الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو سعيد رضي الله عنه: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لك ذلك، وعشرة أمثاله.
ثم قال الحافظ: وإنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث بقبولها من غير الحافظ، حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه، كمالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الأثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ، وأنفرد دونهم بعض رواته بزيادة فإنها لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من رواته عنها، فتفرد واحد منهم بها دونهم، مع توافر دواعيهم على الأخذ عنه، وجمع حديثه، يقتضي ريبة توجب التوقف فيها
(1)
.
قلت: واضح أن الفقهاء عند ما ساقوا دليلهم الثاني كانوا لا يعلمون من طريقة المحدثين إلا ما يعرفونه من حلق تدريس الفقه، فقد يحضر طالب متقدم، ويتأخر آخر، فيسمع المتقدم قبل المتأخر، إن هذا الكلام لا يتمشى مع طريقة المحديثين والعناية بمروياتهم، وربما امتحن حفظ الشيخ بعد سنوات من تحديثه، فإذا زاد فيه أو نقص كان هذا دليلاً على عدم حفظه، وكانوا بعضهم لا يحدث إلا على آداب معروفة من الطهارة وقصد التحديث، بل إنك تجد المحدثين يفرقون بين ما سمعوه في المذاكرة، وإن كان على سبيل الرواية، وبين غيره؛ لأن المذاكرة قد يتساهل الشيخ في النص المروي .. فلله درهم!! كيف حفظ الله بهم دينه، وأين هذا من طريقة الفقهاء والأصوليين، وما أبعد التنظير النظري عن التطبيق العملي.
القول الثاني: قول جمهور المحدثين
.
قالوا: إن زيادة الثقة لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً، بل ينظر في كل
(1)
النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 692).
زيادة بحسبها، على حسب ما يقوم عندهم من القرائن المحتفة بالقبول أو الرد.
يقول ابن حجر عن منهج الشيخين: والتحقيق أنهما ليس لهما في تقديم الوصل عمل مطرد، بل هو دائر مع القرائن، فمهما ترجح بها اعتمداه، وإلا فكم حديثٍ أعرضا في تصحيحه للاختلاف في وصله وإرساله
(1)
.
وقال الزيلعي رحمه الله: من الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقاً، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل: وهي أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظاً ثبتاً، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها
(2)
. اهـ
وقال ابن دقيق العيد: من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند، أو رافع وواقف، أو ناقص وزائد، أن الحكم للزائد، فلم يصب في هذا الإطلاق، فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول
(3)
.
وقد يقول بعض الحفاظ: هذه زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، فيفهم من ليس له ممارسة واطلاع على عمل المحدثين أن الزيادة مقبولة مطلقاً إذا لم تكن منافية، وهذا فهم غير دقيق.
قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لعلل الترمذي: وهكذا الدراقطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة، ثم يرد في بعض المواضع
(1)
فتح الباري (10/ 203).
(2)
نصب الراية (1/ 336).
(3)
النكت على ابن الصلاح (2/ 604).
زيادات كثيرة من الثقات، ويرجح الإرسال على الإسناد، فدل على أن مرادهم زيادة الثقة في تلك الموضع خاصة، وهي إذا كان الثقة مبرزاً في الحفظ على من لم يذكرها
(1)
. اهـ
فقد أراحنا ابن رجب رحمه الله في هذا التفسير من اعتراض بعض الطلبة ممن تخرج على النخبة، ولم يمارس التصحيح، فيقطع نصاً من كلام بعض العلماء، ويقول: انظر الإمام فلان يقول: هذه زيادة من ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، فلا يعني هذا الكلام قبول زيادة الثقة مطلقاً، كما لا يعني أيضاً: قبولها بشرط أن لا تكون منافية، فهذا التفصيل على منهج المحدثين غير معروف.
فإذا كان ترجيح الأئمة يدرو مع القرائن، فإني سوف أستعرض لك أشهر القرائن التي تكون سبباً في ترجيح الأئمة على زيادة بالحفظ أو الرد، فمنها:
الأولى: الكثرة، وهي من أشهر القرائن وأوضحها. قال الشافعي رحمه الله: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد
(2)
.
(3)
مثال ذلك، ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه، عن علي بن عياش، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر، عن جابر مرفوعاً في إجابة المؤذن:"اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته".
تفرد محمد بن عوف، عن علي بن عياش بزيادة: إنك لا تخلف الميعاد، كما في سنن البيهقي
(3)
، فهذه الزيادة شاذة لمخالفة محمد بن عوف جماعة من
(1)
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هذا الهامش من المطبوع.
(2)
الرسالة (ص: 281)، وسنن البيهقي (2/ 25).
(3)
سنن البيهقي (1/ 410).
الحفاظ، منهم:
الأول: البخاري في صحيحه
(1)
.
الثاني: أحمد بن حنبل
(2)
، ومن طريق أحمد أخرجه أبو داود
(3)
.
الثالث: محمد بن سهل البغدادي، كما في سنن الترمذي
(4)
.
الرابع: إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، كما في سنن الترمذي
(5)
.
الخامس: محمد بن يحيى الذهلي، كما في سنن ابن ماجة
(6)
.
السادس: أبو زرعة الدمشقي، كما في شرح معاني الآثار
(7)
.
السابع: موسى بن سهل الرملي، كما في صحيح ابن خزيمة
(8)
.
الثامن: محمد بن جعفر السمناني، كما في سنن ابن ماجه
(9)
.
التاسع: العباس بن الوليد الدمشقي، كما في سنن ابن ماجه
(10)
.
العاشر: عمرو بن منصور النسائي، كما في سنن النسائي
(11)
.
(1)
رقم (614).
(2)
المسند (3/ 354).
(3)
رقم (529).
(4)
رقم (211).
(5)
الرقم السابق.
(6)
رقم (722)، وابن حبان (1689).
(7)
شرح معاني الآثار (1/ 146).
(8)
رقم (420).
(9)
رقم (722).
(10)
الرقم السابق.
(11)
رقم (680).