الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني الماء المسخن بالشمس
لا أعلم أحداً قال إن الماء المسخن بالشمس ليس بطهور، ولكنهم اختلفوا هل يكره أم لا؟
فقيل: الماء المسخن بالشمس طهور غير مكروه،، وهو مذهب الحنابلة
(1)
، واختاره بعض المالكية
(2)
، ورجحه النووي من الشافعية، وهو مذهب الظاهرية.
وقيل: يكره، وهو مذهب الحنفية
(3)
، والشافعية
(4)
، والمالكية
(5)
،إلا أنهم اشترطوا شروطاً للكراهة
(6)
.
(1)
دليل الطالب (1/ 3)، شرح العمدة (1/ 81)، الإنصاف (1/ 24)، منار السبيل (1/ 17)، كشاف القناع (1/ 26)، الكافي (1/ 3)، المبدع (1/ 37).
(2)
مواهب الجليل (1/ 78).
(3)
البحر الرائق (1/ 30)، شرح فتح القدير (1/ 36).
(4)
قال الشافعي في الأم (1/ 16): ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب. اهـ وانظر المجموع (1/ 133)، أسنى المطالب (1/ 8)، شرح البهجة (1/ 27)، كفاية الأخيار (1/ 18).
(5)
منح الجليل (1/ 40)، الخرشي (1/ 78)، التاج والإكليل (1/ 78).
(6)
اشترط المالكية والشافعية شروطاً للكراهة، منها:
الأول: أن يكون الماء في الأواني المنطبعة كالنحاس والحديد والرصاص، وفي كتب المالكية كل الأواني التي تمتد تحت المطرقة غير النقدين؛ لأن الشمس إذا أثرت فيها خرجت منها زهومة تعلو على وجه الماء يتولد منها البرص، فلا يكره المشمس في الحياض والبرك.
الثاني: أن يكون في البلاد الحارة كالحجاز.
الثالث: اشترط بعض الشافعية قصد التشميس، فإن لم يقصد تشميسه فلا يؤثر، وليس هذا بشرط عند المالكية لأن العلة خوف البرص وهذا لا علاقة له بالنية.
دليل من قال: يكره.
الدليل الأول:
(100)
ما رواه الدارقطني، قال: نا الحسين بن إسماعيل وآخرون قالوا: حدثنا سعدان بن نصر، نا خالد بن إسماعيل المخزومي، نا هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سخنت ماء في الشمس، فقال: لا تفعلي يا حميراء، فإنه يورث البرص.
قال الدارقطني: غريب جداً، خالد بن إسماعيل متروك
(1)
.
(1)
سنن الدراقطني (1/ 38).
وهذا الحديث مداره على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ويرويه عن هشام أربعة هالكين:
الأول: خالد بن إسماعيل، كما في إسناد الباب.
أخرجه الدراقطني في سننه (1/ 38)، من طريق سعدان بن نصر.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 41، 42) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 6)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 59)، من طريق العلاء بن مسلمة، ثنا خالد بن إسماعيل به.
الثاني: وهب بن وهب، كما في المجروحين لابن حبان (3/ 75)، وهو كذاب، قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات، كان إذا جنه الليل سهر عامة ليله يتذكر الحديث، ويضعه، ثم يكتبه، ويحدث به.
وقال ابن معين: كذاب. المرجع السابق.
الثالث: الهيثم بن عدي، كما في الموضوعات لابن الجوزي (2/ 79)، التحقيق (1/ 59). =
الدليل الثاني:
(101)
ما رواه الإمام الشافعي في الأم، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: أخبرني صدقة بن عبد الله، عن أبي الزبير،
عن جابر، أن عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال: إنه يورث البرص
(1)
.
= الرابع: محمد بن مروان السدي، كما في مجمع البحرين في زوائد المعجمين (1/ 311)، وهو متروك.
كل هؤلاء الهالكين رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
وجاء الحديث من غير طريق هشام، فقد رواه الدارقطني (1/ 38) من طريق عمرو بن محمد الأعشم، نا فليح، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ بالماء المشمس، أو يغتسل به، وقال: إنه يورث البرص.
قال الدارقطني: عمرو بن محمد الأعشم منكر الحديث، ولم يروه عن فليح غيره، ولا يصح عن الزهري.
قال الذهبي عن حديث الحميراء: حديث موضوع. السير (2/ 168).
وقال ابن القيم في المنار المنيف: ومنها أن يكون الحديث باطلاً في نفسه، فيدل بطلانه على أنه ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مثل بحديث عائشة في النهي عن الوضوء بالماء المشمس، وقال: كل حديث فيه يا حميراء، أو ذكر الحميراء، فهو كذب مختلق. المنار المنيف (ص: 60، 61).
وقول ابن القيم متعقب بما استثناه المزي رحمه الله حيث قال: كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثاً واحداً في الصوم في سنن النسائي.
واستثنى ابن كثير حديثاً آخر عند النسائي أيضاً عن أبي سلمة، قال: قالت عائشة: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم. انظر التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث، للشيخ بكر أبو زيد.
(1)
الأم (1/ 3).
[والحديث ضعيف جداً]
(1)
.
فالصحيح أن المسخن بالشمس طهور غير مكروه؛ لأن الكراهة حكم شرعي يقوم على دليل شرعي، أو نظر صحيح، ولا يوجد شئ من ذلك في هذه المسألة، ولو كان يورث البرص لكان التطهر منه محرماً وليس مكروهاً، لأن البرص علة ومرض، والإنسان الأبرص ليس سوي البدن، ويعتبر عيباً في المرأة والرجل يجب بيانه.
(1)
في إسناده: إبراهيم بن محمد بن يحيى،
قال فيه أحمد: كان قدرياً معتزلياً، جهمياً، كل بلاء فيه.
وقال بشر بن المفضل: سألت فقهاء المدينة عنه كلهم يقولون: كذاب، أو نحو هذا.
وقال يحيى بن معين: كان فيه ثلاث خصال: كان كذاباً، وكان قدرياً، وكان رافضياً. تهذيب الكمال (2/ 184).
ولا عبرة بتوثيق الشافعي رحمه الله؛ لأن الجرح إذا كان مفسراً كان مقدماً على التعديل، ولو كان من إمام واحد إذا لم يعرف أنه متشدد في الجرح، فكيف إذا اتفق الأئمة المعتبرون على تركه كالإمام أحمد والبخاري ويحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان والإمام مالك، مع أن في السند صدقه بن عبد الله، وهو ضعيف.