الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل: 18]، ولا يحسن في هذا (إن عددتم) وذلك لأن هذا الفعل لا يفرغ منه، لأن نعم الله كثيرة فجاء فيه بالفعل المضارع، لأنه متطاول.
وقال: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله} [آل عمران: 135]، أي إذا صدر منهم هذا الأمر، ولا يحن (إذا يفعلون فاحشة) لأن فيه معنى الاستمرار وعدم الانتهاء بعد من الفاحشة، فيكون المعنى أنهم يذكرون الله حين يفعلون ذلك.
فإن أردت انقضاء الحدث وتمامه جئت بالفعل الماضي، وإن كان الحدث مستقبلا وإن لم تقصد ذلك جئت بالمضارع.
3 -
ويكثر التعبير بالفعل الماضي عن الحكم الثابت القائم على المشاهدة والتجربة الماضية، وهو ما يكون في الحكم ونحوها، نحو (من تهور ندم ومن حذر سلم) ونحو (من صبر ظفر)، ومن (رام العلا سهر الليالي) و (من خاف أدلج) بخلاف ما لم يكن كذلك نحو (من يعمل يأكل) فهذه قاعدة تضعها للمستقبل، فلا يحسن فيها (من عمل أكل).
ويمكن رجع هذه إلى النقطة السابقة.
4 -
وقد يؤتى بالشرط ماضيا، للدلالة على الزمن الماضي، نحو (إن كنت ضربته فأخبرني) و (إن كنت عصيت ربك فتب) و (إن كنت رأيته قبل هذه المرة فلا شك في أنك ستعرفه الآن)، وهو أمر ينكره جمهور النحاة.
هل يأتي الشرط للمضي:
ذهب النحاة إلى أن الشرط يفيد الاستقبال، وإن كان فعله ماضيا، فإن هذه الأدوات تقلب الماضي إلى الاستقبال (1). وذلك نحو قوله تعالى:{فإن قاتلوك فاقتلوهم} [البقرة: 191]، وقوله:{أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} [آل عمران: 144]، ولا يفيد الشرط المضي، وما ورد من ذلك مؤول.
(1) انظر التصريح 2/ 249، حاشية الخضري 2/ 122، حاشية الصبان 4/ 16
والصواب أن الشرط قد يأتي للمضي، يدل على ذلك الاستعمال الفصيح بما لا يقبل التأويل.
فقد يأتي الشرط للدلالة على المضي، وذلك إذا كان بلفظ (كان) بعدها فعل ماض، نحو قوله تعالى:{وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته} [المائدة: 116].
والمعنى أنك تعلم ذلك، إذا كان قد صدر منى، والنحاة يؤولون ذلك على أنه: إن ثبت إني كنت قلته، أو إن يثبت في المستقبل أني كنت قلته، في الماضي فأنا أعلم أنك علمته (1).
وهو تأول بعيد، فكيف يقول لربه أن يثبت في المستقبل وهو في خطاب الله عز وجل، وهل الله جاهل ذلك وقت الخطاب، حتى يثبت له في المستقبل؟
وكذلك قوله تعالى: {وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت} [يوسف: 27]، والنحاة يتأولون ذلك كما أسلفنا.
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " ثم أعلم أن (إنْ) يكون شرطها في الأغلب مستقبل المعنى فإن أردت معنى الماضي جعلت الشرط لفظ (كان)، كقوله تعالى:{إن كنت قلته} و (إن كان قميصه).
ثم إن (كان) إذا كان شرطا، قد يكون بمعنى فرض الوقوع في الماضي، نحو:{إن كنت قلته} {وإن كان قميصه} وقد يكون متحقق الوقوع فيه نحو: زيد وإن كان غنيا إلا أنه بخيل (2).
وجاء في (بدائع الفوائد): " قال تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام: {إن كنت قلته فقد علمته} فهذا شرط دخل على ماضي اللفظ وهو ماضي المعنى قطعا، لأن المسيح
(1) انظر التصريح 2/ 249، حاشية الخضري 2/ 122، حاشية الصبان 4/ 16
(2)
شرح الرضي على الكافية 2/ 293، وانظر الكليات 78
إما أن يكون صدر هذا الكلام منه بعد رفعه إلى السماء أو يكون حكاية ما يقوله يوم القيامة، وعلى التقديرين فإنما تعلق الشرط وجزاؤه بالماضي ..
وليت شعري ما يصنعون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كنت الممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه) هل يقول عاقبل أن الشرط هنا مستقبل؟
وإنه لم يقصد أنه إن يثبت في المستقبل أنك أذنبت في الماضي فتوبي، ولا قصد هذا المعنى، وإنما المقصود المراد ما دل عليه الكلام: إن كان صدر منك ذنب فيما مضى فاستقبليه بالتوبة (1).
وهذا هو الحق، قال تعالى:{وإن كان كبر عليك اعراضهم فإن استطعت ان تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية} [الأنعام: 55].
فهل المعنى: أن يثبت أنه كبر عليك إعراضهم؟
ونحوه قوله: {ياقوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيت اللهف فعلي الله توكلت} [يونس: 71].فهل المعنى: أن يثبت في المستقبل أنه كان كبر عليكم مقامي؟
ونحوه قوله: {وإن كان طائفة منكم أمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا} [الأعراف: 87].
ونحوه أن تقول لصاحبك: (إن كنت عاهدته على ذلك فافعل) وليس المقصود أن يثبت أنك عاهدته فافعل بل هو ماضي المعنى قطعا.
وربما دل الشرط على المضي بغير (كان).
جاء في (شرح الرضي على الكافية): " وقد يستعمل الماضي في الشرط متحقق الوقوع، وإن كان بغير لفظ (كان) لكنه قليل بالنسبة إلى (كان) كقوله:
(1) بدائع الفوائد 1/ 45
أتغضب إن أذنا أذينه حزتا
ونحو قولك (أنت وإن أعطيت مالا بخيل) و (أنت وإن صرت أميرا لا أهابك)(1).
وهذا هو الحق، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، قال تعالى:{قل إن افتريته فعلى إجرامي} [هود: 35]، وو ماضيا لمعنى، وقال:{قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا} [الأحقاف: 8]، وقال:{قالوا طائركم معكم أين ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون} [يس: 19]، وهذا رد على أحاب القرية:{إنا تطيرنا بكم} بعد ان ذكروهم بالله، فهو ماضي المعنى.
وقال: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} [آل عمران: 152]، وهذا في معركة أحد، وهو ماضي المعنى.
وقال: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ماأحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 92]، وهذه الآية نزلت بعد وقوع الحادثة
وقال في فرعون: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله الذي آمنت به بنو إسرائيل} [يونس: 90].
وقال: {حتى إذا ركبنا في السفينة خرقها} [الكهف: 71].
وقال: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} [الجمعة: 11]، والآية نزلت بعد وقوع الحادثة.
وقد أخرج بعض النحاة (إذا) المسبوقة بـ (حتى) من الشرطية (2). والصواب أنها شرطية، بدليل اقتران جوابها بالفاء، قال تعالى:{حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} [محمد: 4].
(1) شرح الرضي على الكافية 2/ 293
(2)
البرهان 4/ 197
وقال: {حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا} [مريم: 75].
وقال: {حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6].
ومما يدل على المضي مع غير (إن) و (إذا) من أدوات الشرط، قوله تعالى:{وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} [آل عمران: 166.]
وقوله تعالى: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم} [سبأ: 47]. وقوله: {ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا من النار} [ص: 61].
وقوله: {ما قطتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} [الحشر: 5]، بل قد يرد فعل الشرط دالا على المضي، وإن لم يكن فعلا ماضيا مع فعل الكون وغيره فمن ذلك أن يرد خبر (يكون) فعلا ماضيا وذلك نحو قوله:
فإن تكن الأيام أحسن مرة
…
إلى فقد عادت لهن ذنوب
وقول الأبيرد بن المعذر الرياحي يرثي أخاه بريدا:
فإن تكن الأيام فرقن بيننا
…
فقد عذرتنا في صحابته العذر
وقول حريث بن سلمة:
إن تك درعي يوم صحراء كلية
…
أصيبت فماذا كم علي بعار
وقول امريء القيس:
وإن تك قد ساءتك منى خليقة
…
فسلي ثيابك من ثيابك تنسل
فهذا كله يفيد المضي ولا شك.
ومن وردوه دالا على المضي مع غير فعل الكون قول عمارة بن عقيل:
فإن تصبح الأيام شيبن مفرقي
…
وأذهبن أشجاعي وفللن من غربي.