الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع:
الأصل في الماء أنه طهور، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قول صاحب لا مخالف له، والفرق بين الماء النجس والماء الطهور هو أنه يوجد في الماء النجس صفات يحكم من خلالها بنجاسته، فإذا لم يظهر في الماء أثر النجاسة لافي لونه، ولافي طعمه، ولافي رائحته، فكيف نحكم عليه بأنه نجس
(1)
.
الدليل الخامس:
معلوم أنه إذا استحال الشيء بالشيء حتى لا يرى له ظهور يحكم له بالعدم، وعلى هذا فلو وقعت قطرة من لبن امرأة في ماء، فاستهلكت، وشربه الرضيع خمس رضعات فأكثر لم تنتشر الحرمة، ولو كانت قطرة خمر فاستهلكت في الماء البتة لم يجلد بشربه، فكذلك لو كانت قطرة بول لم تغير الماء يبقى الماء على أصله
(2)
.
الدليل السادس:
(94)
ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
أن أبا هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين
(3)
.
(1)
انظر بتصرف مجموع الفتاوى (21/ 35).
(2)
بدائع الفوائد (3/ 258)، مجموع الفتاوى (21/ 33).
(3)
صحيح البخاري (220).
وجه الاستدلال:
قالوا: نعلم قطعاً أن بول الأعرابي باق في موضعه، وإن صب عليه ذلك الماء، وإنما قضى النبي صلى الله عليه وسلم بطهارة ذلك الموضع لغلبة الماء له، واستغراقه عليه، واستهلاك أجزائه لأجزاء البول لغلبته عليه.
وقال الباجي: وهو حجة على أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، في قولهم: إن قليل الماء ينجسه قليل النجاسة، وإن لم تغيره، وهذا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أرفع المواضع التي يجب تطهيرها، وقد حكم النبي فيه صلى الله عليه وسلم بصب دلو من ماء على مانجس بالبول، ولا معنى له إلا تطهيره للمصلين فيه
(1)
.
قلت: ولا ينفكون منه بالتفريق بين ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة؛ لأن هذا التفريق لم يقم عليه دليل، وسيأتي بحثه إن شاء الله تعالى.
الجواب عن الأدلة السابقة:
أما الجواب عن حديث القلتين فمن وجهين:
الوجه الأول: أن يقال عندنا منطوق ومفهوم، والمنطوق مقدم على المفهوم.
فحديث: "الماء طهور لا ينجسه شىء" منطوقه يشمل القليل والكثير.
وحديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" منطوقه موافق لحديث:"إن الماء طهور لا ينجسه شىء" لأن منطوقه أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.
ومفهومه: أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه ينجس، وهذا المفهوم
(1)
المنتقى (1/ 129).
معارض لمنطوق حديث أبي سعيد، فيقدم المنطوق على المفهوم، فنأخذ من حديث القلتين منطوقه فقط، ولا نأخذ مفهومه؛ لأنه يعارض منطوق حديث أبي سعيد.
قال ابن المنذر في الأوسط للتدليل على هذه القاعدة: ونظير ذلك قوله تعالى {حافظوا على الصلوات} الآية
(1)
، فأمر بالمحافظة على الصلوات، والصلوات داخلة في جملة قوله:{حافظوا على الصلوات}
(2)
، ثم خص الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها، فقال:{والصلاة الوسطى}
(3)
، فلم تكن خصوصية الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها مخرجاً سائر الصلوات من الأمر العام الذي أمر بالمحافظة على الصلوات " اهـ
(4)
.
فكأن ابن المنذر يقول مفهوم {والصلاة الوسطى}
(5)
الآية، لم يؤخذ ويعارض به منطوق حافظوا على الصلوات.
أو نقول بتعبير آخر: إذا ذكر عموم، ثم ذكر فرد من أفراد العموم يوافق العموم في الحكم، فإن هذا الفرد لا يعتبر مخصصاً ولا مقيداً للعموم.
مثال ذلك: إذا قلنا: أكرم طلبة العلم، فهذا لفظ يفيد عموم الطلبة، ثم قلنا: أكرم زيداً، وكان زيد من طلبة العلم، فإنه لا يفهم منه تخصيص الإكرام لزيد وحده.
(1)
البقرة: 238.
(2)
البقرة: 238.
(3)
نفس السورة، ونفس الآية.
(4)
الأوسط (1/ 270).
(5)
البقرة: 238.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن الماء طهور لا ينجسه شىء" هذا عام يشمل القليل والكثير، ثم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بحديث القلتين، أن الماء الكثير لا ينجس، فهو فرد من أفراد قوله صلى الله عليه وسلم:"الماء طهور لا ينجسه شىء" فلا يقتضي تخصيصه ولا تقييده.
الوجه الثاني: أن يقال إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطي حكماً أغلبياً وليس حكماً مطرداً. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عمر: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " هل معنى ذلك أنه لا ينجس أبداً؟
الجواب: لا. إذ لو تغير بالنجاسة لنجس إجماعاً، ولكن معنى لم يحمل الخبث: أي غالباً لا يتغير بالنجاسة.
ومفهومه: إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث أي في الغالب أيضاً، وليس مطلقاً، وكيف نعرف أنه حمل الخبث أو لم يحمل؟
الجواب: نعرف ذلك بالتغير، فالغالب أن الماء إذا كان دون القلتين أنه يتغير بالنجاسة فإن لم يتغير عرفنا أنه لم يحمل الخبث.
فإذا كان منطوق الحديث يحمل على الغالب بالإجماع، فكذلك مفهوم الحديث ينبغي أن يحمل على الغالب من باب أولى، لأن المفهوم أضعف من المنطوق
(1)
.
أما الجواب عن حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم واستدلالهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم ما نهى عن الاغتسال في الماء الدائم بعد البول فيه إلا لأنه يتنجس بذلك.
(1)
راجع للاستزادة إغاثة اللهفان (1/ 156) وفتح الباري (1/ 408، 414)، والأوسط (1/ 260) وتهذيب السنن (1/ 56 - 74).
فالجواب عن ذلك:
أولاً: أن النهي عن الاغتسال فيه لا يدل على أنه تنجس، ألا ترى أن الجنب قد نهي عن الاغتسال في الماء الدائم مع أن بدنه طاهر كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن لا ينجس " متفق عليه، ومع ذلك لو انغمس في الماء الدائم فإنكم لا تقولون بنجاسته كما هو مذهب الحنابلة والشافعية، ورواية في مذهب الحنفية.
ثانياً: لم يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لحكم الماء، ولم يقل إنه أصبح نجساً بمجرد البول فيه، فالحديث ليس فيه إلا النهي عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال فيه.
ثالثاً: أن الماء الدائم يشمل ما فوق القلتين، وما دون القلتين وما يشق نزحه وما لا يشق، وما يتحرك آخره بتحرك طرف منه وما لا يتحرك.
قال ابن القيم: " إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم، ثم يغتسل البائل فيه، هكذا لفظ الصحيحين: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه " وأنتم تجوزون أن يغتسل في ماء دائم قدر القلتين بعد ما بال فيه، وهذا خلاف صريح للحديث.
فيقال لصاحب القلتين: أتجوز بوله في الماء فيما فوق القلتين؟
إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن منعته فقد نقضت دليلك.
وكذلك يقال لمن حده بمشقة النزح أو التحريك.
أما تفريق الظاهرية رحمهم الله فإنه غريب جداً، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم، مع أنه قد يحتاج إليه، فلأن ينهى عن البول في إناء ثم يصبه فيه بطريق الأولى. ولا يستريب في هذا من علم حكمة الشريعة
وما اشتملت عليه من مصالح العباد ونصائحهم، والظاهرية البحتة تقسي القلوب، وتحجبها عن رؤية محاسن الشريعة وبهجتها، وما أودعته من الحكم والنصائح والعدل والرحمة
(1)
.
وعلق النووي على هذا المذهب، فقال:"وهذا مذهب عجيب وفي غاية الفساد، فهو أشنع ما نقل عنه إن صح عنه رحمه الله، وفساده مغن عن الاحتجاج عليه، ولهذا أعرض جماعة من أصحابنا المعتنين بذكر الخلاف عن الرد عليه بعد حكايتهم مذهبه، وقالوا: فساده مغن عن إفساده، وقد خرق الإجماع في قوله "في الغائط" إذ لم يفرق أحد بينه وبين البول، ثم تفريقه بين البول في نفس الماء، والبول في إناء ثم يصب في الماء من أعجب الأشياء".
حتى قال رحمه الله: وفي الصحيح: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله " فلو أمر غيره فغسله، إن قال داود: لا يطهر لكونه ما غسله هو: خرق الاجماع، وإن قال: يطهر فقد نظر إلى المعنى وناقض، والله أعلم
(2)
.
فإن قيل ما الحكمة إذاً من النهي عن البول في الماء الدائم؟
فالجواب:
أولاً: سداً للذريعة، لأنه قد يفضي الأذن بالبول فيه إلى تنجسه، وليس مجرد البول فيه ينجسه، ولكن إذا تكاثر البول في الماء الدائم قد يتنجس، فمنع سداً للذريعة.
ثانياً: لأن الطباع مجبولة على كراهية استعمال الماء الدائم الذي يبال فيه، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنب عن الاغتسال فيه، وإن كان بدن
(1)
تهذيب السنن (1/ 66)، ومجموع الفتاوى (21/ 34).
(2)
المجموع (1/ 169).
الجنب طاهراً، فيكون النهي من أجل استقذار النفس له.
ثالثاً: أن البول في الماء الدائم، ثم استعماله بعد ذلك قد يصيب الانسان بنوع من الوساوس، هل استعمل البول باستعمال الماء أم لا؟ فأحب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقطع وساوس الشيطان، فنهى عن البول في الماء الدائم، لا أن مجرد البول القليل يكفي لتنجيسه، والله أعلم
(1)
.
أما الجواب عن حديث الولوغ:
فيمكن أن يجاب بأحد جوابين.
أولاً: زيادة " فليرقه " زيادة شاذة
(2)
.
(1)
المراجع السابقة.
(2)
قال النسائي في السنن (1/ 53): لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله: فليرقه.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (18/ 273): وأما هذا اللفظ من حديث الأعمش "فليهرقه " فلم يذكره أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ مثل شعبة وغيره
وقال ابن مندة كما في فتح الباري (1/ 331)، وتلخيص الحبير (1/ 23): لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا من روايته.
وقال حمزة الكناني كما في فتح الباري (1/ 330): إنها غير محفوظة.
ومعلوم أن علي بن مسهر رواه عن الأعمش، عن أبي صالح وأبي رزين، عن أبي هريرة، والذين رووه عن الأعمش ولم يذكروا هذه الزيادة جماعة، منهم:
الأول: اسماعيل بن زكريا عند مسلم (279).
الثاني: أبو معاوية عند أحمد (2/ 253).
الثالث: عبد الرحمن بن زياد عند الدارقطني (1/ 63) وإن كان ضعيفاً.
الرابع: شعبة عند أحمد (2/ 480) والطيالسي (2417) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 21) والتمهيد لابن عبد البر (18/ 267).
الخامس: أبو أسامة عند ابن أبي شيبة (14/ 204) وهو حماد بن أسامة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السادس: حفص بن غياث، كما في شرح معاني الآثار (1/ 21).
السابع: جرير كما في مسند إسحاق بن راهوية (1/ 283).
الثامن: عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي كما في المعجم الصغير للطبراني (1/ 164).
التاسع: أبان بن تغلب، كما في المعجم الصغير (2/ 149)، إلا أن هؤلاء منهم من رواه عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين به كإسماعيل بن زكريا، وأبي معاوية، وعبد الرحمن بن زياد، وعبد الرحمن بن حميد، ومنهم من رواه عن الأعمش عن أبي رزين وذلك كأبي معاوية، وأبي أسامة، وجرير، وأبان بن تغلب، ومنهم من رواه عن الأعمش عن أبي صالح كشعبة فصار الأعمش تارة يجمع شيوخه وتارة يفرقهما، فهؤلاء تسعة رووه عن الأعمش، ولم يذكروا ما ذكره علي بن مسهر عن الأعمش.
ولا يقارن علي بن مسهر بشعبة فكيف بمن معه، وقد وافق شعبة عن الأعمش أبو معاوية، وقد سئل يحيى بن معين: من أثبت أصحاب الأعمش؟ قال: بعد سفيان وشعبة أبو معاوية.
وقال أحمد بن حنبل: كان أبو معاوية إذا سئل عن أحاديث الأعمش يقول: قد صار حديث الأعمش في فمي علقماً، أو هو أمر من العلقم لكثرة ما تردد عليه حديث الأعمش، وقال له شعبة: يا أبا معاوية، سمعت حديث كذا وكذا من الأعمش؟ قال: نعم. قال شعبة: هذا صاحب الأعمش، فاعرفوه، قال أبو معاوية عن نفسه: البصراء كانوا عليَّ عيالاً عند الأعمش، قال هذا لأنه ضرير.
كما رواه جماعة عن أبي هريرة، من غير طريق الأعمش، وليس فيه ذكر هذه الزيادة، وهاك بعض من وقفت عليه.
الأول: الأعرج، كما في مسند الشافعي (ص: 7)، ومسند أحمد (2/ 245)، ومسند الحميدي (967)، وصحيح مسلم (279)، وسنن النسائي (63)، وابن ماجه (364)، والمنتقى لابن الجارود (50،52)، ومسند أبي عوانة (1/ 176)، وصحيح ابن خزيمة (96)، وصحيح ابن حبان (1294)، والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 240، 256).
الثاني: محمد بن سيرين، كما في مسند الشافعي (ص: 8)، ومصنف عبد الرزاق (330، 331)، ومصنف بن أبي شيبة (1/ 159)، ومسند أحمد (2/ 427، 508)، ومسلم (279)، وسنن أبي داود (71، 72، 73)، والنسائي في الكبرى (68)، وفي الصغرى (339)، =
ومع الحكم بشذوذ " فليرقه "، إلا أن المعنى يقتضي تنجس الماء ولو لم يتغير، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء، وجعل ذلك طهارة للإناء.
(95)
فقد روى مسلم من طريق ابن سيرين وهمام بن منبه، كلاهما عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن
= ومسند أبي عوانة (1/ 177)، وشرح معاني الآثار (1/ 21)، والمعجم الأوسط للطبراني (946، 1326)، وصحيح ابن خزيمة (95، 97)، صحيح ابن حبان (1297)، سنن الدراقطني (1/ 64)، والحاكم (569، 570، 572)، السنن الصغرى للبيهقي (1/ 132)، والكبرى (1/ 240، 241، 247).
الثالث: همام بن منبه، كما في مصنف عبد الرزاق (329)، ومسند أحمد (2/ 314)، وصحيح مسلم (279)، صحيح ابن حبان (1295)، المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم (1/ 335)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 240).
الرابع: أبو رافع، كما في مسند إسحاق بن راهوية (1/ 121)، والسنن الكبرى للنسائي (69)، والصغرى (338)، والدارقطني (1/ 65)، والبيهقي الكبرى (1/ 241).
الخامس: الحسن، كما في سنن الدارقطني (1/ 64).
السادس: ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد، كما في مصنف عبد الرزاق (335)، ومسند أحمد (2/ 271)، والسنن الكبرى للنسائي (66)، والصغرى (64)،
السابع: أبو سلمة، عن أبي هريرة، كما في مصنف عبد الرزاق (335)، ومسند أحمد (2/ 271)، والسنن الكبرى للنسائي (67)، والصغرى (65)،.
الثامن: عطاء بن يسار، كما في المعجم الأوسط للطبراني (3719).
التاسع: عبد الرحمن بن أبي عمرة، كما في مسند أحمد (2/ 360، 482).
العاشر: عن عبيد بن حنين مولى بن زريق، كما في مسند أحمد (2/ 398).
ولا شك أن تفرد علي بن مسهر دون هؤلاء يوجب شذوذ هذه اللفظة؛ لأن علي بن مسهر قال فيه الحافظ في التقريب (4800) ثقة له غرائب بعد أن أضر " اهـ.
يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب
(1)
.
ومعلوم أن نجاسة الإناء إنما جاءت من نجاسة الماء؛ لأن الولوغ إنما وقع على الماء، فتنجس الإناء لنجاسة الماء؛ ولأن النجاسة لو كانت للإناء وحده لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغسل من الإناء جهة الولوغ فقط، فلما أمر بغسل الإناء كله، علم أن النجاسة إنما سرت عن طريق الماء المتنجس. فإن قال قائل: إذاً كيف حكمتم على الأمر بالإراقة بالشذوذ؟
فالجواب: لا يلزم من الحكم بنجاسة الماء الحكم بوجوب إراقته؛ لأن الماء إذا تنجس لا يكون نجس العين، إذ يمكن تطهيره، وإذا أمكن تطهيره أمكن الانتفاع به بخلاف ما إذا أوجبنا إراقته.
ولا يعني ذلك إذا حكمنا بنجاسة الماء أن نقول بنجاسة كل ماء قليل حلت فيه نجاسة ولو لم يتغير؛ لأن الكلاب خصت ببعض الأحكام من دون سائر النجاسات، فمنها التسبيع، ومنها التتريب، فلا يقاس الأخف على الأغلظ.
على أنه قد يقال: لا نسلم عدم التغير؛ لأن لعاب الكلب له لزوجة قد لا تتحلل في الماء فتظهر على شىء منه، فيكون هذا نوعاً من تغير الماء عن طبيعته بالنجاسة، فينجس والله أعلم.
وسوف تأتي أقوال العلماء في نجاسة الكلب وكيفية التطهر منه إن شاء الله تعالى.
أما الجواب عن حديث النهي عن غمس اليد في الماء:
فقد استدل به من الحنابلة ابن قدامة
(2)
، واستدل به من الشافعية
(1)
صحيح مسلم (279).
(2)
المغني (1/ 40).
النووي على نجاسة الماء اليسير إذا لا قى النجاسة ولو لم يتغير، قال النووي: " فنهاه صلى الله عليه وسلم عن غمس يده، وعلله بخشية النجاسة، ويعلم بالضرورة أن النجاسة التي تكون على يده، وتخفى عليه لا تغير الماء، فلولا تنجسه بحلول نجاسة لم تغيره لم ينهه
(1)
. اهـ
وكيف يستدل به الحنابلة رحمهم الله، وهم يرون أن العلة في النهي تعبدية، وأن الماء يكون طاهراً عندهم غير مطهر: لا طهور ولا نجس، وكيف يستدل به الشافعية، وهم يرون أن غمس القائم من نوم الليل يده في الماء غاية ما فيه أنه مكروه، ويصح التطهر منه، فكيف صح دليلاً لهم في هذه المسألة، وهم لا يرون أبداً نجاسة الماء إذا غمس النائم فيه يده، فهذا نوع من التاقض والله أعلم، وكما بينت سابقاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لحكم الماء، إنما نهى النائم عن غمس يده، ولو غمسها كان آثماً إذا كان عالماً بالنهي، والماء طهور، والله أعلم.
فالراجح من الخلاف: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وهذه المسألة أطلت فيها البسط؛ لأنها من المسائل الشائكة، قال ابن القيم عن هذه المسألة: هنا معترك النزال وتلاطم الأمواج، وهي مسألة الماء والمائع إذا خالطته النجاسة فاستهلكت، ولم يظهر لها فيه أثر البتة
(2)
. وقال الشوكاني: وهذا المقام من المضايق التي لا يهتدي إلى ما هو صواب فيها إلا الأفراد
(3)
. اهـ
(1)
المجموع (1/ 168).
(2)
بدائع الفوائد (3/ 257، 258).
(3)
نيل الأوطار (1/ 301).
فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.