الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا قال لهم: (جميع من دخل هذا الحصن أولا فله ألف دينار) فدخله واحد أستحق الألف وإن دخله جماعة أستحقوا ألفا فقسم بينهم (1).
أجمع:
وهي من لفظ (الإجتماع) أيضًا: ولها استعمالات عدة:
فقد تكون اسم تفضيل، نحو (رأيك أجمع للشمل)، و (هذا الحد أجمع من غيره) وقد تكون صفة مشبهة بمعنى (مجتمع) على وزان (أفعل) الذي مؤنثه (فعلاء) مثل أحمر حمراء، فيقال:(أجمع جمعاء) و (أجمع) معناه مجتمع، ومعنى (جمعاء) مجتمعة فيقال فرع أجمع، وبهيمة جمعاء، أي مجتمعة الخلق، جاء في (عمدة الحافظ): " وفي الحديث (كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء) أي مجتمعة الخلق وعلى هذا يتخرج قول الراجز:
يرمي عليها وهي فرع أجمع
…
وهي ثلاث أذرع وأصبع
فـ (أجمع) هنا صفة لـ (فرع) بمعنى مجتمع كما كانت (جمعاء) صفة لهيمة" (2).
وقد تكون من ألفاظ الإحاطة فتستعمل توكيدًا بمعنى (كل)، تقول: جاء الرجال أجمعون ومعناها: جاءوا كلهم، وهذه ليست اسم تفضيل ولا صفة مشبهة، بل هي وصف مرتجل للتوكيد.
يدلك على أنها ليست اسم تفضيل أن تأنيثها على وزن (فعلاء) أي جمعاء، واسم التفضيل تأنيثه (فعلى) مثل كبرى وصغري.
ثم إن اسم التفضيل يضاف ويحلي بـ (أل)، فيقال أحسنهم، والأحسن، وهذه لا تضاف ولا تحلي، بـ (أل)، فلا يقال أجمعه، ولا أجمعهم، ولا الأجمع، تقول (قضيت
(1) أصول البزودي ج 2 ص 9، التوضيخ 1/ 60
(2)
عمدة الحافظ وعدة اللافظ 575
الشهر أجمع) ولا تقول أجمعه، لأنها هي معرفة (1). من غير إضافة ولا حرف تعريف.
ويدلك على أنها ليست صفة مشبهة، أن (أفعل فعلاء) لا يجمع جمع مذكر سالما، بل تجمع على (فعل)، وهذه يجمع مذكرها جمع مذكر سالما، فيقال (أجمعون) قال تعالى:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر: 30]، ويجمع مؤنثها على (فعل)، فيقال (جُمَع) مثل جمع اسم التفضيل نحو الكبر والصغر، ثم أن (أفعل فعلاء) نكرة وهذه معرفة.
فهي صفة جمعت شيئا من اسم التفضيل، وشيئا من الصفة المشبهة، وتمحضت للتوكيد. فتأنيثها كالصفة المشبهة، وجمعها كاسم التفضيل، وتباعدت عنهما معا، بإنها لا تضاف ولا تعرف بـ (أل) ولا يستعمل منها إلا جمع المذكر السالم، فلا يقال الأجامع، كالأكابر والأصاغر، بل لا يقال إلا (أجمعون).
ويدلك على أنها صفة أنها لا تنصرف، ولو كانت أسما غير وصف لانصرفت مثل أرنب وأفعى.
فهي إذن وصف استعمل للإحاطة، بمعنى (كل)، والفرق بينهما أن (أجمع) من لفظ الجماعة، والمجموع والإجتماع، و (كلا) للدلالة على كل فرد حتى تستغرق جميع الأفراد، فقولك (رضوا بذلك أجمعون) يفيد أن مجموعهم رضي بذلك، وأما قولك (رضوا بذلك كلهم) فيفيد أن أفرادهم رضوا بذلك، والنتيجة واحدة لأنه إذا رضي كل أفرادهم فقد رضي مجموعهم، فـ (أجمعون) تشير إلى العموم ابتداء، و (كل) تشير إلى الأفراد حتى تستغرقهم، و (كلهم أجمعون) للجمع بين المعنيين فتكون زيادة في التوكيد.
(1) انظر كتاب سيبويه 2/ 5، المقتضب 3/ 342
وقد ذهب بعض النحاة إلى أنها تفيد الإتحاد في الوقت (1). فيكون معنى قولنا: (جاء الرجال أجمعون) جاءوا مجتمعين.
والحق أنها لا تفيده، قال تعالى:{ولأغوينهم أجمعين} [الحجر: 39](2). ومعناها (كلهم) وليس معناها (مجتمعين) وقال: {أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين} [البقرة: 161]، ومعناها (كلهم) وليس معناها مجتمعين.
قال ابن يعيش: " واعلم أنه قد ذهب قوم إلى أن في (أجمع) فائدة ليست في (كل) وذلك إنك إذا قلت (جاءني القوم كلهم)، جاز ان يجيئوك مجتمعين، ومفترقين، فإذا قلت (أجمعون) صارت حال القوم الإجتماع لا غير، وذلك ليس بسديد، والصواب أن معناها واحد من قبل أن أصل التأكيد، أعاده اللفظ وتكراره، وإنما كرهوا تواليهما بلفظ واحد، فأبدلوا من الثاني لفظًا يدل على معناه، فجاءوا بـ (كل) و (أجمع) ليدلوا بهما على معنى الأول، ولو كان في الثاني زيادة فائدة، لم يكن تأكيدًا، لأن التأكيد تمكين معنى المؤكد .. مع هذا لو أريد معنى الإجتماع لوجب نصبه، لأنه يكون حالا لأن التقدير فعل ذلك في هذه الحال"(3).
وظاهر أن (أجمع) لا يفارقها معنى الإحاطة البتة، ولا تفيد غيره، أما إذا احتمل الكلام الاتحاد في الوقت، إضافة إلى الإحاطة كما في قوله تعالى:{وأتوتي بأهلكم أجمعين} [يوسف: 93]، وقوله:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر: 15]، فهذا لا يستفاد من (أجمع) بل أن الكلام يحتمله، ولو لم تذكر (أجمع)، ألا ترى أنه يجوز أن يكون هذا الإحتمال مع (كل) أيضًا؟
فإذا قلت (جاء أفراد الإسرة كلهم) أحتمل أن يكونوا جاؤا مجتمعين، وأحتمل غير
(1) انظر شرح الأشموني 3/ 77
(2)
انظر شرح الأشموني 3/ 77
(3)
شرح ابن يعيش 3/ 41، وانظر شرح الرضي على الكافية 1/ 369