الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول حكم الماء المستعمل في رفع الحدث
متى يكون الماء مستعملاً؟
وللجواب على ذلك نقول: الماء المتقاطر من أعضاء الوضوء في رفع الحدث مستعمل بالاتفاق
(1)
.
وأما إذا غمس يده في ماء بنية رفع الحدث، فهل يكون مستعملاً؟
قالوا: إذا كان الماء قليلاً كان مستعملاً.
(1)
انظر في مذهب الحنفية البناية في شرح الهداية (1/ 352) قال: والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة. وانظر حاشية ابن عابدين (1/ 200)، وقال في البحر الرائق (1/ 97): " الماء يصير مستعملاً بواحد من ثلاثة:
إما بإزالة الحدث، سواء كان معه تقرب أو لا. يقصد كان معه نية ألا، لأن الحدث عندهم يرتفع، ولو لم ينو رفع الحدث.
قال: أو إقامة القربة كان معه رفع الحدث أو لا - يقصد: أن الطهارة لم تكن عن حدث، وإنما نوى تجديداً مسنوناً.
قال: أو إسقاط الفرض. يعني فرض الطهارة. اهـ
وقال في منح الجليل من المالكية (1/ 38): وهو المتقاطر من العضو المغسول، والمغسول فيه العضو لا الجاري عليه، ولا الباقي في الإناء بعد الاغتراف منه.
وقال في حاشية الدسوقي (1/ 42) والمستعمل ما تقاطر من الأعضاء، أو اتصل بها، أو انفصل عنها، وكان يسيراً كآنية وضوء، غَسَل عضوه فيه ".
ثم قال في شرحه: والكراهة مقيدة بأمرين: أن يكون ذلك الماء المستعمل قليلاً كآنية الوضوء والغسل، وأن يوجد غيره، وإلا فلا كراهة ".
وقال في شرح الخرشي (1/ 74): " ما تقاطر من العضو الذي تتم به الطهارة ماء مستعمل بلا نزاع ".
وانظر في مذهب الشافعية المجموع (1/ 215)، الحاوي الكبير (1/ 300).
واختلفوا في حد القليل:
فيرى الحنفية أن الجنب إذا انعمس في البئر بنية رفع الحدث فسد الماء، وإن انغمس لطلب الدلو فسد الماء على رأي أبي حنيفة خلافاً لصاحبيه
(1)
.
ومعنى هذا أن البئر في حد القليل عندهم.
وأما المالكية فيرون اليسير كآنية الوضوء والغسل، فإن غمس يده فيها صار مستعملاً، وإن كان أكثر من ذلك لم يكن مستعملاً
(2)
.
والشافعية والحنابلة يحدون القليل بما دون القلتين، فإن انغمس في ماء دون القلتين صار مستعملاً، وإلا فلا
(3)
.
ولا يكون الماء مستعملاً إذا أدخل يده في الإناء ليغترف منها.
(1)
البحر الرائق (1/ 95)، المبسوط (1/ 53).
(2)
انظر الشرح الصغير (1/ 37)، حاشية الدسوقي (41،42)، الخرشي (1/ 75،76) القوانين الفقهية (ص: 25)، الاستذكار (1/ 253)، التمهيد (4/ 43).
وقال في شرح الخرشي (1/ 74): لو غمس يده في الإناء ولم يدلك يده إلا بعد ما أخرجها فالظاهر أنه غير مستعمل كما ظهر لي، ثم وجدت عج ذكره.
وسبب هذا أن الدلك عندهم فرض، فإذا خرج يده ولم يدلكها لم يرتفع الحدث عن العضو في الماء، وإنما ارتفع خارج الماء فلم يتأثر الماء، والله أعلم.
(3)
المجموع (1/ 215)، الفتاوى الكبرى
انظر في المذهب الحنبلي المبدع (1/ 45،46)، الكافي (1/ 6).
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 30): " وإذا انغمس الجنب أو المحدث فيما دون القلتين ينوي رفع الحدث صار مستعملاً، ولم يرتفع حدثه. وقال الشافعي: يصير مستعملاً، ويرتفع حدثه؛ لأنه إنما صار مستعملاً بارتفاع حدثه فيه
…
الخ كلامه رحمه الله. وانظر الفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/ 421، 422).
وقيل: بشرط أن يدخلها بنية الاغتراف
(1)
.
هذا كلام أهل العلم في الماء متى يكون مستعملاً، وهو واضح في الماء المتقاطر من العضو، حيث استعمل في طهارة العضو، وأما الماء الذي وضع يده فيه فلم يتضح لي أن النية مؤثرة، فإن غمسها بنية الوضوء كان مستعملاً، وإن لم ينو لم يستعمل، بل يقال بقول المالكية إن كان الماء قليلاً كآنية الوضوء، وغمس يده فيه صار مستعملاً، وإلا فلا، ولا يؤخذ بحديث القلتين في تحديد الماء القليل حتى في وقوع الأعيان الطاهرة، لأننا لو سلمنا بمفهوم حديث
(1)
انظر في مذهب الحنفية بدائع الصنائع (1/ 69)، البحر الرائق (1/ 19).
وقال في درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 9): قال القاضي خان: المحدث والجنب إذا أدخل يده في الماء للاغتراف، وليس عليها نجاسة، لا يفسد الماء، وكذا إذا وقع الكوز في الجب، وأدخل يده إلى المرفق لإخراج الكوز لا يصير الماء مستعملا، وكذا الجنب إذا أدخل رجله في البئر ليطلب الدلو لا يصير مستعملا لمكان الضرورة. الخ
وفي مذهب المالكية: قال في مواهب الجليل (1/ 68): " قال ابن الإمام: والأظهر أن إدخال المحدث يده في الإناء بعد غسل الوجه ونية رفع الحدث لا يصير الماء مستعملاً إذا انفصلت اليد من الماء على أصلنا، ولم أر فيه نصاً ".
وفي مذهب الشافعية، قال النووي في المجموع (1/ 215): " إذا غمس المتوضئ يده في إناء فيه دون القلتين، فإن كان قبل غسل الوجه لم يصر الماء مستعملاً سواء نوى رفع الحدث أم لا، وإن كان بعد غسل الوجه فهذا وقت غسل اليد، ففيه تفصيل: إن قصد غسل اليد صار مستعملاً، وارتفع الحدث عن الجزء الأول من اليد
وفي مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة في المغني (1/ 86): " ومن كان يتوضأ من ماء يسير يغترف منه بيده، فغرف منه عند غسل يديه لم يؤثر ذلك في الماء .. ألخ كلامه رحمه الله.
وقال أيضاً (1/ 135): " وأما الجنب فإن لم ينو بغمس يده في الماء رفع الحدث منها، فهو باق على طهوريته، ثم قال: " وإن نوى رفع حدثها فحكم الماء حكم ما لو اغتسل الجنب فيه للجنابة ". يقصد: أنه يكون مستعملاً. وانظر الإنصاف (1/ 44).
القلتين فإنه في معرض بيان وقوع النجاسات في الماء، وليس في بيان وقوع الأعيان الطاهرة فيه، والله أعلم.
خلاف العلماء في الماء المستعمل في رفع الحدث.
بعد أن عرفنا متى يصبح الماء مستعملاً، نذكر خلاف العلماء في طهوريته،
فقيل: إنه نجس، وهو رواية عن أبي حنيفة
(1)
، واختارها أبو يوسف
(2)
.
وقيل: إنه طهور مكروه في رفع الحدث، غير مكروه في زوال الخبث، وهو مذهب المالكية
(3)
.
وقيل: إنه طاهر غير مطهر، وهو الرواية المشهورة عن الإمام أبي
(1)
البناية (1/ 350)، حاشية ابن عابدين (1/ 201) وذكر عن أبي حنيفة أنه لو نزل رجل محدث في بئر أن الماء والرجل نجسان ".
وقال في البناية (1/ 351): " رواية الحسن عن أبي حنيفة أن الماء المستعمل نجس نجاسة مغلظة، فسرها في المبسوط (1/ 46): أي لا يعفى عن أكثر من قدر الدرهم.
ثم قال العيني: ورواية أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه نجس نجاسة مخففة، فسرها بالمبسوط (1/ 46) أن التقدير فيه بالكثير الفاحش. والله أعلم.
(2)
المراجع السابقة.
(3)
الشرح الصغير (1/ 37)، حاشية الدسوقي (1/ 37)، بداية المجتهد مع الهداية في تخريج أحاديث البداية (1/ 274).
والكراهة مقيدة بأمرين:
الأول: أن يكون ذلك الماء قليلاً كآنية الوضوء والغسل.
الثاني: أن يوجد غيره، وإلا فلا كراهة.
حنيفة رحمه الله، وعليه الفتوى
(1)
، وهو مذهب الشافعية
(2)
،
(1)
انظر شرح فتح القدير (1/ 87)، والمبسوط (1/ 46)، وحاشية رد المحتار لابن عابدين (1/ 200، 201)، قال العيني في البناية (1/ 349): ورواه زفر رحمه الله أيضاً عن أبي حنيفة يعني، كونه طاهراً. ثم قال: حتى كان قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد العراقي يقول: ارجو أن لا تثبت رواية النجاسة فيه عن أبي حنيفة رحمه الله، وهو اختيار المحققين من مشايخنا بما وراء النهر، قال في المحيط: وهو الأشهر الأقيس. قال في المفيد: وهو الصحيح. قال الاسبيجابي: وعليه الفتوى
(2)
الأم (8/ 100)، الروضة (1/ 7)، وقال في المجموع (1/ 202):" قال الشيخ أبو حامد: نص الشافعي في جميع كتبه القديمة والجديدة أن المستعمل ليس بطهور ".
وقال الماوردي: الماء المستعمل في رفع الحدث، وهو ما انفصل من أعضاء المحدث في وضوئه، أو من بدن الجنب في غسله، فمذهب الشافعي المنصوص عليه في كتبه القديمة والجديدة، وما نقله عنه جميع أصحابه سماعاً ورواية أنه طاهر مطهر. هكذا في الحاوي (1/ 296)، وهذه العبارة بنصها نقلها النووي إلا أنه قال: وما نقله جميع أصحابه سماعاً ورواية أنه غير طهور. المجموع (1/ 203). وعبارة النووي هي أصوب لما عرف من مذهب الشافعي رحمه الله.
ولذلك قال الماوردي بعد العبارة السابقة مما يبين أنها خطأ:
قال: فكان أبو إسحاق المروزي، وأبو حامد المروزي يخرجان الماء المستعمل على قولين:
الأول: أنه طاهر غير مطهر، وهو ما صرح به في جميع كتبه، ونقله جمهور أصحابه. اهـ
فهذا يدل على خطأ في النص السابق، ولم ينتبه له محقق الكتاب، إن لم يكن الخطأ من الناسخ. ثم قال:
والثاني: أنه طاهر مطهر، وهو ما حكاه عيسى بن أبان، ودلت عليه رواية أبي ثور، وكان أبو العباس، وابن أبي هريرة يمنعان من تخريج القولين، ويعدلان عن رواية عيسى؛ لأنه وإن كان ثقة، فهو مخالف لما يحكيه أصحاب الخلاف، ولم يلق الشافعي فيحكيه سماعاً من لفظه، ولا هو منصوصه، فيأخذ من كتبه، ولعله تأول كلامه في نصرة طهارته رداً على أبي يوسف فحمله على جواز الطهارة به. الخ كلامه.