الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا من التطهر منه، ولم يتحول الماء إلى كونه طاهراً في نفسه غير مطهر لغيره، فدل على أن الماء قسمان لا ثالث لهما: طهور ونجس
(1)
.
الدليل السابع:
من النظر، قالوا: إثبات قسم من الماء لا طهور ولا نجس. الحاجة إلى بيانه أشد من الحاجة إلى بيان كثير من الآداب والأحكام، لأن المسلم إما أن يتوضأ، وإما أن يتيمم.
والمسألة تتعلق بالصلاة التي هى أعظم أركان الإسلام العملية فلو كان هذا القسم موجودا لبينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول - أعني: تقسيم الماء إلى قسمين - هو الراجح.
والجواب: عن أدلة القول الأول مايلى:
أما استدلالهم بقوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}
(2)
. الآية
فقد علمت الجواب عنه، وأن كلمة (ماء) نكرة فى سياق النفي فتعم كل ماء إلا ما دل الاجماع على خروجه، وهو الماء النجس.
وأما الجواب عن السؤال عن طهورية ماء البحر وأنه كان مستقراً فى ذهن الصحابه أن هناك ماء طاهراً وليس بطهور فغير مسلم.
ويجاب عنه من ثلاثة وجوه:
الأول: لا نسلم أن الاشكال الذى يكون عند رجل من الصحابة يؤخذ منه هذا العموم؛ إذ كيف يؤخذ من فرد واحد من الصحابه سأل عن طهورية ماء البحر بأنه قد استقر فى ذهن الصحابة عموم رأي جميع الصحابة،
(1)
المغني (1/ 21).
(2)
المائدة: 6.
أن هناك ماء ليس بطهور وليس بنجس، وهو الطاهر، ولو قيل: إنه قد استقر في ذهن هذا الصحابي فقط لكان فيه نزاع فكيف بهذا التعميم، والصحابة منهم الفقهاء، ومنهم من لم يُعْرَف بالفقه، وشرف الصحبة شىء والفقه شىء آخر.
الثاني:
يحتمل أن يكون الصحابي سأل عن التطهر بماء البحر، لأن بعض الصحابة كان يكره التطهر منه كابن عمر، وكعبد الله بن عمرو، فلذلك سأل عن هذا
(1)
. ولم تكن علة الكراهة عندهما أنه طاهر.
الثالث:
أنتم جعلتم الشك الذي قام عند الصحابي دليلاً على وجود الطاهر، ونحن نرى أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم على البحر بأنه طهور دليل على أنه لا يضر تغير الماء بشىء طاهر؛ فإن ماء البحر متغير بالملح ومع ذلك هو طهور، والاستدلال بحكم النبي صلى الله عليه وسلم أولى من الأستدلال بشك فرد واحد من الصحابة إن سُلِّم لكم بأنه قد شك.
أما الجواب عن الاغتسال بالماء الراكد، وعن النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثاً إذا استيقظ من النوم فسوف تأتي مناقشة الأدلة بالتفصيل إن شاء الله في مسائل مستقلة.
وهناك قولان آخران تركتهما في أخر البحث؛ لأنهما ضعيفان لايخرجان عن القولين الأولين.
(1)
التمهيد (16/ 221).
القول الأول: الماء المشكوك فيه
(1)
، وهذا القول في الحقيقة لا يخرج عن القولين السابقين لأن الشك إنما هو من قبل الإنسان نفسه، وأما الشارع فلا يمكن أن يقوم عنده شك في حقيقة الماء.
نعم قد يحصل عند بعض المكلفين تردد في الماء هل هو طهور أم نجس؟ لكن يبقى الماء في حقيقة الأمر إما هذا، وإما هذا، ومع القول بأن الماء لا ينجس إلا بالتغير تصبح صورة هذا النوع قليلة أو نادرة؛ لأن التغير أمر مشاهد محسوس اللهم إلا أن يقال: قد يقع في بعض الصور كما لو كان التغير بسبب ولوغ الكلب، أو كان الإنسان فاقداً للشم أو أعمى، فهذا ممكن أن لا يشعر بالتغير، والله أعلم.
القول الثاني: زاد قوم آخرون الماء المغصوب.
قالوا: وحكم هذا الماء لا يمكن أن يرفع به الحدث لكن تزال به النجاسة
(2)
.
لماذا لا يرفع الحدث وهو ماء طهور؟ قالوا: لأنه ماء استعماله محرم، فلو قلنا: إنه يرفع الحدث لرتبنا على المحرم أثره، إذ كيف يكون محرماً ويتقرب به الإنسان.
ولماذا إذاً قلتم بأنه يزيل النجاسة؟
قالوا: لأن النجاسة إذا ذهبت بالماء المحرم فقد زال حكمها فالحكم بنجاسة المحل مع زوال النجاسة غير ممكن، ولا يشترط لإزالة النجاسة نية
(1)
الإنصاف (1/ 22).
(2)
نيل المآرب شرح دليل الطالب (1/ 39).
القربة بخلاف رفع الحدث، والصحيح أن هذا القسم لا يخرج عن القولين الأولين؛ لأن الغصب صفة خارجه عن الماء راجعة إلى الغاصب، أما الماء في حقيقته فطهور.