ص: 33

ومن دلالة فعل الأمر على المضي أن تقول: (كن قد اطعت وسمعت لفلان) و (كن قد نفذت وصيتي) و (لتكن قد فعلت الخير) فهذا كله من باب الأمر الواقع في الزمن الماضي وهو مقابل النهي عن امر حدث في الزمن الماضي في نحو قولك: (لا تكن قد أسألت إليه) و (لا تكن قد غششت أحدًا).

والحق أنه ليس في يدي شاهد على نحو قولنا (كن قد أطعت له) ولكن مؤدي قول النحاة جواز ذلك، فإنهم جوزوا وقوع الفعل الماضي خبرا لكان، وشواهده كثيرة من القرآن وغيره، وذلك نحو قوله تعالى:{ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} [الأحزاب: 15]، وقوله:{عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون} [النمل: 72]، وقوله:{وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} [الأعراف: 185]، وقوله:{لا ينفع نفسا إيمانها لو تكن آمنت من قبل} [الأنعام: 158]، وقوله:{فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} [النساء: 23].

قال امرء القيس:

وإن تك قد ساءتك مني خليقة

فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

ولم يستثنوا وقوعه خبرا لأمر " كان"، مع أنهم ذكروا ما لا يصح وقوعه خبرا للأفعال الناقصة، فقد ذكروا أن خبر الأفعال الناقصة لا يكون جملة طلبية، ولا يكون خبر صار وما بمعناها ماضيا (1).

وعلى آية حال فالشواهد كثيرة على دلالة الأمر على الماضي، وذكرنا ما فيه الكفاية.

4 -

الأمر المستمر: وذلك نحو قوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا} [البقرة: 83]، قوله:{كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} [النساء: 135]، وقوله في معاملة الأبوين:{وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقما: 15]، وقوله:{فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} [الملك: 15] وقوله: {وأوحي ربك إلى النخل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما

(1) انظر الهمع 1/ 13

ص: 34

يعرشون} [النحل: 68]، وقوله:{فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم} [طه: 53 - 54]، فهذا الأمر كله مطلوب استمراره والعمل به على وجه الدوام.

وقد يكون الأمر مستمرًا إلى أجل، أو مشروطًا بشرط، وذلك نحو قوله تعالى:{فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} [التوبة: 4]، وقوله:{فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} [التوبة: 7]، فالاستقامة لهم مشروطة باستقامتهم هم، ونحو قوله صلى الله عليه وسلم:" اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله" فالسمع والطاعة مشروطان بإقامة كتاب الله.

والأمر المستمر له صورتان:

أ - الأمر باستمرار ما هو حاصل، وذاك نحو قوله تعالى:{يأيها النبي اتق الله} [الأحزاب: 1]، فالمطلوب هو الاستمرار على التقوى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم متقٍ الله قبل نزول الآية. ونحو قوله تعالى:{يأيها الذين أمنوا بالله ورسوله} [النساء: 136]، فقد طلب منهم الاستمرار والثبات على الإيمان لا أن يحدثوا إيمانا جديدًا لم يكن في قلوبهم، فإنهم مؤمنون قبل نزول هذه الآية، ألا ترى أنه خاطبهم بقوله (يا أيها الذين آمنوا)؟ ونحوه قوله تعالى:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]، فإنهم مقيمون للصلاة محافظون عليها قبل نزول هذه الآية، ومثله قوله تعالى:{فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} [هود: 112]، وقوله:{فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم} [الأحزاب: 43]، وقوله:{يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 72]، فقد طلب منهم الاستمرار على اختيار الطيبات من الرزق، فإنهم ولا شك كانوا يأكلون مما رزقهم الله قبل نزول هذه الآيةن وإلا فمن أي شيء كانوا يأكلون؟

فهذا كله من باب الأمر بالاستمرار على ما هو حاصل وطلب الثبات والمداومة عليه.

وقد يكون الأمر تهديدا لمن كان على حالة غير مرضية، وذلك نحو قوله تعالى:{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون} [الحجر: 3]، وقوله:{فذرهم في غمرتهم حتى حين} [المؤمنون: 54]، فيقول له: اترك هؤلاء مستمرين على ما هم عليه فسوف يرون جزاءهم.

ص: 35

ب - الأمر بفعل لم يكن حاصلا وطلب الاستمرار عليه، وذلك نحو قولك:(حافظ على ما سأعطيك ولاتفرط فيه أبدًا)، ونحو قولك (اكتم ما سأخبرك به ولا تخبر به أحدا) قال تعالى:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125]، فقد طلب الله من المسلمين أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وليس ذلك موقوتا بزمن، بل الأمر مستمر لا ينقطع، ونحوه قوله:{فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144]، وهذا الأمر مستمر من حيث الأمر به إلى قيام الساعة، ونحو قوله:{يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 278]، فقوله:{وذروا ما بقي من الربا} أمر بالانتهاء عن الربا بصورة دائمة، ونحوه قوله:{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90]، وقوله:{قال أنظرني إلى يوم يبعثون} [الأعراف: 14]، وقوله:{يآيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر} [المدثر: 1 - 5].

فقد أمره بالإنذار على وجه الدوام.

فكل ذلك مما يفيد طلب الفعل في المستقبل، ثم الاستمرار والمداومة عليه.

ثم إن الأمر المستمر له صورتان تعبيريتان شائعتان:

أحدهما: أن يؤمر بالفعل نفسه، نحو ما مر من قوله تعالى:{وصاحبهما في الدنيا معروفا} وقوله: {قم فأنذر} .

والأخرى: أن يؤتى بأمر (كان) ويؤتى بالخبر اسما للدلالة على طلبه الانصاف بالحدث على وجه الثبوت، وذلك نحو قولنا (كن حافظًا للعهد) ونحو قوله تعالى:{كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} فالفرق بين قولك (احفظ العهد) و (كن حافظا للعهد) هو ما مر من الفرق بين الاسم والفعل من أن الفعل يفيد الحدوث والتجدد والاسم يفيد الثبوت، فمعنى (كن حافظا للعهد) لتكن هذه صفتك الثابتة، واظنك ترى الفرق واضحا بين قولنا (اطلع) و (كن مطلعا) و (تعلم) و (كن متعلما) وقد مر في مثل هذا ما فيه الكفاية.

ص: 36

والقياس يجيز أن يكون خبر أمر (كان) فعلا مضارعًا، نحو (كونوا تحافظون عل العهد) و (كونوا تقولون الحق) وهو نوع من أنواع الأمر المستمر، غير أني لم أحفظ شاهدًا عليه.

وقد ورد خبر النهي فعلا مضارعًا، والنهي مقابل للأمر، وذلك نحو قول المغيرة ابن جبناء:

خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه

ولا تكفي كل الأمور تعاتبه

فإذا جاز وقوع خبر النهي فعلا مضارعا جاز وقوع خبر الأمر مضارعًا أيضا.

وأما الأخبار عن أمر (كان) بأمر، فقد منعه النحاة وشذذوا ما ورد من نحو قوله:

وكوني بالمكار ذكريني

فقد ذكروا أن خبر الأفعال الناقصة لا يكون جملة طلبية كما أسلفنا.

5 -

وربما كان فعل الأمر مطلقا غير مقيد بزمنن لكونه دالا على الحقيقة أو لكونه دالا على التوجيه والحكم أو لغير ذاك، وذلك كقوله:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا

يغنيك محموده عن النسب

فهو لا يأمرك بأن تكون ابن من شئت على وجه الحقيقة، فليس بمقدورك ذاك وإنما القصد أن يأمرك باكتساب الأدب ولا يهم بعد ذلك أن تكون ابن من ممن خلق الله. فقوله (كن ابن من شئت) لا يدل على زمن ما وإنما هو ذكر لحقيقة من حقائق الحياة، وهي أن الأدب يغني عن النسب، ونحوه قوله (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) فهذا لا يقصد به التعرف إلى الله والالتجاء إليه في وقت دون وقت، وإنما هو من باب التوجيه للالتجاء إليه في كل وقت، إذ من المعلوم أن أغلب الناس تبطرهم الراحة وينسيهم الرخاء، فهم لا يلتجئون إلى الله إلا في وقت الشدة والضيق، ونزول المكروه، فيقول لهم إذا أردتم ان يعينكم الله ويخلصكم مما تقعون فيه من محن وكروب، فالتجئوا إليه واعرفوا له حقه في كل وقت.

ص: 37

ومن باب الحقائق أن تقول مثلا: (احترم الناس يحترموك وتواضع لهم يرفعوك) فهذه قاعدة عامة وحقيقة مطلقة غير مقيدة بزمن، فمن احترم الناس احترموه، ومن تواضع لهم رفعوه.

وقد يكون فعل الأمر غير مطلوب حصوله، بل إنما يذكر للتحذير منه، وذلك كأن تقول:(تواضح للناس يحبوك واستعل عليهم يبغضوك) فانت لا تأمره بالاستعلاء على الناس، وإنما تحذره منه فتقول له: إذا استعليت على الناس أبغضوك، ونحوه أن تقول:(اكذب مرة تفقد ثقة الناس ولو صدقت بعدها ألف مرة)، فأنت لا تأمره بالكذب وإنما تحذره منه.

ونحوه أن تقول: (اعمل خيرا تلق خيرا، واعمل شرا تلق شرا) وأن تقول: (ازرع شوكا تجن شوكا) ومنه المثل المشهور (سمن كلبك يأكلك).

فأنت لا تأمره بعمل الشر، ولا بزرع الشوك وإنما أنت تحذره من مغبة فعل السوء، وهذا كله من باب الحقائق المطلقة غير المقيدة بزمن.

وقد يكون استعمال فعل الأمر في الدلالة على الحقيقة على نحو آخر، وذلك نحو ما روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي رجلا مبيضا (1). يزول به السراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كن أبا خيثمة) فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري.

فقوله صلى الله عليه وسلم: (كن أبا خيثمة) ليس أمرا بأن يكون الشخص على غير حقيقة، بل أراد أن يكون هذا الشخص القادم هو من ذكر، أو وقع في روعه ذاك.

ونظير هذا أن تقول على جهة الحدس، أو التمنى، أو نحوهما (كن فلانا) أو (كن كذا وكذا) فتطلب أن يصدق حدسك أو متمناك وذلك كأن تسمع خشخشة شخص، أو حركة ويقع في نفسك أنه (محمود) مثلا، فتقول:(كن محمودا) فأنت لا تأمر الشخص أن يكون على غير حقيقته، وإنما تطلب أن يصدق حدسك وما وقر في نفسك.

(1) أي: لابس البياض

ص: 38

وقد تقوله على جهة التمنى، فقد تسمع حركة أو نأمة، وتتمنى أن يكون صاحب هذه الحركة، خالدا فتقول (كن خالدا) ونحوه أن تري شخصا قادمًا من بعيد، وأنت جائع عطشان، فتقول:(كن شخصا يحمل الماء والطعام)، وقد يأتي أحد أقاربك بظرف مليء فتتمني أن يكون ما فيه عسلا مثلا، فتقول (كن عسلا) أو ليكن ما فيه عسلا، تقول ذلك متمنيا.

فهذا ونحوه ليس أمرًا بشيء، وإنما تطلب أن تكون الحقيقة على ما تذكر.

وقد نستعمل فعل الأمر بطريقة اخرىن فقد تقول مثلا (أخفق ثم أخفق، ولكن لا تيأس) فأنت ههنا لا تأمره بالإخفاق، ولا تحذره منه، ولكنك تقول إذا أخفقت فلا تيأس، فأنت توجهه إلى عدم اليأس عند الاخفاق.

وهو كما ترى أيضا خال من الدلالة على زمن معين.

قد تبين أن زمن الفعل الأمر لا ينحصر فيما ذكره النحاة.

ص: 39