الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيثما
اسم مكان مبهم، جاء في (المقتضب): " وحيث اسم من أسماء المكان مبهم يفسره ما يضاف إليه .. فلما وصلتها بـ (ما) امتنعت من الإضافة، فصارت كـ (إذ) إذا وصلتها بماء (1). وتلزمها (ما) إذا استعملت للشرط.
جاء في (الأشباه والنظائر): " باب الشرط مبناه على الابهام، وباب الإضافة مبناه على التوضيح، ولهذا لما أريد دخول (إذ) و (حيث) في باب الشرط، لزمتهما (ما) لأنهما لا زمان للإضافة، والإضافة توضحهما، فلا يصلحان للشرط حينئذ، فاشترطنا (ما) لتكفهما عن الإضافة فيبهمان، فيصلح دخولهما في الشرط حينئذ (2).
قال تعالى: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144].
والفرق بين (حيثما) و (أينما) كما يبدو، أن (أينما) أكثر إبهاما وعموما، وسبب ذلك أن (أين) أكثر إبهاما من (حيث)، وذلك أن (حيث) لازمة للإضافة، فهي مخصة أو معرفة بما بعدها، تقول:(أجلس حيث جلس أخوك) أي في مكان جلوسه، ولذا لا تكون جزاء إلا إذا ضمت إليها (ما) لتكون مبهمة.
قال سيبويه: وإنما منع (حيث) أن يجازي بها أنك تقول (حيث تكون أكون) فـ (تكون) وصل لها كأنك قلت: المكان الذي تكون فيه أكون .. فإذا ضممت إليها (ما) صارت بمنزلة (إنْ) وما أشبهها، ولم يجز فيها ما جاز فيها قبل أن تجيء بـ (ما)(3).
وأما (أين) فلا تضاف أصلا، ولذلك فهي مبهمة، فإذا دخلت عليها (ما) زادتها إبهاما وعمومًا، وإذا دخلت على (حيث) أبهمتها، وذلك أن (ما) تفيد الابهام والعموم في غير الشرط ايضا، قال تعالى:{إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} [البقرة: 26]، وتقول:(دعوتك لأمر ما).
(1) المقتضب 2/ 54
(2)
الأشباه والنظائر 1/ 97 - 98، وانظر المقتضب 2/ 47، شرح ابن يعيش 7/ 46
(3)
كتاب سيبويه 1/ 432 - 433
فـ (أينما) أكثر إبهاما وعموما من (حيثما) يدلك على ذلك الاستعمال القرآني علاوة على القياس، فقد وردت (حيثما) في تعبير واحد تردد في مكانين، وهو قوله تعالى {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144، 150].
وترددت (أينما) في أربعة مواضع، هي قوله تعالى:{أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا} [البقرة: 148].
وقوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: 78].
وقوله: {أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} [الأحزاب: 61]. وقوله: {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير} [النحل: 76]
فأنت تحس بالشمول والعموم مع (أينما) أكثر من (حيثما)، وذلك أنها استعملت لمقدار قوة الله، وأنه لا يعجزه شيء {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعًا} ولامتداد يد الموت وسطوته إلى كل مكان لا يحجزه عن شيء:{أينما تكونوا يدرككم الموت} .
ويوضح ذلك أيضا الآية الأخيرة {أينما يوجهه لا يأت بخير} [النحل: 76]، فلو قال:{حيثما يوجهه لا يأت بخير} لتعين ذلك في المكان المادي المحسوس، ولكن قوله:{أينما يوجهه} [الأحزاب: 76]، يوحي بالسعة والشمول وهو يشمل الوجهات المادية والمعنوية.
ثم أن قوله {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144]، ليس فيه شمول للأمكنة، فهناك أماكن لا تصح فيها الصلاة، وأزمنه لا يصح فيها الصلاة، أيضا وهناك حالات لا يصح فيها استقبال البيت الحرام، بخلاف ما ورد في (أينما) فإنها تستغرق الحالات المذكورةن فدل ذلك على أن الشمول والعموم في (أينما) أوسع من (حيثما) والله أعلم.